يوم الخامس من تشرين الثاني- نوفمبر سيتوجه الناخبون في جميع أنحاء كيبيك الى صناديق الاقتراع لانتخاب مجالس بلدية في كل قرية ومدينة في المقاطعة، هذه الانتخابات تجري أَوَّل يوم أَحَد من شهر تشرين الثاني-نوفمبر مرة كل أربع سنوات وأَوَّل يوم أَحَد من شهر تشرين الثاني – نوفمبر 2017 سيكون يوم الخامس من تشرين الثاني المقبل.
فأين نحن من هذه الانتخابات وما دورنا فيها؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من ضبط المصطلح، عندما نسأل ما هو دورنا في هذه الانتخابات علينا أن نحدد أولاً مَن نحن، كثيرون يتحدثون عن “الجالية” ولكن عندما نسأل “أَيَّ جالية”؟ تكثر الإجابات، هل نحن الجالية اللبنانية، أم العربية، أم الاسلامية، أم المغاربية أم غير ذلك من الأسماء وهذا هو بيت القصيد ورسالة هذا المقال.
إنني أقولها بصراحة وآمل ألّا تزعج صراحتي بعض الاخوة، يجب أن نتوقف عن تعريف أنفسنا كجالية نختلف على تعريفها وتحديدها، علينا أن نعزّز التعامل كمواطنين في هذا البلد، نحن كنديون كيبكيون، قد نكون من أصول عربية او لبنانية او مصرية أو مغاربية، وقد تكون ديانتنا الاسلام أو المسيحية أو غيرها من الديانات، ولكننا في هذا البلد كيبكيون وكنديون ونطالب هذا المجتمع أن يتعامل معنا كما يتعامل مع كل أبنائه كائناً ما كان اصولهم العرقية أو انتماؤهم الديني.
لنا ما لغيرنا من حقوق وعلينا ما على غيرنا من واجبات، إنه من غير المنطقي ومن غير العملي أن نطالب الآخرين بالتعامل معنا كمواطنين مثل كل الناس ونحن في ذات الوقت نزج بأنفسنا في سجن نسميه الجالية، يجب التعامل مع الاستحقاقات الانتخابية على صعيد البلدية أو المقاطعة أو الاتحاد الكندي من منطلق المواطنة المنفتحة على الآخرين.
نتائج أيّ انتخابات تجري في هذا البلد ستؤثر علينا كما تؤثر على غيرنا من أبناء البلد، لهذا يتعين علينا أن نسجل أسماءنا على لوائح التصويت وأن نمارس حقنا، بل وأقول واجبنا، الديموقراطي في الانتخاب، وأن هذا التقوقع داخل حدود رسمناها لأنفسنا، أو رسمها لنا الآخرون لن يجدي نفعا بل سيجلب الضرر علينا وعلى ذريتنا من بعدنا على المدى الطويل.
يجب أن تكون رؤيتنا واضحة ومطالبنا حاضرة قبل الانتخابات لنعرضها على المرشحين ونناقشها معهم وننتخب من يلتزم بالاهتمام بمصالحنا كمواطنين ديانتهم الإسلام
وبما أننا نعيش في أجواء المعركة الانتخابية على صعيد البلديات لنتحدث الآن عن الشأن البلدي، السلطات البلدية تأخذ من أموالنا الضرائب البلدية لتقدم بالمقابل الخدمات التي من اختصاصها كتأمين الأمن وتعبيد الطرقات وجمع النفايات وإعطاء رخص البناء وغير ذلك من الخدمات، لذا علينا أن نختار المرشح الكفؤ الذي نشعر أنه الأجدر على تقديم هذه الخدمات، بالإضافة للأمور التي تهمنا كأي مواطن آخر.
هنالك أمور مهمة جدا بالنسبة لنا كمسلمين، ألا وهي مسألة الحصول على تراخيص إنشاء أو توسعة المساجد والمراكز الاسلامية وهذه التراخيص من اختصاص السلطات البلدية، هذا الأمر ينطبق أيضاً على الترخيص لإنشاء المقابر، وتجربتنا المريرة في هذا الشأن في مدينة السانت ابولينار، لا تزال حاضرة في الأذهان، في هذه البلدة القريبة من مدينة كيبيك رفض عدد من المواطنين خلال استفتاء محلي حق المسلمين في الحصول على ترخيص لإنشاء مقبرة إسلامية في البلدة.
يجب أن تكون رؤيتنا واضحة ومطالبنا حاضرة قبل الانتخابات لنعرضها على المرشحين ونناقشها معهم وننتخب من يلتزم بالاهتمام بمصالحنا كمواطنين ديانتهم الإسلام، علينا أن نقابل المرشحين وأن نطلب منهم أن يشرحوا لنا برنامجهم الانتخابي وأن نسألهم السؤال المحدد: ” ما هو بنظرك السبب الذي يجب أن يقنعني بالتصويت لك بدلا من التصويت لمنافسيك؟”
عندما نتصرف بهذه الطريقة المسؤولة سيحترمنا المرشحون قبل يوم الاقتراع وبعده، وسيحترمنا من يفوز في الانتخابات ومن لا يفوز، أما إذا لم نسجل أسمائنا على لوائح التصويت وإذا لم نسائل المرشحين ولم نمارس واجبنا الانتخابي سنبقى هامشيين لا يعيرنا المسؤولون اهتماما.
معايير الاختيار يجب أن تكون مبنية على أساس البرنامج الانتخابي ومدى تفهم المرشح لاهتماماتنا ومدى التزامه بقضايانا لا على أساس أن هذا المرشح لبناني أو عربي أو مسلم أو غير ذلك من الانتماءات، من الطبيعي أن يتصور أحدنا أن المرشح العربي والمسلم يتفهم قضايانا أكثر من غيره ولكن كلنا يعلم أن هذا ليس أمرا حتميا، كلنا يعرف أنه في السنوات القليلة الماضية كان هنالك من السياسيين من كان يحمل اسما عربيا مسلما وحارب قضايا المسلمين بشراسة تفوق شراسة أعداء المسلمين.
إعطاء المواطن حرية الاختيار يعتبر حسنة من حسنات الديموقراطية، فلنمارس حقنا في الاختيار بحكمة ومسؤولية
وفي المقابل الذين مر على وجودهم في هذا البلد فترة من الزمن، يعرفون أن رجالاً كمرسال برودوم الذي كان نائبا في البرلمان الفيدرالي ومن ثم عضوا في مجلس الشيوخ الكندي، وأيفون شاربونو الذي كان نقابيا ومن ثم نائبا في البرلمان وميشال شارتران الذي كان زعيما نقابيا، أقول إن هؤلاء الرجال دافعوا عن قضايا العرب والمسلمين أكثر بكثير من كثير من العرب والمسلمين.
هنالك من يقول أنه يجب التصويت فقط للمرشح اللبناني أو العربي أو المسلم، إذا أردنا أن نُقَيِّم هذا الكلام حق تقييمه لننظر الى وقعه لو صدر عن شخص غير لبناني أو عربي أو مسلم، فماذا لو قال مواطن كيبيكي فرنسي أنه يجب التصويت فقط للمرشح الكيبيكي الفرنسي ماذا سيكون موقفنا؟
طبعا سنحتج ونتهم هذا الشخص بالعنصرية وإلغاء الآخر وما إلى ذلك من العبارات التي أعتدنا عليها، لقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام:” لا يُؤْمِن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه”, إذن لنضع أنفسنا مكان الآخرين ولنحب لجيراننا ما نحب لأنفسنا، والرسول عليه الصلاة والسلام عندما هاجر من مكة الى المدينة اختار عبد الله بن أريقط ليكون دليلاً له في الطريق وكان عبد الله بن أريقط لا يزال على الشرك.
لقد اختاره مع أنه مشرك لكفاءته ومعرفته وهكذا قدّم عليه الصلاة والسلام الكفاءة والمعرفة على النسب او الولاء لأنه كان حريصا على نجاح مهمته وسلامته في هجرته، ونحن أيضاً كمواطنين علينا أن نقدم الكفاءة على غيرها، هل يُمكن أن نقنع أحدا بالسفر على متن طائرة يقودها ابن عّم له اذا كان يعرف أن ابن عمه هذا لا يحسن قيادة الطائرة؟ بالتأكيد لا وهذا أمرٌ صحي وطبيعي.
وهنالك أيضا من يقول أنه لا يجوز أن يترشح اللبناني ضد اللبناني أو العربي ضد العربي او المسلم ضد المسلم ونحن نقول أن النائب الحالي في البرلمان الفدرالي الكندي فيصل خوري وهو مولود في لبنان خاض الانتخابات الفدرالية الاخيرة كمرشح عن حزب الأحرار ضد مرشح آخر مولود في لبنان ايضا وهو رولاند ديك الذي كان مرشح المحافظين.
إذا كان الهدف المصلحة العامة فلا داعي للعداء الشخصي ولا أنَّ تحول المعركة الانتخابية الى مهاترات وعداءات شخصية
وقَيَّم الناخبون برنامج الحزبين واختاروا حزب الأحرار لقيادة البلاد، فهنا المعيار ببرنامج الحزب والتزام المرشح لصالح قضايا المواطنين المسلمين، إنّ إعطاء المواطن حرية الاختيار يعتبر حسنة من حسنات الديموقراطية، فلنمارس حقنا في الاختيار بحكمة ومسؤولية ولنفرض على كل مرشح أن يعرض علينا برنامجه الانتخابي ومدى استعداده لتبني قضايانا العادلة في حال فوزه ووصوله الى المجلس البلدي، وعلى هذا الأساس نقرر لمن سنعطي أصواتنا في الانتخابات.
إنني متأكد أن بين المرشحين العرب والمسلمين للانتخابات البلدية، الكثيرون من أصحاب الأمانة والكفاءة والحريصون على مصلحة بلدهم ومجتمعهم ومستعدون لخدمة مواطنيهم كائناً ما كان أصولهم العرقية أو انتماءاتهم الدينية، هؤلاء المرشحون، الذين لا شك أنهم يتفهمون قضايانا أكثر من غيرهم، يجب تشجيعهم ودعمهم ولكن عليهم أولا أن يشرحوا لنا برامجهم الانتخابية وأن يلتزموا بقضايانا، يجب أن نقول لهؤلاء المرشحين ” لا يأتينا الناس بأعمالهم وتأتونا بأنسابكم”
واخيراً هنالك كلمة لا بد منها، لا يجوز أن يتحول الصراع السياسي الى عداء شخصي، المرشح مبدئيا يعرض خدماته عَلى الناخب ويطلب من هذا الناخب أن يعطيه ثقته في صندوق الاقتراع، وعلى هذا الناخب ان يختار في جو صحي وديموقراطي لمن يعطي هذه الثقة، والمرشح الذي لم ينل ثقة الناخب في هذه الدورة الانتخابية قد ينالها في الدورة القادمة إذا ثابر على العمل والاهتمام بمصلحة الوطن والمواطن، هذا هو مبدأ الديموقراطية وتداول السلطة.
إذا كان الهدف المصلحة العامة فلا داعي للعداء الشخصي ولا أنَّ تحول المعركة الانتخابية الى مهاترات وعداءات شخصية، فهذا السلوك دليل واضح على أننا لم نرتق بعد الى المستوى الذي يؤهلنا لبناء هذا المجتمع مع غيرنا من ابنائه ليكون مجتمعا آمنا متطوراً، ننعم في احضانه بالأمن والأمان والعزة والكرامة، علينا أن نثبت لأنفسنا ولغيرنا ولأبنائنا أيضاً أننا على مستوى المسؤولية وأننا سنمارس خيارنا الديموقراطي بطريقة حضارية لما فيه خير البلاد والعباد ومرضاة رب العباد.