ترجمة وتحرير نون بوست
بالنسبة لأنجيلا ميركل، لا تعدو أن تكون نتائج الانتخابات الألمانية التي انتهت بفوز حزب المستشارة الألمانية سوى مجرد “كابوس”. من جانبها، عمدت صحيفة “بيلد” الألمانية، وغيرها من وسائل الإعلام المحلية، إلى وصف هذا الفوز “بكابوس النصر”، وذلك تعليقا على أداء المستشارة في الانتخابات التي تخوضها للمرة الرابعة على التوالي. ومن المثير للاهتمام أن هذه الانتخابات قد شهدت بروزًا غير متوقع للحزب اليميني المتطرف، البديل من أجل ألمانيا.
من الواضح أن هذه النتائج ليست مثالية بالنسبة لميركل، وسياستها في ألمانيا. ففي الوقت الراهن، سيتوجب على ميركل مواجهة تحد يتمثل في تشكيل حكومة جديدة ذات تمثيل برلماني أقل، يتكون فقط من الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، الذين قد خسرا 65 مقعداً معا، ودون دعم من قبل الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي كان أحد المشاركين في الائتلاف الكبير. في المقابل، تعهد الحزب الديمقراطي الاجتماعي بالانضمام إلى المعارضة، خاصة بعد النتائج الهزيلة التي حققها في الانتخابات.
نتيجة لذلك، وفي ظل هذه النتائج، ستجد ميركل نفسها، فضلا عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، أمام خيار واحد لأجل الحفاظ على حكومة الأغلبية. ويتمثل هذا الخيار في تشكيل ائتلاف ثلاثي مع كل من الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر الألماني، اللذين يعتبران حزبان صغيران ولكنهما نجحا في تحقيق مكاسب انتخابية غير متوقعة.
في الواقع، أبدى الكثيرون تحسرهم إزاء تمكن حزب البديل من أجل ألمانيا من الوصول إلى البرلمان والخسارة الواضحة للائتلاف الكبير الذي تقوده ميركل. في الوقت ذاته، أُعتبر ذلك بمثابة دليل على توجه ألمانيا نحو اليمين، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك. فمن المؤكد أن وجود حزب البديل من أجل ألمانيا في البرلمان الألماني سيؤثر بشكل ما، حتى وإن كان دورها هامشيا، على سياسة الدولة الألمانية. في الوقت ذاته، سيكون للأحزاب الصغيرة التي تشهد بروزا واضحا على الساحة السياسية، في الآونة الأخيرة، يد في اتخاذ القرارات.
ألمانيا لم تشهد من قبل مثل هذا العدد الهائل من الأحزاب الصغيرة في البوندستاغ
على الرغم من أن هذه الأحزاب لم تحظى بالعديد من المقاعد بالمقارنة بحزب البديل من أجل ألمانيا، إلا أنها عادت إلى الظهور على اعتبارها أطرافا فاعلة، في مشهد سياسي لا طالما هيمنت عليه أحزاب وسط اليمين وأحزاب وسط اليسار. في ظل صعود هذه الأحزاب، سيعاد تشكيل السياسة الألمانية من جديد. وفي هذا الصدد، وصف كاس مود، الأستاذ في جامعة جورجيا ومؤلف مشارك لكتاب “الشعبوية: مقدمة مختصرة”، هذا الأمر على أنه “بمثابة تخل عن الانحياز للأحزاب الرئيسية، وليس توجها نحو حزب البديل من أجل ألمانيا”.
في سياق متصل، أفاد مود أن “ألمانيا لم تشهد من قبل مثل هذا العدد الهائل من الأحزاب الصغيرة في البوندستاغ، في حين لم نعهد أن نراهم في مثل هذه المستويات العالية”. في الحقيقة، شهدت الانتخابات التي انعقدت يوم الأحد الماضي، دخول حزبين جديدين في البوندستاغ، ألا وهما حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي فاز بنحو 94 مقعداً في البرلمان، والحزب الديمقراطي الحر، الذي عاد إلى السلطة بحوالي 80 مقعداً، بعد الفشل الذي مني به في انتخابات سنة 2013.
ضمن التشكيلة الجديدة للبوندستاغ، انضم هذان الحزبان إلى حزب الخضر الألماني، الذي فاز بخمسة مقاعد، والحزب اليساري الألماني، الذي حصل على أربعة مقاعد، والاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني. في الواقع، تعبر تشكيلة البوندستاغ الجديدة، التي تضم سبعة أحزاب، الأكبر في ألمانيا منذ عقود، من حيث عدد الأحزاب وعدد الأعضاء.
ظهور الأحزاب الصغرى لا يعتبر أمراً مفاجئا، خاصة في حال أخذنا بعين الاعتبار فترة حكم ميركل الطويلة، في ظل الائتلاف عينه
في إشارة إلى اكتساح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، فضلا عن الحزب الديمقراطي الحر، المهمش نسبيا، أورد كاس مود، أنه “في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كنا ندعو النظام في ألمانيا “بنظام الحزبين ونصف”. في الوقت الراهن، نشهد تقهقر الأحزاب المؤسسة وفوز الأحزاب الشعبوية اليمينية. ولكن يوجد أيضا ثلاثة أحزاب أخرى حققت نسبة 10 بالمائة. وعلى الرغم من أنها لم تفز، إلا أنها موجودة”.
في سياق متصل، صرح الدكتور طارق أبو شادي، الباحث في السياسة المقارنة، في جامعة هومبولت في برلين، أن عودة ظهور الأحزاب الصغرى لا يعتبر أمراً مفاجئا، خاصة في حال أخذنا بعين الاعتبار فترة حكم ميركل الطويلة، في ظل الائتلاف عينه. وأضاف أبو شادي أن “غياب أي تحويرات سياسية فعلية، وتتالي الحكومات التي تشبه بعضها البعض، من شأنه أن يعزز جهود هذه الأحزاب المنافسة، الرامية إلى “التغيير””.
من جهة أخرى، أورد الكسندر هنسل، خبير في حزب البديل من أجل ألمانيا، أن هذا الظهور الجديد للأحزاب الصغرى قد تدعم بفضل الخسائر التي سجلتها الأحزاب الكبرى. وأضاف هنسل أنه “فيما يتعلق بوضع الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، نرى أن الحزب قد فقد الكثير من الأصوات، التي مالت تباعاً إلى حزب الخضر الألماني والحزب اليساري والحزب الديمقراطي الحر، والبديل لأجل ألمانيا، على حد السواء”. وانطلاقا من السيناريو ذاته، خسر الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا مقاعده في البرلمان. وقد قدرت عدد الأصوات التي خسرتها هذه الأحزاب لصالح البديل من أجل ألمانيا بحوالي مليون صوت، فضلاً عن 1.4 مليون صوت لفائدة الحزب الديمقراطي الحر.
تعتبر هذه التغييرات هيكلية، في حين ستقود ألمانيا إلى المزيد من الانقسام، شأنها شأن معظم البلدان الأوروبية
من المثير للاهتمام أن “نزيف الناخبين” الذي تشهده الأحزاب السياسية الرئيسية، لفائدة الأحزاب الصغيرة، ليس حكرا على ألمانيا. ففي مستهل هذه السنة، شهدت الانتخابات الهولندية نتائج مماثلة. وقد انقسمت المقاعد البرلمانية، البالغ عددها 150 مقعداً، بين حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، اليميني المعتدل، وحزب من أجل الحرية اليميني المتطرف، بالإضافة إلى حوالي 12 حزباً آخر.
على الرغم من أن طبيعة النتائج في هولندا تعود جزئيا إلى طبيعة نظام التمثيل النسبي في البلاد، إلا أن كاس مود شدد على أن هذا الأمر يعد بمثابة موجة جديدة على الساحة السياسية، ينبغي على القادة الأوروبيين تقبلها على اعتبارها واقعا سياسيا جديدا.
وأردف مود، أن “الخطاب في مرحلة ما بعد الانتخابات ستحيل إلى أن هذا التغيير غير المتوقع، يعد نتيجة فشلنا فيما يتعلق بسياسة الهجرة. وبالتالي، سرعان ما ستعود الأمور إلى نصابها، وسنتمكن من إحياء فترة السبعينات والثمانينات. ولكن ذلك غير وارد البتة. في الواقع، تعتبر هذه التغييرات هيكلية، في حين ستقود ألمانيا إلى المزيد من الانقسام، شأنها شأن معظم البلدان الأوروبية، مما يعني انبثاق تحالفات أوسع. من هذا المنطلق، علينا تقبل هذا الواقع على أنه أمر طبيعي، وإلا سنشعر بالإحباط”.
الصحيفة: فليبورد