في خطوة جديدة نحو تعميق التعاون المشترك بين السودان وإثيوبيا، وقعت اللجنة العسكرية المكونة من جيشي البلدين حزمة من الاتفاقيات المبرمة خلال السنوات الأخيرة بدءًا من 2009 وحتى 2016، وذلك خلال اجتماعها الـ16 الذي عقد في العاصمة السودانية الخرطوم، قبل أيام، بحضور رئيسي الأركان وقادة الأفرع.
تعزيز التعاون بين السودان وإثيوبيا على وجه الخصوص وإن كان يسير في كثير من أبعاده تجاه النواحي الاقتصادية والسياسية إلا أنه يثير حفيظة القاهرة بشكل كبير، خاصة بعد النقلة النوعية الواضحة في مساحة وكيفية التعاون والتي تجاوزت ذلك إلى الجوانب العسكرية وهو ما قد يحمل دلالات عدة لا سيما بعد وصول عملية بناء سد النهضة إلى مراحل متقدمة.
مساعي القاهرة نحو إنقاذ ما يمكن إنقاذه إفريقيًا من خلال عدد من الزيارات التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبعض دول حوض النيل بعد قطيعة دامت فترات طويلة، في محاولة للضغط على أديس أبابا للحيلولة دون إتمام بناء السد، ربما تواجه العديد من العثرات في المستقبل خاصة بعد تفعيل التعاون العسكري بين البلدين الأكثر حضورًا وتأثيرًا في هذا الملف.
تصريحات ديسالين بأن أي تهديد للسودان هو تهديد للأمن القومي الإثيوبي، اعتبره محللون استهدافًا للقاهرة على وجه الخصوص، وذلك بعد تصعيد بعض وسائل الإعلام المصرية من نغمة اللجوء إلى الحل العسكري حال التصميم على مواصلة بناء السد.
تعميق التعاون العسكري
خلال اجتماعها بالخرطوم الثلاثاء الماضي، وافقت اللجنة العسكرية السودانية الإثيوبية المشتركة على وضع خطة خمسية تشمل كل جوانب التعاون الواردة في البروتوكول العسكري الموقع بين البلدين عام 2009 والخاص بسبل تأمين الحدود المشتركة بين البلدين في إطار تبادل الخبرات العسكرية.
اللجنة أقرت خلال هذا الاجتماع الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين طيلة السنوات الماضية كافة، على رأسها مذكرة التفاهم الموقعة في أكتوبر الماضي لتعزيز التعاون الأمني والعسكري المشترك لمحاربة الإرهاب، كذلك الموافقة على المقترح المقدم في مارس 2016 بشأن نشر وحدات عسكرية على الحدود بين البلدين.
رئيس أركان الجيش السوداني الفريق الدين مصطفى مصطفى عدوي، صرح عقب لقائه بنظيره الإثيوبي سامورا محمد يونس، أن نتائج الاجتماع ستشكل “الدعامة الاساسية لتنمية التعاون العسكري بين البلدين”، مشيرًا إلى الاتفاق على وضع خطة لحماية الحدود والعمل المشترك لمكافحة الجرائم العابرة للحدود والحركات السلبية.
وبدوره جدد رئيس أركان الجيش الإثيوبي عزم بلاده الالتزام بما تم الاتفاق عليه، معربًا عن استعدادها للعمل المشترك لتأمين الحدود ومكافحة الأنشطة غير القانونية التى تسعى للمساس بأمن الدولتين، مختتمًا حديثه بأن “الاجتماع سيسهم في نقل العلاقات إلى مستوى أعلى من التعاون في مجالات الأمن والدفاع”، طالبًا مزيد من الجهود لتحقيق الأهداف المنشودة التي تصب في صالح واستقرار شعبي البلدين.
الاجتماع الأخير للجنة العسكرية المشتركة بين البلدين، وما تم إقراره من اتفاقيات تعاون، يعد تتويجًا للعلاقات القوية التي تجمع بين الخرطوم وأديس أبابا خلال الآونة الأخيرة، خاصة بعد إعلان الأخيرة نيتها بناء سد النهضة الذي بات يشكل نقطة الخلاف الأبرز بين دول حوض النيل لا سيما مصر.
رئيس أركان الجيش السوداني الفريق الدين مصطفى مصطفى عدوي، صرح عقب لقائه بنظيره الإثيوبي سامورا محمد يونس، أن نتائج الاجتماع ستشكل “الدعامة الأساسية لتنمية التعاون العسكرى بين البلدين”
وبدت ملامح هذه العلاقة تتعمق بشكل غير مسبوق خلال مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير في الاحتفال بالذكرى السادسة لبناء سد النهضة، حيث اتفق مع رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، على عدة محاور للتعاون بينهما، منها استفادة السودان من كهرباء سد النهضة من خلال إنشاء خط لنقل الكهرباء من السد إلى العاصمة السودانية الخرطوم، كذلك إنشاء خط سكة حديد لنقل البضائع من إثيوبيا إلى ميناء بورتسودان من أجل مساعدة أديس أبابا على نقل البضائع إلى الخارج، إضافة إلى مشروعات الأمن الغذائي، وتسهيل إثيوبيا نقل النفط من جنوب السودان.
الدلالات التي حملتها تصريحات البشير خلال تلك الزيارة أثارت الكثير من الجدل خاصة فيما يتعلق بالتلويح بالدفاع عن أديس أبابا أمام أي تهديد خارجي، قابلها تصريحات من ديسالين بأن أي تهديد للسودان “هو تهديد للأمن القومي الإثيوبي”، وهو ما اعتبره محللون استهدافًا للقاهرة على وجه الخصوص، وذلك بعد تصعيد بعض وسائل الإعلام المصرية من نغمة اللجوء إلى الحل العسكري حال التصميم على مواصلة بناء السد.
مشاركة البشير في احتفالات بناء سد النهضة أثارت حفيظة القاهرة
إذا كان السودان له هذه العلاقات المترابطة مع إثيوبيا، فلماذا لم تنجح وساطته في حل أزمات مفاوضات النهضة بين أديس أبابا والقاهرة؟
القاهرة تقلق
التقارب السوداني الإثيوبي والخطوات الملموسة لتفعيل التعاون بينهما أثارت حفيظة القاهرة بشكل كبير، وهو ما تجسد بصورة واضحة في كيفية تعاطي الإعلام الرسمي المحسوب على النظام مع زيارة البشير الأخيرة لأديس أبابا أبريل الماضي للمشاركة في احتفالات بناء سد النهضة، والذي ألمح إلى تنسيق سوداني إثيوبي لإتمام السد بعيدًا عن القاهرة.
تحت عنوان (حرارة استقبال البشير في إثيوبيا بخرت التنسيق مع مصر) شنت صحيفة الأهرام المصرية هجومًا ضد الرئيس السوداني، مشككة في خطوات التنسيق بين القاهرة والخرطوم، مستعرضة المغريات التي تدفع السودان إلى الارتماء في أحضان إثيوبيا.
الصحيفة استعرضت العديد من التساؤلات التي طالبت بالبحث عن إجابة لها والتي تلخص كيف تنظر القاهرة للتعاون السوداني الإثيوبي، قائلة: “التقارب بينهما يثير حفيظة المصريين، ويدفعهم للتساؤل، إذا كان السودان له هذه العلاقات المترابطة مع إثيوبيا، فلماذا لم تنجح وساطته في حل أزمات مفاوضات النهضة بين أديس أبابا والقاهرة؟ ولماذا لم يستطع السودان بـ”دلاله” على إثيوبيا إطالة الفترة الزمنية لملء بحيرة السد دون اللجوء للمكاتب الاستشارية؟ وهل سيظل التعاون بين البلدين على هذا المنوال دون إلحاق ضرر بدول الجوار؟ أم أن الهدف كان بالأساس التحكم بقطرات مياه النيل التي يحيا بها المصريون تحت رغبة سودانية في تقليل التنسيق مع مصر ومزاعم الخرطوم بمشكلات حدودية مع “المحروسة؟”.
وردًا على هذه التحركات، قام عبد الفتاح السيسي بجولة إفريقية في أغسطس الماضي شملت أربع دول هي تشاد، تنزانيا، رواندا، الجابون، وذلك في إطار مساعي تقريب وجهات النظر حيال عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، على رأسها تشكيل لوبي ضاغط على أديس أبابا لوقف بناء السد.
الزيارة التي تعد الأولى للرئيس المصري منذ توليه مقاليد الحكم في 2014 جاءت وفق مراقبين متأخرة جدًا لا سيما بعد فشل الجهود الدبلوماسية الساعية للتوصل إلى حلول عملية لتجميد البناء الإثيوبي لسد النهضة، فضلاً عن اتساع الهوة بين القاهرة وعمقها الإفريقي خلال السنوات الماضية، وهو ما أدى إلى فقدان دورها وتأثيرها بصورة ملحوظة لحساب قوى أخرى.
ورغم الآمال التي علقت على هذه الزيارة لإخراج عملية مفاوضات السد من ثلاجة التعنت الإثيوبي المدعوم سودانيًا، فالأمور يبدو أنها لم تحقق الهدف المنشود، وهذا ما كشفته البيانات الصادرة عن أديس أبابا والتي تؤكد نهاية البناء ودخول سد النهضة مرحلة العمل بداية العام القادم.
جولة السيسي الإفريقية لم تحقق هدفها في الضغط على أديس أبابا
المسار الفني للسد “أصبح ميتًا”
“نون بوست” في تقرير له نقل عن مجلس إدارة الطاقة الكهربائية الإثيوبية، تأكيده الانتهاء من 60% من أعمال بناء السد، منوهًا أن الأعمال المدنية والميكانيكية الخاصة بتوليد الكهرباء للسد يتم تنفيذها خلال موسم الفيضان الحالي دون توقف، على أن يتم إنتاج الكهرباء خلال عامين وفقًا للخطة الموضوعة، بحسب بيان صادر عن المجلس.
كذلك أشار التقرير إلى أن أثيوبيا وكينيا سينتهيان بداية العام المقبل من أعمال مد خط نقل 2000 ميجاوات من الكهرباء بين البلدين والذي تنفذه الشركة الصينية “تشاينا إلكتريك” لتكنولوجيا الطاقة والتكنولوجيا بتكلفة 1.26 مليار دولار بتمويل من مصرف التنمية الإفريقي بقدرة 500 كيلوفولت، وطول 1045 كيلومترًا منها 445 كيلومترًا تقع داخل أراضي إثيوبيا والبقية في كينيا، مما يعني أن السير في أعمال البناء مستمر رغم الضغوط الممارسة على أديس أبابا.
ومما يؤكد ما تطرق إليه “نون بوست” ما نشرته صحيفة “الشروق” المصرية، قبل خمسة أيام، نقلاً عن مصدر حكومي، بأن “المسار الفني لسد النهضة الإثيوبي أصبح ميتًا، مشيرة إلى أنه يتم حاليًا دراسة كل التحركات الدبلوماسية والسياسية لضمان الحقوق المصرية في مياه النيل وفقًا لمبادئ القانون الدولي.
المصدر الذي رفض ذكر اسمه أشار إلى أن “الإخفاقات المتتالية للمسار الفني في إمكانية الاعتماد عليه كمسار لحسم الخلافات مع إثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة”، ستدفع القاهرة للبحث عن تحركات مكثفة على المسارات السياسية والدبلوماسية والقانونية لحماية المصالح المصرية فى مياه النيل.
مصدر حكومي مصري: المسار الفني لسد النهضة الإثيوبي أصبح ميتًا
يذكر أن الدراسات الفنية لسد النهضة، تستهدف وضع أسس استرشادية لقواعد الملء والتخزين بما لا يؤثر على معدلات تدفق المياه في مجرى النيل الأزرق، فضلاً عن عدم إلحاق الضرر بالسدود المقامة على مجرى النهر أو نظم تشغيلها، وهي الورقة التي لجأت إليها أديس أبابا لـ”تخدير” القاهرة من أجل كسب المزيد من الوقت لبناء السد وذلك بعد الحصول على موافقة الرئيس المصري على الاتفاقية الثلاثية التي أضفت الشرعية حينها على عملية البناء في اللقاء الشهير الذي جمعه ونظيره السوداني ورئيس وزراء إثيوبيا في الخرطوم.
وبعد 12 جولة مفاوضات عقدتها القاهرة مع الجانب الإثيوبي منذ 2012 وحتى 2017 دون أي تقدم ملموس، ها هي أديس أبابا تقترب من نهاية المشروع فنيًا بعد بناء 60% منه، وأمنيًا في أعقاب التنسيق العسكري مع الخرطوم، في الوقت الذي أضاع فيه الجانب المصري الوقت ما بين دبلوماسية عرجاء وتسويف تحت ستار الدراسات الفنية وغيرها، ورغم تطمينات الجانب الإثيوبي والسوداني للمصريين بعدم المساس بحصتهم من المياه إل الخبراء أجمعوا على تهديد السد للأمن المائي المصري بصورة كبيرة.