منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 عزز الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاته على الأسرى الفلسطينيين في سجونه، بتعليمات من وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير الذي فرض مجموعة من العقوبات الجماعية على الأسرى، ما أدى إلى استشهاد 10 أسرى فلسطينيين، بينهم 3 من معتقلي غزة، فقد فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على غزة “حالة الطوارئ في السجون”، ما يعني بالنسبة إلى الأسرى الفلسطينيين تشديد الإجراءات بشكل خانق.
تنوعت الإجراءات الإسرائيلية المتخذة بحق الأسرى ما بين منع زيارات الأهالي ووقف زيارات مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما سحبت مصلحة السجون كل أجهزة الاتصال والراديوهات والتلفزيونات من داخل السجون، التي كان مسموحًا بها سابقًا.
وتبدو الإستراتيجية التي تنتهجها مصلحة السجون الإسرائيلية حاليًا قائمة على ما يريده الوزير المتطرف بن غفير من خلال التضييق على الأسرى بشكل مباشر وتشديد الخناق ومنعهم من أبسط حقوقهم.
ويتضح من خلال هذا السلوك أن الاحتلال الإسرائيلي عبر منظومته الرسمية والأمنية يركز على الأسرى ضمن الفئات التي يستهدفها من أجل الضغط على المقاومة الفلسطينية خلال عملية المفاوضات التي تتم بوساطات عربية ودولية.
شهادات صادمة.. قتل وضرب
تسيطر حالة من الحزن على عائلة الأسير الشهيد عمر دراغمة الذي استشهد يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد اعتقاله إداريًا هو ونجله حمزة يوم الـ9 من نفس الشهر بعد يومين من معركة طوفان الأقصى.
وتتحدث عائلة دراغمة لـ”نون بوست” بأن الشهيد عمر تعرض للتعذيب والضرب خلال 3 أسابيع من اعتقاله بواسطة قوات الاحتلال من منزله، وتواصلت الانتهاكات بحقه طوال فترة الاعتقال حتى تم الإعلان عن استشهاده بصورة رسمية.
وتشير عائلته إلى أنها مُنعت من زيارته خلال فترة اعتقاله، علاوة عن الإفادات والشهادات التي نقلت من بعض الأسرى المحررين عن عملية التعذيب والضرب التي تعرض لها خلال فترة اعتقاله ونجله.
بالإضافة إلى ذلك فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت تسليم جثمانه لعائلته كي يتم دفنه، فيما تذرعت بأن المرض هو المتسبب الرئيسي في استشهاده، في محاولة للتهرب من السبب الحقيقي المتمثل في الانتهاكات، بحسب إفادة العائلة.
ولم تكن حالة الأسير عرفات ياسر حمدان أفضل حالًا، إذ استشهد بعد أقل من 48 ساعة فقط من اعتقاله على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي من منزله في بيت لحم، نتيجة للتعذيب المبرح الذي نفذه جنود الاحتلال بحقه منذ اللحظة الأولى لاعتقاله.
ويتحدث والده ياسر حمدان لـ”نون بوست” قائلًا إن ما جرى مع نجله كان عملية قتل واضحة مع سبق الإصرار والترصد، خصوصًا أن اعتقاله كان متزامنًا مع اعتقال 22 فلسطينيًا من ذات المنطقة إلا أن طبيعة التعامل معه كانت مختلفة.
ويكشف والد الشهيد حمدان – البالغ من العمر 25 عامًا – أن ابنه منذ اللحظة الأولى اعتدى عليه جنود الاحتلال بالضرب، علاوة على خنقه بغطاء قماشي رغم مرضه.
ويشير إلى أن الاحتلال استخدم مرض نجله كوسيلة للهروب من المسؤولية القانونية الخاصة بقتله، ورغم أنه يعاني من خلل في الأنزيمات منذ أكثر من 22 عامًا فإنها ليست السبب الرئيسي في موت نجله.
ويشدد حمدان على أن الاحتلال الإسرائيلي المسؤول الأوحد عما حدث مع نجله، حيث إن إفادة بعض من كانوا معه خلال وجوده في مركز التوقيف وحتى نقله لسجن عوفر، تثبت تعمد الاحتلال قتله عبر الضرب المركز في مختلف أنحاء جسده.
وينوه إلى أن الاحتلال رفض تسليمه جثمان نجله كي يدفنه بمقابر العائلة، واكتفى بإجباره على الموافقة بقبول طلب تشريح الجثمان مع البحث في طلب تسليمه، وهو ما لم يتحقق منذ أن استشهد في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
التعذيب والشبح.. وسائل إسرائيلية متنوعة للتعذيب
قبل أسابيع بسيطة أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن المعتقل محمد خليل من مدينة غزة، بعد اعتقال استغرق قرابة 50 يومًا خضع خلاله لعملية تعذيب ممنهجة على يد محققين من جهاز الأمن العام “الشاباك” استهدفت جمع معلومات عن المقاومة.
وفقًا لحديث المعتقل خليل لـ”نون بوست” فإن جميع من يتم اعتقالهم يخضعون لتعذيب مدروس وممنهج سواء بشكلٍ جسدي أم حتى نفسي، خلال عملية الاعتقال التي طالت على وجه الخصوص الفلسطينيين في قطاع غزة.
ويشير إلى أن جميع من يتم اعتقالهم يتم إخضاعهم للتعذيب سواء بالشبح لساعات طويلة أم عدم تقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم، علاوة عن استخدام بعض أنواع الحبوب والأدوات ووسائل التعذيب لانتزاع اعترافات بالإكراه من بعض المعتقلين.
ويتضح من خلال إفادات الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية وتسريبات المؤسسات الحقوقية أن الاحتلال الإسرائيلي اعتمد سياسة قتل الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، ولجأ إلى فتح معتقلات غير رسمية.
وكانت غالبية الانتهاكات الإسرائيلية في المعتقلات غير الرسمية تقوم على سياسة تعذيب الفلسطينيين وتجريدهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، واستخدام جميع الأدوات والوسائل للضغط عليهم سواء كانوا رجالًا أم نساءً.
بدورها، تؤكد أماني سراحنة مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أن عدد حالات الاعتقال التي وثقها النادي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكثر من 7225، في الوقت الذي لا توجد فيه إحصائيات واضحة عن معتقلي غزة، فهم رهن الإخفاء القسري.
وتقول سراحنة لـ”نون بوست” إن حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف النساء 227، في الوقت الذي بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال أكثر من 460، في حين بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الصحفيين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 56 صحفيًا، تبقى منهم رهن الاعتقال 37، وجرى تحويل 21 منهم إلى الاعتقال الإداري.
وتشير إلى أن أوامر الاعتقال الإداري بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول بلغت أكثر من 3765 أمرًا، ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحقّ أطفال ونساء، وهو ما يعكس الزيادة غير المسبوقة في أعداد عمليات الاعتقال والاعتقال الإداري.
وتلفت سراحنة إلى أن حملات الاعتقالات المستمرة منذ طوفان الأقصى ترافقها جرائم وانتهاكات متصاعدة، منها: عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرح، وتهديدات بحق المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، ومصادرة المركبات والأموال ومصاغ الذهب، بالإضافة إلى عمليات التدمير الواسعة التي طالت البُنى التحتية تحديدًا في مخيمات طولكرم وجنين.
ووفقًا لسراحنة فإنه وإلى جانب حملات الاعتقال هذه، فإن قوات الاحتلال نفذت إعدامات ميدانية، منهم أفراد من عائلات المعتقلين، إذ استشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، 10 أسرى على الأقل وهم: عمر دراغمة من طوباس، وعرفات حمدان من رام الله، وماجد زقول من غزة، وشهيد رابع لم تعرف هويته، وعبد الرحمن مرعي من سلفيت، وثائر أبو عصب من قلقيلية، وعبد الرحمن البحش من نابلس، ومحمد الصبار من الخليل، والأسير خالد الشاويش من طوباس، والمعتقل عز الدين البنا من غزة، بالإضافة إلى الجريح المعتقل محمد أبو سنينة من القدس الذي استشهد في مستشفى هداسا بعد إصابته واعتقاله بيوم.
وتوضح أن إجمالي أعداد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية شهر يناير/كانون الثاني المنصرم، أكثر من 9000، من بينهم 3484 معتقلًا إداريًا، و606 صنفوا كمقاتلين غير شرعيين من معتقلي غزة، وهذا الرقم المتوافر فقط كمعطى واضح من إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي.