يقضي الناس في عالم اليوم الكثير من وقتهم في تناول الطعام بالمطاعم بدلًا من المنزل، ومن المرجح أن هذه العادة تجعل الناس أكثر استهلاكًا للسعرات الحرارية، وساعات العمل الطويلة تستنزف طاقاتهم وتمنعهم من ممارسة أي نوع من الأنشطة الرياضية الضرورية لأجسادهم، إلا أن تقرير وكالة المعايير الغذائية وجد أن الأجيال الحالية تأكل المزيد من الفواكه والخضراوات الطازجة والألبان قليلة الدسم أكثر مما كانت عليه قبل 50 عامًا.
يعود السبب الرئيسي لذلك أن العالم أصبح أكثر وعيًا وتعليمًا بشأن موضوع الصحة والفضل يعود إلى البرامج التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي ساعدت العالم على معرفة طريقة العيش الصحية.
ولطالما انتشرت العديد من الأفكار النمطية عن الأطعمة الصحية، فلقد ارتبط الطعام اللذيذ بأنواع معينة من الأكلات الدسمة أو التي تحتوي على نسب عالية من الدهون، والطعام الصحي مذاقه سيء وممل لانعدام الخيارات الغذائية الصحية والمحصورة بطبق السلطة.
نحن نأكل أكثر مما فعلنا قبل 100 سنة
يعتقد البعض أن النمو السريع لصناعة الوجبات السريعة وضيق الوقت قد يكون له أثر سلبي على صحتنا، ومع أن هذا قد يكون صحيحًا إلا أن أطروحة دكتوراه جديدة من جامعة كوبنهاجن تؤكد أن العالم أصبح يميل إلى العادات الغذائية الصحية، إضافة إلى أن الأغذية التي يشتريها العالم أفضل جودة من قبل.
كما تشير الأطروحة إلى أن العالم يستهلك كميات كبيرة من الفواكه والخضراوات واللحوم والأسماك، إذ تزيد نسبة البروتين في طعامهم مقابل نسبة الكربوهيدرات التي قلت بشكل ملحوظ، كما ذكرت أن نسب استهلاك السكر أقل مما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، أما بالنسبة إلى معدلات استهلاك الجبن والألبان فلقد كانت نسبها متقاربة.
ارتفعت نسب مبيعات الفواكه الطازجة بنسبة 20% بالمقابل مع نسبة مبيعات الفواكه المعلبة التي وصلت إلى 5%.
ووفقًا لباحثين في جامعة هارفارد، فإن الناس لا يعيشون فقط لفترة أطول، ولكنهم يعيشون الآن بطريقة أكثر صحية، وقد وجدت الدراسة الأخيرة أنه في العقدين الماضيين، ساعدت التطورات الطبية الناس على البقاء في صحة جيدة لفترة طويلة، فلقد ارتفعت نسب مبيعات الفواكه الطازجة بنسبة 20% بالمقابل مع نسبة مبيعات الفواكه المعلبة التي وصلت إلى 5%.
كيف غيرت الشركات التجارية أطباق العالم؟
تحتوي رفوف البقالة على الكثير من العبارات الطنانة التي تسوق للمنتجات الغذائية العضوية والطبيعية، وهذا نوع من الأساليب الترويجية التي تتبعه العلامات التجارية لتشجع المستهلكين على سلوك معين، ومؤخرًا، روجت الشركات التجارية لأنواع مختلفة من السلع الصحية، وذلك من خلال تنظيم حملات وعروض بأسعار معقولة لزيادة الاستهلاك وجعل تجربة العثور على الأغذية الصحية أكثر سهولة وجذبًا للانتباه.
كما اعتمدت هذه العلامات التجارية على وضع أغلفة على عبوات الطعام الصحي مثل العبارات التالية: صحية، عضوية، خالية من السكر، خالية من الجلوتين، لا تحتوي على مواد حافظة، وذلك لجعل هذه السلع جاذبة للبصر ومخاطبة لأذهان المستهلكين الذين يبحثون عن خيارات صحية.
تشير التقديرات إلى أن المبيعات العالمية من المنتجات الغذائية الصحية ستصل إلى تريليون دولار بحلول عام 2017.
إذ تحدث مديرون تنفيذيون من شركة مونديليز عن اكتساب علامتهم التجارية النمط الصحي باسم “إنجوي ليف فودز” وعلى إثره شهدت نموًا بنسبة 30% وأرباحًا تقدر بـ10.6 مليار دولار أمريكي عام 2015، وتشير التقديرات إلى أن المبيعات العالمية من المنتجات الغذائية الصحية ستصل إلى تريليون دولار بحلول عام 2017.
الهدف الرئيسي لهذه العلامات التجارية هو جعل الناس يستهلكون المزيد من هذه الأغذية التي يروجون لها، إذ ينفق المصنعون عشرات الملايين سنويًا على التعليم والتطوير الغذائي لصناعة أغذية صحية ومرغوبة بنفس الوقت.
فلقد شهدت سلسلة مطاعم الوجبات السريعة في العالم تغيرًا واضحًا من جانب أكثر الأطباق مبيعًا، فلقد سجلت هذه المطاعم نموًا بنسبة 16% من حصص السلطات وهناك بعض المطاعم التي تدخل إضافات صحية على قوائم الطعام الخاص بها مثل أنواع معينة قليلة الدسم أو تغير من طريقة الطهي نفسها لتصنع وجبة بمعايير صحية.
لماذا أصبح العالم أكثر اقتناعًا بنظام الحياة الصحي؟
غالبية الناس يتفقون على أن اتباع نمط حياة صحي يساعدهم على الاستمتاع بحياتهم أكثر، إذ يميل الشباب والإناث إلى التركيز بشكل كبير على مظهرهم الخارجي، ففي تقرير صدر مؤخرًا عام 2015، شمل أكثر من 30 ألف مستهلك من أكثر من 60 دولة، كانت النتائج أن المستهلكين الأصغر سنًا أكثر قلقًا بشأن المكونات الغذائية للمأكولات التي يتناولونها.
كما أظهرت الدراسة أن الشباب مستعدون لإنفاق المزيد من المال مقابل حصولهم على المنتجات الصحية والعضوية وهذا للحفاظ على صحتهم ومساعدة بعضهم على فقدان الوزن.
قامت شركة نيلسن بقياس وجهة نظر العالم عن الأكل الصحي والمواد العضوية وغيرها من المواضيع ذات صلة بالصحة، حيث استطلعت آراء أكثر من 27.000 مستهلك في 55 سوقًا من آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا (المملكة العربية السعودية، باكستان، الإمارات العربية المتحدة، مصر، جنوب إفريقيا)، أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية، وكانت وجهات النظر متنوعة، ولكن على الأقل كشفت الدراسة أن معظم الناس يفضلون الأغذية الصحية، ورصدت الأسباب التي تمنع البعض الآخر من ذلك.
وقد أثبتت النتائج أن 33% من الناس لديهم مخاوف مالية وتعتبر هذه عقبة أساسية أمام الحصول على الأكل الصحي في جميع أنحاء العالم، وقال 35% إنهم لا يملكون الوقت الكافي لاتباع نظام غذائي صحي، بينما أجاب 25% أن مذاق الطعام الصحي دون المستوى.
المنتجات العضوية
اكتسبت الأغذية العضوية، التي تتميز بطرق الإنتاج التي ترفض المواد الاصطناعية والحافظة، قدرًا كبيرًا من اهتمام وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، والسبب الوجيه لذلك أنها تحظى بشعبية وصلت إلى 40% من المشاركين في استطلاع شركة نيلسن، وخاصة المتسوقين في آسيا والمحيط الهادئ، حيث قال 47% من المشاركين إنهم يشترون المنتجات العضوية، ووصلت نسبتهم في أمريكا اللاتينية إلى 45%، والشرق الأوسط وإفريقيا وباكستان إلى 43%، أما أمريكا الشمالية فهي أقل بكثير من المتوسط العالمي، حيث يقول 24% فقط من المستهلكين إنهم يشترون هذه الأطعمة العضوية، ويقول 35% من الأوروبيين إنهم يشترون المنتجات العضوية بانتظام.
ويفضل الناس هذه المواد لعدة أسباب منها زيادة الوعي بالصحة واعتبار هذه المنتجات صديقة للبيئة، إضافة إلى المذاق الجيد، وأخيرًا دعمًا للمزارعين والمجتمعات الريفية وموقفهم ضد الزراعة المعدلة وراثيًا أو كيمائيًا.
هاشتاغ أكل صحي
يعتبر نشر صور الطعام على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر الطرق إلهامًا للآخرين لاتباع نظام غذائي صحي، فعرض الأنواع والأشكال المختلفة للأطباق الغذائية الصحية وخاصة الصحية يسمح للناس برؤية عشرات الصور.
ومن الواضح أن هذه المنصات الاجتماعية كان لها تأثير عميق على ما يختاره الناس لتناول الطعام وبأي طريقة، ففي الماضي كان العالم يميل إلى تقليد ما تقدمه المجلات أو الصحف التي لها تأثير هائل على خيارات وعادات الناس الغذائية.
تقوم المنابر الاجتماعية بوصف الأكل الصحي بأنه تغيير نمط الحياة بالكامل وليس اتباع حمية غذائية بشكل مقيد ومؤقت.
ألغت هذه الحسابات الغذائية المفاهيم التقليدية للنظام الغذائي الصحي وقدمت العديد من النصائح للجمهور المتابع والذي اقتنع قسم كبير منهم بأن الأكل الصحي هو الطريق إلى الصحة المثلى وذلك إما بسبب الفضول أو الاقتناع بفائدة هذا الأسلوب الغذائي، كما تقوم هذه المنابر بوصف الأكل الصحي بأنه تغيير نمط الحياة بالكامل وليس اتباع حمية غذائية بشكل مقيد ومؤقت.
ورغم أن تناول الطعام الصحي هدف لمعظم الناس، ولكن في كثير من الأحيان يصعب تحقيق هذا الأسلوب الصحي بانتظام، وغالبًا ما تؤدي مسؤوليات العمل والأسرة إلى سرقة الوقت ودفع الناس إلى الاعتماد على وجبات جاهزة من خارج المنزل.