“ينفع التعليم في إيه مع وطن ضائع؟ لا.. ده إحنا عندنا تحديات كبيرة جدًا”، تلك العبارة الشهيرة التي قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر الشباب الأول الذي عقد في ديسمبر 2016 تحديدًا في جلسة أعدت خصيصًا لمناقشة “قضايا التعليم” في مصر، والتي أثارت الكثير من الجدل حينها.
وقتها البعض تعامل مع تلك العبارة من باب السخرية في مقابل أيادي أخرى تلقفتها في محاولة لإعطائها تفسيرًا آخر يخرج السيسي من مأزقه الذي وضع نفسه فيه بشأن امتهان العلم ومشتقاته، دون تحديد نوعية التحديات الأخرى الـ”كبيرة جدًا” التي أخبر الرئيس المصري عنها والتي تأتي وفق رؤيته في مرتبة متقدمة على التعليم.
التزامن الملحوظ بين تصريحات السيسي قبل عام تقريبًا وقرارات غلق بعض المكتبات قبيل هذا المؤتمر حين أغلقت مكتبات “الكرامة” قبل أيام من انعقاده، تلاه غلق مكتبة “ألف” وصولاً إلى ما حدث بالأمس من إغلاق لمكتبة “البلد” لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مصادفة، فالأمور تسير وفق منهج واستراتيجية متفق عليها، تهدف إلى اغتيال الثقافة في مصر، مما يدفع للتساؤل: لماذا يعتبر النظام المصري الثقافة بكل أنواعها خطرًا يجب التصدي له؟
“البلد”.. النظام يأكل أبناءه
“قوة أمنية رفيعة المستوى وصلت إلى مقر المكتبة منذ قليل، وقامت بجمع محتويات المكتبة كافة من المقاعد، وكانوا يريدون مصادرة الكتب لولا تصدي بعض رواد المكتبة لهذا الأمر، مضيفًا أنهم توجهوا إلى قسم عابدين”، هكذا علق فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والمالك لمجموعة مكتبات “البلد” على خبر اقتحام مكتبته مساء أمس الأحد الـ24 من سبتمبر، وتشميعها بالشمع الأحمر.
زهران نفى معرفة الأسباب وراء مداهمة المكتبة الواقعة بشارع محمد محمود، بمنطقة وسط البلد في القاهرة، وإلقاء القبض على مديرها، ومصادرة محتوياتها، إلا أنه في الوقت ذاته أكد أن “المكتبة مستهدفة منذ شهر أغسطس الماضي، حيث سبق وداهمتها أيضًا قوة من مباحث المصنفات الفنية”.
تشميع مكتبة #البلد بالشمع الأحمر ومصادرة الكتب والكراسي..
وهو حكم العسكر أيه غير يقفل مكتبات ويفتح سجون ويقولك بكره تشوفوا مصر!؟ pic.twitter.com/Lv8yNiarj3
— أحمد عبده (@ahmedabdo201435) September 24, 2017
أما رواية الداخلية المصرية فأرجعت غلق المكتبة إلى “عدم امتلاكها تراخيص تشغيلها”، مؤكدة أنه لا علاقة للمصنفات الفنية بالغلق عكس ما رواه صاحب المكتبة، مشيرة إلى القضية في المقام الأول تتعلق بـ”مخالفة الإجراءات الإدارية، وتشغيل المكان دون ترخيص تجاري – مثل أي محل تجاري لا بد أن يمتلك رخصة – حتى لو كانت مكتبة”، مضيفة: “ده محل من غير رخصة” ولا بد له من تراخيص تتعلق بالنشاط التجاري والرسم الهندسي للمقر، والتأكد من وجود طفايات الحريق من عدمه وغيرها من إجراءات تأمين المنشآت والمحال التجارية التي تحتوي على أدوات قد يتسبب عدم تأمينها في كوارث كـ”الحرائق الكبرى”، حسبما جاء على لسان مصدر أمني بمديرية أمن القاهرة.
أغلقت قوة أمنية،“مكتبة البلد" بوسط البلد المملوكة للسياسي الاشتراكي فريد زهران رئيس حزب المصري الديمقراطي والمؤيد الكبير للانقلاب،كاس وداير
— Dayem™ دايم (@Dayem__) September 24, 2017
“ألف”.. وشماعة الإخوان
في الـ17 من أغسطس الماضي فوجئ العاملون بفروع مكتبات “ألف” بمداهمة قوات الشرطة له وإغلاقها دون إبداء أسباب فضلاً عن اعتقال بعضهم، وهو ما فسر بعد ذلك بأنه تنفيذ لقرار السلطات القضائية بالتحفظ على الشركة العربية الدولية للتوكيلات التجارية، المالكة للمكتبات، ضمن قرار استهداف 16 مواطنًا مصريًا بتهم الادعاء بالانتماء لجماعة محظورة، حسبما أشار بيان ما يعرف بـ”لجنة إدارة أموال الإخوان”.
وتعد مكتبات “ألف” التي أنشأت عام 2009 وتتخذ من منطقة مصر الجديدة بالقاهرة مقرًا لها، واحدة من أشهر الروافد الثقافية المصرية، وهي مملوكة للخبير الاقتصادي ورجل الأعمال عمر محمد شريف مصطفى أحمد الشنيطي، الشهير بعمر الشنيطي، مؤسس مجموعة “مالتبيلز” للاستثمار.
طبيعي جدا يقفلوا مكتبة البلد ،، انتم كمان عاوزين الناس تقرا وتعرف ؟؟!!
— طارق العوضى المحامى (@tarekelawady2) September 24, 2017
تمتلك المكتبة قرابة 37 فرعًا على مستوى الجمهورية، لبيع الكتب وإقامة العديد من الفعاليات الثقافية من حفلات توقيع وندوات ومؤتمرات وأمسيات شعرية، فغذَّت الثقافة المصرية في وقتٍ تراجعت فيه جميع القوى الناعمة بالقاهرة، وفي مقدمتها وزارة الثقافة، فكانت مكتبة “ألف” بمثابة وزارة ثقافة بديلة، ورغم ما تقدمه من دور داعم للحراك الثقافي، ذلك لم يشفع لها عند السلطات المصرية فكان الغلق هو القرار لتحول إدارة المكتبة إلى مؤسسة أخبار اليوم الحكومية بعد ذلك.
أحد الأخبار المحزنة لهذا الشهر : غلق مكتبة "ألف" بالزمالك 🙁 #ذكريات_تُمحى
— Amr Yasser (@Amrmc) September 10, 2013
زهران الذي يعد أحد الداعمين لنظام السيسي، نفى معرفة الأسباب وراء مداهمة المكتبة، إلا أنه في الوقت ذاته أكد أن “المكتبة مستهدفة منذ شهر أغسطس الماضي
“الكرامة”.. القرارات الفوقية
في الأول من ديسمبر 2016 ، تلقّى جمال عيد، مالك مجموعة مكتبات “الكرامة” اتصالًا من القائمين على أمور أحد أفرع المكتبة بمنطقة دار السلام (جنوب القاهرة) يفيد بمهاجمتها من قبل قوّة أمنية بالحي، وإخلائها بعد طرد 25 طفلاً كانوا يتلقون بعض دروس الموسيقى داخل المكتبة ثم تشميعها.
عيد في تصريحاته التي علق بها على غلق مكتبته كشف أن هذا القرار سيحرم نحو 40 ألف مستفيد من المكتبة سنويًا أغلبهم من فئة الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12-17 سنة، كانوا يعتبرون المكتبة مكانًا آمنًا للمذاكرة، على حدّ تعبيره.
افتتاح اول مكتبات الكرامة العامة في شارع بدار السلام، مكتبة خطوة"2011
من نتائج الثورة،اغلقها امن الدولة بتواطؤ من مرشحة اليونسكو،مشيرة خطاب pic.twitter.com/zfTaAh9I5U
— Gamal Eid (@gamaleid) July 9, 2017
وقد ساهمت المكتبة بفروعها الـ7 المنتشرة في ربوع القاهرة في إثراء المناخ الثقافي للشباب والأطفال، فضلاً عما كانت تقوم به من تأهيل لروادها عبر دورات تدريبية وتثقيفية في مختلف المجالات، مما جعلها قبلة للكثيرين من الأطفال الباحثين عن التعلم وتوسعة آفاقهم التوعوية.
الحقوقي المالك للمكتبة أفاد أن الجهات الرسمية لم تقدم سببًا واحدًا لهذه الخطوة وذلك رغم تعليق السيسي على هذه الخطوة في أثناء مشاركته في مؤتمر الشباب الأول الذي عقد بعد ساعات قليلة من مداهمة المكتبة، حيث أفاد أن قرار الغلق بأمر القضاء، وهو ما علق عليه عيد بأن الأمر القضائي لا بد أن يكون له مستند تنفيذ حتى يتسنى الطعن عليه وهو ما لم يحدث، معزيًا ما حدث إلى أنه “انتقام شخصي بسبب آرائي المعارضة للنظام“، وأن “القرار جاي من فوق”، على حد قوله.
#مصر : بعد مكتبات الكرامة وألف .. السلطة تغلق مكتبة “البلد”..
قالك يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟ وبعدين أحنا… https://t.co/Bo9LrQuHUM
— Sara Marai (@MaraiSara) September 25, 2017
وفي تقرير أُعد تحت عنوان “كشف حساب.. لتوضيح الفساد والاستبداد والتواطؤ” للكشف عن ملابسات الهجوم والاقتحام، أفاد أنه “يوم الخميس 1 من ديسمبر 2016 هاجمت قوات أمنية ثلاث مكتبات في توقيت واحد هي “مكتبة الكرامة في طره، دار السلام، الزقازيق” كانت مكتبة طره مغلقة وكذلك مكتبة الزقازيق، في حين كانت مكتبة دار السلام مفتوحة وبها نحو 25 طفلاً يتدربون على أداء أغنية”.
وأوضح التقرير أن “عدد المتبرعين بالكتب للمكتبات وفروعها المختلفة وصل 42 شخصية عامة وسياسية إلى جانب مئات الأطفال والمواطنين الذين تبرع بعضهم بمجلات وكتب، واحتوت على 15 ألف كتاب، استفاد منهم 260 ألف “طفل، طفلة، شباب، ربة بيت، طالب”.
وحين سألت قوات الشرطة التي داهمت المكتبة عن قرار النيابة كان ردها: “مفيش قرار، دي تعليمات أمن الدولة”، هكذا خلص التقرير في سرده لتفاصيل عملية المداهمة، وهو ما يفند مزاعم إرجاع هذه الخطوة إلى إجراءات إدارية وغياب تراخيص وما إلى غير ذلك من الحجج المقدمة.
هل الحكومة تحارب الإرهاب بغلق المكتبات الثقافية؟؟
مكتبات الكرامة
مكتبة وسط البلد
بعد تأميم الإعلام يأتى تأميم العقول!!
— هيثم الحريري (@HaithamElhariri) September 25, 2017
في الأول من ديسمبر 2016 ، تلقّى جمال عيد، مالك مجموعة مكتبات “الكرامة” اتصالًا من القائمين على أمور أحد أفرع المكتبة بمنطقة دار السلام (جنوب القاهرة) يفيد بمهاجمتها من قبل قوّة أمنية بالحي، وإخلائها بعد طرد 25 طفلاً كانوا يتلقون بعض دروس الموسيقى داخل المكتبة
معاداة الثقافة
إدانات حقوقية وردود فعل مستنكرة لما قامت به قوات الأمن من غلق لمكتبة البلد مساء أمس الأحد وما سبقها من مكتبات، في خطوة وصفتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بـ”انتهاك بوليسي غير مسبوق في مسار الثقافة المصرية”.
الشبكة في بيان لها تعليقًا على ما حدث أشارت إلى أن “استهداف مكتبة البلد بعد أقل من شهر من التحفظ على أموال مكتبة ألف، وفروعها على مستوى الجمهورية، وإخضاعها لإدارة الدولة، وقبلها مكتبات الكرامة العامة بالأحياء الشعبية، التي أغلقتها السلطة في مصر بشكل بوليسي دونما قضية أو قرار في ديسمبر 2016 هو استمرار للحملة التي بدأتها السلطة في أغسطس 2014 بمنع احتفالية الفن ميدان التي كانت تقام في ميدان عابدين لمدة ثلاث سنوات، ثم مداهمة وإغلاق جاليري تاون هاوس ومسرح روابط في يناير 2016”.
وصف الشاعر زين العابدين فؤاد، تلك المرحلة التي تمر بها مصر بأنها “مرحلة الغلق”، وتعني غلق كل نوافذ التعبير، مشيرًا أن الهدف الأساسي من ذلك إعمال “الصوت الواحد” في المجتمع
كما أكد البيان “أن السلطة في مصر تتخذ منحى معاديًا للمعرفة والثقافة وممعنًا في عسكرة الحياة في مصر” مطالبة السلطة بـ”رفع يدها عن الثقافة وأماكن تغذية العقول وإنارتها، والتراجع الفوري عن قرار غلق مكتبة البلد، وإعادتها لدورها في إثراء الحركة الثقافية في مصر”.
أما الروائي أحمد مراد، فلفت إلى أن مثل هذه القرارات كارثية على مستقبل الثقافة في مصر، قائلاً خلال مشاركته في ندوة الثقافة والأدب التي عقدت في معهد جوته الألماني بوسط القاهرةيوم الأحد إن إغلاق قوات الأمن مكتبة البلد في وسط القاهرة مساء الأحد يعني أن “الأدب غير موجود على الخريطة وليس أولوية (الحكومة) الآن.”
مصر: بعد مكتبات الكرامة وألف .. السلطة تغلق مكتبة “البلد” ومازال القوس مفتوحاhttps://t.co/fixWsWjlEd
— Gamal Eid (@gamaleid) September 25, 2017
الطريف:نظام طابونة #السيسي مرشحين مشيرة خطاب لرئاسة اليونسكو،
وأغلقوا مكتبات الكرامة واليوم تشميع مكتبة البلد،… https://t.co/vb1GpyPac1
— Dr.mohamed sorour (@sorourmohamed) September 24, 2017
تناقض فاضح
حالة من التناقض عكستها توجهات السلطات المصرية الرامية إلى اغتيال منابر الثقافة وتكميم أفواه روادها عبر غلق المكتبات وإرهاب المثقفين والكتاب، في الوقت الذي تقدم فيه القاهرة أحد مرشحيها هي السفير مشيرة خطاب، للفوز بمنصب مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
الشيزوفرينيا الواضحة في تعاطي النظام المصري مع قضية الثقافة، ما بين الكبت والتضييق داخليًا والسعي للحصول على منصب دولي خارجيًا، أثارت حالة من السخرية لدى العديد من الأدباء والمثقفين، حيث وصف الشاعر زين العابدين فؤاد، تلك المرحلة التي تمر بها مصر بأنها “مرحلة الغلق”، وتعني غلق كل نوافذ التعبير، مشيرًا أن الهدف الأساسي من ذلك إعمال “الصوت الواحد” في المجتمع.
بعد مكتبات الكرامة العامة
غلق مكتبة البلد والاستيلاء على اثاثها وتشميعها والقبض على 2من العاملين بها.
من قبل دولة مرشحة لرئاسة اليونسكو!
— Gamal Eid (@gamaleid) September 24, 2017
زين استنكر في تصريحات صحفية له التناقض بين رغبة مصر في الحصول على منصب ثقافي دولي مثل منصب المدير العام لليونسكو وما يحدث على أرض الواقع، مشبهًا ذلك بـ”أن يكون مندوب السعودية أمين حقوق الإنسان في مؤسسة دولية، وهو لا يحترم حقوق الإنسان والمرأة”.
بينما حمل شوكت المصري الناقد الأدبي والمحاضر بأكاديمية الفنون بالقاهرة، وزير الثقافة مسؤولية ما يحدث، قائلًا: “أكبر مصيبة في مصر أن حلمي النمنم، وزير الثقافة”، متسائلاً:”لماذا لم يخرج تعليق أو بيان صحفي عنه يوضح ما حدث للمكتبة؟ أليس هذا شأنًا ثقافيًا؟”، مؤكدًا أن “غلق المكتبة لو كان من باب تصفية الحسابات مع فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وصاحب المكتبة، فسيؤثر ذلك على وضع مرشحة مصر في انتخابات اليونسكو”.
نظام #السيسي أغلق 43 مكتبة [37 ألف + 6 الكرامة] في حين إنه بنى 16سجن.
— Ahmad Omar Hamada (@alghond) August 30, 2017
توجه عام
ولم تكن تصريحات السيسي التي تقلل من واقع التعليم في مصر إلا تعبيرًا واضحًا عن رؤية مكتملة بشأن قائمة الأولويات التي يراها النظام، وهو ما تكشفه بصورة واضحة النتائج المالية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي المنصرم 2016 – 2017، والتي أثارت غضبًا كبيرًا بين الأوساط العلمية والشعبية، وذلك بعد ظهور اتجاه الدولة لزيادة نفقات عدد كبير من الهيئات السيادية على رأسها القضاء والشرطة في حين تراجعت وبنحو كبير ميزانيات البحث العلمي في عدد من الوزارات والهيئات خاصة مراكز البحوث الزراعية التي قلصت ميزانيتها من 70 مليون جنيه إلى 3 ملايين جنيه ومراكز البحوث المائية من 40 مليون جنيه إلى 5 ملايين جنيه.
اللي قفل ست #مكتبات_الكرامة_العامة هايقنعنا نتبرع لبناء #مكتبة_العلمين المتوأمة مع #مكتبة_اسكندرية !! ربنا يكره… https://t.co/Ut2nUGaYT0
— mohamed shahm (@mohamedshahm) July 26, 2017
خبراء الاقتصاد في تصريحات صحفية لهم، أوضحوا أن “اتجاه الدولة لتفضيل زيادة النفقات الأمنية والقضائية مقابل تقليص ميزانيات البحث العلمي، سيكون له آثار كارثية على المجتمع في المستقبل وسيعرقل تنفيذ خطة الدولة للدخول ضمن مصاف الدول المتقدمة”.
ومن الشواهد التي تعمق توجه السلطات المصرية المعادي للتعليم والثقافة حجم التجاهل الواضح للمثقفين وأساتذة الجامعة مقارنة بنظرائهم في القضاء والشرطة والجيش، ففي الوقت الذي يعاني فيه أستاذ الجامعة والباحث الأكاديمي من تدني في مستوى الدخول يقابله غض الطرف تمامًا عن استغاثاته المتكررة لزيادة راتبه مقارنة بالشرائح الأخرى، إلى الحد الذي لوح فيه البعض بالإضراب عن العمل حال عدم النظر لمتطلباتهم دون أي رد فعل من النظام، تواصل الدولة استفزاز الجميع بزيادة رواتب وبدلات وحوافر العاملين في قطاعات الأمن والقضاء، مما يعكس رؤية السلطات المصرية في ترتيب أولوياتها.
سمعت آخر بيان حربى؟
تمكنت قوات الشرطة من كشف وكر ارهابى بوسط القاهرة وعثرت على كميات كبيرة من كتب الفلسفة والمنطق والادب باسم مكتبة البلد pic.twitter.com/rXJZ8xpwVD
— ahmed ezzarab (@aezzarab25) September 25, 2017
هذا وقد شهدت القاهرة خلال السنوات الأخيرة حزمة من القرارات الفوقية التي استهدفت تجفيف منابع الروافد الثقافية والإعلامية سواء المحسوبة على نظام السيسي أو المعارضة له، والحيلولة دون وصولها إلى الشارع، فكانت قرارات غلق بعض البرامج التليفزيونية كـ”واحد من الناس” و”العاشرة مساء” لفترة ثم عاد مجددًا، و”مانشيت” وغيره من البرامج، ومصادرة أعداد بعض الصحف كالمصري اليوم والصباح وصوت الأمة والمصريون، إضافة إلى منع نشر بعض المقالات كما حدث مع مقال أسامة الغزالي حرب، حين منع نشر مقاله في صحيفة الأهرام أكتوبر 2016 بسبب انتقاده للعاصمة الإدارية الجديدة، وتوقيف بعض الإعلاميين كإبراهيم عيسى وليليان داوود وريم ماجد وغيرهم ممن كانوا بالأمس أحد أركان نظام مابعد الثلاثين من يونيو، هذا بخلاف ما يزيد عن 128 موقعًا إلكترونيًا تم حجبهم خلال أقل من عام.
اتجاه الدولة لتفضيل زيادة النفقات الأمنية والقضائية مقابل تقليص ميزانيات البحث العلمي، سيكون له آثار كارثية
الهرولة نحو غلق المكتبات ومصادرة الصحف وفرض الصوت الواحد تعكس حالة القلق التي تسيطر على السلطات الحاكمة تجاه الثقافة والتوعية، والتي ترى فيها خطرًا يهدد كيانها، ومن ثم كان الغلق هو الحل والاغتيال هو الاستراتيجية الأقصر والأسهل لتضييق الخناق ومحاصرة منافذ الوعي لدى المصريين في محاولة لاستنساخ عصر الستينيات واستعادة إمبراطورية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، التي أشاد السيسي بها أكثر من مرة.