كيف يمكننا أن لا نعرف ما نشعر به أو ما هي حقيقة ذواتنا؟ لا بدّ وأنك ساءلت نفسك هذا السؤال يومًا، أو لربما أجبتَ عن سؤال “بماذا تشعر أو بماذا تفكّر؟” بلا أعرف، أو لا أدري، أو “لا أشعر بشيء” في الوقت الذي تكون فيه وسط دوّامة كثيفة من المشاعر والعواطف والأفكار التي تقضّ مضجعك وتسلب النوم من لياليك.
حقيقةً كنتُ أنوي الكتابة عن التفسيرات السيكولوجية التي تبحث في فهمنا الخاطئ لمشاعرنا وعواطفنا، لكنّ القراءة قادتني لمفهوم الأصالة ” authenticity”، أو الذات الأصيلة والحقيقية، التي يستخدمها علماء النفس والفلاسفة إشارةً لكون الفرد صادقًا أو صريحًا مع ذاته ومع الآخرين، الأمر الذي يتطلّب قبل كلّ ذلك فهمًا حقيقيًّا للذات والنفس والمشاعر والأفكار والمكنونات الفردية، إضافةً للطريقة التي نعكس فيها أنفسنا وذواتنا للآخرين والصورة التي نسعى لإيصالها لهم.
الأصالة كمفهوم فلسفيّ
تختلف الآراء الفلسفية حول الأصالة الشخصية، لكنّها تتفق بالمُجمل على أنّها عملية دينامية لا نهاية لها تتغيّر بتغيّر الحياة والمجتمع والوجود. فقد أكد جان جاك روسو على أنّ هناك حاجزًا اجتماعيًّا يقف في طريق تحقيق الأصالة أو تحقيق الذات، إذ أنّ الأصالة الشخصية تضعف بسبب الحاجة إلى تقدير الآخرين في المجتمعات، التي تتميز بالتسلسل الهرمي وعدم المساواة والاعتماد المتبادل بين الأفراد. ووفقًا لروسو فإن الأصالة مستمدة من الذات الطبيعية، في حين أن عدم الأصالة هو نتيجة لتأثيرات خارجية.
يخضع الفرد لهويّات فردية متعددة تعتمد على الأدوار التي يشغلها في المجتمع، بما في ذلك الهويات الشخصية والمهنية والثقافية والإثنية والوطنية والسياسية والدينية وغيرها
فيما عرّف الفيلسوف الوجودي مارتن هيدجر أنّ الأصالة هي اختيار طبيعة وجود المرء وهويته، والأصالة عنده هي نقيض الزيف ومطابقة حقيقة الوجود بالانتساب إلى الأعمال الداخلية. والأصيل هو الذي يطابق فعله طبيعته الأنطولوجية، أي أنه لا يحيا حياةً مسطحة ًفارغةً، بمعنى أنه لا يترك حياته تحددها الأعراف الروتينية والآخرون فى انقياد لهم واستسلام.
أما سارتر فقد أشار إلى أنه لا يوجد جوهر ثابت للذات، إنّما لدينا إرادة حرة تتيح لنا الحرية الكاملة في تحديد خيارات حياتنا المتاحة، وبالتالي فإن الوجود يسبق الجوهر، أي أنّ الإنسان يأتي أولًا إلى الوجود ثم يبدأ معرفة نفسه باستمرار. لذلك فالأصالة عنده تتطلب تحمل المسؤولية الكاملة عن حياتنا وخياراتنا وقراراتنا ومشاعرنا وأفكارنا، ولذلك فإنّ القلق أو الغضب أو الحزن أو غيرها من المشاعر التي تنجم عن إعمالنا لحريّتنا التي لا مفر منها هي جزء لا يتجزأ من حياتنا الحقيقية والأصلية. وفي الوقت نفسه، أكّد سارتر على أنّ حرية الفرد مقيّدة بالطبيعة والمجتمع، فضلًا عن قيوده الخاصة به، وهو ما أسماه سارتر بـِ “الواقعية”.
كيف يمكنكَ أن تعرفَ حقًا ما إذا كنتَ أصيلًا أو حقيقيًّا أم لا؟
بدايةً لا يمكن للشخص منّا أن يعرف إن كان أصيلًا أو حقيقيًّا طوال حياته، فمعرفة الذات بشكلٍ كاملٍ أمرٌ مستحيل وليس من السهولة بمكان استكشاف متاهة العقل والوعي البشريين، ولا يمكن إلى حدِ كبير الوصول أو فهم العمليات المعرفية الفرديّة مثل الإدراك والتصوّر والتفكير والتذكّر والإحساس وغيرها. لكنّنا نميل إلى سدّ ثغراتنا وفجواتنا بين ما هو معروفٌ لدينا وما هو غير معروف من خلال ما نملك من معلومات وتصوّرات وأحاسيس ظانّين أنّنا قد نستطيع امتلاك الصورة الكاملة منها، غير أنّنا قد نصل لتصوّر غير دقيق لذواتنا أو تمثيل خاطئ لأنفسنا، والسبب الأساسيّ يعود إلى محدودية قدرة العقل على فحص المعلومات اللانهائية التي تتواجد لديه. وإضافةً إلى أنّ المعرفة البشرية غير مكتملة، فإنها مؤقتة محكومة بعامل الزمن، لذلك لا أصالة كاملة قابلة للتحقيق، وإنما يمكن في أيّ لحظة الوصول لأصالةٍ جزئية غير مستمرة فقط.
يقوم المجتمع أيضًا بعدّة عوامل أخرى تعرقل وصولنا لفهمنا الحقيقي لذواتنا وتحقيق أصالتنا الشخصية
إذن فثمّة معضلة مهمة ترتبط بالأصالة الشخصية تتعلّق بحقيقة أنّ معظم الصفات الشخصية تتغير مع الزمن، في حين يتوقّع الأفراد اتّساقها وثباتها للأبد، وبعبارة أخرى: إذا كانت هوية الفرد تتطور باستمرار، كيف يمكن للمرء أن يدرك أو يكتشف معنى الأصالة الشخصية طيلة حياته؟ وهذا يقودنا لتوقّع أنّ قيمة الأصالة ليست في ثباتها، بل في تطورها الثابت طوال عمر الفرد.
عوضًا عن ذلك، يخضع الفرد لهويّات فردية متعددة تعتمد على الأدوار التي يشغلها في المجتمع، بما في ذلك الهويات الشخصية والمهنية والثقافية والإثنية والوطنية والسياسية والدينية وغيرها، وتخضع لديناميكيات تغيير معقّدة وغير متوقعة تمامًا مثل التغيرات التي تحدث في المجتمع نفسه، ما يجعل أي اكتشاف لا لُبس فيه للهوية الشخصية تحديًا صعبًا، خاصة وأنّ هذا الاكتشاف عادةً ما يتم تبسيطه والتغاضي عن الترابط المعقّد لمختلف عناصره، ما يؤدي إلى وهمٍ في فهم الهوية الشخصية، وبالتالي وهمٌ في ادّعاء الأصالة والحقيقة المثالية.
يقوم المجتمع أيضًا بعدّة عوامل أخرى تعرقل وصولنا لفهمنا الحقيقي لذواتنا وتحقيق أصالتنا الشخصية، من خلال محاولة برمجة المرء مسبقًا كي يصبح خاضعًا له والضغوطات التي تسعى لجعله يتطابق مع القطيع، الأمر الذي قد يشكّل خوفًا لدى الفرد من الرفض أو الاستبعاد في حال فكّر بمخالفته أو الخروج عن نمطه، فيحاول إظهار أفضل وجوهه والتعبير عن ما هو متوقّع منه بحيث يتمّ قبوله والنظر إليه والتعامل معه بصورة جيّدة.
الذات الحقيقية والفهم الصحيح للمشاعر
تستند أحكامنا عن أنفسنا وأفكارنا ومشاعرنا والمواقف المحيطة بنا إلى تصوّراتنا عن الواقع بدلًا من الواقع نفسه، الأمر يرجع مجدّدًا إلى محدودية الإدراك البشريّ والمعرفة الذاتية. فنحنُ ننظر لأنفسنا كما لو كنّا جزءًا واحدًا وبعقلٍ واحد فقط لا غير، ولكن على الأقل هناك جزءان مختلفان للذات الفردية لكلّ شخص، ذاتٌ تشعر أو تفكّر وأخرى تراقب وتلاحِظ وتطلق الأحكام وتُصدر التقييمات.
وبطبيعة الحال فإنّ كلّ جزءٍ من الذات البشرية قد لا يسير جنبًا إلى جنبٍ مع الآخر في كثيرٍ من الأحيان والأزمان، الأمر الذي يؤدي لفجوةٍ كبيرة بين ما نفكّر به أو نشعر به وبين ملاحظاتنا وأحكامنا وتقييماتنا على أفكارنا ومشاعرنا وذواتنا، وهنا تنشأ معضلة الأصالة، أيْ أنّنا نقع في شِراك الاختلاف بين الذاتين، وبالتالي يتأثر فهمنا لذواتنا بشكلٍ عام ومشاعرنا على وجه الخصوص.
تتضاعف مشكلاتنا في فهم ذواتنا ومشاعرنا الصعبة في حال أمكن لها أنْ تخرج للعالم الخارجي وترتبط بنتائج فعلية وسلوكية
أولًا نحنُ محاصرون بكثيرٍ من الأفكار حول عدم مقبولية بعض المشاعر والعواطف؛ فلا يمكن قياس وعينا الذاتي بأنفسنا وأفكارنا ومشاعرنا دون التأثر بالثقافة المحيطة والمجتمع من حولنا وقبل ذلك بالأسرة التي ترعرعنا فيها. فكثيرًا ما يتمّ تناول بعض المشاعر والعواطف في سياق من المسموح والممنوع، ما يكوّن عندنا تشوّشًا بخصوصها مع الزمن، ونقع ضحيةً للحيرة والشكوك حيال ما نشعر به. فتربية الولد على عدم مقبولية البكاء لأنه خاص بالفتيات، وتربية الفتاة على تفادي مشاعر الغضب أو الرفض مثلًا لأنها خاصة بالصبيان، تُنتج عدم اتزان في الذات حينما تصطدم بهذه المشاعر وما يتعلّق بها لاحقًا.
وبالتالي؛ حينما يحين موعد المشاعر الصعبة أو الغريبة للظهور، فإنّ الذات الملاحِظة تبدأ بالابتعاد لخوفها مما تشعر به وغرابته. وبدلًا من تقييم المشاعر تقييمًا صداقًا حقيقيًّا، يلجأ الفرد لتخديرها أو تقييمها بصورة خاطئة بما يناسب أفكاره السابقة هربًا من مشاعره الجديدة التي لم يحسسها من قبل، فقد يعبّر عن نفسه بأنّه “غاضب” أو “حانق” غيرَ أنه في الحقيقة يكون مكتئبًا. وقد يعرّف نفسه بأنّه “مُنهك” في حين كونه “قَلِق” ليس إلا.
تتضاعف مشكلاتنا في فهم ذواتنا ومشاعرنا الصعبة في حال أمكن لها أنْ تخرج للعالم الخارجي وترتبط بنتائج فعلية وسلوكية، فمن الصعب علينا أن نعترف أنّ تغيّرًا كبيرًا يحدث في عوالمنا الداخلية بينما لها آثار واضحة وصريحة في العوالم الخارجية تشير إليها. فقد لا نعترف أنّ ثمة مشاكل عاطفية بين الشريك في حين أنّ منحى العلاقة قد يكون متجهًا نحو النهاية، وقد لا نعترف بفشلنا أو ضعفنا على الرغم من أنّ كلّ النتائج الظاهرة تخبرنا بذلك.
وعلى العكس تمامًا، قد لا نعترف أنّ ثمّة شعورًا قويًا يتكون في دواخلنا دون أن نلمحَ له أيّ آثار خارجية، فنلجأ للإنكار أو التهرّب من الاعتراف بذلك الشعور، كأنْ تكون علاقتك مع شريكك تأخذ منحىً صعبًا في حين أنّك تصرّ على أنّها على خير ما يرام وتزخر بالمشاعر الإيجابية كالحبّ والتفاهم.
هناك قيود أخرى في البحث عن الأصالة وفهم الذات تتعلق باللغة المستخدمة في التعبير عن أنفسنا، والمعرّضة أصلًا للتفسير الخاطئ، عوضًا عن أنها غير كافية للتعبير عن مجموعة كاملة من الأفكار والمشاعر للشخص الواحد، والاستدلالات والاستعارات والمجازات تشكّل مصدرًا رئيسيًّا من مصادر سوء الفهم. إضافةً إلى أنّ الكلمات والجمل غالبًا ما تكون غامضة، وتحتمل أكثر من معنىً ممكن، ذا فإنّ التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا من خلال اللغة قد لا يكون متسقًا تمامًا.
خطوة مهمّة أخرى تساعدك في فهم ذاتك أكثر، وهي أنْ تخصص وقتًا مناسبًا للمراقبة الذاتية، بحيث تكون واعيًا للمشاعر والعواطف والأفكار التي تنتابك أولًا بأول
كما أنّ محاولة تحقيق الأصالة الشخصية تتعقد مع تطوّر التكنولوجيات المتقدمة مثل التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام والأعلانات، التي تغرق تصور الفرد للواقع بكثيرٍ من الأوهام والأكاذيب والتخيّلات، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى صعوباتٍ في التمييز بين التجارب الافتراضية والحقيقية، وبالتالي غرق الأفراد في مستنقع كبيرٍ من الخداع والوهم الذاتي.
كيف نفهم مشاعرنا بطريقة أفضل؟
قد تلعب للقراءة دورًا كبيرًا في تحسين فهمنا لمشاعرنا وعواطفنا، إذ أنها تساعد على اكتشاف المشاعر التي يمكن لها أن تتشكّل في وعينا، والتي تحتاجٍ لدليل داخليّ لتمييزها وترجمتها وفهمها ومن ثمّ إيصالها للذات أولًا وللآخرين ثانيًا بطريقةٍ صحيحة وحقيقية.
ونظرًا لأنّ اللغة كما أسلفنا سابقًا تشكّل عائقًا كبيرًا قدرة المرء على فهم ذاته وتحقيق أصالته، فيقوم الأدب بمهمّة كبيرة ورئيسيّة في تشكيل دليلٍ داخليّ ومرجعٍ سلسٍ يمكن لنا اللجوء إليه لفهم أنفسنا، فيمكن لأديبٍ جيّد أنْ يصل بك من خلال شخصية خياليّة تمرّ بتجارب مختلفة ومشاعر كثيرة وتساؤلات عديدة، أنْ يفتح بصيرتك ووعيك أكثر تجاه نفسك، ومشاعرك، وعواطفك، وأفكارك، ومخاوفك، وتساؤلاتك الكبيرة.
بالنسبة لي كانت روايات دوستويفسكي على سبيل المثال لا الحصر، بابًا واسعًا استطعتُ من خلاله ولو قليلًا فهم ذاتي ومشاعري وتعقيدات شخصيتي وأفكاري، فقد استطاع هو بتعبيراته القوية رسم ملامح عميقة عن دواخل النفس البشرية، وصوّر بطريقة غنية الشخصية الإنسانية بتعقيداتها المكثّفة، وناقش البواعث الكاملة في اللاوعي البشريّ التي تقف خلف سلوكياتهم وأفعالهم ودوافعهم. تخيّل معي هذا المقطع من روايته “الأخوة كارامازوف” وكيف استطاع فيه الحفر عميقًا في تعقيدات النفس البشرية بكلّ عموضها وصعوبتها.
الوصول لفهم كامل وصحيح للذات بكلّ مكنوناتها وتحقيق أصالتها غير قابل للتحقيق
“نحن أناس على حالة الطبيعة، يختلط فينا الخير والشر اختلاطًا غريبًا. نحب الثقافة وُعجب بشيللر، ولكننا نعربد في الحانات ونجد لذة في جرّ رفاق السكر من لحاهم. صحيح أننا نعرف كيف نكون أخيارًا طيبين وكرامًا أسخياء في المناسبات، ولكن ذلك لا يحدث لنا إلا حين نكون سعداء راضيين عن أنفسنا. نحن نحب الأفكار النبيلة، ونلتهب حماسةً لها، نعم، نلتهب لها حماسة، ولكن شريطة أن تهبط علينا من السماء بغير جهد نبذله، وأن لا تكلفنا شيئًا، خاصة أن لا تكلفنا شيئًا. نحن لا نريد أن نبذل في سبيلها شيئًا ونحن نكره أن نكون مضطرين إلى العطاء. ولكننا في مقابل ذلك نحب أن نأخذ، نحب الأخذ في جميع الميادين.
لسان حالنا يقول: أعطونا، أعطونا جميع خيرات الحياة (أقول جميع الخيارات لأننا لا نرضى بأقل من ذلك)، ولا تعارضوا رغباتنا في شيء، تروا عندئذ كيف نستطيع أن نكون لطافًا محببين؛ ما نحن بالطماعين النهمين طبعًا، ولكننا نريد أن تعطونا مالًا، أن تعطونا مالًا كثيرًا، أن تعطونا أكبر قدر ممكن من المال: وسوف ترون عندئذ كيف نستطيع، باحتقار نبيل كريم للمعدن الخسيس، أن نبدده وأن نتلفه في ليلة واحدة أثناء قصف محموم ولهو مسعور.
فإذا شاء سوء الحظ أن يُمنع عنا هذا المال، أظهرنا ما نحن قادرون على أن نفعله للحصول عليه متى اشتدت حاجتنا إليه… أعني أننا إزاء أناس قادرين على أن تضم نفوسهم جميع تناقضات الحياة، وعلى أن يرنوا بأبصارهم إلى الهوتين كلتيهما في آن واحد، الهوّة العليا التي تحلق فيها أنبل المثل، والهوة السفلى التي تغوض فيها أحقر المخازي وأدنأ أنواع السقوط.”
فيما لعبت السينما والأفلام على مدى سنين طويلة دورًا شبيهًا بالأدب والروايات، فقد ترى نفسك في دورٍ ما بفيلم معيّن، أو قد تشعر أنّ ما تمرّ به شخصية ما يشبه ما تمرّ به، من مشاعر وعواطف وأفكار ومخاوف، وبالتالي قد ترسم لك تلك الشخصية خطوطًا خارجية لنفسك. حتى وإن لم تقدّم لك الحلول أو الأجوبة التي تبحث عنها، غيرَ أنا تصبح أقرب لفهم ذاتك الحقيقية أكثر فأكثر.
كما أنْ تقوم بإحاطة نفسه بالأشخاص الذين بإمكانهم جعلك تحفر في نفسك أكثر وتكتشف ذاتك باستمرار وتصنّف مشاعرك وعواطفك أو تقيّمها بطريقة صحيحة، يساعدك كثيرًا في تحسين فهمك لذاتك وتحقيق الأصالة. على أولئك الأشخاص أن يتمتّعوا قبل كل شيء بالقدرة الجيّدة على الاستماع وإبداء التفهّم، دون إطلاق أيّة أحكام أو آراء نقديّة بحيث يكون بإمكانهم جعلكَ أكثر تقبّلًا لنفسك وذاتك.
خطوة مهمّة أخرى تساعدك في فهم ذاتك أكثر، وهي أنْ تخصص وقتًا مناسبًا للمراقبة الذاتية، بحيث تكون واعيًا للمشاعر والعواطف والأفكار التي تنتابك أولًا بأول محاولًا ألا تبقي لها مجالًا لأنْ تتراكم أو تتجمّع في الخلفية دون أن تُفهم أو تُحلّل أو تُصنّف.
بالمحصّلة وقبل كلّ شيء وكما أسلفنا سابقًا، فالوصول لفهم كامل وصحيح للذات بكلّ مكنوناتها وتحقيق أصالتها غير قابل للتحقيق، وإنما جميعها مجرّد محاولات قد تكون مقترنةً بزمنٍ معيّن وغير مستمرة أبدًا، لكن علينا أن نعي أننا في حال أهملنا -بوعيٍ أو بدون وعي- حفرنا في ذواتنا ونبش عقولنا ودراسة أنفسنا، فإنّ الثمن سيكون غاليًا يومًا ما، ربّما سيستمرّ طوال حياتنا، لذلك علينا أن نحاول ذلك دون إهمالٍ أو تهرّب أو تأجيل.