بعد مذبحة غزة.. لن يستطيع الغرب إقناع أحد بتفوقه الأخلاقي

ترجمة وتحرير: نون بوست

لقد أدى الرعب والمعاناة الإنسانية في غزة إلى تدمير ادعاء الديمقراطيات الغربية بأنها تتصرف بشكل أفضل من الدكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية. فمن خلال رفض وقف إطلاق النار وتزويد إسرائيل بالأسلحة، ينظر بقية العالم إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفائهم على أنهم مشاركين في حرب لا ترحم أدت إلى مقتل 28.064 فلسطينيًا وإصابة 67.611 آخرين، حتى الأسبوع الماضي.

إن دعوة الرئيس جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإبداء الاهتمام الواجب لسلامة المدنيين أثناء شن عمليات عسكرية ضد رفح؛ حيث يحاصر 1.4 مليون فلسطيني، تبدو غريبة ونفاقًا. وكما هو الحال مع دعوات بايدن السابقة لضبط النفس؛ فإن القصف الذي تقوم به قوات الدفاع الإسرائيلية مستمر كالمعتاد، على الرغم من أن الهجوم البري قد يتأخر بسبب نقص الاحتياطيات العسكرية.

ويقول دانييل ليفي، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ورئيس مشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط: “بشكل قاطع، لا تستطيع إسرائيل مواصلة هذه الحرب دون تدفق مستمر للأسلحة من الولايات المتحدة”. ويضيف أن إدارة بايدن لم تكن مستعدة أبدًا لاستخدام إمداداتها من الأسلحة لإسرائيل كوسيلة ضغط لحملها على وقف الحرب.

في البداية نظر كثيرون إلى الهجوم على غزة، في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، باعتباره انتقامًا مفرطًا ولكنه مفهوم لمقتل 1200 إسرائيلي، ولكن بعد مرور أربعة أشهر، تحول التدمير الإسرائيلي لغزة وذبح عشرات الآلاف من سكانها إلى جريمة حرب مروعة.

نقطة تحول في التاريخ

إن إسرائيل دولة غربية في نظر قسم كبير من العالم، وتحظى أفعالها بدعم الولايات المتحدة والغرب ككل. وقد أدى هذا التصور إلى تحويل حرب غزة إلى نقطة تحول في التاريخ، مما أدى إلى نزع الشرعية عن ادعاءات الغرب بدعم النظام الدولي القائم على القواعد المتجذرة في حقوق الإنسان وضبط النفس في استخدام العنف.

وفي ظل الضربات التي تلقتها قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان؛ فإن أي محاولة لاحتلال الأرضية الأخلاقية الرفيعة قد فقدت مصداقيتها أخيراً بسبب التواطؤ الغربي في المذبحة في غزة.

ويقول علي علاوي، المؤرخ الذي كان حتى وقت قريب وزير المالية ونائب رئيس الوزراء العراقي: “أنا مصدوم حقًا”. لقد كشفت غزة عن النفاق المطلق الكامن وراء السياسات الغربية تجاه الجنوب العالمي. إن الطبقة السياسية [الغربية] شديدة السخرية وغير الأخلاقية تتجاهل بكل سرور، كلما كان ذلك غير مريح، ما تسميه بقيمها الليبرالية العالمية، وهي نفس القيم التي تم التهليل لها باعتبارها تنذر بنهاية التاريخ بسقوط الاتحاد السوفييتي.

أليكسي نافالني

ولم تدرك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاؤهما بعد مدى الضرر الذي ألحقوه بأنفسهم من خلال ردهم على غزة. وإذا أدان زعيم سياسي أميركي أو بريطاني أو ألماني ــ في المستقبل ــ الفظائع الروسية في أوكرانيا، أو سوء معاملة الصين للأويغور، أو قصف الحكومة السورية للبلدات والمدن التي يسيطر عليها المتمردون؛ فإن احتجاجاتهم المثيرة للقلق سوف تُقابل على نطاق واسع بالضحك بازدراء. إن الاحتجاجات الغربية على الاشتباه في تسميم زعيم المعارضة الروسية، أليكسي نافالني، على يد النظام سوف تُحرم من أي تأثير.

ومع إدراك الحكومات والنخب الغربية أن سمعتها قد تضررت إلى حد لا يمكن إصلاحه بسبب التلوث الذي أصاب غزة، فقد أنتجوا سلسلة من حيل العلاقات العامة والأعذار. أبسطها هو دعوة نتنياهو والجيش الإسرائيلي إلى ضبط النفس، مدركين تمامًا أن سجلهم يشير إلى أنهم لن يفعلوا شيئًا من هذا القبيل.

ومن المرجح أن يفقد نتنياهو منصبه بمجرد انتهاء الحرب؛ لذا فهو وحكومته المتطرفة، الأكثر معاداة للفلسطينيين في تاريخ إسرائيل، لديهم كل الأسباب لمواصلة الحرب وتوسيعها إلى الضفة الغربية.

وهناك عذران آخران أكثر تطورًا ومعقولية ظاهريًا، أحدهما يتلخص في “حل الدولتين” المبجل، والذي ــ حتى لو لم يرفضه نتنياهو ــ لا يقدم للفلسطينيين أي شيء تقريبًا فيما يتصل بالأمن الشخصي والمعاملة المتساوية مع الإسرائيليين.

فكرة غريبة

إن هذا المخطط الذي دافع عنه وزير الخارجية كاميرون بصوت عالٍ، يركز على هدف ضبابي يلوح في الأفق، وهو ما من شأنه أن يحول الانتباه بعيدًا عن الحاجة الأكثر إلحاحًا لإنهاء الحرب القاتلة. وحتى لو تم الاعتراف بدولة فلسطينية على المستوى الدولي؛ فإن الفلسطينيين يخشون من أنها لن تتألف من أكثر من علمهم الذي يرفرف فوق المنازل المدمرة والمقابر الممتلئة.

أما الحجة الثانية فهي أكثر تعقيدًا بعض الشيء، ولكنها منفصلة بنفس القدر عن الواقع السياسي. والفكرة الغريبة التي يدفع بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، هي أنه من الممكن أن تظهر من جحيم غزة إعادة ضبط إيجابية في العلاقات الإسرائيلية العربية؛ حيث تعترف السعودية وحلفاؤها بإسرائيل مقابل إقامة الدولة الفلسطينية.

هذا الكيان “المستقل” ستحكمه سلطة فلسطينية مُصلحة تكون مقبولة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل والسعوديين. وتأمل الولايات المتحدة أن يؤدي مجرد تقديم مثل هذا العرض إلى تفكيك ائتلاف نتنياهو واستبداله بزعيم إسرائيلي أكثر تعاونًا.

ويقول ليفي: “لا أعتقد أن الخطة واقعية”، وهو يعتقد أن الأمريكيين يدفعون نحو ذلك لأنه أمر مستساغ سياسيًا بالنسبة لهم، ولا يستطيعون التفكير فيما يمكنهم فعله غير ذلك. وكما هو الحال مع حل الدولتين، يقول ليفي: “إنها ملجأ لأولئك الذين لا يريدون الحديث عن وقف إطلاق النار”.

تدمير حماس

إن العذر الذي يتذرع به المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون والاتحاد الأوروبي لعدم دعم وقف إطلاق النار هو أنهم لن يفعلوا شيئًا لمنع الجيش الإسرائيلي من القضاء على حماس، هدف إسرائيل المعلن من الحرب، ولكن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية صرحوا مؤخرًا في جلسة مغلقة لأعضاء الكونجرس، كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز، بأن إسرائيل ليست قريبة بأي حال من الأحوال من تدمير حماس.

وأعربوا عن شكوكهم حول إمكانية تحقيق هذا الهدف، قائلين في أحاديثهم الخاصة إن ثلث مقاتلي حماس الذين يقدر عددهم بنحو 20 إلى 25 ألفًا قتلوا (تزعم إسرائيل أن الثلثين قد قُتلوا)، لكن المسؤولين الأميركيين يضيفون أن الولايات المتحدة تعلمت في حرب تلو الأخرى أن أعداد الضحايا في صفوف العدو لا معنى لها؛ حيث إن المتمردين يمكنهم دائمًا العثور على مجندين جدد إذا لم يتم حل القضايا الأساسية التي تحرك الصراع. وبعبارة أخرى، إذا كان تدمير حماس وحده هو الذي سينهي الحرب، فليس هناك من سبب لتوقفها على الإطلاق.

لماذا سلكت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون هذا الطريق بكل تصميم على غزة، وهو ما يلحق بهم ضررًا سياسيًا هائلًا ودائمًا؟ تشير التقارير الواردة من البيت الأبيض إلى أن دعمه الكامل لإسرائيل في الحرب – في تناقض حاد مع تصرفات رؤساء الولايات المتحدة السابقين – يأتي من بايدن نفسه. ويقول أحد المراقبين المقربين: “إنه صهيوني مصبوغ يحمل صورة خيالية عن السياسة الإسرائيلية، ولم يتمكن فريقه من تغييره”.

قبضة على الأزمة

ويعتقد آخر أن فريق بايدن، وأبرزهم بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ذوي خبرة متواضعة وغير قادرين على السيطرة على الأزمة.

وكما هو الحال مع هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك وواشنطن قبل عقدين من الزمن، دفعت حرب غزة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والغرب بشكل عام إلى ارتكاب خطأ فادح من خلال دعم الحكومة الإسرائيلية الخارجة عن السيطرة، وبعض كبار مسؤوليها يدعو أعضاؤها علنًا إلى التطهير العرقي للفلسطينيين.

ويقول علي علاوي: “أعرف أن غزة سوف تفكك الأساس الأيديولوجي للحياة السياسية الغربية. وهذا ما سيتذكره الناس من هذه الحرب.”

المصدر: صحيفة آي نيوز