“الحرب هي السلام .. الجهل هو القوة .. الحرية هي العبودية” – جورج أورويل
هذه الكلمات شعار حزب الأخ الأكبر في رائعة جورج أورويل 1984، وهي الرواية نفسها التي أثيرت ضجة حولها عند القبض على أحد طلاب جامعة القاهرة في أواخر عام 2014 بتهمة حيازتها، وإذا ما انتقلنا بالزمن إلي أبريل 2015 سنشاهد حادثة أخرى، وهي قيام مدير إحدى المدراس بجمع مجموعة كتب من المكتبة المدرسية وإضرام النار بها في فناء المدرسة، بدعوى أنها خارجة عن المألوف وغير مطابقة للقائمة الوزارية وتعود لبعض المؤلفين المعادين للوطن، نعم ربما يكون ادعاءهم صحيحًا، ولكن بدلًا من فرم الكتب وإعدامها، قاموا بمحرقة تذكرنا بعالم راي برادبري الكابوسي في رائعته فهرنهايت 451.
ولن يمر وقت طويل حتى تظهر عناوين إغلاق المكتبات وتشميعها في الصحف والجرائد، فبدأت الحملة بمكتبات الكرامة لصاحبها الحقوقي جمال عيد بدعوى التمويل الخارجي، ثم التحفظ على سلسلة مكتبات “أ” ووضعها تحت المراقبة المالية بدعوى أن صاحبها ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ومؤخرًا مكتبات البلد بدعوى عملها دون ترخيص.
ودعنا لا ننسى أنك تقرأ الآن هذه الكلمات من موقع حُجب بالكامل في مصر مع مجموعة مواقع أخرى يتجاوز عددها 400 موقع، من بينها موقع هيومان رايتس ووتش بدعوى تروجيها للأكاذيب وتزييف الوقائع ودعمها للإرهاب.
إغلاق المكتبات ومنع الأصوات المعارضة من الظهور على الساحة الإعلامية ربما كان ليفلح في العقود الماضية، ولكن في عصر ثورة المعلومات والاتصالات، لا يمكن معها حجب الحقيقة للأبد
لا يحتاج المرء لبذل المزيد من الجهد لاستنتاج أن النظام لم يعد يخفي عداءه الواضح للكلمة المقروءة والمسموعة على حد سواء، وأنه لا يختلف عن الأنظمة الشمولية كما في روايات الديستوبيا، فالنظام يسعى لتحقيق هدفه الأسمى وهو حجب الحقيقة عن عيون الجماهير ونشر الجهل، فالجهل هو القوة للسيطرة على الحشود، ولم يعد يحتمل حتى المشاريع ذات الجمل البراقة التي صممها النظام السابق لتجميل وجهه مثل “العلم نور” أو “القراءة للجميع” وبدلًا منها نسمع جمل أخرى تهمش من التعليم والثقافة فـ”يعمل إيه تعليم في وطن ضائع”!
ولأن المكتبات تحتفظ بمئات من الأصوات والأفكار بين رفوفها، فكان من الطبيعي أن يأتي الدور عليها وتغلق الواحدة بعد الأخرى، لنعيش في عالم تنقصه المكتبات، أقل وأقل مما يجب أن تكون عليه، ففي تقرير نشرته الجمعية المصرية للمكتبات والمعلومات والأرشيف في نسخته الـ14 لعام 2010، نجد أن عدد المكتبات العامة لا يتناسب مع عدد السكان، وبدلًا من أن تخدم المكتبة العامة الواحدة 6000 مواطن كما في المعايير الدولية، نجدها تخدم أكثر من 65 ألف مواطن، وهذا يعني أننا نحتاج لما يزيد على 10 آلاف مكتبة عامة أخرى، ولا شك أن الأرقام ارتفعت منذ ذلك الحين.
في إحدى البرديات المصرية القديمة المحفوظة بالمتحف البريطاني، منقوش عليها حكم ونصائح الحكيم آني موجهًا إياها لابنه، ويوصف فيها الكتابة بالمهنة المقدسة، ومن بين الحكم المكتوبة يقول الحكيم آني “من يغرق صوت القلم بساعده سرعان ما يغرق هو ويطفو صوت القلم على السطح”.
على الرغم من أن هذه الكلمات مكتوبة منذ آلاف السنوات فإن النظام ليس بوسعه استيعابها بعد، فإغلاق المكتبات ومنع الأصوات المعارضة من الظهور على الساحة الإعلامية، ربما كان ليفلح في العقود الماضية، ولكن في عصر ثورة المعلومات والاتصالات، حيث انطلقت ثورات الربيع العربي منها، تتوافر أيضًا الكتب الإلكترونية ومنصات الإعلام البديل، لا يمكن معها حجب الحقيقة للأبد، فالحقيقة موجودة في الفضاءات الإلكترونية تنتظر من يلتقطها.