يوم 22 مايو/أيار 1965، ازدان فراش عائلة المجادي بمولود جديد اختاروا له اسم فوزي عبد الرسول، ليتربى في قبيلة “الصلبة” العربية التي كان لها دور كبير في تأسيس دولة الكويت وازدهارها على سواحل الخليج العربي.
ولم تمر سنتان على ولادة المجادي حتى حصلت النكسة التي تلت نكبة 1948، وهُزمت الجيوش العربية على يد الكيان الإسرائيلي واحتلت مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والمصرية والسورية واللبنانية (الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية).
لم تتوقف الجرائم الإسرائيلية بحق سكان البلاد، بل ازدادت وتيرتها، ما دفع الفلسطينيين للانتفاضة سنة 1987، إذ هب الشعب الفلسطيني الذي عانى عقودًا من الظلم في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، وسار في مظاهرات ومسيرات تحولت إلى انتفاضة استمرت سنوات وضمت كل الشعب وتوجهاته، وكان سلاحها الأول الحجارة.
فوزي المجادي
وصلت أخبار الانتفاضة إلى مسامع العرب والعالم أجمع، وكان فوزي عبد الرسول المجادي مهتمًا كثيرًا بمتابعة ما يجري في أرض فلسطين وفق قول شقيقته التي أكدت أن اهتمام شقيقها بالانتفاضة والفلسطينيين كان واضحًا، وأنه كان يضع شعارات الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية في غرفته.
التحق المجادي بوزارة الداخلية الكويتية مبكرًا، وعمل برتبة ضابط صف قبل أن يتحول إلى العمل المدني في إدارة المالية في الوزارة نفسها، لكنه لم يكن ينوي أن يطيل العمل في المؤسسات الرسمية الكويتية، فوجهته كانت خارج البلاد.
كان اهتمام المجادي منصبًا على نصرة إخوانه الفلسطينيين، فقد سمع كثيرًا عن معاناتهم والجرائم الإسرائيلية البشعة في حقهم بمباركة القوى الغربية الكبرى وصمت القادة العرب الذين اختاروا الكرسي على نصرة فلسطين.
حمل المجادي على عاتقه منذ صغره هم التحرير والدفاع عن القضية الفلسطينية، فقد كان يؤمن بضرورة استقلال الفلسطينيين واسترجاع أرضهم المنهوبة واستعادة حقوقهم المسلوبة بأي طريقة كانت، وكان يرى ضرورة محاربة الاحتلال الإسرائيلي عوض الهرولة نحو توقيع اتفاقيات سلام معه.
الالتحاق بالمقاومة
تزامنت انتفاضة أطفال الحجارة مع تراجع الاهتمام العربي الرسمي بالقضية الفلسطينية، ففي تلك السنة غاب ملف فلسطين عن مؤتمر القمة العربية في الأردن، ولم يختلف الموقف العربي عن الموقف الدولي الذي شهد جمودًا تجاه القضية.
تهافت العديد من الشبان العرب للالتحاق بصفوف الانتفاضة الفلسطينية التي وصل صداها أرجاء المعمورة، وكان فوزي المجادي واحدًا من هؤلاء الشبان الذين التحقوا بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (حركة سياسية وعسكرية فلسطينية ماركسية وإحدى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تعرف اختصارًا باسم الجبهة الديمقراطية).
وصل المجادي أرض فلسطين سنة 1988، لكنها كانت زيارة قصيرة، فقد عاد إلى الكويت بعد أن حثّه أهله على العودة ونشوب حرب بين أعضاء الجبهة والإسرائيليين في لبنان، وانتقال أغلب أفراد الجبهة إلى تونس.
عاد المجادي إلى مسقط رأسه واجتمع مجددًا بعائلته في قبيلة “الصلبة”، قبل أن يقرر العودة مرة أخرى من حيث جاء، فلم تطاوعه نفسه على العيش حياة طبيعية وعادية وجثث الشهداء الفلسطينيين تتناثر أمام مرأى العالم أجمع.
رجع البطل الكويتي إلى فلسطين بداية سنة 1989 والتحق بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي أشرفت على تأطيره وتدريبه على استعمال مختلف الأسلحة في منطقة الناعمة جنوب بيروت طيلة 3 أشهر، وهناك حصل على اسمه العسكري الذي عرف به وهو “فيليب”.
إثر انتهاء دورته التدريبية مباشرة تقدم المجادي بطلب خاص لقيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين للقيام بعملية فدائية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي ذلك الوقت انتشرت العمليات الفدائية ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت أغلب العمليات العسكرية للجبهة الديمقراطية تقتصر على الأهداف الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة لإيمانها بأن العمليات في الخارج تعود سلبًا على الفلسطينيين، لأنها تقدم الفدائيين كقتلة وإرهابيين.
نتيجة الخصال التي يتمتع بها ورغبة الجبهة في توسيع عملياتها العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي تم قبول طلب المجادي، واختير ليكون ضمن مجموعة (تضم أيضًا المجاهدين أحمد حسين حسن ورياض السبروجي) ستنفذ عملية عسكرية نوعية داخل الأراضي المحتلة.
تلقى البطل الكويتي قرار قبول طلبه بفرحة كبيرة، فالشهادة ولقاء الله تعالى أصبحا قريبين، وسرعان ما خضع المجادي ورفاقه في المجموعة التي كانت ستنفذ العملية، إلى دورة تدريبية خاصة بالعمل الاستشهادي، وتم تجهيزهم بشكل كامل لضمان نجاح العملية.
عملية شهداء نابلس
لم يكن فوزي عبد الرسول المجادي يستطيع أن ينعم بالنوم الهانئ والأطفال الفلسطينيين يُذبحون وجثثهم يُنكّل بها، وكان يمني النفس بقرب موعد العملية الفدائية المبرمجة ضد العدو الإسرائيلي، عله ينتقم للفلسطينيين وإن كلفه ذلك حياته.
يوم 4 يونيو/حزيران 1989 – يوم من أيام شهر رمضان الكريم – تحرك المجادي صحبة رفقي السلاح لتنفيذ العملية العسكرية المخطط لها داخل الأراضي المحتلة – تحديدًا في مستوطنة “مسكاف عام” في منطقة الجليل الأعلى قرب الحدود اللبنانية – على أمل الاشتباك مع جنود العدو الصهيوني وتكبيده أكبر عدد من الخسائر.
استند أبطال المجموعة الفدائية إلى إرادتهم وإيمانهم وقناعتهم الكاملة بما يفعلونه، وتسللوا من قرية الناعمة إلى الجنوب اللبناني، فالطريق داخل لبنان لم يكن سهلًا، بسبب انتشار ما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي تحت قيادة أنطوان لحد في كل مكان من الشريط الحدودي.
تسلل الأبطال الثلاث دون أن يلاحظهم العملاء في الجنوب ليصلوا إلى شمال فلسطين، وفي مدخل مستوطنة زرعيت اشتبكوا مع حامية المستوطنة التي كانت مؤلفة من عدد كبير من الجنود، فقتلوا وأصابوا 12 جنديًا.
وخلال العملية تمكن الأبطال من اقتحام المستعمرة واعتقال جنديين إسرائيليين في الثكنة، وطالبوا بتأمين خروجهم سالمين مقابل إطلاق سراح الجنديين، لكن قيادة الجيش الإسرائيلي رفضت الاستجابة وأرسلت تعزيزات إضافية.
بعد نحو ساعتين من الاشتباك أو أكثر مع الجيش الإسرائيلي وقوات جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطوان لحد التي كانت تؤازر الإسرائيليين، استشهد عناصر المجموعة الفدائية الثلاث وامتزجت دمائهم بتراب فلسطين الطاهر.
رفات الشهيد في الكويت
احتجز الاحتلال الإسرائيلي جثمان الشهيد المجادي لأكثر من 19 سنة وتم تسليمه إلى أهله سنة 2008 ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله والإسرائيليين.
وفي هذه الصفقة أطلق الاحتلال الإسرائيلي سراح الأسير اللبناني سمير القنطار، المعتقل لديه منذ عام 1979، إضافة إلى 4 أسرى لبنانيين، كانوا قد اعتقلوا في حرب يوليو/تموز 2006، كما أعاد الإسرائيليون 199 رفاتًا لشهداء فلسطينيين ولبنانيين وعرب كانوا يحتفظون بها، وسلم حزب الله في المقابل جثتي جنديين إسرائيليين تم أسرهما سنة 2006.
شيّع الشهيد إلى مثواه الأخير في مقبرة الصليبيخات محمولًا على الأكف والأعناق، وقد كتب قصة بطل آمن بعدالة القضية الفلسطينية منذ صغره وحلم بالشهادة في سبيل هذه القضية، وكان له ذلك بعد رحلة من الكويت إلى لبنان ثم فلسطين، مؤكدًا هو ورفاقه أن الطريق إلى تحرير الأراضي الفلسطينية لا يمر إلا عن طريق فوهة البندقية.