في تجمع هو الأول من نوعه للملمة شتات المعارضين لنظام آل سعود في الخارج تحت مظلة موحدة، عقدت قوى المعارضة السعودية مؤتمرها الأول أمس الجمعة في العاصمة الأيرلندية دبلن وذلك بهدف دفع عجلة الإصلاح إلى الأمام.
المؤتمر الذي يعد باكورة العمل نحو تجميع جهود القوى الحقوقية المعنية بالدفاع عن الحريات في السعودية والذي شارك فيه نخبة من الحقوقيين السعوديين على رأسهم الدكتورة مضاوي الرشيد ويحيى العسيري والدكتور عبدالعزيز المؤيد، فضلاً عن عدد من البرلمانيين الأيرلنديين المدافعين عن الحريات، أثار الكثير من الجدل لا سيما في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها المملكة في عهد محمد بن سلمان، والتي جاءت على حساب العديد من المبادئ والمواثيق الحقوقية، فما دوافع هذه الخطوة ودلالاتها؟ وما الأهداف التي تسعى لتحقيقها قوى المعارضة بالخارج؟ ثم السؤال الأكثر جدلاً: من يقف وراءها؟
الدكتورة مضاوي الرشيد، أحد أبرز الوجوه المشاركة في هذا المؤتمر دعت الشباب السعودي في الداخل والخارج إلى الانضمام لحركة “مواطنون بلا قيود”، معتبرة أنها خطوة ناجحة في مواجهة القمع بالسعودية
تدشين حركة “مواطنون بلا قيود”
شهد المؤتمر الذي نقلته قناة الجزيرة تدشين ما أطلق عليه حركة “مواطنون بلا قيود” والتي جاءت ردًا على حملة الاعتقالات التي شهدتها السعودية في الأيام الأخيرة ضد كل من تجرأ أن يغرد خارج السرب سواء كان ذلك بالمعارضة أو الصمت عن التأييد.
ليست هذه المرة الأولى التي تتصاعد فيها أصوات المعارضة السعودية، لكنها كانت في السابق حالات فردية تطفو على السطح من خلال مبادرات شخصية من قبل بعض المعارضين في الداخل أو الخارج، إلا أن هذا التجمع الأخير بالأمس وإن كان قليل العدد إلا أنه يمثل نقطة بارزة في مسيرة المعارضين لنظام آل سعود، إذ نقلهم من مرحلة التشتت والفردية في المعارضة إلى الانصهار داخل بوتقة واحدة وتحت لواء موحد، وهنا ربما تكون نقطة قوته الأكثر حضورًا حتى الآن.
الدكتورة مضاوي الرشيد، أستاذة علم الاجتماع السياسي بكلية لندن، أحد أبرز الوجوه المشاركة في هذا المؤتمر دعت الشباب السعودي في الداخل والخارج إلى الانضمام لحركة “مواطنون بلا قيود”، معتبرة أنها خطوة ناجحة في مواجهة القمع بالسعودية الذي شمل – بحسب وصفها – أشخاصًا لم يكن لهم موقف مما يجري، وأنها تهدف لرفع سقف المطالب الحقوقية بالمملكة.
مضاوي خلال كلمة لها في المؤتمر أشارت إلى الدور الذي لعبه النظام السعودي في “إجهاض الثورات العربية” من خلال سياسة العودة للوراء والتي دفعت إليها الملايين من شعوب الثورات العربية بما لديها من نفوذ مالي ووسائل ضغط على صانعي القرار، ملفتة إلى أن هناك أعداد كبيرة من السعوديين لا يمكنهم العودة لبلادهم خوفًا من البطش والتنكيل.
الحملة التي يقودها ابن سلمان ضد المناوئين لتوجهاته أو الصامتين عن دعمها لم تتوقف عن المعارضين فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى بعض الداعمين للأسرة الحاكمة
لماذا؟
بحسب المؤتمر، يأتي تدشين هذا التجمع المعارض ردًا على ما تشهده المملكة من انهيار لبنيتها الحقوقية بصورة باتت لا يمكن السكوت حيالها، حيث شنت السلطات ومن دون أسباب حملة اعتقالات واسعة شملت دعاة وعلماء وأكاديمين وحقوقيين، تجاوز عددهم العشرين اسمًا – حسبما أشارت بعض الحسابات الموثقة لاعتقالات الرأي في المملكة -، أبرزهم: سلمان العودة، عوض القرني، يوسف الأحمد، إبراهيم الفارس، إبراهيم الناصر، محمد الهبدان، غرم البيشي، محمد بن عبد العزيز الخضيري، علي العمري، محمد موسى الشريف، إبراهيم الحارثي، حسن فرحان المالكي، خالد العجيمي، وأضيف لهم مؤخرًا الباحث الاقتصادي عصام الزامل والباحث في الشريعة عبد الله المالكي والشاعر بن نحيت والأكاديمي فهد السنيدي، هذا بخلاف ما أشارت إليه بعض المصادر بشأن اعتقال الدكتور علي عمر بادحدح والدكتور عادل بانعمة، إضافة إلى الإمام إدريس أبكر والدكتور خالد العجمي والطبيب عبد المحسن الأحمد.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد وفقط، بل إن التعاطف والتأييد للمعتقلين ربما يتحول في قانون آل سعود إلى جريمة تستوجب التوقيف والاعتقال، وهو ما حدث بالفعل مع خالد بن فهد العودة، شقيق الداعية سلمان العودة والذي تم اعتقاله بسبب تغريدة له تضامن من خلالها مع شقيقه حين كتب يقول: “قد يدوم قليلاً أو كثيرًا ثم ستتضح الحقيقة ويخرج (سلمان العودة) مرفوع الرأس، فما موقف الذين سارعوا بإدانته وتجريمه وتحميله ما لا يحتملّ؟”.
الحملة التي يقودها ابن سلمان ضد المناوئين لتوجهاته أو الصامتين عن دعمها لم تتوقف عند المعارضين فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى بعض الداعمين للأسرة الحاكمة، إذ طالت يد الاعتقال الشاعر ابن بحيت الداعم لابن سلمان والذي قال في حقه قصيدة قبل ذلك، هذا بخلاف ما يتردد بشأن اعتقال بعض الأمراء ووضع آخرين تحت الإقامة الجبرية لا يمكنهم التحرك إلا بإذن مباشر من ولي العهد.
تحت ضغط سلطات بلادي، أقدم ناشر إحدى أكثر الصحف العربية انتشارًا، وهي صحيفة الحياة، على إلغاء العمود الذي كنت أكتبه، كما منعتني سلطات بلادي من التغريد على موقع تويتر
مراقبون للوضع الحقوقي في المملكة يشيرون إلى أن هذه الحملة لن تتوقف عند ما وصلت إليه من اعتقالات، بل من المتوقع أن يتضاعف العدد خلال المرحلة المقبلة بالتزامن مع بعض القرارات التي اتخذها ولا يزال محمد بن سلمان والتي من شأنها أن تثير حفيظة البعض، سواء كان متعلقًا بالتوجهات الخارجية كما حيال قطر والحرب في اليمن، أو بالإصلاحات الداخلية كمساعيه نحو تقليل النفوذ الديني والانسلاخ من عباءة الوهابية والولوج إلى مرحلة علمنة المملكة، بما يتماشى مع توجهات شقيقه الأكبر وداعمه الأول محمد بن زايد، وكلاهما يتحرك في إطار تقديم أوراق الاعتماد لدى البيت الأبيض.
الباحث في شؤون الشرق الأوسط لدى منظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوغل، كشف أن هذه الحملة الشعواء من الاعتقالات والتوقيفات تعكس بشكل كبير طريقة تعامل السعودية مع المعارضة السياسية أو الدينية، موضحًا أن لدى المملكة سجلاً مروعًا فيما يتعلق بحرية التعبير ويمكن القول إن الأمور تزداد سوءًا، على حد قوله.
مولوا مؤتمرات وندوات معارضة ضد #قطر والان ينقلب السحر على الساحر الان مؤتمر معارضة #السعودية ونتظروا مؤتمرات المعارضة #البحرين و #الامارات pic.twitter.com/Jc0xj0y2HM
— سليمان باشا (@slymanbbbb) September 29, 2017
هذا الوضع المتردي على المستوى الحقوقي وتراجع منسوب الحريات بصورة كبيرة في ظل تضييق الخناق على المعارضين واستهدافهم كان الدافع الأبرز نحو تدشين مرحلة جديدة من مراحل المعارضة تعتمد على التنظيم والمؤسسية حتى تصبح أعلى صوتًا وأكثر تأثيرًا، وهو ما تجسده حالة الكاتب الصحفي جمال خاشقجي رئيس تحرير جريدة الوطن السعودية سابقًا، الذي تحول ما بين ليلة وضحاها إلى معارض بسبب أرائه التي تدور في مجملها في إطار إسداء النصح للقائمين على أمور المملكة حتى تصل إلى الصورة التي يتمناها الرجل.
خاشقي في مقال له في “واشنطن بوست” ترجمه “نون بوست” عبر عن حالة الاحتقان التي تنتابه جراء التضييق الذي تمارسه السلطات السعودية ضده بقوله “في الحقيقة، أشعر أنا وأصدقائي الذين يعيشون خارج البلاد بالعجز، فنحن نريد أن يزدهر بلدنا وأن نرى رؤية 2030 تتحقق، نحن لا نعارض حكومتنا ونهتم بشكل عميق بالمملكة العربية السعودية، فهي الوطن الوحيد الذي نعرفه ونريده، ولكن رغم ذلك نحن نعتبر أعداءً”.
هذه الحملة الشعواء من الاعتقالات والتوقيفات تعكس بشكل كبير طريقة تعامل السعودية مع المعارضة السياسية أو الدينية
وتابع: تحت ضغط سلطات بلادي، أقدم ناشر إحدى أكثر الصحف العربية انتشارًا، وهي صحيفة الحياة، على إلغاء العمود الذي كنت أكتبه، كما منعتني سلطات بلادي من التغريد على موقع تويتر عندما حذرت من المبالغة في التحمس تجاه انتخاب الرئيس دونالد ترامب، لذلك، بقيت ستة أشهر صامتًا، أفكر في حالة بلدي والخيارات المؤلمة التي أواجهها.
إلا أنه في النهاية لم يجد أمامه سوى مصير العشرات غيره ممن هربوا بجلودهم من سلاسل التنكيل التي سيكتوون بها حال عودتهم للسعودية مرة أخرى، معلنًا ثباته على موقفه “قبل ست سنوات، كان الأمر مؤلمًا جدًا بالنسبة لي عندما تم اعتقال العديد من أصدقائي، ولكني لم أقل شيئًا، ولم أشأ أن أفقد عملي أو حريتي، وكنت قلقًا على عائلتي، ولكن الآن اتخذت خيارًا مختلفًا، فقد غادرت وطني وعائلتي وعملي، وأنا الآن أرفع صوتي، وأي خيار آخر قد أقوم به سيكون خيانة لأولئك القابعين الآن في السجن، فأنا أستطيع أن أتكلم عندما لا يستطيع الآخرون، أريدكم أن تعلموا أن السعودية لم تكن دائمًا كما هي الآن، نحن السعوديين نستحق ما هو أفضل”.
وجهة نظر
لا المعارضة التي تصنعها قطر ضد السعودية ستؤثر فيها!
ولا المعارضة التي تصنعها السعودية ضد قطر ستؤثر فيها!
الشعوب لديها الأفضل!— شؤون عربية | Arab Affairs (@Arabaffairstv) September 29, 2017
المعارضة مضاوي الرشيد تعتبر المؤتمر خطوة ناجحة في مواجهة القمع بالسعودية
ما الهدف؟
“إن المؤتمر يهدف لدعم المواطن السعودي لنيل حقوقه”، هكذا علق الدكتور عبد العزيز المؤيد منسق حركة “مواطنون بلا قيود” كاشفًا النقاب عن الهدف الرئيسي من عقد المؤتمر وتدشين الحركة التي ستقدم الدعم الحقوقي لكل من يتعرض للاعتقال والملاحقة داخل المملكة العربية السعودية، حسبما أشار.
المؤيد في كلمته بالمؤتمر تعجب من خبر اعتقال الخبير الاقتصادي عاصم الزامل، قائلاً: “بدلاً من الاستفادة من خبراته يتم اعتقاله”، داعيًا الشعوب والمنظمات الحقوقية والدولية للتضامن مع المعتقلين في السجون السعودية، كاشفًا “أن من حق المواطن السعودي أن يسأل عن أسباب وخلفيات موجة الاعتقالات الواسعة التي شملت شخصيات سعودية بارزة” وأضاف “إننا نحن السعوديين نقول كفى، ونحن لا نستطيع تحمل مزيد من الضغط”.
مطالب المعارضه السعوديه بالامس كانت عادله جدا ومنطقيه
١. توزيع الثروات
٢. العمل
٣. الصحه
٤. معالجه الفقر
٥. ابعاد سُفهاء ال سعود عن الشعب
٦. الحياه الكريمه للكل— j.a.a.a (@ojjjjiiiijjjjo) September 30, 2017
وعن استراتيجية الحركة، كشف منسقها العام أنها لا تؤمن بالعنف وتنتهج الخيار السلمي، مستهلة عملها بتدشين حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل كسب الدعم والتأييد المجتمعي والحقوقي لوقف الاعتقالات وملاحقة الدعاة والشخصيات العامة، مؤكدًا أن الحركة تهدف للوصول إلى سقف معقول من حرية التعبير والتفكير للمواطن السعودي، مطالبًا بالإفراج عن الشيخ سلمان العودة الذي وصفه بأنه “يتملك المصداقية أكثر من الذين يحكمون”.
حملة اعتقالات واسعة ضد شخصيات عامة سعودية أثارت الكثير من الجدل
من يدعمها؟
منذ إعلان انطلاق مؤتمر المعارضة السعودية الأول في دبلن، وتدشين حركة حقوقية لدعم المعتقلين داخل المملكة، توجهت أصابع الاتهام إلى الدوحة كونها من تقف وراء هذه الخطوة في إطار الصراع الدائر بينها وبين الرياض وأبو ظبي على وجه الخصوص منذ اشتعال الأزمة الخليجية في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية معها في الخامس من يونيو الماضي.
أنصار هذا الرأي يعززون موقفهم بأن ما تقوم به قطر هو رد فعل حيال مساعي الرياض للضغط على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وحكومته، من خلال ورقة التلويح بـ”وجود بدائل”، متبنية مؤتمراتهم وراعية بياناتهم الصادرة عنهم والتي تهدف إلى شق الصف القطري وإحداث انقلاب داخلي، سواء كان ذلك عن طريق الشيخ عبد الله بن علي، أو الشيخ سلطان بن سحيم بن حمد آل ثاني، أو عبر ما يسمى “مؤتمر المعارضة القطرية” الذي تم تنظيمه في 14 من سبتمبر الحالي في لندن والذي لم يحضره من القطريين إلا القليل.
والله وفتحتوا على نفسكم باب مؤتمر المعارضه السعودية في الخارج بداية الغيث هذي هدايف السياسة المتهوره pic.twitter.com/gGKEmWfDIy
— سعدون الكواري (@saadon_alkuwari) September 29, 2017
تاريخ السعودية الطويل في محاولات تغيير الأمراء الخليجيين غير المرضي عنهم بالنسبة للرياض، واستبدالهم بأمراء ضعفاء وهامشيين وموالين لها، ربما كان الدافع وراء تبني رواية وقوف قطر وراء مؤتمر المعارضة السعودية في دبلن، إلا أن فريقًا آخر يحمل رؤية مختلفة.
الفريق الثاني يرى أن المستجدات الأخيرة التي فرضت نفسها على الساحة الداخلية السعودية والتي ساهمت بشكل كبير في إعادة رسم الخارطة السياسية للبلاد بما يتماشى مع طموحات ولي العهد الشاب، كانت الدافع الرئيسي نحو توحد المعارضين تحت لواء واحد، في أعقاب زيادة رقعة الاضطهاد والتنكيل بكل من يفكر أن يخرج عن عباءة التأييد والولاء المطلق للنظام وقراراته.
توجهت أصابع الاتهام إلى الدوحة كونها من تقف وراء هذه الخطوة في إطار الصراع الدائر بينها وبين الرياض وأبو ظبي على وجه الخصوص منذ اشتعال الأزمة الخليجية
هذه الرؤية تنبثق في دوافعها من الخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي منيت بها المملكة، سواء كان خارجيًا في الملفين اليمني والسوري، وتراجع نفوذها الإقليمي لقوى أخرى على رأسها إيران، أو داخليًا من خلال حملة الاعتقالات والانتهاكات الحقوقية ضد كل من يقف أمام طموح ابن سلمان وحلمه في خلافة والده على كرسي العرش.
مؤتمر المعارضه السعودية بتمويل الامارات للبدء في تقسيمها .هذا ما جناه الذباب الاكتروني في السعوديه
— بن سيف الكواري (@bKyzTS2DG8PbSku) September 29, 2017
بينما يذهب فريق ثالث إلى الإمارات العربية المتحدة متهمًا إياها بالضلوع وراء هذه التحركات بالتمويل والدعم وذلك في محاولة منها لتقسيم المملكة وإشغالها عن قضاياها الإقليمية، مما يمهد الطريق أمام أبناء زايد نحو التفرد بقيادة المنطقة خاصة أنهم يعون جيدًا أن ذلك لن يحدث إلا بانكفاء السعودية ومصر على أزماتهم الداخلية.
أيا كانت الدوافع الحقيقية وراء تدشين هذا المؤتمر فمن المرجح أن يكون علامة فارقة ونقطة بارزة في مسيرة المعارضة في المملكة، التي يتوقف مدى نجاحها في إحداث التأثير المزمع على ما يمكن أن تتبناه من استراتيجيات إعلامية وحقوقية وسياسية قادرة على توصيل الرسالة لأكبر قطاع ممكن من الشعب السعودي من جانب والمجتمع الدولي من جانب آخر، وربما تحمل هذه الخطوة حال توظيفها بشكل جيد ناقوس خطر يهدد بسحب البساط من تحت أقدام آل سعود.