بعد غياب طويل، أعلن الفرع الليبي لتنظيم الدولة الإسلامية عن نفسه من جديد، لكن هذه المرة، ليس من عاصمته سرت، التي خسرها لصالح قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق الليبية أواسط شهر ديسمبر الماضي، بل من على خطوط المواجهة مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
إعادة الإعلان جاءت هذه المرة عن طريق إصدار مرئي للمكتب الإعلامي لـ”ولاية برقة” بعنوان “فما وهنوا لما أصابهم”، أراد تنظيم الدولة من خلاله لملمة جراحه وطمأنة أنصاره وتوجيه رسالة لخلاياه المنتشرة في أماكن متفرقة من الأراضي الليبية مفادها “إننا عائدون وللأسرى محررون وللمدن فاتحون”.
الإصدار الجديد وعلى غرار الإصدارات السابقة، كان دعويًا بالأساس رغم احتوائه على مشاهد لعمليات قتالية دارت الشهر الماضي، فالبداية كانت بإظهار حواجز أقامها مقاتلو التنظيم للتثبت من هويات أصحاب السيارات في إحدى المناطق النائية، أعقب ذلك نشر مقطع لصلاة عيد الأضحى بمسجد ذات الصواري في منطقة التسعين شرق مدينة سرت.
بعد ذلك، أظهر الفيديو الجديد مقاطع توثق عمليات قتالية ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر أبرزها هجوم على بوابة منطقة الفقهاء جنوب البلاد، بالإضافة لعملية انتحارية نفذها المكنى “أبو فرج الأنصاري” على حاجز تفتيش بمدخل منطقة النوفلية في شهر أغسطس/ آب الماضي.
الفيديو الجديد لـ”ولاية برقة” ليس الوحيد الذي أعلن فيه تنظيم الدولة استئناف الحرب من جديد
في سياق منفصل عن العمليات القتالية، كشف إصدار تنظيم الدولة الإسلامية عن طريقة العيش الجديدة لمقاتليه في الصحراء والوديان صعبة التضاريس تزامنًا مع وجود أسلحتهم وسياراتهم، في تحد لطائرات حكومة شرق ليبيا التي عجزت عن القضاء على مسلحي التنظيم الذين يتجولون بحرية بين منطقتي هراوة والتسعين.
الفيديو الجديد لـ”ولاية برقة” ليس الوحيد الذي أعلن فيه تنظيم الدولة استئناف الحرب من جديد، فأواخر شهر أغسطس الماضي، نشرت وكالة أعماق الإخبارية فيديو يظهر إقامة مسلحي التنظيم لحواجز على الطريق الرابط بين منطقتي الجفرة الواقعة جنوب سرت وبوقرين، كما عرض الفيديو عناصر ملثمة تستوقف سيارات المواطنين وتدقق هوياتهم الشخصية بحثًا عن “جواسيس”.
في الفيديو، أعلن التنظيم أيضًا اختطاف مواطنين ليبيين هما “الصغير مصباح الماجري” نائب رئيس مفوضية الانتخابات، و”محمد أبو بكر” أحد قادة حرس المنشآت النفطية بفرع أوباري، والذي أظهرت صوره المعروضة تعرضه للضرب والتعذيب، بعد اختطافه من قبل مجهولين في طرابلس قبل شهرين.
من نافلة القول التذكير هنا بأن التوزع الجغرافي لمقاتلي تنظيم الدولة الذي أعقب انحيازهم من مدينة سرت، لم يكن اعتباطيًا بل كان محكمًا ومستندًا على قراءة دقيقة لخريطة ليبيا الجديدة، حيث تعتبر المناطق التي ينتشر فيها المسلحون استراتيجية بفضل بعدها عن المركز واقترابها من قوات العدو في نفس الوقت.
الوضع الأمني في ليبيا غير مستتب، وتنظيم الدولة يراهن على تصاعد حدة الخلافات بين الأطراف السياسية المتنازعة
وفق تقارير إعلامية واستخبارية، يتوزع مسلحو تنظيم الدولة داخل ليبيا على 5 مناطق، هي وادي زمزم واحة الكفرة والعوينات أو سردليس وسبها وأوباري، وهو ما مكنه من تشتيت انتباه خصميه الرئيسيين، فلا قوات اللواء خليفة حفتر نجحت في حصاره، ولا قوات البنيان المرصوص استطاعت ملاحقة المقاتلين المنسحبين من مدينة سرت.
صحيح أن هذا الانتشار الذي فرضته طبيعة المعركة لم يكن مَطمحًا لتنظيم الدولة الإسلامية الذي وقع الآلاف من مقاتليه وعائلاتهم قتلى وأسرى في حربهم ضد حفتر والسراج، بل كان مفروضًا عليه نظرًا لتغير تكتيكات الحرب وتحولها من كلاسيكية إلى معارك كر وفر قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الطرف المقابل مع طول المدة وارتفاع الخسائر.
ليس من السهل على تنظيم الدولة تعويض فشله الكبير في ليبيا بعد أن خسر مواقعه في مدن مهمة على غرار بنغازي ودرنة وسرت وصبراتة، لكن في نفس الوقت ليس صعبًا على الجهاديين استعادة بعض مما خسروه نتيجة تواصل الانقسامات السياسية في البلاد، وعجز قوات الشرق والغرب على حسم المعركة ضد عدو متحرك يصعب رصده.
إن الوضع الأمني في ليبيا غير مستتب، وتنظيم الدولة يراهن على تصاعد حدة الخلافات بين الأطراف السياسية المتنازعة، كما يمني النفس في أن تحدث مواجهات مسلحة بين الشرق والغرب حتى يستطيع التوغل في الداخل والتجنيد والتعبئة لكي ينجح في إعادة ترتيب صفوفه والأخذ بثأره من “هادمي الخلافة”.
من المؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية يُعد العدة لاستئناف نشاطه القتالي في ليبيا، لكن بحذر شديد خاصة مع محدودية العنصر البشري الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال ألف مقاتل، فمعارك سرت لن تغادر مخيلة ساكني الصحراء، نظرًا لحجم الخسائر الكبيرة التي تكبدها “جنود” و”رعية البغدادي” طيلة 6 أشهر من القتال.