ترجمة وتحرير: نون بوست
يستلقي المصابون على أراضي المستشفيات؛ مع تفجر الدم من الجروح غير المعالجة، ويقوم الأطباء بإجراء بتر الأطراف دون تخدير. ونظرًا لنقص الشاش؛ يستخدمون ثيابهم بعد تمزيقها، وبعد الجراحة؛ لا يوجد ماء لغسل الدم من أيديهم. وبدون معدات معقمة؛ تنتشر الأمراض في المستشفيات بدلًا من علاجها؛ حيث يقول العديد من الأطباء الذين عملوا في مناطق حربية أخرى إن الظروف في غزة هي الأسوأ التي رأوها، ويقول تقرير أصدرته منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، وهي هيئة رقابية: “المستشفيات، التي كانت من المفترض أن تكون ملاذًا آمنًا … غالبًا ما تتحول إلى فخاخ للموت”.
في 18 شباط/فبراير؛ أعلنت منظمة الصحة العالمية أن مستشفى ناصر في خان يونس، أكبر مستشفى في جنوب غزة – حيث لا يزال القتال شديدًا – لم يعد يعمل. وأظهرت دراسة صدرت في اليوم التالي أنه حتى لو جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، إلا أن الضرر الذي لحق بنظام الرعاية الصحية في غزة كبير لدرجة أن الكثير من الوفيات ستحدث حتى عندما يتوقف القتال.
منذ بدء الهجوم البري الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي؛ أصبحت المرافق الطبية ساحة معركة رئيسية، فلجأ عشرات الآلاف من سكان غزة إلى مجمعات المستشفيات، التي تعرضت للهجوم من القوات الإسرائيلية بزعم وجود نشطاء حماس بها. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ فإن 85 بالمئة من ما يقرب من 800 من العاملين في مجال الصحة ومرضى المستشفيات الذين قتلوا في الصراعات حول العالم خلال العام الماضي؛ لقوا حتفهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، معظمهم في قطاع غزة الذي يبلغ عرضه عشرة أميال، كما أن نحو 60 بالمئة من الهجمات التي استهدفت مرافق الرعاية الصحية في جميع مناطق النزاع هناك.
بعد أكثر من أربعة أشهر من الحرب؛ لا تعمل سوى ربُع مستشفيات غزة البالغ عددها 36، وأقل من ثلثي عدد العيادات الصحية البالغ عددها 72، وهذه الأخيرة تعمل جزئيًّا فقط. وفي 18 شباط/فبراير؛ انتهى حصار مستشفى ناصر الذي دام أسبوعًا من قبل القوات الإسرائيلية – حيث كان المستشفى هو أكبر مستشفى يعمل بشكل كامل في غزة – بدخول القوات الإسرائيلية إليه واعتقال عدة أطباء، بما في ذلك مديره، فيما بقي حوالي 130 مريضًا وما لا يقل عن 15 طبيبًا في المبنى، الذي لا يوجد فيه كهرباء أو ماء جارٍ.
يتم تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة من جذوره، فالعاملون في المجال الطبي مرهقون ومصابون بالصدمة، وتم تدمير سيارات الإسعاف وقد تكون المستشفيات التي لا تزال قائمة هيكلياً غير مستقرة. حتى عندما لم تتعرض المستشفيات لضربات مباشرة، فقد قامت صدمات الموجات الصاعدة من القنابل بإتلاف أنابيب الصرف الداخلية، مثل خطوط الغاز، وتركت إمدادات الأوكسجين محطمة.
وقتل حوالي 29,000 شخص في غزة حتى الآن جراء الحرب، ولكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن الوفيات ستستمر في الارتفاع بعد انتهاء القتال؛ فوفقًا لدراسة نشرت في 19 شباط/فبراير من قبل كلية جونز هوبكنز للصحة العامة في ولاية ماريلاند ومدرسة هايجين والطب الاستوائي في لندن، تقدر الوفيات الزائدة، أي عدد الوفيات فوق تلك المتوقعة في أي عام عادي، بزيادة 6,550 خلال الستة أشهر القادمة حتى لو كان هناك وقف فوري لإطلاق النار. وإذا استمر القتال على مستواه الحالي؛ فقد يصل هذا الرقم إلى أكثر من 58,000 خلال نفس الفترة. ويعود ذلك جزئيًا إلى الأمراض المعدية وجزئيًا إلى الإصابات الناتجة عن الصدمات التي يصعب على المستشفيات القليلة المتبقية معالجتها. ويتوقع آخرون أن يتسبب نقص الرعاية الصحية اللائقة في إصابة 280,000 شخص بإصابات أو أمراض تغير حياتهم.
المستشفيات – التي تتمتع بحماية خاصة بموجب قوانين الحرب – أصبحت ساحة معركة في العديد من الصراعات الحضرية الأخيرة، فتم تدمير حوالي 60% من نظام الرعاية الصحية في سوريا خلال الأربع سنوات الأولى بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، وفقًا للأمم المتحدة. وأغلقت ربع خدمات الرعاية الصحية في اليمن خلال السنة الأولى من الحرب الأهلية في عام 2014. وفي عام 2022، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، تم تدمير 37 مستشفى من أصل 1600 مستشفى في أوكرانيا.
وتقول إسرائيل إن مستشفيات غزة هي أهداف مشروعة، ونشرت دلائل تقول إنها تظهر أن مقاتلي حماس قد اختبأوا بين المرضى و يخزنون الأسلحة في عدة مستشفيات، كما تقول إن حماس أبقت نفقًا تحت أكبر مستشفى في غزة، مستشفى الشفاء، يتصل بشبكة الأنفاق الخاصة بها. وإذا تم استخدام مستشفى لأغراض عسكرية، فإنه يفقد وضعه الخاص، ولكن إسرائيل لم تسمح للمحققين المستقلين بالوصول إلى المستشفيات والتحقق من الادعاءات. بعد السيطرة على مستشفى الشفاء في تشرين الثاني/نوفمبر؛ قللت إسرائيل من ادعائها بأنها اكتشفت دلائل على وجود مركز رئيسي للتحكم والقيادة هناك.
يقول العديد من الفلسطينيين إن لدى إسرائيل نية أوسع؛ للتضييق على “قدرة المجتمع الغزاوي على البقاء”، كما تقول منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”. وما إذا كان ذلك صحيحًا وقابلًا للمناقشة، فما لا يمكن مناقشته هو أن الحرب قد جعلت الكثير من مناطق غزة غير صالحة للعيش بالفعل، وانهيار النظام الصحي سيجعل الأمر أكثر صعوبة للعيش.
المصدر: الإيكونوميست