دول الخليج و”إسرائيل” تطالب قطر بإغلاق الجزيرة والمنابر الإعلامية التي تدعمها، دونالد ترامب يتعرض ويسخر ويهدد صحفيين وقنوات إعلامية في الولايات المتحدة، أردوغان يتهم بمواجهة الإعلام الذي يخالفه الرأي. ثلاثة أمثلة من ثلاث دول متفاوتة على سلم الديمقراطية، متفاوتة من ناحية نظام الحكم والثقافة الشعبية والانفتاح الديني، تدور جميعها حول موضوع واحد وهو الإعلام الذي يجعل من الصحافة وحريتها موضوعًا شائكًا يحتاج للتطرق إليه، فكيف يحارب رئيس الولايات المتحدة الإعلام في دولة جعلت من نفسها راعية للحرية والديمقراطية حول العالم وسببًا لتدخلها العسكري في بعض الدول؟ وإن كان رسول الديمقراطية في العالم يتهكم من صحفيين فليس عجبًا أن تطالب دول في الخليج قطر بإغلاق الجزيرة!
تزايد الانتهاكات ضد الصحفيين حول العالم يجعل من حرية الصحافة موضوع الساعة، ويحيلنا نحو الأسئلة التالية: هل الإعلام معصوم من الخطأ؟ هل التعرض لما ينشر من قبله خط أحمر؟ أين يخطئ الإعلام؟ وأين يصيب؟ ما الجهة المسؤولة عن محاسبة المؤسسات الإعلامية؟ ومع الترحيب بوسائل إعلامية معينة في بعض الدول ومحاربتها في دول أخرى كيف نميّز الحق عن الباطل في المادة المقدّمة؟
الخطأ سلوك بشري لا بدّ أن نقع فيه، فالإنسان يخطئ ويصيب وهو غير معصوم عن الخطأ، وبما أن الإعلام يدار من قبل بشر فإن الخطأ وارد، ويجب أن يحاسب الإعلام ويعاقب إن أخطأ ويكافأ إن أصلح ولا بد من معالجة الخطأ.
يخطئ الإعلام:
1- حينما ينشر الشائعات والكراهية والأخبار الملفّقة ويساهم في نشر العنصرية ويحرّض قوى ضد أخرى
كالإعلام المصري الذي غنّى “أنتوا شعب وأحنا شعب” فوق الدماء المسالة في ميادين مصر، ودعا إلى قتل المعارضين والتعرض لهم في رابعة والمظاهرات التي كانت قائمة حينها ليس من قبل الشرطة والجيش فقط بل وعبر المواطنين الشرفاء الذين هم بلطجية وشبيحة، عدا عن فتح أثير القنوات ليل نهار لنشر الأكاذيب والتعرض لشخصيات دينية وإسلامية عريقة وتاريخية أيضًا كصلاح الدين الأيوبي مثلاً. والإعلام السوري الذي وصف المعارضين منذ الليلة الأولى للثورة السورية بالإرهابيين، مبتهجًا بصور السيلفي وأشلاء الضحايا من خلفه، والإعلام الخليجي الذي روّج لأزمة مفتعلة بناء على أخبار ملفقة وقرصنة متعمدة وقسم من الإعلام الأوروبي الذي يحرض ضد اللاجئين والهاربين من جحيم بلادهم.
الإعلام اللبناني والعراقي الذي أصبح في الآونة الأخيرة أداة حرب بيد السياسيين ورجال الأعمال لتصفية حسابات ضد بعضهم
2- عند نشر محتوى غير لائق متعرّضًا للأديان والمقدسات والأنبياء والرسل
كجريدة شارلي إبدو الفرنسية ويولاندس بوستن الدنماركية اللتين أساءتا للرسول الكريم، وغيرها من الصحف والفضائيات التي تسيئ باسم حرية الصحافة ضد طوائف دينية أخرى موجودة في البلاد، مثيرين حفيظة جزء كبير من الشعب الذي يشاركهم المواطنة.
3- حينما يغطي المفسدين ويصبح أداة حرب بين رجال الأعمال والسياسيين
كالإعلام اللبناني والعراقي الذي أصبح في الآونة الأخيرة أداة حرب بيد السياسيين ورجال الأعمال لتصفية حسابات ضد بعضهم أو للتغطية على صفقات فاسدة أو لتمرير صفقات لصالحهم الخاص، من أبرزها الحرب المستمرة بين رجل أعمال المالك لقناة الجديد ورئيس مجلس النواب اللبناني المالك لقناة محلية فكل منهم يشهر إعلامه ضد آخر حتى وصل الحد إلى مرحلة اقتحام المباني وإشعال الحرائق وإطلاق الرصاص وعلى الهواء مباشرة.
4- يكون أداة بيد متطرفين لتمرير أجندات معينة
الأزمات الأخيرة في العالم العربي أفرزت إعلامًا إرهابيًا ينشر الوحشية والخوف والانتصارات الفارغة كإعلام داعش من وكالة أعماق ومجلة دابق ووكالات إعلامية خاصة بجماعات إرهابية أو متطرفة.
يصيب الإعلام:
عندما يسعى لمعرفة وفهم الحقيقة السياسية يدافع عن حق الفرد والمواطن في الانضمام للمعترك السياسي، تسهيل عملية الوصول لحكم الأغلبية يساهم في كبح جماح العجز والطغيان والفساد في الأداء ويساعد في بسط الاستقرار والأمان.
ليست الجزيرة وحدها في هذه الحرب، فأي وسيلة إعلامية تحيد عن الخط التحريري الرسمي هي وسيلة شيطانية.
مطالب الصحفيين:
توّفر مناخ يمنح الصحفيين الحرية في الوصول إلى المعلومة، انتقاء الأخبار ونقلها، التعبير عن وجهات النظر، تجاوب السلطة معهم وتفهّم عملهم، حرّية إصدار الصحف وإنشاء المؤسسات الإعلامية، وبكل تأكيد يجب توافر معايير وضوابط علمية تهدف إلى صون المهنة والعاملين بها فعاصمة الصحافة الحرة لندن تتّبع معايير صارمة في المجال الإعلامي مشكّلة فضاءً حرًا بعيدًا عن الاستقطاب والقدح والذّم وتلفيق التهم لا يشبه أبدًا إعلامنا العربي إعلام السلطة والعسكر وحيتان المال، وكلما التزم الصحفيين بالمعايير العلمية للعمل المهني، أصاب الإعلام وازدادت قوته.
هنا يظهر أن الترحيب بوسيلة إعلامية أو الترهيب منها في بعض الأحيان يتعلق بانتماءاتنا السياسية وأهوائنا، والأمر بعيد عن انحرافاتها المهنية، فقناة الجزيرة مثلاً كانت في أعلى لوائح القنوات الأكثر مشاهدة والأفضل عند جمهور حزب الله اللبناني وجمهور الممانعة في سوريا والعراق، حين رافقتهم القناة في حرب تموز 2006 وفي حصارهم للسراي الحكومي في بيروت وتغطيتها لكل فاعلياتهم ومهرجاناتهم الخطابية الرنّانة إلى أن بدأت سنة 2011 وما بعدها ليتحول الود إلى كره، ومن اعتبار الجزيرة قناة الأمة إلى الحصيرة الخنزيرة الشريرة الضاربة بوحدة الأمة والمنفّذ للمخطط الصهيوأمريكي. والأمر يتكرر مع القناة عينها في دول الثورات المضادة فما قبل انتخاب محمد مرسي شيء وما بعده شيء آخر، فالقناة والصحفيون العاملون بها هدف ثمين ومادة دسمة لإعلاميي العسكر والأنظمة القديمة، فليست الجزيرة وحدها في هذه الحرب فأي وسيلة إعلامية تحيد عن الخط التحريري الرسمي هي وسيلة شيطانية.
أغلب أحكام القضاء في العالم العربي مسيسة أو مضغوط على أمرها
أبرز مثال على إجرام الصحافة
المنظّمات الإرهابية وأبرزها داعش تمتلك منصّات إعلامية تعمل بجد دون كلل أو ملل كوكالة أعماق الإخبارية ومجلة دابق والحسابات الإلكترونية النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي والإذاعات المحليّة، منصات تبث من خلالها ما تنجز وما تعتبره انتصارات كسقوط تدمر والموصل والرّقة، وعبرها تُفرز للبشرية ما تكتنزه من إجرام وضغينة بحق الإنسانية كإحراق الطيار الأردني وإعداماتها الأخرى في كل من سوريا وليبيا والعراق والتي تفننت في تصويرها وتجميلها وإخراجها للعلن، فهل يعتبر العاملون في مؤسساتها الصحفية صحفيين؟ وهل يعتبر الإعلام الذي تقدمه إعلامًا؟!
الجهة المسؤولة عن محاسبة المؤسسات الإعلامية
القضاء وحده المخوّل بالنظر في الخلافات الإعلامية وعليه يقع عبء الفصل بين الحق والباطل والطريق الوحيد لمحاسبة الإعلامي المخطئ أو الوسيلة الإعلامية المخطئة هو رفع الدعاوى وانتظار الحكم، ليس عبر الاعتداء الجسدي أو قصف المقرات الصحفية أو تفخيخها أو التهجّم وتبادل الشتائم أو الإغلاق القصري، ولكن أي قضاء؟ فأغلب أحكام القضاء في العالم العربي مسيّسة أو مضغوط عليها!
هذه المعضلة هي ما حاولت نسمات الربيع العربي تسليط الضوء عليها ومحاولة تغييرها فجاءتها عواصف الأنظمة العربية القديمة والعسكرية لتطمسها وتبقي الأحوال على ما هي عليه لا بل التضييق أكثر!