في الوقت الراهن، تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعا بين الولايات المتحدة وإيران، حيث يخشى كل طرف تنامي نفوذ خصمه في المنطقة. من جهة أخرى، من الممكن جر روسيا، التي تعتبر شريكا وحليفا قديما لإيران، إلى صراع جديد.
الأمريكيون يشعرون بالقلق إزاء عملية “الفجر الكبرى”
مؤخرا، أكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، خلال زيارة له إلى نيويورك في حوار له مع مقدم البرامج التلفزيونية، الأمريكي تشارلي روز، أن “الهدف الحقيقي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليس هزيمة تنظيم الدولة، بل احتواء النفوذ المتنامي لكل من طهران ودمشق”. ووفقا لظريف، يتمثل أكبر خطر يهدد وجود الولايات المتحدة في المنطقة، في إمكانية عودة النظام في دمشق بصفة رسمية وسيطرته على الحدود السورية العراقية.
في الواقع، يرتكز في محافظة دير الزور 85 بالمائة من إجمالي احتياطي النفط السوري. وذلك ما يفسر نشوب معركة شرسة بهدف النفاذ إلى هذه المحافظة والتحكم في مواردها. فبالنسبة لدمشق، تمثل استعادة السيطرة على حقول النفط المفتاح لعودة الدولة. ومن هذا المنطلق، تقاتل قوات المعارضة، الجيش السوري الحر، فضلا عن مسلحي تنظيم الدولة والميليشيات الكردية ناهيك عن جنود حلف شمال الأطلسي، بغية الوصول إلى الهدف ذاته، أي النفط السوري.
في الأثناء، تضم مدينة دير الزور التي كانت أحد المعاقل الرئيسية لتنظيم الدولة، الطريق السريع الذي يربط بين دمشق والموصل ومدن عراقية هامة أخرى، علاوة على أنه يصلها بالأراضي الإيرانية. وفي هذا السياق، أعلنت سوريا رسميا توجهها نحو الحدود مع العراق بتاريخ 9 من أيلول/ سبتمبر. وقد كانت هذه الخطوة مرحلة رئيسية ضمن العملية العسكرية الإستراتيجية “الفجر الكبرى”، التي تضم أفضل القوات الموالية لنظام الأسد.
أثارت عملية “الفجر الكبرى” في البداية، مخاوف قيادة قوات حلف شمال الأطلسي، التي تدعم الميليشيات الكردية
وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملية قد شملت كتيبة من 800 مقاتل علاوة على متطوعين شيعة من عدة بلدان على غرار لبنان، والعراق، وأفغانستان وباكستان وإيران، فضلا عن مستشارين عسكريين روس. وتتمثل المهمة الرئيسية لعملية “الفجر الكبرى” في تطهير الحدود السورية العراقية من تنظيم الدولة بشكل تام، وتحرير المدن والقرى الواقعة شرق نهر الفرات، فضلا عن استعادة السيطرة على حقول النفط، وممر النقل بين دمشق وبغداد.
في الأثناء، أثارت عملية “الفجر الكبرى” في البداية، مخاوف قيادة قوات حلف شمال الأطلسي، التي تدعم الميليشيات الكردية، التي تسيطر بدورها جزئيا على الحدود السورية العراقية في محافظة الحسكة، إلى جانب متمردي، الجيش السوري الحر.
من جهة أخرى، تتموقع قوات حلف شمال الأطلسي على الحدود السورية العراقية بالقرب من بلدة التنف. وقد تمكنت القوات النظامية السورية من الوصول إلى هذه المنطقة الحدودية في أوائل حزيران/ يونيو. وفي هذا الصدد، أقدمت مقاتلة أمريكية من طراز أف/أي-18 هورنت على إسقاط طائرة سورية سبق أن قصفت مواقع تابعة لتنظيم الدولة.
نظرية ترامب بشأن الحرب من أجل النفط
وفقا لوزير الخارجية الإيراني، “تتمثل المطالب الرئيسية في سوريا في ضرورة العمل على وقف إطلاق النار والإصلاح الدستوري، بالإضافة إلى إجراء الانتخابات. وقد تم اقتراح هذه الحلول منذ أربع سنوات. كما تم طرح المقترحات ذاتها فيما يتعلق بالوضع في اليمن. لكن واشنطن فضلت تجاهل عرضنا (إيران) على الرغم من أنه ليس هناك حل عسكري لفض النزاع في اليمن”.
في واقع الأمر، بات من الجلي أن الولايات المتحدة متخوفة إزاء تعزيز إيران لنفوذها في الشرق الأوسط، على اعتبارها لاعبا مستقلا ومنفردا. ونتيجة لذلك، تحاول واشنطن الحد من نفوذ طهران بشتى الطرق الممكنة. وفي هذا السياق، أعرب دونالد ترامب عن استعداده الجاد لإلغاء “الاتفاق النووي” مع إيران، بعد أن تم توقيعه بمبادرة من قبل سلفه، باراك أوباما في سنة 2015.
مهمة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا تتمثل في محاربة الإرهاب، وإنما لديها أهداف أخرى
بموجب الاتفاق النووي، بادرت كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع العقوبات، التي سلطت على الدولة الشيعية على خلفية عملها على تطوير الأسلحة النووية سرا. في الوقت ذاته، كان يتعين على إيران تعليق برنامج “اليورانيوم” الخاص بها. وفي الوقت الراهن، يعتبر مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية موضع العديد من التساؤلات.
في شأن ذي صلة، أكد ترامب في خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 من أيلول/ سبتمبر أن إيران “بلد مارق”. في وقت سابق، لم يتوان ترامب على توقيع مرسوم يحظر دخول المواطنين الإيرانيين إلى الأراضي الأمريكية، إلى جانب مواطني عدد من الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن قرار ترامب كان ينطوي على رسالة رمزية إلا أنه أثار رد فعل سلبي للغاية من قبل طهران.
مخاوف طهران لا أساس لها
في هذا الشأن، يظل السؤال المطروح: ما الذي ينتظر الشرق الأوسط في ظل تدهور العلاقات بين إيران والولايات المتحدة؟ في هذا الصدد، حاورت صحيفة “سفابودنايا براسا” الخبير السياسي رايس سليمانوف، فيما يتعلق بهذه المسألة.
سفابودنايا براسا: كيف تقيم البيان الذي أدلى به وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته لنيويورك، حيث أكد أن مهمة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا تتمثل في محاربة الإرهاب، وإنما لديها أهداف أخرى؟
رايس سليمانوف: عموما، في العالم بأسره، توجد بعض البلدان فقط التي تحاول تحدي الهيمنة الأمريكية، ألا وهي إيران، وكوريا الشمالية، وكوبا وروسيا، أي أن القائمة ليست طويلة. من حيث المبدأ، تعد تصريحات الوزير الإيراني منطقية. فمن الواضح أن مشروع تنظيم الدولة الرامي لإنشاء كيان إقليمي، على مشارف الزوال. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال مستقبل سوريا على اعتبارها دولة موحدة بعد هزيمة التنظيم يشوبه الغموض.
ستكون كردستان المستقلة بمثابة ورقة ضغط للتأثير على طهران، مع العلم وأن الشمال الغربي من إيران يعيش فيه أعداد هامة من الأكراد
من جهة أخرى، لن يؤثر الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، الذي عقد في 25 من أيلول/ سبتمبر، على الحدود الإقليمية للعراق وكردستان العراق، وإنما على المناطق التي يقطنها الأكراد، أي تركيا، وسوريا وإيران. وحتى نكون أكثر واقعية، من المحتمل أن يتم توحيد كردستان العراق مع أراضي الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، التي يسكنها الأكراد. وفي الأثناء، أعتقد أن دولة كردية مستقلة لا تحظى بأي حلفاء في المنطقة، ستعتمد إلى حد كبير على الدعم الأمريكي.
من جهتها، ستعمد واشنطن إلى توظيف هذه الدولة في سبيل مصالحها الشخصية، خاصة وأن المناطق التي يسكنها الأكراد غنية بالنفط. فضلا عن ذلك، ستكون كردستان المستقلة بمثابة ورقة ضغط للتأثير على طهران، مع العلم وأن الشمال الغربي من إيران يعيش فيه أعداد هامة من الأكراد. وبناء على ذلك، قد تتحول المسألة الكردية إلى قضية إثنية سياسية أخرى، ذات صلة بإيران.
على العموم، تزخر إيران بمجموعات عرقية شديدة التنوع. وبالتالي، قد تستغل واشنطن المشاعر الانفصالية والتنوع العرقي والديني في هذا البلد لصالحها. والجدير بالذكر أن واشنطن قد وظفت العامل العرقي والديني والنزعات الانفصالية في سوريا، حتى تخترق المنطقة. ومن هذا المنطلق، ليس من المستبعد أن تنبثق عما قريب مشاكل من هذا القبيل في بلوشستان وأذربيجان المتاخمة للحدود الإيرانية.
شاركت الولايات المتحدة في العديد من الحروب في البلقان وفي الشرق الأوسط، وتمكنت من تحقيق أرباح نفطية هائلة من خلال هذه الحروب
تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بأنه لن يقوم “بتصدير الديمقراطية” على غرار سلفه. ولكنه، في الوقت الحالي، مستعد للقتال ضد كوريا الشمالية، كما يهدد إيران من على منبر الأمم المتحدة؟
في سبيل كسب وزن سياسي داخل بلاده، يسعى ترامب إلى خوض حروب صغيرة خارج بلاده مع أي بلد أو نظام سياسي معارض للولايات المتحدة. من ناحية أخرى، تستند واشنطن إلى العديد من الحجج لتبرير عدوانها العسكري، على غرار انتهاك حقوق الإنسان أو غياب الديمقراطية أو وجود الأسلحة النووية، ولكن أهدافها غالبا ما تكون اقتصادية بالأساس ولها علاقة بالطاقة.
خلال العقود الثلاثة الماضية، شاركت الولايات المتحدة في العديد من الحروب في البلقان وفي الشرق الأوسط، وتمكنت من تحقيق أرباح نفطية هائلة من خلال هذه الحروب. في المقابل، تبدو الإدارة الحالية للبيت الأبيض مشتتة بين رغبتها في كبح جماح كوريا الشمالية والحرب مع إيران، مما قد يؤدي إلى فشلها في تحقيق مصالحها الأخرى. وعلى هذا الأساس، لا أرى هناك أي داع لمخاوف وقلق طهران.
المصدر: سفابودنايا براسا