ترجمة وتحرير نون بوست
بعد ست سنوات من اندلاع الصراع المسلح الذي كان يهدف للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، تقف الحرب السورية الآن على مشارف النهاية. ويثير هذا الأمر العديد من التساؤلات، خاصة وأن العديد من المعارك لم تنته بعد، في حين تظل إمكانية إيجاد حلول لفض النزاع واردة. في حقيقة الأمر، لقد أصبح الأسد يمثل القوة السائدة في ساحة المعركة منذ سنوات. ولعل ذلك انطلاقا من سنة 2015، إبان تدخل روسيا لدعم جيشه الذي كان يتسم بالهوان والضعف، وربما قبل ذلك بوقت طويل، عندما فشلت المعارضة في الاستفادة من زخمها بشكل مبكر.
في الأثناء، ساهم غياب إرادة حقيقية في بعض الأحيان من قبل المجتمع الدولي في منح أفضلية للأسد على أرض المعركة، وقد تجلى ذلك في وقت مبكر من خلال فشل محادثات السلام الأولى في جنيف سنة 2014. كما تأكد تقدم وفوز الأسد بعد استعادة النظام لحلب في كانون الأول / ديسمبر الماضي، الأمر الذي مهد لانهيار دبلوماسية إدارة أوباما. وفي ظل تبلور هذه الحقائق على أرض الواقع، باتت الخطوط العريضة حول فيما يتعلق بنهاية الحرب واضحة. وفي هذا الصدد، أورد جو ماكارون، المحلل التابع للمركز العربي للسياسة بواشنطن، أن “الحرب كما كنا نعرفها قد انتهت. تتمثل الخطوة التالية، الآن، في تقسيم الكعكة”.
في ظل هذا السيناريو، سيبقى الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى، خاصة مع غياب تسوية سياسية جادة لإزالته أو استبداله. وبالتالي، ستتواصل الحرب الطاحنة في سوريا. في الواقع، تنبؤ هذه النظرة القاتمة، بتواصل الفوضى في سوريا في خضم صراع على مستوى منخفض من الحدة، قد يدوم لسنوات عدة. وفي الأثناء، ستبقى بلدات ومدن سوريا في حالة خراب في حين سيظل شعبها مفقرا، أما اقتصادها، فينتظر الإمدادات الضرورية لإعادة إعمار البلاد.
في المقابل، يسلط هذا السيناريو الضوء على مستقبل النظام، خاصة وأنه بات في الوقت الراهن، يواجه ضغطا أقل حدة من أي وقت مضى. وفي الأثناء، يبدو النظام أقل استعدادا لتقديم أي تنازلات أو تنفيذ الإصلاحات المفروضة عليه، وذلك للمرة الأولى منذ سنة 2012. بالإضافة إلى ذلك، يسيطر الأسد على أكبر رقعة جغرافية في سوريا، مقارنة بمختلف الفصائل الأخرى المتصارعة على الأرض.
عموما، ساهم قرار إدارة ترامب القاضي بقطع المساعدات الموجهة للمعارضة، فضلا عن التلميحات الصادرة عن المجتمع الدولي بتخليه عن عملية الانتقال التي ستؤدي إلى رحيل الأسد، ناهيك عن النجاح النسبي للمبادرة الروسية بوقف إطلاق النار، في خلق شعور بأن الحرب في سوريا وإن لم تنته، فستدخل من دون شك مرحلة لم يعد فيها بقاء الأسد موضع جدال.
لا يزال مصير المنطقة الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد، والتي بادر الجيش الأمريكي بتركيز قواته وقواعده فيها بهدف محاربة تنظيم الدولة، مجهولا
خلافا ذلك، قد تدفع بعض المعارك المتواصلة سوريا إلى الوقوع في دوامة متعددة الاتجاهات وغير متوقعة. ففي الحقيقة، ما حدث في أول هذه الأزمة من قمع وحشي للمتظاهرين السلميين ثم تحول إلى حرب مستعرة، قد يتكرر مرة أخرى. وقد يتفاقم هذا الأمر في ظل حث بعض الأطراف الدولية على ممارسة المزيد من الضغط على العديد من المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام.
من جانب آخر، لا يزال مصير المنطقة الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد، والتي بادر الجيش الأمريكي بتركيز قواته وقواعده فيها بهدف محاربة تنظيم الدولة، مجهولا، خاصة في حال لم تلتزم الولايات المتحدة بالبقاء في سوريا بعد قضائها على التنظيم من أجل حماية المنطقة الكردية الموسعة. من جانبه، تعهد نظام الأسد بإعادة هذه المنطقة إلى سيطرته، حتى وإن لزم الأمر الدخول في حرب مباشرة مع قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد بدعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا السياق، قد يؤدي التوتر المتصاعد بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها المحليين وقوات النظام التي تساندها روسيا وإيران في محافظة دير الزور الشرقية، إلى اندلاع مواجهة أوسع. وقد يزداد الأمر تعقيدا في حال فشلت المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا فيما يتعلق بتقسيم ساحة المعركة.
رجل يركب دراجة، وفوق رأسه علقت لوحة إعلانات تحمل صورة الأسد ومكتوب عليها “حلب في عيني”، في حلب سوريا.
من جهة أخرى، لا تزال نوايا إسرائيل غير واضحة فيما يتعلق بالشأن السوري. وفي الأثناء، تأبى إسرائيل تقبل الوجود الإيراني، الذي يتجلى من خلال انتشار عدد من المستشارين الإيرانيين والميليشيات الحليفة لها التي تقاتل المعارضة، على حدودها الشمالية مع سوريا. نتيجة لذلك، شنت إسرائيل غارات جوية على مواقع حزب الله وأهداف إيرانية في سوريا في الأسابيع الأخيرة. وعلى الرغم من أن النظام امتنع حتى الآن عن الرد، إلا أن هذا الأمر قد يتغير في ظل تنامي نفوذ الأسد.
علاوة على ذلك، قد يزيد وجود الآلاف من مقاتلي القاعدة، في الجزء الشمالي الغربي من محافظة إدلب، من احتمال نشوب مواجهات أخرى قد تكون حاسمة. وفي حين أن المعارضة لا تزال تسيطر على العديد من المناطق في سوريا، على غرار ضواحي دمشق والمناطق على طول الحدود الأردنية، يستعد النظام لاسترجاع هذه المناطق أو إجبار المعارضة على التوصل إلى تسوية نهائية.
من جانبهم، يعتقد العديد من المراقبين أن تلك المعارك لا تمثل أي تهديد مباشر على الأسد في دمشق. ويعزى ذلك إلى أن خريطة المعارك في سوريا، اليوم، تحيل إلى سيطرة النظام المستمرة على أبرز المناطق في سوريا، حيث وضع الأسد يده على جميع المدن الكبرى في حين يُخضع لحكمه 70 بالمائة من السكان، وذلك بفضل تحالفه مع روسيا وإيران.
في هذا الصدد، أورد يزيد صايغ من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أنه “بالنسبة للنظام كان أمر استعادة السيطرة على البلاد مسألة حياة أو موت، وقد فعل كل ما أمكنه القيام به لضمان بقائه على قيد الحياة”. وأضاف صايغ، أنه “في الوقت الراهن، لا تزال هناك بعض الأمور العالقة بالنسبة للنظام على غرار إدلب وشرق البلاد. وعلى الرغم من أن مصير هذه المناطق غير معروف، إلا أنني لا أعتقد أنها ستغير الاتجاه العام للحرب السورية”.
أسفرت هذه المحادثات عن مجموعة من الاتفاقات لتخفيف حدة التصعيد، مما ساهم في السيطرة على المعارك وموجة العنف في البلاد.
من جهته، أبدى الأسد حرصا شديدا على عدم إعلان النصر، حيث أشار في تصريحاته الأخيرة، إلى التهديد المستمر الذي يشكله أعداء سوريا في الغرب وحلفائهم من “الإرهابيين”، مؤكدا على ضرورة مواصلة القتال حتى استعادة كل سوريا. وفي اجتماع مع دبلوماسيين أجانب في دمشق الشهر الماضي، أقر بشار الأسد، بأن “الحديث عن إحباط المشروع الغربي في المنطقة لا يعني أننا انتصرنا. نعم لقد فشلوا، لكن المعركة لا تزال مستمرة”، وأضاف الأسد أن “علامات النصر تلوح في الأفق، إلا أن تلك العلامات لا تعني بالضرورة تحقق النصر”.
في سياق ذي صلة، أوضح جهاد يازجي، خبير اقتصادي سوري ورئيس تحرير “سوريا ريبورت”، أن “السلام سيولد ضغوطا جديدة على الأسد، حيث سيستدعي الأمر أن يتشارك الغنائم مع أنصاره، وذلك من خلال فتح أبواب العمل على إعادة إعمار البلاد وإحياء الاقتصاد. ويمثل هذا الأمر في حد ذاته تحديا أشد صرامة من الفوز في الحرب. فقد تدفع التطورات غير المتوقعة مثل نشوب خلافات بين مؤيديه، بالنظام إلى الدخول في مسار مختلف”.
وأردف يازجي أنه “عندما يعلن الأسد فوزه ويتأكد أنصاره من أن الحرب قد انتهت، ستبرز توقعات جديدة لن يكون الأسد قادرا على مجابهتها. وبالتالي، لن نكون قريبين من تحقق المصالحة ولن نحصل على أي دعم مالي”. وفي ظل غياب أي عملية سلام دولية ذات مغزى، ليس هنالك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الأسد سيشعر بأنه مجبر على تقديم أي تنازلات سياسية قد تؤدي إلى تداعي سلطته.
أما بالنسبة لعملية السلام في جنيف، التي أطلقتها الولايات المتحدة في سنة 2012، عندما كان من الواضح أن المعارضة تحرز بعض النجاحات، فقد ذهبت أدراج الرياح. من جانب آخر، تم إطلاق مبادرة روسية على بعد آلاف الأميال في أستانا عاصمة كازاخستان. وفي الأثناء، أسفرت هذه المحادثات عن مجموعة من الاتفاقات لتخفيف حدة التصعيد، مما ساهم في السيطرة على المعارك وموجة العنف في البلاد.
في شأن ذي صلة، تمارس موسكو جملة من الضغوط من أجل تطبيق العديد من الإصلاحات التي من شأنها أن تحث بعض الجهات المعارضة على المشاركة في الحكومة. علاوة على ذلك، قد تساهم هذه الإصلاحات في وقف المواجهات على الخطوط الأمامية للمعارك، كما قد تمنح المعارضة نوعا من الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها، حاليا، في حين قد تجبرهم في نهاية المطاف على الدخول تحت سلطة الحكومة المركزية، من خلال القبول بعملية المصالحة. وبموجب الخطة الروسية، سيرشح الأسد لولاية ثالثة مدتها سبع سنوات، إبان انعقاد الانتخابات القادمة في سنة 2021.
أوضح الأسد، الذي يأبى التخلي عن عناده، أنه لا يتوقع ولا يريد أي مساعدة من الدول التي دعمت المعارضة في بلاده
وفقا لدبلوماسيين غربيين، الذين تواترت زياراتهم لدمشق، والذين غالبا ما يلتقون بالعديد من المسئولين الروس، تحرص روسيا على التوصل إلى تسوية سياسية، من شأنها أن تفتح الأبواب أمام تدفق أموال إعادة الإعمار الدولية، وتمنح الشرعية لبقاء الأسد ولدور روسيا في سوريا. وفي هذا الصدد، قال دبلوماسي غربي رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع، إن “إضفاء الشرعية على النظام أمر مهم للغاية بالنسبة للروس، إلا أن ذلك لن يحدث في ظل المعطيات الحالية”. وأضاف المصدر ذاته، أن”إضفاء الشرعية على النظام ضروري لروسيا بهدف تهيئة بيئة سياسية آمنة لوجودها”.
على العموم، لا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها يصرون على تحقيق عملية تحول سياسي فعلية على أرض الواقع، تحد ولو نسبيا، من سلطة الأسد. ويحظى هذا المقترح بدعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، في حين يعد شرطا مسبقا للإسهام في جهود إعادة الإعمار الضخمة التي تحتاجها سوريا بشدة. وفي هذا الإطار، ورد في بيان صادر عن وزراء خارجية 16 دولة غربية وعربية من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، في ختام اجتماع حول سوريا في نيويورك الأسبوع الماضي، أن “إدعم إنعاش سوريا وإعادة إعمارها يتوقف على تنفيذ عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى انتقال سياسي فعلي، من شأنه أن يحظى بدعم غالبية الشعب السوري”.
في المقابل، وفي خطابه في آب/ أغسطس الماضي، أوضح الأسد، الذي يأبى التخلي عن عناده، أنه لا يتوقع ولا يريد أي مساعدة من الدول التي دعمت المعارضة في بلاده، مشددا على أن سوريا ستعتمد على أصدقائها الحاليين وستتطلع شرقا صوب آسيا لتمويل عملية إعمار سوريا. وفي السياق ذاته، أفاد الأسد “لن نسمح للأعداء أن يحققوا مطامعهم من خلال النهج السياسي ما عجزوا عن تنفيذه عن طريق الإرهاب”. من جانبه، ذكر أرون لوند من مؤسسة سنتشري: “ليس هناك أي مؤشرات تدل على أن الأسد سيوافق على أي مطلب، سوى بعض الإصلاحات الطفيفة التي لن تضر بسلطته”. وأضاف لوند، أن “الأسد خسر نصف البلاد ونصف حلب وأجزاء من دمشق، ولم يتزحزح عن أهدافه. ومن السخرية أن نعتقد الآن وبعد استعادته غالبية تلك المناطق، أنه سيخضع لأي جهة”.
المصدر: واشنطن بوست