ترجمة وتحرير نون بوست
“هل هذا فن أم ألم؟” سؤال يتبادر إلى الذهن عند رؤية أعمال الفنانة الإيرانية باراستو فوروهار حول العائلة والموت والثورة الفاشلة. وفي هذا الإطار، صرحت هذه الفنانة التشكيلية، وهي ابنة معارضين بارزين في إيران، أن مقتل والديها منذ 20 سنة، قد كان له تأثير كبير على عملها واستمراره.
مع حلول كل فصل خريف، تعود الفنانة الإيرانية، باراستو فوروهار، من ألمانيا إلى العاصمة طهران لإحياء ذكرى مقتل والديها. كان السياسي العلماني، داريوش فوروهار، وزوجته بارفانه، من أبرز الناشطين السياسيين في إيران، وقد لقيا حتفهما طعناً حتى الموت في منزلهما بتاريخ 22 تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 1998. بعد الانتهاء من طعنهما، وضع القتلة جثة والد باراستو في اتجاه القبلة، وجهة مكة المكرمة.
حيال هذا الشأن، تلقت باراستو فوروهار، التي تبلغ من العمر 55 سنة، مكالمة من مراسل في البي بي سي، سألها فيها عن آخر مرة تحدثت فيها إلى والديها، فقالت “لقد اتصلت بصديق مقرب لوالديّ من باريس، وكان في ذلك الحين يبكي. في تلك اللحظة، أدركت أن سبب بكاءه لا يمكن أن يكون مجرد اعتقال، فقد كنا معتادين على الاعتقالات في ذلك الوقت. سألته وقتها “هل قتل والدي؟، وأجابني “ليس والدك فقط”.
منذ ذلك الحين، اعتادت باراستو فوروهار على التجمع مع أقاربها كل سنة لإشعال الشموع والإشادة بالقيم الديمقراطية العلمانية التي كان والداها يناديان بها. وفي كل مرة، يحرم المسؤولون الأمنيون عامة الشعب الإيراني من حضور هذه المناسبة. وفي هذا السياق، قالت فوروهار، التي عُرضت أعمالها مؤخرا في المعرض الفني “بي آرتووركس” في لندن، إن “المسؤولين الأمنيين دائماً ما يمنعون الناس من حضور هذا الحفل التذكاري، ولكنه في الأخير حصل على التغطية الإعلامية وأصبح مظهراً من مظاهر احتجاج الشعب الإيراني”.
في سياق متصل، أضافت الفنانة الإيرانية أن استحضارها للمعاناة التي عاشتها منذ 20 سنة، في كل مرة تعود فيها إلى طهران، قد ساعدها كثيراً في التعافي من جروح الماضي. في هذا الصدد، صرحت فوروهار “عندما أعمل، أشعر بالألم أيضاً. أثناء عملي، أشعر أنه علي المضي قدماً ونسيان الماضي، ولكن في الآن ذاته أعيد إنتاج الألم. في بعض الأحيان لا أستطيع التمييز إن كانت أعمالي فنّا أم ألما؟ ولكنه حقا بمثابة العثور على الشفاء من خلال التكرار. بالنسبة لي، أرى أن إعادة إنتاج الألم تعتبر أنجع طريقة للتعافي منه”.
تريد فوروهار تشجيع المشاهدين على “التخلي عن مسافاتهم ومواقفهم المتناقضة وإعادة التفكير في افتراضاتهم”.
في الواقع، ساهم مقتل والدا فوروهار في تسليط الضوء على أعمال القتل والاختفاء التي لحقت بعض المعارضين المثقفين في إيران خلال فترة التسعينات. كما خلق لديهم شعورا عاما بالخوف، ساهم في تقويض جدول الأعمال الإصلاحي الذي جاء به الرئيس محمد خاتمي.
في اعتراف نادر لها في سنة 1999، تحملت وزارة الاستخبارات الإيرانية مسؤولية عمليات القتل التي لحقت هؤلاء الناشطين، وقالت إن “هذه الجرائم قد ارتكبت تحت تأثير وكلاء متحايلين سريين”. ففي السنة التي تلت هذا التصريح، تعرض سعيد حجريان، سياسي إصلاحي إيراني وصحفي مشارك في عملية الكشف عن هذه الجرائم، إلى محاولة قتل، جعلته يقضي بقية حياته مقعداً.
بعد ثورة سنة 1979، درست هذه الفنانة الإيرانية الفن في جامعة طهران، مشيرة إلى أن فشل الثورة كان السبب في وصولها إلى المرتبة الفنية التي تتمتع بها اليوم. كما أضافت فوروهار “كنا نظن أننا سنتمكن من بناء حياة أفضل من التي كنا نعيشها، كنا نظن أنه حلم من الممكن تحقيقه. ولكن بعد ذلك، أدركنا أن الأطراف التي استولت على الثورة قد قمعت شريحة المجتمع التي كانت معارضة للسياسات الثورية. بعد الثورة، عدنا إلى عمليات الاعتقال والإعدام، وافتقدت الشوارع للأمان”.
خلال سنة 1991، غادرت فوروهار طهران باتجاه ألمانيا، حيث تحصلت على الماجستير من جامعة أوفنباخ أم ماين، ونظمت أول معرض لها في جامعتها في سنة 1994. على إثر ذلك، أنشأت فوروهار مجموعة من الأعمال قالت إنها تتراوح بين “التجريد والمجاز”، معتمدة في ذلك على ما تعلمته في طهران عندما عبر الطلاب عن معارضتهم من خلال أساليب مشفرة بطريقة عالية وبديلة.
صورة لباراستو فوروهار.
خلال عرضها لأعمالها، أشارت الفنانة الإيرانية “أعتمد كثيراً على الزخرفة في عملي، كما أنني أحب أساس التكرار والانسجام والتناغم. تشبه الزخرفة كثيراً الأنظمة الاستبدادية، لأنها تريد أن تجعل كل شيء متناسقاً، وتسعى إلى القضاء على كل شيء لا يتطابق مع هذا التناسق”.
من المثير للاهتمام أن الفراشات تحتل مكانة بارزة في لوحات باراستو فوروهار، ولكنها تتضمن أجسام أشخاص في حالة ألم موجع. في تفسيرها لهذه النقطة، أفادت باراستو “في الشعر الفارسي، غالبا ما يتم وصف الفراشات على أنها في قمة الجمال، وفي الآن ذاته غالباً ما يتم إظهارها وكأنها على وشك الموت، لأن الفراشات تحمل تناقضاً داخلها. بالإضافة إلى ذلك، “بارفانه” يعني “فراشة” باللغة الفارسية، وهو اسم والدتي. في كل مرة ترسم فيها فراشة، أشعر وكأنني ارسم صورة لأمي”.
وتجدر الإشارة إلى أن أعمالها تتراوح بين “تزامن الجمال والأذى” و”ازدواجية تعايشهما مع بعضهما البعض”. بالإضافة إلى ذلك، سبق لهذه الفنانة القول أنها تريد تشجيع مشاهدي اللوحات على “التخلي عن مسافاتهم ومواقفهم المترددة، وإعادة التفكير في افتراضاتهم ليتمكنوا من الاعتراف بهذه التناقضات والمشاعر المتضاربة والرد عليها”.
أحد أعمال باراستو فوروهار.
وبالعودة إلى أعمالها الفنية، تمثل آخر عمل لها تحت تسمية “الغرفة المكتوبة” (Written Room)، الذي تم عرضه في معرض فني جماعي في باريس هذا الشهر، في عرض ضخم للخط الفارسي قد غطى جزءًا كبيراً من مساحة المعرض. إلى جانب ذلك، اهتمت باراستو كثيراً بظاهرة تدفق اللاجئين إلى أوروبا في السنوات الأخيرة، وقد عبرت عنها من خلال لوحتها الأخيرة التي تظهر بعض المهاجرين الغارقين في البحر، مضيفة أن “هذه اللوحة تمثل نقطة تحول لأوروبا، لنرى كيف ستكون ردة فعلها بعد مشاهدة اللاجئين غارقين في البحر، هذا سيحدد هويتها المستقبلية”.
علاوة على ذلك، تستعد فوروهار لتنصيب جديد يحمل تسمية “التوثيق” (Documentation). وقد ظهر هذا العرض لأول مرة في سنة 1999 في فرانكفورت، وتتضمن غرفة مليئة بالوثائق مثبتة على الحائط أو مخزنة في صناديق. كما تتضمن هذه الوثائق كل المراسلات التي تجمعها مع منظمات حقوق الإنسان والقضاء الإيراني والبرلمان الألماني وغيرها، حول قضية قتل والديها. في هذا العرض، دعت الفنانة الزائرين إلى نسخ هذه الوثائق ونقلها إلى منازلهم. كل سنة، تقوم فوروهار بتحديث هذا العمل، من خلال إضافة المراسلات الجديدة.
تحتل الفراشات أهمية بارزة في أعمال فوروهار.
على الرغم من أن حسن روحاني قد عاد إلى السلطة، بعد انتصاره الساحق في الانتخابات التي عقدت في مايو/ أيار الماضي، لا ترى فوروهار أن ولايته لإيران ستساهم في تغيير الواقع نحو الأفضل. في هذا الصدد، بينت فوروهار أن “انتخابه يمثل الانسحاب الكلي للمجتمع من المطالب التي تقدم بها خلال الحركة الخضراء الإيرانية، في سنة 2009. إنها مصالحة بين الحكومة والشعب، وقد تنازل الشعب عنها، كما لو أنه أصبح متواطئا. كل هذا وهم”.
المصدر: الغارديان