تتضافر العديد من الوسائل لتشكيل وجهة نظرنا نحو قضية ما أو شخصية بعينها، خاصة لو كانت شخصية مشهورة، فتجد بذلك العديد من الوسائل التي تلجأ إليها أو تأتيك طواعية دون السعي ورائها، هذا بالفعل ما حدث معي لتتكون وجهة نظري بشأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
البداية: إنجازات ثورة 23 من يوليو
إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.
تأميم شركة قناة السويس.
القضاء على الإقطاع.
هذا ما نشأنا وتربينا عليه منذ نعومة أظفارنا، فحفظنا تلك العبارات البسيطة عن ظهر قلب في مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي، كل ما عرفته عن الراحل جمال عبد الناصر أنه أحد الضباط الأحرار الذين أشعلوا فتيل ثورة 23 من يوليو عام 1952، وانضم إليهم الشعب المصري وأيدهم لتنجح ثورتهم ضد نظام الحكم الملكي.
تشكلت وتبلورت في ذهني تلك الصورة للقائد الثوري العظيم، وصاحب الإنجازات الخارقة – مثلما كان يتم تلقيننا في المدارس – ولكن أبت تلك الصورة أن تستمر كما هي بألوانها المبهجة، فبدأت تبهت شيئًا فشيئًا نتيجة بعض الشوائب التي علقت بها خلال مراحل حياتي المختلفة.
الشائبة الأولى: مسلسل سوق العصر
قدم المخرج هاني إسماعيل للشاشة الصغيرة مسلسل سوق العصر، ويتعرض المسلسل لبعض ملامح الحياة إبان ثورة 23 من يوليو وفي أعقابها.
تناول الفيلم الدور القمعي للمخابرات المصرية خاصة تجاه الشباب الجامعي
في أثناء مشاهدتي لهذا المسلسل بدأت الشوائب تعلق على الصورة الرائعة لثورة 23 من يوليو، وبالطبع لأحد قادتها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، على الرغم من أن المسلسل لم يتعرض لشخص الرئيس، فإنه أظهر الجانب المظلم لبعض المنتفعين من ثورة يوليو، وقام بدور أحد أولئك المنتفعين الانتهازيين الفنان محمود ياسين مجسدًا دور حلمي عسكر أحد ضباط الداخلية الكبار، كان حلمي عسكر رمزًا لكل مستغلي الثورة والنفوذ لتحقيق الأطماع الشخصية.
على الرغم أن المسلسل لم يظهر أي مساوئ للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فإن سوء الحاشية المحيطة به والمتمثلة في بعض الوصوليين المنتفعين من الثورة قد يلطخ صورته هو الآخر بصفته أحد قيادات الضباط الأحرار، وزعيمًا للبلاد آنذاك.
الشائبة الثانية: فيلم الكرنك
لم يكن فيلم الكرنك للمخرج علي بدرخان – بالنسبة لي – سوى ترسيخ لتلك الفكرة السيئة عن ثورة 23 من يوليو، إلى جانب الاستبداد السياسي والفكري الشائع في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
تناول الفيلم الدور القمعي للمخابرات المصرية خاصة تجاه الشباب الجامعي، إذ اعتقلت وعذبت كل من ينتقد الثورة أو أحد رموزها من قريب أو بعيد.
الشائبة الثالثة: إهداء الآثار المصرية
كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير، فحينما كنت أبحث عبر الإنترنت عن آثار مصر في الخارج اكتشفت أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد أهدى عددًا من الآثار المصرية إلى بعض الدول.
تعاونت منظمة اليونسكو مع الدولة المصرية من أجل إنقاذ آثار النوبة
في فترة بناء السد العالي تعاونت منظمة اليونسكو مع الدولة المصرية من أجل إنقاذ آثار النوبة، وعلى إثر ذلك، وشكرًا لجهود الدول المشاركة في عمليات الإنقاذ، فقد أهدى معبد دندور “أحد المعابد الرومانية في بلاد النوبة” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أهدى معبد طافا إلى هولندا، ومعبد ديبور إلى إسبانيا، أما مقصورة الليسيه فقد أهداها إلى إيطاليا، والبوابة البطلمية إلى ألمانيا، فما أشبه الليلة بالبارحة!
على الجانب الآخر فقد يكون الفيلم الحامل لاسم جمال عبد الناصر بطولة الفنان خالد الصاوي توثيقًا وتلميعًا لفترة حكم جمال عبد الناصر.
نستنتج من هذا أن الدراما سواء التليفزيونية أو السينمائية لها دور فعال في تشكيل وجهات نظر الشعوب، ولكن حتى تكون وجهة نظرك كاملة، وتكون الصورة أمامك واضحة تمامًا، اقرأ فقط كتب التاريخ، ولكن التاريخ غير المُسيس.