حققت الدبلوماسية الفلسطينية انتصارًا جديدًا على اللوبي الإسرائيلي، وكسبت معركة دولية كانت شديدة وقوية خلف الكواليس، انتهت جولتها الأخيرة بقبول الجمعية العامة لمنظمة الشرطة الدولية “الإنتربول”، عضوية فلسطين بها.
وبهذا النصر وجه المجتمع الدولي صفعة أخرى قوية للدبلوماسية الإسرائيلية والأمريكية معًا، التي نشطت داخل الأبواب المغلقة للتأثير على الدول الأعضاء وحثهم على رفض طلب انضمام فلسطين لـ”الانتربول”، لكن جاء الرد بتصويت 75 دولة لصالح فلسطين.
وقبلت منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، الأربعاء 27 من سبتمبر 2017، فلسطين عضوًا بها بتصويت 75 دولة مع القرار، مقابل 24 ضد طلب العضوية الفلسطيني، وامتنعت 34 دولة عن التصويت، وذلك خلال اجتماع الجمعية العامة للمنظمة في بكين.
وفي نوفمبر 2016، علّق “الإنتربول” طلب فلسطين للانضمام إلى عضويتها، بعد أن صوت لانضمامها 56 عضوًا، في حين صوت 62 عضوًا بلا، وامتنع 37 عن التصويت.
دولة فلسطين ستستمر في سعيها الدؤوب للرفع من مكانة ودور فلسطين
واكتفى الفلسطينيون، العام الماضي، بإلقاء الضوء على الطلب الفلسطيني، ونجحوا هذا العام بإدراج طلب انضمامهم على جدول أعمال الجمعية العامة للإنتربول من أجل التصويت عليه.
– انتصار جديد
وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي، أكد أن قبول فلسطين كعضو بالإنتربول “انعكاس للثقة في قدراتها (فلسطين) على إنفاذ القانون والالتزام بالقيم الأساسية للمنظمة”.
ووصف المالكي القرار بـ”الانتصار الذي تحقق بسبب الموقف المبدئي لأغلبية أعضاء الإنتربول الذين دافعوا عن السبب الوجودي للمنظمة ومبادئها الأساسية”، مؤكدًا أن نتائج التصويت جاءت ساحقة.
ورأى أن أعضاء منظمة الشرطة الدولية “رفضوا بشكل واضح محاولات التلاعب والتسلط السياسي، وقد تغلبت الحقائق والمبادئ على جميع الاعتبارات الأخرى”، مؤكدًا أن “دولة فلسطين ستستمر في سعيها الدؤوب للرفع من مكانة ودور فلسطين على المستوى الدولي والدفاع عن حقوق شعبنا في الأمن والحرية بكل الوسائل الدبلوماسية والقانونية المتاحة، وبما يشمل الانضمام للمؤسسات الدولية ذات العلاقة”.
بدوره، رحب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صالح رأفت بقرار الهيئة العامة بمنظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول”، اليوم الأربعاء، قبول دولة فلسطين بها بتصويت 75 دولة مع القرار.
واعتبر رأفت أن قرار قبول دولة فلسطين يمثل صفعة قوية لجميع من حاول إفشال هذا القرار بما في ذلك دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية، مشددًا على أنه انتصار للدبلوماسية الفلسطينية في نيل حقوق الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى المساعي الأمريكية والإسرائيلية لإفشال الأنضمام لمنظمة الانتربول، وعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي الدؤوب وتواصلها مع معظم الدول الأعضاء من أجل رفض مجرد قبول مناقشة طلب دولة فلسطين لعضوية الإنتربول.
أعلنت هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، عزمها ملاحقة مطلوبين للقضاء الفلسطيني في الخارج
وقال: “قبول دولة فلسطين بمنظمة “الإنتربول” سيمكننا من ملاحقة قادة “إسرائيل” السياسيين والعسكريين الذين ارتكبوا وما زالوا يرتكبون جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية”، مؤكدًا: القيادة الفلسطينية ستتابع الانضمام إلى كل المعاهدات الدولية وجميع المنظمات الدولية التي لم ننضم لها بعد، والعمل على تقديم مشاريع قرارات لمجلس الأمن الدولي لقبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما طالب واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، باستثمار الانتصار بخطوات عملية توقف الاحتلال عن جرائمه التي يرتكبها بحق شعبنا بشكل يومي وممنهج”، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تشجع فلسطين على إصدار قرارات لمحاكمة قادة إسرائيليين شاركوا في تنفيذ جرائم قتل وحرق بحق الفلسطينيين، وكذلك المشاركة في كل الاجتماعات التي تتعلق بالإرهاب الدولي وخطط مكافحته السرية، ودور فلسطين الجديد سيكون كذلك في كشف وجه “إسرائيل” الإرهابي أمام العالم.
أعلنت هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، عزمها ملاحقة مطلوبين للقضاء الفلسطيني في الخارج، عقب حصول فلسطين على عضوية منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول”.
وقالت الهيئة: “يترتب على انضمام فلسطين للإنتربول الدولي، العديد من الاستحقاقات الدولية، من بينها مشاركة العالم في مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية، والعديد من الجرائم مثل جرائم الفساد وغسل الأموال وغيرها”.
وذكرت أن الهيئة “تولي اهتمامًا كبيرًا لموضوع الانضمام إلى الإنتربول، انطلاقًا مما ستجنيه في سبيل تحقيق العديد من الامتيازات مثل تزويدها من خلال ضابط الاتصال بالشرطة بمعلومات عن المتهمين الفارين والمطلوبين للتحقيق من قبل الهيئة”.
“الإنتربول” أكبر منظمة شرطة دولية أنشئت في 1923، مكونة من عناصر تابعة لـ190 دولة، وتتخذ من مدينة “ليون” الفرنسية مقرًا لها.
وأضافت أن عضوية الإنتربول ستتيح تزويد الهيئة بأي معلومات تحتاجها من أي دولة أخرى، ومشاركة الدول ثنائيًا ودوليًا وإقليميًا بتوفير المعلومات عن المجرمين، إضافة إلى تسليم مطلوبين فلسطينيين من أي دولة بالعالم، ومتابعة حركة أي شخص عبر الحدود والمطارات.
وأشارت إلى أن هناك العديد من المطلوبين لهيئة مكافحة الفساد، وستتاح الفرصة لاتخاذ إجراءات فورية بالحجز واسترداد المتحصلات، وأوضحت أنه عقب الانضمام للإنتربول ستتاح الفرصة لتفعيل التعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة ومكافحة الفساد وتسهيل تبادل المعلومات.
ويعد الإنتربول أكبر منظمة شرطة دولية أنشئت في 1923، مكونة من عناصر تابعة لـ190 دولة، وتتخذ من مدينة “ليون” الفرنسية مقرًا لها.
– تخوف وغضب إسرائيلي
وتتخوف تل أبيب بشكل كبير من انضمام فلسطين للمنظمة، لأن ذلك يعني السماح لها بإصدار أوامر اعتقال لضباط وسياسيين إسرائيليين، وتلقي معلومات حساسة عن “مكافحة الإرهاب”.
ويرى مختصون في الشأن الأمني، أن قبول فلسطين في المنظمات الدولية كافة ومن بينها “الانتربول” خطوة مهمة تخدم قضيتها، خاصة في ظل المحاولات الإسرائيلية لثني المنظمات الدولية عن قبولها في المنظمات الخاصة بالأمم المتحدة.
ويوضح الخبير في شؤون الأمن القومي إبراهيم حبيب، أن انضمام فلسطين “للإنتربول” يأتي في إطار التعاون الأمني ورفع أسماء من تثبت إدانتهم بقضايا ضد الفلسطينيين وملاحقتهم دوليًا من بينهم رعايا الاحتلال الإسرائيلي.
وقال حبيب: “القرار قد يشكّل خطرًا على “إسرائيل” في المحافل الدولية، لا سيما أنها أبدت تخوفها قبل عدة أيام من ذلك، وسعيها للضغط لرفض فلسطين كعضو في الإنتربول”.
ولم يذهب بعيدًا المختص في الشأن الأمني محمد أبو هربيد عن سابقه، حيث بيّن أن انضمام فلسطين للإنتربول يُمكّنها من التواصل مع الشرطة الدولية مع أي دولة في العالم، ضمن اتفاقيات دولية يتم إبرامها في المستقبل.
وذكر أبو هربيد أن الفلسطينيين يسعون من خلال الانضمام لهذه المنظمة لتمكين العلاقة بين الدول الصديقة المؤيدة لفلسطين، والتي يمكن أن تؤثر مستقبلًا في الحق الفلسطيني وتأييد السياسة الفلسطينية التي تواجه الاحتلال.
القرار يُمكّن المحاكم الفلسطينية من ملاحقة المجرمين المدانين الهاربين لدول أخرى من خلال التواصل مع الإنتربول ووضع أسمائهم على قوائم الاعتقال
وبعد قبول فلسطين ضمن منظمة الإنتربول يبرز تساؤل مهم عن كيفية استثمار السلطة الفلسطينية لهذا الانتصار، وتوظيفه في محاكمة مجرمي الحرب في دولة الاحتلال.
ويُجيب هنا المختص الأمني حبيب، أن هذا الانضمام “نقطة إيجابية” تفتح الباب أمام المحاكم الفلسطينية لتقديم دعاوى قضائية ضد إسرائيليين ارتكبوا جرائم ضد الفلسطينيين ومحاسبتهم دوليًا.
ويؤكد أن هذا الأمر يتطلب وجود قيادة فلسطينية حكيمة قادرة على توظيف أوراق الضغط الدولية قدر الإمكان في مواجهة المحتل، وتحمّل ردات الفعل الإسرائيلية مستقبلًا، واصفًا تلك الحالة بـ”صراع الإرادات”.
وفي سياق متصل، أوضح حبيب أن القرار يُمكّن المحاكم الفلسطينية من ملاحقة المجرمين المدانين الهاربين لدول أخرى من خلال التواصل مع الإنتربول ووضع أسمائهم على قوائم الاعتقال، معتبرًا إياه “خطوة إيجابية لصالح الفلسطينيين”.
ويؤيد ذلك الخبير الأمني أبو هربيد، مبديًا تخوفه من أن يشكّل الانضمام تهديدًا للمقاومة، من خلال إرسال الاحتلال مجموعة من أسماء “المطلوبين الفلسطينيين” والمطالبة بتسليمهم وفق قانون الإنتربول.
وبيّن أن هذا الأمر يُجبر فلسطين على أن تستجيب للطلب، نظرًا لانضمامها للإنتربول وموافقتها على تلبية شروطها.
وأوضح أن كل دولة توظّف الاتفاقيات الجنائية المرتبطة بالشرطة الدولية حسب سياستها وأهدافها، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” تستغلها في ملاحقة المقاومة، وكل ما يؤثر على استقرار أمنها.
“إسرائيل” تفاجأت بالقرار رغم الضغوط التي مارستها واشنطن على فلسطين لسحب طلب الانضمام الذي تم إعلانه اليوم في العاصمة الصينية “بكين”.
وذكر أن دولة الاحتلال، استطاعت عمل اتفاقية جنائية مع بعض الدول التي ينشط فيها المقاومون الفلسطينيون، إلى أن وصلت لهم واعتقلت عددًا منهم واغتالت آخرين.
وقال أبو هربيد: “إذا وصل الفلسطينيون لمرحلة طلب بعض الأسماء من الاحتلال للاعتقال، فهذا انتصار لهم”، مستبعدًا أن يتم ذلك فعليًا على أرض الواقع.
وأضاف “السلطة تسعى لتحقيق انتصار سياسي، لكن في تفاصيله لن تتمكن من رفع شكاوى ضد الاحتلال، نظرًا لقوة الأخير السياسية وعلاقاته الدولية”.
من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لمبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غرينبلات الذي يزور إسرائيل: “انضمام السلطة الفلسطينية للإنتربول يخالف الاتفاقيات التي وقعت مع “إسرائيل””.
وجاء تعقيب نتنياهو، بعد أن قبلت الجمعية العامة للإنتربول اليوم فلسطين عضوًا فيها بعد تصويت 75 دولة من أعضائها على القرار.
وأضاف أن الحرب الدبلوماسية الفلسطينية ضد “إسرائيل” لن تمر مرور الكرام، معتبرًا أن ممارسات القيادة الفلسطينية تلحق ضررًا كبيرًا بعملية السلام، في إشارة إلى الانضمام للإنتربول.
بدوره، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أيهود باراك، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قائلًا: “فشل آخر لنتنياهو يكشف عن الفجوة بين الخطابات والواقع، والذي أدى لمزيد من الخرق والتهديد على “إسرائيل””.
وفي ذات السياق، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، إن “إسرائيل” لم تتوقع أن يتم ضم فلسطين إلى الدول الأعضاء في البوليس الدولي “الإنتربول”، كاشفة النقاب عن أن تل أبيب تقدمت بطلب لأحد لجان الإنتربول تؤكد فيه أن معايير الانضمام للمنظمة الدولية لا ينطبق على فلسطين.
وأوضحت الصحيفة أن “إسرائيل” تفاجأت بالقرار رغم الضغوط التي مارستها واشنطن على فلسطين لسحب طلب الانضمام الذي تم إعلانه اليوم في العاصمة الصينية “بكين”.
وأشارت إلى أن التخوفات لدى “إسرائيل” تنبع من أنه يحق لفلسطين ملاحقة أي مسؤول إسرائيلي في أي دولة بالعالم عبر الإنتربول متهم بجرائم حرب أو ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين.