ترجمة وتحرير نون بوست
تخيل لو أنك لم تغلق عينيك لثلاثة أيام وثلاثة ليالي كاملة، كيف سيكون، حسب رأيك، مستوى الكفاءة الفكرية لديك؟ هل ستكون قادرا على التحقق من المبلغ المتبقي الذي يعيده لك الخباز؟ وهل تشعر بأنك تتمتع بالتركيز الكافي لتجربة طريق جديد للوصول إلى مكان العمل؟ في أفضل الأحوال، قد تكون قادرا على القيام بكل ذلك. ولكن ستكون، أولا، في حاجة إلى أن تكون اقتصاديا في إدارة مواردك المعرفية حتى تنجح في التخطيط ليومك وتتمكن من مجاراة ما خططت له. وفي هذا السياق، يواجه مئات الآلاف من الفرنسيين الذين يعانون من التعب المعرفي، هذا السيناريو يوميا.
ما هي الفئات المعنية بالتعب المعرفي؟
خلال كل سنة، يتم تسجيل قرابة خمسة آلاف حالة جديدة من التصلب المتعدد من جملة 80 ألف مريض. ويمثل ذلك أحد الأسباب غير الرضية للتعرض للإعاقات التي تطال الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 40 سنة. في الأثناء، كانت الصدمة تعد السبب الرئيسي للوفاة أو الإصابة بإعاقة خطيرة، وذلك قبل 45 سنة (أكثر من 15 ألف حالة في السنة، وأكثر من نصف مليون شخص يعانون من عقابيل شديدة).
من جانب آخر، يحتل مرض باركنسون المركز الثاني على اعتباره أكثر الأمراض العصبية شيوعا (بعد مرض الزهايمر). وعادة ما يظهر خلال المرحلة العمرية بين 45 و 70 سنة (تسجل 14 ألف حالة جديدة في السنة، في حين يعاني قرابة 150 ألف شخص من هذا المرض). في سياق متصل، تعد السكتة الدماغية السبب الرئيسي وراء الإعاقة المكتسبة والسبب الرئيسي الثاني للإصابة بالخرف. وفي الأثناء، يبلغ متوسط عمر الإصابة بهذا المرض 69 سنة، مع العلم أن قرابة 25 بالمائة من ضحايا السكتة الدماغية لا تتجاوز أعمارهم 55 سنة. إضافة إلى ذلك، تم تسجيل قرابة 70 ألف حالة تعرضت لسكتات دماغية (غير مميتة) خلال سنة واحدة في فرنسا.
40 بالمائة من المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد، يظهر عليهم التعب المعرفي على اعتباره أكثر الأعراض وضوحا مقارنة بباقي الأعراض على غرار التشنج
عموما، تتشارك جميع هذه الأمراض المختلفة في سمة معينة، ألا وهي التعب المعرفي. وفي هذا السياق، يعاني 70 بالمائة من الأشخاص المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد من تعب معرفي، في حين أن هذه الحالة تنتشر لدى قرابة 50 بالمائة فقط من الأشخاص الذين يعانون من إصابة في الرأس، والشيء ذاته بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مرض باركنسون أو من السكتة الدماغية.
في هذا الصدد، تم ملاحظة أن 40 بالمائة من المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد، يظهر عليهم التعب المعرفي على اعتباره أكثر الأعراض وضوحا مقارنة بباقي الأعراض على غرار التشنج، ولاضطرابات البولية والجنسية، أو اضطرابات المشي ، والألم أو الاكتئاب. في الوقت الراهن، لا يتوفر علاج لهذا المرض، إضافة إلى أن العلاجات النفسية المستخدمة للقضاء على النوم القهري وفرط النوم تعتبر غير فعالة. علاوة على ذلك، تحتم هذه العلاجات على الأشخاص الذين يعانون من تعب غير اعتيادي البقاء مستيقظين، على الرغم من عدم التعرض لآثار جانبية.
الحرمان من النوم
هل يمكن أن تشكل الصلة التي ذكرناها آنفا في بداية هذا المقال فيما يتعلق بالعلاقة التي تربط التعب المعرفي بالحرمان من النوم أكثر من مجرد مقياس؟ هل حقيقة يعاني الأشخاص الذين يشكون من التعب المعرفي نقصا في النوم؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الأمر يعد أول شيء يتحقق منه الطبيب. أما بالنسبة لبعض المرضى، قد يكون عامل النوم “طبيعيا”، حيث ينامون بالقدر نفسه مقارنة بفترة ما قبل تعرضهم للمرض أو لحادث.
أثناء النوم، يتم تعزيز الخلايا العصبية المثبطة. في المقابل، وفور الاستيقاظ من النوم، تفقد عملية التواصل بين الخلايا فعاليتها.
على العموم، وبفضل التقدم الحاصل على مستوى المعرفة بشأن طبيعة النوم والآليات المعنية التي تتداخل في خضم هذه العملية، بات بمقدورنا الآن أن نفهم أنه وعلى الرغم من حصول الإنسان على ساعات نوم كافية، قد تشير حالته إلى أنه يعاني من نقص في النوم. ويعزى ذلك إلى عدم فاعلية ونجاعة النوم.
ماذا يعني أن تنام؟
أثناء النوم، يتم تعزيز الخلايا العصبية المثبطة. في المقابل، وفور الاستيقاظ من النوم، تفقد عملية التواصل بين الخلايا فعاليتها. لماذا؟ ببساطة، لأنها جزء من لدونة عصبية، يعني أنها يمكن أن تتغير على خلفية اختلاف النشاط تماما مثل نقاط الاشتباك العصبي. علاوة على ذلك، تعد هذه اللدونة العصبية ضرورية للغاية لفهم تركيبة الخلايا العصبية.
في الإطار ذاته، تتمثل أبرز آليات تعديل كفاءة التشابك العصبي وأكثرها شيوعا، في آلية ما يعرف بالتوليف المتشابك طويل الأمد والانخفاض المتشابك طويل الأمد. ويعزز التوليف المتشابك طويل الأمد نجاعة المشبك العصبي، في حين أن الانخفاض المتشابك طويل الأمد بين الخلايا يقلل من فعالية المشبك العصبي. ومن هذا المنطلق، نفهم أن الخلايا العصبية “أ” تتدخل في إثارة الخلايا العصبية “ب”، ويتم تعزيز تواصل (المشبك العصبي) بين الخلايا العصبية “أ” “وب”، وذلك ما نسميه بالتشابك العصبي “المفيد”. أما عكس ذلك، أي “عديم الفائدة”، فيحيل إلى أنه وعلى الرغم من الإثارة الحاصلة بين الخلايا العصبية “أ” “وب”، لا يعود المشبك العصبي “بالنفع على أية خلايا”، في حين يأخذ في التآكل حتى يختفي تماما.
في المقابل، يتمثل المشكل في هذه العملية في أن كفاءة خلية عصبية، التي تتمتع بالقدرة على منع إثارة الخلايا العصبية التي من بعدها، تتراجع بسبب التنفيذ التلقائي للخلايا التي تعرضت لانخفاض المتشابك طويل الأمد. وتمثل الخلايا العصبية المثبطة 40 بالمائة من جملة الاتصالات العصبية فضلا عن ذلك، تلعب هذه العملية دورا أساسيا في أداء الخلايا العصبية من خلال تنشيطها على مستوى المنشآت القشرية.
في الأثناء، قد يؤدي انعدام الاتصال العصبي إلى نوبات الصرع، وانخفاض أداء الخلايا العصبية، الأمر الذي قد ينتهي بالموت. ولحسن الحظ أنه، وخلال النهار، يكون التدني في فعالية الخلايا العصبية المثبطة محدودا، ولكن يمكن معاينة آثاره. والجدير بالذكر أننا نحن البشر أكثر ذكاء ويقظة في الصباح مقارنة بالمساء. وقد يزداد الوضع سوءا إذا بقينا مستيقظين لوقت طويل (بعض حالات التعب المعرفي تسببت في حوادث في صفوف سائقي الشاحنات الكبيرة في الولايات المتحدة).
تتسم الإصابة الدماغية الرضية بعملية تسارع وتباطؤ تفاضلي لمختلف عناصر الدماغ. وينتج عن ذلك قص للوصلات العصبية على المدى الطويل.
أثناء النوم، يتم إعادة بناء فعالية التشابك العصبي على مستوى الوصلات العصبية المثبطة من حلال المحفز على المدى الطويل. ويؤكد ذلك أن الخلايا العصبية على جانبي المشبك (المانع) في حالة نشاط. ومن المثير للاهتمام أن الخلايا العصبية المثبطة تكون متقاربة، وبالتالي، وبمجرد أن تكون جميع الخلايا العصبية الموجودة في الجزء ذاته في المرحلة المناسبة، تتم عملية تعزيز كفاءة التشابك العصبي. وقد لوحظ هذا الأمر بشكل دقيق في مخطط الرسم الكهربائي للدماغ، في ظل موجات بطيئة من النوم العميق.
الحلقات العصبية التي تربط بين المهاد والقشرة الدماغية
تساعد الحلقات العصبية، “الثلاموس”، التي تربط بين المهاد والقشرة الدماغية على الحفاظ على موجات بطيئة من النوم العميق. وفي الأثناء، يكفي أن تتعرض هذه الحلقات لإصابة ما، حتى تحول دون تعزيز الترابط بين الأعصاب. والجدير بالذكر أن جميع الأمراض المذكورة أعلاه تؤثر على الحلقات العصبية التي تربط بين المهاد والقشرة الدماغية. إضافة إلى ذلك، غالبا ما يدمر مرض التصلب المتعدد الغمد النخاعيني للوصلات العصبية، ما يؤدي بدوره إلى تمدد السيالة العصبية.
من ناحية أخرى، تتسم الإصابة الدماغية الرضية بعملية تسارع وتباطؤ تفاضلي لمختلف عناصر الدماغ. وينتج عن ذلك قص للوصلات العصبية على المدى الطويل. في سياق ذي صلة، يعرف مرض باركنسون بانحطاط الخلايا العصبية “الدوبامين”، ولكن العديد من الدوائر العصبية الأخرى تتشارك في ذلك. وأخيرا، يرتفع احتمال التأثير على عدد وحجم الحلقات العصبية التي تربط بين المهاد والقشرة الدماغية خلال التعرض لسكتة دماغية.
حلول علاجية
بالنظر إلى الأسباب الكامنة وراء ما يسمى بالتعب المعرفي، يتضح لنا أن العلاجات لا ينبغي أن تقتصر على “إيقاظ” المريض. ولكن بدلا من ذلك يجب أن نساعده على النوم أكثر وبطريقة أفضل. ويمكن أن تشكل القيلولة جزءا من الحل. ومن وجهة نظر تكنولوجية، أظهر الباحث، أرجي ريمان وفريقه أن تخفيض معدل التدفئة (+0.4 درجة مئوية) يضاعف مدة النوم العميق. وقد أكدت، ليزا مارشال من خلال بحوثها في هذا الصدد، أن كفاءة الموجات البطيئة أثناء النوم العميق يمكن تحسينها، عن طريق بث تيارات مباشرة عبر الجمجمة.
الآثار السلبية للتعب على القيادة
مثلما رأينا مسبقا، هناك آفاق لتحسين كفاءة النوم، التي لا تستهدف فقط المرضى الذين يعانون من التعب المعرفي، ولكنها أيضا تحظى بأهمية كبرى لدى الأشخاص الذين يفتقرون إلى النوم بشكل كبير، أو حتى أولئك الذين يرغبون في تحسين أدائهم المعرفي. بالنسبة للحالات الأكثر خطورة، فبدلا من تحسين وظيفة النوم، يمكن النظر في إمكانية جعله خاليا من أي تأثير. وفي الأثناء، يكفي أن نجعل الاشتباك العصبي بمنأى عن اللدونة العصبية. ويتجلى هذا الأمر من خلال حالة المصاب بمرض مارفان، الذي يعرف أيضا بفقدان كامل للقدرة على النوم (أغريبيني)، دون أن يؤثر ذلك على الإدراك المعرفي
المصدر: سلايت