احتشدت مئات النساء السبت الماضي في ملعب رياضي للمرة الأولى في السعودية، ونظمت عروض تضمنت حفلات موسيقية مع رقص شعبي وألعاب نارية في سابقة هي الأولى في السعودية، تأتي هذه التطورات هناك على وقع توسيع مساحة الترفيه والسماح بتنظيم الحفلات الموسيقية.
وسبق تلك الأمور قرارًا يجيز للمرأة أيضًا بالتواجد في الملاعب لمشاهدة المباريات الرياضية، إلا أن القرار الأبرز في هذا السياق هو ما أصدره الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، مساء أمس الثلاثاء أمرًا بمنح المرأة حق قيادة السيارة، بحيث يتم العمل به في بداية شهر يونيو/حزيران العام المقبل، بعد اتخاذ الإجراءات ووضع الضوابط الضرورية اللازمة لاستصدار رخص القيادة وملاءمة قانون المرور مع التطورات الجديدة.
بعيدًا عن الجانب الديني والاجتماعي من هذه القضية، وبالكلام عن الأثر الاقتصادي لهذا القرار سيظهر أن له آثار إيجابية عديدة على الاقتصاد السعودي وبالأخص في هذا الظرف الحالي. فما هي تلك الآثار؟
الآثار الإيجابية على الاقتصاد
منذ صدور رؤية السعودية 2030 العام الماضي غير الأمير محمد بن سلمان الذي أشرف على الرؤية بنفسه، العديد من المبادئ التي كانت سائدة في الاقتصاد السعودي سابقًا، وأبرز تلك الأمور، خصخصة 16 قطاع من القطاعات العامة في البلاد وعلى رأسها 5% من عملاق النفط السعودي أرامكو، و”سعودة” الأعمال بمعنى توظيف موظفين سعوديين بدلا عن الأجانب، إضافة إلى فرض رسوم مالية عن المرافقين للعاملين الوافدين في القطاع الخاص، ومن ثم أتى قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة وهو لا يخرج عن إطار الرؤية وقرارات ولي العهد السعودية محمد بن سلمان لتطوير الاقتصاد واتباع نموذج آخر أكثر علمانية في البلاد.
سيعكس هذا القرار على الاقتصاد السعودي بأمور إيجابية بطبيعة الحال، ومن بين القطاعات المستفيدة هناك 3 قطاعات من المرجح أنها ستستفيد من القرار هي “قطاع السيارات، وقطاع التأمين والقطاع المصرفي والمالي، بحسب أحد الخبراء.
بالنسبة لقطاع مبيع السيارات، فقد بلغت واردات السعودية من السيارات الجديدة خلال العام الماضي، نحو 750 ألف سيارة. ومن المرجح أن يرتفع هذا العدد إلى الضعف سنويًا مع دخول قرار السماح للنساء بقيادة السيارات حيز التنفيذ، ما يشكل فرصة لشركات السيارات للاستحواذ على هذه الحصة في السوق السعودية، وبالتبع ستكون شركات التأمين المستفيد الأكبر من بين القطاعات الاقتصادية بفضل إصدار بوليصات تأمين على السيارات الجديدة.
التكلفة السنوية الإجمالية في أجور السائقين الأجانب تزيد عن 25 مليار ريال.
ومن المتوقع أن تشهد الأسواق المحلية فتح مزيد من معارض السيارات لاستقطاب عملائها من النساء في الأسواق السعودية، ومن جهة أخرى فإنه من المتوقع أن يشكل ارتفاع عدد السيارات في البلاد ضغطًا على البنية التحتية، وهو ما سيتطلب مضاعفة العمل من قبل شركات البنية التحتية لمواكبة هذه الزيادة.
أما فيما يخص القطاع المالي والمصرفي، إذ من المتوقع أن تشتد المنافسة بين البنوك العاملة في البلاد لتقديم قروض للمواطنات الراغبات بشراء سيارات، وهذا من شأنه تنشيط العمل المصرفي ودورة المال في الأسواق المحلية. وهناك فائدة توقعها العديد من الخبراء بعد سريان القرار، إذ قدرت مصادر إنفاق الأسر السعودية ما يزيد عن 25 مليار ريال رواتب سنوية للسائقين الأجانب باعتبار متوسط أجر السائق الشهري 1500 ريال، فهناك نحو 1.376.096 مليون سائقًا، وفق نشرة إحصائية لسوق العمل في المملكة خلال الربع الأول من 2017.
يُشار أن السائق الأجنبي لدى العائلة السعودية يتقاضى حوالي 400 دولار شهريًا، وهو يعني تخلي العائلة السعودية التي تستأجر سائقًا تضطر للتخلي عن 4800 دولار سنويًا من دخلها الإضافي، والسماح للمرأة بقيادة السيارة من شأنه أن يعيد تلك المبالغ إلى دورة الاقتصاد على شكل ارتفاع القدرة الشرائية للمواطن السعودية على المنتجات الاستهلاكية.
يبلغ عدد العمالة المنزلية الأجنبية من الذكور وفقًا لتقرير صادر عن هيئة الإحصاءات العامة بنهاية شهر مارس/آذار من العام 2017 بـ1.579.285 مليون عاملاً منزليًا من الذكور، يمثل السائقون منهم ما نسبته حوالي 90%.
وبرأي محللين اقتصاديين فإن هذا سيسهم في خفض حجم العمالة المنزلية وبالتالي حجم العمالة الكلية في المجتمع ما ينعكس ايجابًا على الجوانب الأمنية والمجتمعية. كما أنه سيعمل على تقليص التحويلات الخارجية من السعودية، التي تصنف ثاني أكبر دولة في تحويل الأموال إلى الخارج في العالم بعد الولايات المتحدة، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي عام 2012.
ومن بين المبالغ التي كانت الأسرة السعودية تتكلفها لاستقدام سائقين أجانب، وهو ما ستوفره الأسرة بعد سريان القرار، التأشيرة التي تقدر بـ2.8 مليار ريال، واستخراج إقامة السائق لأول مرة وتقدر بحوالي 840 مليون ريال، والتكفل بالسكن شامل الفواتير والعلاج والغذاء التي تزيد عن 2 مليار ريال في الإجمالي العام، إضافة إلى تكاليف التذاكر التي تصل إلى ما يزيد عن 2.5 مليار ريال، وتكلفة الاستقدام التي تبلغ بالمتوسط حوالي 11 مليار ريال.
يقدر إنفاق الأسر السعودية على الرواتب السنوية للسائقين الأجانب ما يزيد عن 25 مليار ريال، فهناك نحو 1.376.096 مليون سائقًا.
وأشارت دراسات أن هناك 50% من الإناث يمثل عدم السماح لهن بقيادة السيارة يإعاقة أداء أعمالهن ومن ثم يقلل من فرصة إسهامهن في التنمية الوطنية، ويُشار أن السيدات تمثل 49.6% من المتخرجين الجامعيين في السعودية، غير أنهن يشكلن 16% فقط من اليد العاملة. ووفقًا لدراسة صادرة عن أوكسفورد بزنس غروب، فإن رفع نسبة مشاركة السيدات في سوق العمل إلى 40% سيزيد إجمالي الناتج المحلي بحوالي 17 مليار دولار سنويًا، فيما قد تزيد العوائد للشركات السعودية بـ 58 مليار دولار.
كما ان تمكين المرأة من قيادة السيارة سيعزز فرصها في العمل ويزيل عنها أهم المعوقات وهو معوق النقل. ومن المتوقع ان يكون للقرار أثر إيجابي على مبيعات السيارات. ورغم احتمال تقليص القرار للعمالة الوافدة في وظيفة سائق، إلا أن القرار من شأنه أن يفتح الباب أمام وظائف أخرى مرتبطة بقطاع السيارات مثل التصليح ومهن أخرى سترتبط بالطفرة الناجمة عن شراء مئات آلاف السيارات للسيدات في السعودية.
الأضرار المتوقعة
هناك قطاعات أخرى ستتضرر من هذا القرار، ومن أهمها قطاع سيارات الأجرة، وبالأخص السيارت التي تستخدم التطبيقات الذكية مثل شركتي “أوبر” و”كريم”. الشركتين تعملان في مجال تكنولوجيا النقل البري (خدمة التكسي) عبر تقديم خدمات توصيل سريعة ومريحة مع سائق خاص في مختلف مدن المنطقة من خلال موقعها الإلكتروني وتطبيقات الهواتف الجوالة الذكية.
يتم العمل بالقرار في بداية شهر يونيو/حزيران العام المقبل، بعد اتخاذ الإجراءات ووضع الضوابط الضرورية اللازمة لاستصدار رخص القيادة وملاءمة قانون المرور مع التطورات الجديدة.
خلال السنوات الماضية أصبح معظم أفراد المجتمع السعودي يقبل بكثافة على طلب الخدمة من أوبر أو كريم، عبر تطبيقات الهواتف الذكية. في الوقت الذي خلت فيه الشوارع من الباحثين عن سيارة أجرة عمومية. وتعد السوق السعودية من أكبر الأسواق التي تعتمد عليها شركة “كريم” في المنطقة، حيث “أصبحت فعليا أكبر شركة بفريق عمل سعودي”، كما يؤكده مدير عام الشركة في السعودية حاتم الكاهلي.
ويقدر نسبة السعوديين العاملين في الشركة بين 40 – 50%، خاصة في المدن الرئيسية كالرياض وجدة والدمام. ويتراوح متوسط الدخل الشهري للسعوديين بين 6 إلى 9 آلاف ريال يخصم منها تكاليف مصروفات السيارة المستخدمة، وتصل نسبة النمو في أعمال خدمة تطبيق كريم في السعودية إلى 30%.
ولوحظ في الفترة الماضية تحول آلاف سيارات الأجرة “الليموزين” للعمل بنظام كريم. وتعتمد كريم في الخدمة على أكثر من 50 ألف سائق في السعودية. والآن بعد السماح للمرأة بقيادة السيارة ستنخفض حصة شركتي “كريم” و”أوبر” في الأسواق المحلية، فعوض أن تطلب المرأة سيارة من خلال إحدى الشركتين، ستركب سيارتها وتقضي جميع أعمالها.
السيدات تمثل 49.6% من المتخرجين الجامعيين في السعودية، غير أنهن يشكلن 16% فقط من اليد العاملة.
أخيرًا يمكن القول أن هذا القرار تزامن مع ما نقله التقرير السنوي الثالث والخمسين للمؤسسة النقدية السعودية، الصادر أمس الثلاثاء عن محافظ مؤسسة النقد السعودي قوله، إن الاقتصاد المحلي شهد خلال الربع الأول من العام الجاري، نموًا سالبًا في الناتج المحلي بالأسعار الثابتة بلغ حوالى -0.5% نتيجة للتراجع في نمو القطاع النفطي، إلا أن القطاع الخاص غير النفطي حقق نمواً إيجابياً بلغ حوالى 1% وفقًا للتقرير، ومن المتوقع أن يحدث قرار السماح للمرأة بالقيادة انتعاشة ولو مؤقتة للاقتصاد السعودي قادمة من القطاع الخاص على أن تحسن السلطات السعودية اسغلال هذا الأمر.