في ذروة حرب الإبادة الدائرة في غزة، ارتدى وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، لحية شيطانية اللون وشعرًا مستعارًا طويلًا وقبعة صوف رمادية، وذهب إلى مركز شرطة يافا متنكرًا بعيدًا عن مظهره المعتاد: بدلته غير المتناسقة وقميصه وربطة عنقه ونظاراته المشهور بها وأربطة حذائه الجلدي المبللة.
تظاهر بن غفير بأنه شخص عادي يريد تقديم شكوى، قبل أن يكشف في النهاية عن هويته الحقيقية، لكن تصرفه الذي قيل إنه بهدف مراقبة عمل ضباط الشرطة عن كثب، واجه انتقادات مسؤولين في الشرطة، اتهموه بمحاولة “السيطرة على المنظمة (الشرطة)، وأن يكون قائدًا أعلى لها”.
כל שוטר שלא זיהה שזה בן גביר לדעתי לא צריך להיות שוטר. pic.twitter.com/lskK6S9c77
— חיים 🇮🇱 (@hai071023) January 27, 2024
أثبتت هذه الواقعة ما يُوصف به بن غفير، فهو ممثل لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وقبل كل شيء يتمتع بهوس تصدُّر عناوين الأخبار من خلال زرع الفوضى، ولهذا تردد اسمه كثيرًا في الأشهر الأخيرة، فلا يكاد يغيب وجهه عن أخبار الحرب على غزة حتى يظهر مجددًا، مدليًا بتصريحات عنصرية ضد الفلسطينيين، لكنها أصبحت أكثر عدوانية وكراهية منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”.
مخططات بن غفير
يتمتع بن غفير بتاريخ حافل من المواقف المتطرفة والتحريضية ضد العرب، والإدلاء بتصريحات مثيرة لغضب واستفزاز الفلسطينيين، والانتماء إلى حركات معادية للمسلمين منذ مراهقته، ويعتبره منتقدوه محرّضًا خطيرًا مستعدًّا لإثارة صراع أوسع مع الفلسطينيين لتوسيع قاعدته الجماهيرية.
قاد بن غفير بعد أيام قليلة من عملية “طوفان الأقصى” حملة لتوزيع آلاف الأسلحة والذخائر على اليهود والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة
أحدث تعليقاته المثيرة للغضب جاءت قبل أيام قليلة، عندما تقدم بخطة إلى الحكومة الإسرائيلية تدعو إلى إغلاق المسجد الأقصى بوجه كل فلسطينيي في الضفة الغربية خلال شهر رمضان، ومنع دخول فلسطينيي القدس والداخل لمن هم دون الـ 70 عامًا.
لا خلاف إسرائيليًّا حول ضرورة تقييد وصول المصلين الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، بل الخلاف حول إجراءات التقييد وأنماطه، وتجري خلف الكواليس الإسرائيلية معركة حقيقية بين بن غفير والشرطة وبين الجيش والشاباك وحتى نتنياهو حول كيفية التعامل مع شهر رمضان.
الجيش والشاباك طلبا تحديد الفئة العمرية المسموح لها دخول الأقصى من 45 عامًا وفوق، أما شرطة الاحتلال فقد اقترحت أن يبدأ المنع بمن فوق سن الـ 60 عامًا، ونشر قوة في الأقصى بهدف التعامل الفورى مع ما وصفته بـ”حملات التحريض” أو رفع أعلام فلسطينية، وهو أمر عارضته المخابرات الإسرائيلية.
جاء ذلك كله في إطار محاولة “إسرائيل”، من خلال هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، فرض واقع جديد داخل الحرم القدسي الشريف، من خلال إبقاء قوات الشرطة داخله، الأمر الذي بعث لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المخاوف، وحذّرت من أن بن غفير إذا أقدم على تنفيذ سياسته فمن شأنها أن تؤدي إلى إشعال المنطقة، وتحوّل المسجد الأقصى إلى مكان يتّحد حوله الفلسطينيون.
لكن اللافت أكثر هو نقاش حصار الأقصى قبل شهر من موعد رمضان المبارك، في إشارة تنبئ بأن هناك حملة تشويه للشهر الفضيل، بإظهاره أنه الشهر الذي تزداد فيه احتمالات تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
تقييد حرية المواطنين الفلسطينيين لا يقتصر على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى، فقد دعا بن غفير إلى فرض المزيد من القيود على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووضع الحواجز حول القرى والبلدات الفلسطينية لتقييد حرية التنقل، زاعمًا أن “حرية السكان اليهود أكثر أهمية من حرية تنقل الفلسطينيين”.
#متابعة | وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير بعد عملية “معاليه أدوميم”: “يجب تقييد حرية التنقل ووضع الحواجز، إن حقنا في الحياة يفوق حرية الفلسطينيين في الحركة”.
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) February 22, 2024
كما كرّر دعوته إلى عدم السماح للعمال الفلسطينيين بدخول “إسرائيل” للعمل، بدعوى أنهم يشكّلون “خطرًا على حياة الإسرائيليين” حسب وصفه، ومنذ ذلك الحين أوقفت “إسرائيل” تصاريح آلاف العمال من غزة والضفة الغربية، وفرضت قيودًا مشددة على المعابر، بعدما كان يدخل إلى “إسرائيل” يوميًّا من الضفة الغربية أكثر من 150 ألف فلسطيني، ووصلت عدد تصاريح العمل الممنوحة للعمال في غزة إلى 18 ألفًا و500، وأُعلن في المقابل عن خطة لاستقدام عمالة أجنبية من الصين والهند وتايلاند وسريلانكا.
وبوصفه وزير الأمن القومي وأحد أباطرة الاستيطان، قاد بن غفير بعد أيام قليلة من عملية “طوفان الأقصى”، حملة لتوزيع آلاف الأسلحة والذخائر على اليهود والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، يدعمه فيها رئيسه المتطرف بنيامين نتنياهو، ما أدّى إلى تصاعد وتيرة جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين، وتكثيف هجماتهم ضد القرى وعلى الشوارع الرئيسية، كل ذلك يجري تحت حماية جيش الاحتلال وحكومة الحرب الإسرائيلية.
هذه الدعوات التي تصدر بين الحين والآخر تتزايد بعد كل هجوم أو عملية، سواء كانت في الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر، مثلما جرى مؤخرًا خلال عملية إطلاق نار نفّذها فلسطينيون على الحاجز العسكري قرب مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس، ليعلن بعدها بن غفير الاستمرار في توزيع الأسلحة على أتباعه، الذين يرغب في أن يكونوا من حَمَلة الأسلحة، سواء من المستوطنين داخل الضفة الغربية أو الإسرائيليين داخل “إسرائيل”، بدعوى “حماية أنفسهم”.
بعد أن كانت هذه الدعوات تأتي في إطار المزايدات، أو في محاولة للتهرب من المسؤولية، يتضح منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول أن مَنْ يقف وراءها هم صنّاع القرار، وعلى رأسهم “وزير البنادق” بن غفير، الذي طالب بتوسيع دائرة منح التراخيص لحمل السلاح في “إسرائيل”، ما اعتبره البعض تفويضًا بالقتل.
ومع تصاعد الأحداث في غزة، عاد بن غفير بمقترحاته المتطرفة القديمة، وتقدم بخطة أمنية لنتنياهو تتضمن بنودًا للتنكيل بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، كتجديد ظروف حبس الأسرى، ووقف توزيعهم داخل السجون بناءً على انتمائهم السياسي، ومنعهم من طهي طعامهم بأنفسهم أو شرائه من بقالة السجن.
وفي تصريح يُضاف إلى التصريحات التي وُصفت بـ”المتطرفة”، دعا بن غفير القائمين على مصلحة السجون الإسرائيلية إلى تقليص قائمة الطعام المقدمة للأسرى الفلسطينيين، ومنع اللحوم أو غيرها من قائمة المأكولات المتنوعة، زاعمًا أن الرهائن المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية لا يتناولون سوى قطعة صغيرة من الخبز يوميًّا.
الوزير الذي أقال قبل فترة رئيسة مصلحة السجون، بسبب أنها “تتساهل مع الأسرى الفلسطينيين” بحسب وصفه، هدّد المسؤولين الذين سيتجاهلون توجيهاته بأنهم لا يستحقون أن يبقوا في مناصبهم.
وخلال زيارة سابقة لأحد السجون الإسرائيلية، قال لوسائل الإعلام إنه أراد “التأكد من أن السجناء الفلسطينيين لن يحصلوا على ظروف أفضل” نتيجة بناء زنازين جديدة، وأنهم لن يحصلوا بعد الآن على “الخبز الطازج كل صباح كما لو كانوا في مطعم”، وأمرَ بإغلاق ما قال إنها مخابز تدار في سجنَين إسرائيليَّين.
وبخلاف كونه الشخص الوحيد الذي عارض صفقة إطلاق سراح الأسرى الوحيدة التي تم التوصل إليها حتى الآن، هدّد بن غفير كل من يحتفل بالأسرى المفرج عنهم بدفع غرامات مالية، أو الزجّ بهم بالسجن بتهمة الإرهاب.
تصريحات بن غفير تنضم إلى قائمة من المواقف المتشددة، ففي وقت سابق رفض بعض الإجراءات التأديبية التي أقرّها الجيش بحقّ جنود إسرائيليين اقتحموا مسجدًا في مدينة جنين، ووصفهم بـ”الجنود الرائعين الذين يجب أن يحصلوا على الدعم الكامل”، كما رفض انتقاد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
كما يسعى بن غفير أيضًا إلى تخفيف قواعد الاشتباك للشرطة بتعديل تعليمات إطلاق النار، وإضفاء الشرعية على عقوبة الإعدام ضد الفلسطينيين، وهو أمر يقع خارج نطاق مسؤوليته، كما أوعز إلى الشرطة بالامتناع عن ملاحقة المتطرفين اليهود الذين يرتكبون اعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، واقترح منح الحصانة لضباط الشرطة الإسرائيلية وعناصرها، وحتى للإسرائيليين الذين يأذون جسديًّا أو يقتلون الفلسطينيين الذين يزعم أنهم ينفّذون عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
وبعد وقت قصير من بدء الحرب على غزة، قال بن غفير على “إكس”: “الشيء الوحيد الذي يجب أن يدخل غزة ليس غرامًا واحدًا من المساعدات الإنسانية، بل مئات الأطنان من المتفجرات من سلاح الجو”، ثم أرسل لاحقًا رسالة إلى نتنياهو، طالبه فيها بوقف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
وكرر بن غفير دعوته لإعادة احتلال غزة، وبناء المستوطنات اليهودية، وتشجيع ترحيل الفلسطينيين من القطاع، وفي تفصيل لموقفه يقترح خطة تهدف إلى “تشجيع سكان غزة على الهجرة الطوعية إلى أماكن حول العالم”، من خلال تقديم حوافز نقدية لهم، ووصف ذلك بأنه “الشيء الإنساني الحقيقي” الذي يجب القيام به، وقال إن عقد مؤتمر عالمي يمكن أن يساعد في العثور على دول مستعدّة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.
اعتبرت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن وزير الأمن القومي المتطرف قوة تحريضية، ويتوجّب على نتنياهو -إن كان يكترث لـ”إسرائيل” ومستقبلها- إسكاته والتخلص من جميع مصادر الكراهية والانقسام في حكومته
ليست هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها بن غفير مثل هذه الدعوات، لكنها الأحدث التي يصدرها منذ بدء الإبادة في قطاع غزة، وقد صدرت دعوات مماثلة من قبل مسؤولين آخرين من اليمين المتطرف، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وعضو الكنيست عن حزب الليكود داني دانون، الذين دعوا إلى تشجيع “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين من غزة.
كما حثَّ وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، الذي ينتمي إلى حزب بن غفير، “إسرائيل” على “إيجاد طرق أكثر إيلامًا من الموت لسكان غزة، لهزيمتهم وتحطيم معنوياتهم وإلحاق الألم بهم، بما في ذلك تهجيرهم إلى دول أخرى وتدمير منازلهم وكسر حلمهم الوطني”، بل دعا إلى “إسقاط قنبلة نووية على غزة ومسحها عن وجه الأرض”، كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان.
وتشير استطلاعات الرأي والمناقشات العامة واسعة النطاق بين الفلسطينيين، إلى أن مثل هذه الخطة ستلقى معارضة ساحقة من سكان غزة، الذين يخشى العديد منهم أن الحرب الإسرائيلية تهدف في الواقع إلى تهجيرهم بشكل دائم واستبدالهم بمستوطنين يهود، كما ستلقى معارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة والحكومات العربية، التي تطالب “إسرائيل” بالتخلي عن سيطرتها على غزة، والسماح لسكانها بالعودة إلى منازلهم.
في المقابل، يبدو أن نهج بن غفير يكتسب شعبية بين الإسرائيليين، إذ تؤيّد أغلبية صغيرة من اليهود الإسرائيليين الآن بشكل كامل أو إلى حدٍّ ما إنشاء مستوطنات يهودية داخل غزة، وفقًا لاستطلاع أجرته جامعة تل أبيب الشهر الماضي، وهو ما كان مجرد فكرة هامشية يتبنّاها أعضاء حركة “كاهانا” القومية المتطرفة.
“مشكلجي” الكنيست
قد يكون هذا الوصف لائقًا لشخصية بن غفير منذ بدء الحرب على غزة، الذي شنَّ داخلها حربًا أخرى على الجميع دون استثناء، فانتقد أمريكا مرارًا، وكان آخر ما قاله: “لسنا نجمة أخرى على علمهم”.
ويقود بن غفير الآن خطًّا سياسيًّا متطرفًا مماثلًا، ومع افتقاره المعتاد للمسؤولية، لا يتوقف عن مهاجمة الحكومة التي يجلس فيها، وسبق أن هدد بتفكيكها إذا لم يستمر الهجوم العسكري “بكامل قوته”، بعد انتهاء الهدنة قصيرة الأمد في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني.
ومؤخرًا، هاجم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، واصفًا إيّاه بأنه “يحوّل المحب إلى عدو”، بعد سياسة الأخير في التعامل مع بعض المستوطنين، واتّهم عضو المجلس الأمني المصغّر، بيني غانتس، بالتواطؤ في هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واستبعده نتنياهو عن العديد من الاجتماعات الأمنية منذ عملية “طوفان الأقصى”.
لا يمكن النظر إلى بن غفير باعتباره شخصية خارج السيطرة، بقدر ما يُعتقد أنه يرتبط بجهات فاعلة في الداخل الإسرائيلي، في مقدمتها نتنياهو.
وفي مثال على مخالفة بن غفير للأعراف السياسية التقليدية، أعرب عن انتقادات مباشرة ونادرة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، كعضو في مجلس الوزراء، واتهمه في لقاء له مع صحيفة “وول ستريت جورنال“، بتقديم الدعم الإنساني لغزة بدلًا من توجيه الدعم الكامل لـ”إسرائيل”، وقال إنه يتمنى أن يكون ترامب هو الرئيس.
هجوم مباشر وعبر الإعلام الأمريكي، في وقت يقوم فيه جسر جوي أمريكي بنقل الأسلحة والذخائر إلى “إسرائيل” دون توقف، وفي وقت يقوم فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بحلّ مشاكل “إسرائيل” مع حماس في الجنوب، ويقوم المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين بحل مشاكلها في الشمال مع “حزب الله” اللبناني، في حين ضحّى بايدن بمستقبله السياسي على حساب شعبيته قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
قبل ذلك بأيام قليلة، لم يجد بن غفير مفرًّا من توجيه اعتذار لشخص بايدن، بعدما سخر ابنه منه في تغريدة على منصة “إكس”، ألمح فيها إلى إصابته بالخرف، رغم أن بن غفير يُوصف بأنه “أكبر مفسد للعلاقات بين تل أبيب وواشنطن”، لدرجة أن الصحافة الإسرائيلية تترجّى صمته.
في افتتاحيتها، عنونت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية “حان الوقت ليصمت بن غفير”، واعتبرت أن وزير الأمن القومي المتطرف قوة تحريضية، ويتوجّب على نتنياهو -إن كان يكترث لـ”إسرائيل” ومستقبلها- إسكاته، والتخلص من جميع مصادر الكراهية والانقسام في حكومته.
أمّا آخر ما حُرّر بشأنه كان “قرارًا مؤقتًا” أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية، منعته بموجبه من إصدار تعليمات للشرطة فيما يتعلق بالتظاهرات، وهو ثاني حكم عليه يتعلق بهذا الملف، إذ قضت المحكمة في مارس/ آذار 2023، بعدم السماح له بإصدار مثل هذه الأوامر، لكنها وجدت أنه انتهك الحكم بعد تغريدة قال فيها إن توجيهاته للشرطة كانت لمنع مظاهرة لأحد الأحزاب ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
تعليق مهام شخصية بارزة مثل بن غفير مفرزات طبيعية لصدع إسرائيلي داخلي، تزيده توسعًا حرب التصريحات وتبادل الاتهامات تحت قبب الاجتماعات الإسرائيلية، التي اضطرت نتنياهو للاستعانة بجهاز كشف الكذب، من أجل تصديق ما يُقال فيها على ألسنة المسؤولين والوزراء، مع احتمالية مفتوحة لتصعيد أكبر بين صنّاع القرار في “إسرائيل”، فما بدأ بالتخوين وقرارات تعليق المهام قد ينتهي بإشهار السلاح.
تاريخ من التحريض والعنصرية
يتجلى ازدراء بن غفير لأي سلام مع الفلسطينيين أيضًا في عدائه تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، الذي قُتل عام 1995 على يد أحد القوميين الإسرائيليين المتطرفين خلال تجمع حاشد في تل أبيب، انتقامًا لتوقيعه اتفاقية أوسلو في سبتمبر/ أيلول عام 1993 مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
بن غفير، وهو مستوطن في كريات أربع، إحدى أكثر المستوطنات تطرفًا في الضفة الغربية المحتلة (وكلها غير قانونية بموجب القانون الدولي)، سجّل حضوره السياسي الأول عندما كان عمره 19 عامًا، ونظّم مع نتنياهو وشخصيات يمينية أخرى وقفات ضد الاتفاقية في ساحة صهيون وسط القدس قبل بضع أسابيع من مقتل رابين، هتف خلالها المتظاهرون “الموت لرابين”، وظهر بن غفير حاملًا لشعار من سيارة رابين، وردد: “وصلنا إلى سيارته وسنصل إليه أيضًا”.
بن غفير لديه خطة استراتيجية تتمحور بالأساس حول ضمّ الضفة الغربية وطرد ما أمكن من السكان الفلسطينيين، مثلما يجري في قطاع غزة.
تتأثر أفكار بن غفير السياسية بمائير كاهانا، الحاخام والنائب السابق ومؤسس حركة “كاخ” اليمينية المتطرفة، المعروفة أيضًا باسم “كاهانا تشاي”، التي تأسّست عام 1972، وتريد إقامة مجتمع يهودي خالص، وانضم إليها بن غفير كناشط عندما كان عمره 16 عامًا، قبل أن تصنفها الولايات المتحدة “جماعة إرهابية” وتحظرها “إسرائيل”.
كما اُشتهر بن غفير بوضعه على جدار منزله صورة لأحد أعضاء “كاخ” الإسرائيلي الأمريكي باروخ غولدشتاين، منفّذ مجزرة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل التي راح ضحيتها 29 مصليًا فلسطينيًّا في 25 فبراير/ شباط 1994، واصفًا إياه بـ”البطل”.
وعمل بن غفير أيضًا كناشط سياسي ومحامٍ يدافع عن نشطاء من منظمة “لاهافا”، وهي مجموعة مناهضة للاختلاط بين الأجناس، والتي دعت إلى الطرد الكامل للفلسطينيين وحظر عيد الميلاد، وتعتبر الكنائس أماكن لعبادة الأوثان، وُطرحت فكرة تصنيفها على أنها “جماعة إرهابية” بعد تنظيم مسيرة في القدس كان أعضاؤها يهتفون خلالها “الموت للعرب”.
وفي انتخابات الكنيست في مارس/ آذار 2021، تمكن حزب القوة اليهودية (عوتسما يهوديت) اليميني المتطرف، الذي يقوده بن غفير منذ عام 2019، من دخول البرلمان الإسرائيلي من خلال تشكيل تحالف “الصهيونية الدينية”، بناءً على طلب رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو.
بعد دخوله الكنيست، أصبح النائب المثير للجدل “صانع الملوك” في السياسة الإسرائيلية، ولم يستطع أحد أن يوقفه عندما تقدم صفوف المستوطنين المقتحمين لمجمع المسجد الأقصى، ونقل مكتبه البرلماني إلى ساحة مجاورة لمنزل فلسطيني، سكانه مهددون بالطرد من قِبل المستوطنين، وأطلق على صحيفة “هاآرتس” اسم “صحيفة حماس”.
ويعتبر بن غفير المسجد الأقصى المبارك مكانًا للهيكل المزعوم، ويدعو إلى تكثيف اقتحامات اليهود لباحاته والسماح لهم بالصلوات، كما دعا إلى اجتياح الضفة الغربية والعودة إلى سياسة الاغتيالات، عقب عملية التفجير المزدوجة في القدس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ولا يخفى على أحد دور بن غفير في إحداث التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2022 ظهر بن غفير مع مجموعة المستوطنين الذين حاولوا اقتحام منزل إحدى العائلات، وعندما ردَّ الفلسطينيون بإلقاء الحجارة، أشهر مسدسًا وقال للضباط: “أطلقوا النار عليهم”.
بن غفير له سوابق مماثلة، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2021، وفي طريقه لحضور فعالية للحاخام مائير مازوز -وهو شخصية مثيرة للجدل، ألقى مؤخرًا باللوم على السوفيت واليهود الإصلاحيين في تدمير “شعب إسرائيل”-، أطلق النار على اثنين من حراس الأمن الفلسطينيين في موقف للسيارات في تل أبيب، ودخل في نزاع مع رئيس تحالف القائمة المشتركة أيمن عودة، عندما منعه عودة من الدخول إلى غرفة مستشفى الأسير الفلسطيني المضرب عن الطعام.
تحوّل بن غفير من كونه محرضًا يمينيًّا ومتطرفًا دينيًّا كارهًا للفلسطينيين، إلى شغل منصب رئيسي في حكومة الاحتلال عندما عُيّن وزيرًا للأمن القومي في حكومة نتنياهو بعد انتخابات عام 2022، وتسلّم قيادة شرطة الحدود الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، رغم أنه لم يخدم قط في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
قرار نتنياهو بإحضار بن غفير مباشرة من أقصى اليمين المتطرف إلى قلب الحياة السياسية، وتحويله من شخصية هامشية على الساحة السياسية الإسرائيلية إلى أحد لاعبيها الرئيسيين، منحه الضوء الأخضر لفعل ما يحلو له باعتراف الصحف الإسرائيلية، فدعا أكثر من مرة إلى ضمّ الضفة الغربية وطرد فلسطينيي الداخل، وإدخال تغييرات على إدارة الأقصى للسماح بالصلاة فيه.
ولعب بن غفير الذي يجهر بآرائه المتطرفة، دورًا في تأجيج التوتر في القدس، فبعد أيام فقط من توليه منصبه، اقتحم ساحات المسجد الأقصى 3 مرات خلال عام واحد وسط حراسة مشددة، في خطوة أثارت انتقادات دولية سياسية وشعبية، وإدانات من الفلسطينيين بعد أشهر من تصاعد التوتر والعنف، ووصفتها الحكومة الفلسطينية بـ”التحدي الخطير” لجعل الأقصى معبدًا يهوديًّا.
ولم يخفِ بن غفير رغبته في ترحيل الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم، كما يريد طرد السياسيين الذين يعتبرهم “غير موالين لإسرائيل”، في إشارة إلى أعضاء الكنيست الذين يمثلون المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل”، والنواب الإسرائيليين ذوي الميول اليسارية، وخصَّ بالذكر عضو الكنيست أيمن عودة، وأعضاء طائفة “ناطوري كارتا” اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة المناهضة للصهيونية، التي لا تعترف بدولة “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما دعا بن غفير حكومته إلى بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، واغتيال “المئات، أو إذا لزم الأمر الآلاف” من الفلسطينيين، وقال: “علينا أن نستوطن أرض إسرائيل، وفي الوقت نفسه نحتاج إلى شنّ حملة عسكرية ونسف مبانٍ واغتيال إرهابيين”.
وفي أغسطس/ آب 2023، اعترف بن غفير على الهواء بأن “إسرائيل” تطبّق نظام الفصل العنصري على أساس التفوق اليهودي، وقال إن حقه في التنقل دون عوائق يفوق حرية التنقل للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مستخدمًا مصطلح “يهودا والسامرة” التوراتي للأراضي المحتلة.
وفي وقت لاحق، تشاجر مع عارضة الأزياء الأمريكية من أصل فلسطيني بيلا حديد، التي ردّت على تصريحاته بشأن أحقيته في الضفة الغربية، فوصفها بأنها “كارهة لإسرائيل”، بعد أن انتقدت تعليقه، وكتبت في منشور على إنستغرام، حيث لديها ما يقرب من 60 مليون متابع: “في أي مكان وفي أي وقت، خاصة في عام 2023، لا ينبغي أن تكون حياة شخص ما أكثر قيمة من حياة شخص آخر، خاصة بسبب عرقهم أو ثقافتهم أو كراهيتهم الخالصة”.
رغم ذلك، لا يمكن النظر إلى بن غفير باعتباره شخصية خارج السيطرة، بقدر ما يُعتقد أنه يرتبط بجهات فاعلة في الداخل الإسرائيلي، في مقدمتها نتنياهو، الذي يبدو أنه تجاهل تحذير مفوض الشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي، باعتبار بن غفير وجهًا للتحول اليميني المتطرف الذي شهده المجتمع الإسرائيلي على مدار 50 عامًا.
صداع نتنياهو أم الحاكم بأمره؟
قد لا يشكّل صعود بن غفير كشخصية تنتمي إلى اليمين المتطرف حدثًا غير مسبوق في السياسة الإسرائيلية، لكن مواقفه تأتي هذه المرة في ظل صعود عالمي لهذا التيار، الذي يمثل الأيديولوجيا الكاهانية التي تتزايد قوّتها.
ويخشى الليبراليون، وهم أقلية في “إسرائيل”، من مقترحات بن غفير التي، إذا تم إقرارها، ستزيد من حدة التطرف والعنصرية التي ارتفعت بالفعل منذ دخوله إلى المشهد السياسي الإسرائيلي، حتى بات الرجل مسؤولًا عن نشر الفوضى وتحطيم كل ما كان يمكن اعتباره “إجراءات قانونية” داخل “إسرائيل”.
لكن بن غفير لديه خطة استراتيجية، تتمحور بالأساس حول ضم الضفة الغربية وطرد ما أمكن من السكان الفلسطينيين مثلما يجري في قطاع غزة، لكن هذا الأمر يحتاج إلى قرارات عليا، وربما تؤخذ تحذيرات الأجهزة الأمنية في الحسبان.
يشار في هذا السياق إلى أنه في شهر رمضان عام 2021، عندما كان بن غفير نائبًا في الكنيست، أقدم نتنياهو وحكومته على الاعتداء على الفلسطينيين في منطقة باب العامود بعد صلاة التراويح، وكذلك على منطقة الشيخ جراح، ووقعت اضطرابات عنيفة داخل الحرم، ما فجّر بالتالي حربًا على غزة في تلك الفترة.
الآن، أصبح بن غفير من صنّاع القرار داخل هذه الحكومة، ويتمتع بما يكفي من الدعم، سواء من داخل أوساط جماعته أو حتى من أوساط الليكود، لتقويض حكم نتنياهو، ويلمح إلى أنه على استعداد لاستغلال ذلك لكنه ربما يرفض الإسراع في إسقاط الحكومة، ويكتفي بالقول إن “نتنياهو على مفترق طرق، وعليه أن يختار الاتجاه الذي سيذهب إليه”.
ويرى الإسرائيليون أن بن غفير يتمتع بنفوذ كبير يشكّل تحديًا لنتنياهو، وأن الأخير أصبح رهينة في يد الأول يتحكم فيه كيفما يشاء، وأنه قد يضطر إلى الموافقة على رؤية بن غفير بشأن إجراءات تقييد الوصول إلى المسجد الأقصى، رغم تحذيرات الجهات الأمنية التي تقوله إن الوضع على شفا الانفجار في الضفة الغربية والقدس، إذا ما تم تنفيذ مثل هذا المخطط.
ويبدو في بعض الأحيان أن نتنياهو يتفاعل مع تصريحات بن غفير أسرع من غيره، فبعد ظهور تقارير عن صفقة رهائن قد تشمل إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين، كتب بن غفير على وسائل التواصل الاجتماعي أنه سيطيح بالحكومة إذا تمّت الموافقة عليها، وبعد ساعات ظهر نتنياهو في مستوطنة في الضفة الغربية ليعلن أنه سيعارض بالمثل أي صفقة من هذا القبيل، رغم أنه ظل هادئًا إلى حد كبير حتى الآن بشأن المفاوضات بشأن الرهائن.
حتى عندما طالب الساسة في “إسرائيل” نتنياهو إما بإقالة بن غفير وإما على الأقل لجمه بسبب تصريحاته المناوئة للإدارة الأمريكية، لم يجرؤ نتنياهو على ذكر اسم بن غفير، في حين أقال في السابق وزير دفاعه لمجرد تحذيره من مخاطر الهجوم على القضاء، لكنه اكتفى هذه المرة بمحاضرة حول أساليب وإتيكيت قول “لا” للإدارة الأمريكية.
بن غفير مدعوم بالأساس من مجموعات المستوطنين في الضفة الغربية وبعض المتطرفين داخل “إسرائيل”، لكن هناك من يرى أنه لا يقوى على مثل هذه المواقف لو لم يكن لديه ضوء أخضر من نتنياهو، وهو غير راضٍ أيضًا عن تصريحات بايدن، وربما يعارضها، وقيل إنه من بين الاتصالات الهاتفية العديدة التي جرت بينهما قبل أكثر من شهر، أغلق بايدن في إحداها خط الهاتف في وجه نتنياهو، عندما وجد أنه يقوم على مخالفة ما يطالبه به بخصوص الحرب على غزة.
ويتضح أن التصريحات التي أدلى بها بن غفير تأتي امتدادًا لهذه المواقف، وأرسل الأمريكيون رسالة تلميحية قبل الزيارة الخامسة السابقة لوزير الخارجية بلينكن منذ بداية الحرب على غزة إلى نتنياهو، وألمحت أن عليه أن يختار بين الانحياز التام لبن غفير، أو الانحياز لتوجيهات الإدارة الأمريكية من أجل استمرار الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل”.
وإن اضطر نتنياهو إلى الخيار الثاني، فإن مخاوف بن غفير حينها ليست نابعة من اعتبار الكثيرين له شخصية متطرفة وشعبوية، لدرجة أن القضاء الإسرائيلي أدانه بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي والتحريض على العنصرية وتدمير الممتلكات، فهذا بالذات أمر يفخر به، أو لأنه ككثيرين في التيار الديني لم يؤدِّ الخدمة العسكرية، وهو أمر لطالما سبّب له التقريع والتشنيع.
بل تنبع مخاوف بن غفير من أخبار أفادت بأن نتنياهو أرسل إشارات لزعيم المعارضة يائير لابيد مرحّبًا به في حكومة الائتلاف، ليحلَّ لابيد وأعضاء من حزبه محل بن غفير وسموتريش، وهما وزيران ليسا صدفة أنهما صاخبان في معارضة صفقة بات نتنياهو على ما يبدو مجبرًا عليها، أمام ضغوط داخلية وخارجية أثقلت كاهله، ولن يشفع لهما أنهما طالما غنَّيا في جوقة نتنياهو سابقًا.
يبدو أن آخر ما يحتاجه نتنياهو هو إجراء انتخابات مبكرة، وما يهمّه هو الحفاظ على مصالحه السياسية والاستمرار كرئيس للحكومة، وتثبيت توليفته اليمينية العنصرية المتطرفة بالأساس.
في حين حللت وسائل إعلام أخرى تلك الإشارات، بالقول إن هدفها هو إيهام بن غفير أن نتنياهو مستعدّ للتخلي عنه، لدفعه إلى تليين موقفه الرافض لأي صفقة يُحتمل أن نتنياهو بات يرى فيها الضوء الأخير في نفق الحرب التي أعلنها، وفشلت في إنقاذ ولو أسير إسرائيلي واحد من غزة، رغم أنه تعهّد بفعل ذلك مرات تجاوزت عدد أيام الحرب التي بلغت 135 يومًا.
وأيًّا ما كان يضمره نتنياهو، يبدو أن بن غفير بات عبئًا حتى على المسؤولين الإسرائيليين الآخرين، مثل خليله سياسيًّا وأيديولوجيًّا، وزير المالية الإسرائيلي وعضو الكنيست المتشدد عن حزب البيت اليهودي بتسلئيل سموتريش، المستبعد حتى الآن من حكومة الحرب، والذي لم يكن يكلمه سوى همس، والآن يعلو صوته قائلًا إن “الشراكة لن تكون بالركض إلى وسائل الإعلام ونشر التهديدات”.
وتمثل المسارات المختلفة خيارًا صارخًا أمام نتنياهو، الذي يخاطر الآن بزيادة العزلة الدولية لـ”إسرائيل” إذا واصل الحرب، أو احتمال فقدان السلطة إذا سحب بن غفير الأعضاء الستة من حزب القوة اليهودية الذي يتزعّمه من الائتلاف الحاكم، وربما ينضم اليمين المتطرف المتوسع إلى معارضي نتنياهو من اليسار ويطالب بإجراء انتخابات، ما من شأنه أن يمنحهم الفرصة المناسبة للتعبير عن وجهات نظرهم الهجومية المتطرفة، بما في ذلك، على سبيل المثال، كيفية تحقيق نصر حاسم في الحرب.
وواضح أن تحركات الشارع الإسرائيلي، الذي شهد الأيام الماضية سلسلة من المظاهرات بخصوص إبرام صفقة لتبادل الأسرى مع حماس، رفع المشاركون فيها شعارات تدين الحكومة المتطرفة، وتطالب بعزل نتنياهو وإسقاط حكومته وإجراء انتخابات؛ تشير إلى عدم الرضا من طريقة الأداء التي تقوم بها هذه الحكومة، وتحديدًا وزرائها المتطرفين أمثال بن غفير، الذي يعتقد أن بوسعه أن يُملي ما يشاء على كل العالم بما فيه الولايات المتحدة.
ووفق التقديرات، يبدو أن آخر ما يحتاجه نتنياهو هو إجراء انتخابات مبكرة، وما يهمّه هو الحفاظ على مصالحه السياسية والاستمرار كرئيس للحكومة وتثبيت توليفته اليمينية العنصرية المتطرفة بالأساس، لذلك يرى كثيرون أنه منحاز إلى وزيره بن غفير ووزراء آخرين متطرفين من حزب الليكود لا يتحركون إلا بإذنه، من أمثال ميري ريغيف ودافيد أمسالم وسموتريش، وما هو محلَّل لنتنياهو حلال أيضًا لوزيره المتطرف بن غفير.
ولا ينسى أحد أن الحرب انطلقت على إيقاع “حيوانات بشرية”، لكن غدا إيقاعها اليوم “لسنا ماعزًا”، وفق ما جاء في خطاب عبّر فيه عن معارضته لاتفاقية تبادل مع حماس، ترددت تفاصيلها في وسائل الإعلام دون تأكيدها رسميًّا، ووصف الصفقة بأنها “معزة تم إطلاقها لتمهّد الأرضية لصفقة فاقدة للشرعية بكل المقاييس”.
وبين هذا وذاك، اختارت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية في كاريكاترها الأخير أن تصوره ثورًا هائجًا، يبتهج نتنياهو في ترويضه باستعمال علم يقطر دماءً، هي على الأرجح دماء المدنيين في غزة.
وسواء كان ماعزًا أو ثورًا، يبدو أن بن غفير بات لا يسمع كل الجلبة التي يحدثها، ولا يَعقل أنه قريبًا قد يُساق بعيدًا عن حظيرة التأثير، بعد أن ناطح بتصريحاته الجميع وضاق به الراعي والرعية، وسيكشف قادم الأيام ما إذا كان وجوده كلاعب بارز مكونًا رئيسيًّا في السياسة الإسرائيلية أم طارئًا عليها، وربما يقود في النهاية دولته إلى حتفها.