ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، أجرى إقليم كردستان العراق استفتاء الاستقلال، ليس فقط في أراضيه المعترف بها، بل في المناطق العراقية مختلفة الأعراق أيضا، التي تنازعت عليها مع الحكومة العراقية. في الواقع، أقدم الأكراد على هذه الخطوة الحاسمة، على الرغم من مطالب الحكومة الأمريكية الملحة على جميع المستويات بالعدول عن ذلك ووقف الاستفتاء.
في العديد من المناسبات، أكد المسؤولون الأكراد مراراً وتكراراً للسياسيين والصحفيين المحليين بأنهم يتمتعون بدعم سري من الولايات المتحدة، إلا أنه تم اعتبار هذه التصريحات مجرد هراء، حيث جاءت فقط للتلميح بموافقة الولايات المتحدة على الاستفتاء، في حين أن ذلك لم يكن له أي أساس من الصحة. ومن خلال هذه التصريحات، تمكن الزعيم مسعود بارزاني من تخطي الخط الأحمر مع الولايات المتحدة، التي باتت مصداقيتها الآن على المحك.
في هذا الإطار، لسائل أن يسأل “كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ وكيف ينبغي على الولايات المتحدة الإجابة على هذه التصريحات؟ أولا، ساهم اقتراب الولايات المتحدة من بارزاني في إعادة ارتكاب خطأ شائع في السياسة الأمريكية الدبلوماسية، ألا وهو إخضاع الشرعية الديمقراطية لسهولة الشراكة مع فرد واحد.
مما لا شك فيه، من النادر أن ينجح الرهان على “فرد واحد” بدل “نظام كامل”. فعلى سبيل المثال، في الفترة السابقة لاتفاقات أوسلو، سعت وزارة الخارجية إلى العمل مع ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان آنذاك منفياً ولا يمتلك وزنا مهما على الساحة، بدلا من العمل مع الشخصيات الفلسطينية الشعبية التي قادت الانتفاضة الأولى، ولكنها لم تتكلم بصوت واحد. كان منطق هذه الخطوة بسيطاً للغاية: فمن السهل التفاوض مع رجال أشداء، ويمكن التحدث مع الدكتاتوريين خاصة عندما يتعلق الأمر بتحقيق الأمن والسلام.
في المقابل، عرفت هذه الخطوة فشلاً واضحاً لأن المراهنة على ياسر عرفات لم تفلح، وعلى إثرها زاد الإرهاب. كانت فلسطين ستحتفل بذكرى استقلالها السابعة عشرة هذه السنة، ولكن خيارات ياسر عرفات دفعت بالفلسطينيين إلى السير في طريق الفوضى، الذي تعيش البلاد تداعياته إلى حد اليوم.
منذ سنتين، خاض المبعوث الخاص للولايات المتحدة، بريت ماكغورك، الرهان ذاته مع مسعود بارزاني عند انتهاء ولايته المشروعة في منصبه، ليعيد بذلك ما فعله مبعوث السلام دينيس روس مع ياسر عرفات. في ذلك الوقت، كان لبارزاني الاختيار بين أن يصبح “نيلسون مانديلا” أو “ياسر عرفات” المنطقة. لو اختار هذا الزعيم المسار الأول، لكان سيصبح رجل دولة كبير ويضع المنطقة الكردية على طريق الديمقراطية. ولكنه للأسف، اختار المسار الثاني.
أقنع ماكغورك بارزاني، من خلال العمل معه، أنه الرجل الذي لا بديل له، وبين له أنه يمكنه التصرف كما يشاء بحصانة، كما حصل مع عرفات. لذلك، لا ينبغي أن نتفاجأ من استعداده للتعامل بطريقة تتعارض مع رغبات الولايات المتحدة، وربما كردستان أيضا
تبعا لذلك، يبدو جليا أن بارزاني اختار منافسة ياسر عرفات. وعلى الرغم من أن بارزاني لم يتدخل أبداً في قضية الإرهاب، مثلما فعل ياسر عرفات، كان سياسيا فاسدا وأولى اهتماما أكبر بالسلطة الشخصية على حساب بناء دولة مسؤولة وفاعلة. والجدير بالذكر أن القادة الأكراد قد استشهدوا بالاضطهاد الذي عانوا منه كسبب لقيام الدولة. وخلافا للمتوقع، لم يشر القادة الأكراد إلى أن بارزاني نفسه كان على شراكة مع الديكتاتور العراقي، صدام حسين، منذ ثماني سنوات، على أثر استخدام القوات العراقية للأسلحة الكيماوية ضد الأكراد وتصفيتها لمئات الرجال التابعين لقبيلة بارزاني.
مع ذلك، يبدو أن ماكغورك قد اعتقد أن استمرار التعامل مع بارزاني، على خلفية الحملة العسكرية التي أقيمت ضد تنظيم الدولة، قد زاد الاعتراف برئيس البرلمان، يوسف محمد صادق، كزعيم إقليمي، وفقاً لما يمليه القانون الكردي الكردستاني، وتشجيع الانتخابات. في الحقيقة، يبدو أن التحول السياسي في كردستان قد ساهم بالفعل في تعزيز الصراع ضد تنظيم الدولة، وذلك من خلال تمكين البشمركة من التركيز على الأجندة العسكرية بدل الأجندة السياسية.
في هذا الصدد، لم تكن التحولات السياسية يوماً سيئة، حتى خلال الأزمات. في الأخير، ساهم انتقال رئاسة الوزراء من نوري المالكي إلى حيدر العبادي في بغداد، في تعزيز الفعالية العراقية في الحملة ضد تنظيم الدولة. للأسف، أقنع ماكغورك بارزاني، من خلال العمل معه، أنه الرجل الذي لا بديل له، وبين له أنه يمكنه التصرف كما يشاء بحصانة، كما حصل مع عرفات. لذلك، لا ينبغي أن نتفاجأ من استعداده للتعامل بطريقة تتعارض مع رغبات الولايات المتحدة، وربما كردستان أيضا.
إذاً ما العمل؟
لا يجب أن يدفع الإحباط الذي ميز العلاقة بين الولايات المتحدة وبارزاني إلى معاقبة السكان الأكراد في العراق، ولكن أصبح من الضروري وقف العمل معه لأنه في تجاهل الولايات المتحدة لتحدي بارزاني تخلٍ صارخ عن نفوذها الدبلوماسي في المنطقة وعن مصداقيتها في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت واشنطن تهدف إلى دفع كردستان نحو الحصول على حكمها الذاتي، والاستقلال، والطلاق السلمي من العراق، سيتوجب على كل من ماكغورك والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وكبار المسؤولين الأمريكيين، الاعتراف بعدم شرعية بارزاني. بدلاً من ذلك، يتحتم عليهم الاجتماع مع رئيس الوزراء، نيجيرفان بارزاني، ورئيس مجلس النواب، يوسف، إلى أن يحين الوقت الذي ينتخب فيه الأكراد بديلا لبارزاني.
في الفترة التي سبقت الاستفتاء الكردي، سعى الأكراد أساساً إلى تكرار إستراتيجية التأثير التي جاءت بها منظمة مجاهدي الخلق، المتمثلة في “التماس الموافقة من خلال المقايضة”. عندما يدافع مؤيدون، كالسفراء الأمريكيين السابقين، مثل بيتر غالبريث وزلماي خليل زاد، عن الاستفتاء والانفصال الذي ينادي به الأكراد، يصبح من المعقول أن نسلط الضوء على تعاملاتهم مع المنطقة وكياناتها المختلفة . كذلك، لا ينبغي على “المراقبين المستقلين”، المدعوين من قبل حكومة إقليم كردستان، أن يعاملوا باستقلالية أكبر من أعضاء الكونغرس، الذين تمت دعوتهم للدفاع عن شرعية انتخابات كازاخستان الديكتاتورية.
يتوجب على حكومة إقليم كردستان أيضا تأكيد حقوق الأقليات التابعة لها، على غرار اليزيديين والمسيحيين
حيال هذا الشأن، ينبغي على المساعدات الأمريكية الموجهة لكردستان أن ترتبط بشرط الوحدة الحقيقية للبشمركة. في نهاية المطاف، إذا كانت الميليشيات الشيعية تمثل مصدر قلق، سيكون على الميليشيات الكردية أن تكون كذلك أيضاً. فكلاهما منظم حول شخصيات وسياسة بدلا من “الدولة”، على الرغم من أن وزارة البشمركة الكردستانية تدعمها، والشيء ذاته ينطبق على أجهزة المخابرات والأمن المتعددة في إقليم كردستان.
وتجدر الإشارة إلى أنه حان الوقت لوضع المصالح العائلية جانبا، وتظافر الجهود وتوحيد الأهداف والعمل باحترافية، حتى إن كان هذا يعني عدم تحميل المسؤولية لكل أبناء وأقارب زعماء قادة الأحزاب السياسية. وبالتالي، يتوجب على المسؤولين الأمريكيين الاعتراف بشرعية المظالم الكردية ضد بغداد، ولكن ينبغي الإشارة أيضاً إلى أن القصة تتضمن جانبين.
في الواقع، لا يوجد اختلاف على حقيقة أن إقليم كردستان يستحق 17 في المائة من عائدات النفط في العراق. هنا يجب أن نتساءل عما إذا كان يتوجب على الإقليم أولاً إضافة عائداته من النفط والجمارك إلى الصندوق المركزي، وفهم أن الخصومات ستحدث قبل توزيع النقد. فيما يتعلق بالأراضي المتنازع عليها، كتب نائب رئيس الوزراء الكردي العراقي، قباد طالباني، أنه “على الرغم من اختلاف حلفائنا معنا حول تركيزنا على الاستفتاء كخطوة أولى نحو الاستقلال، إلا أن هذا الحق منصوص عليه في القانون الدولي”.
ينبغي القول إن العراق وإقليم كردستان العراق يعتبران مقصرين من ناحية تكريس سيادة القانون، إلا أن العراق قد تقدم على إقليم كردستان فيما يتعلق بالاستعداد لإجراء انتقال سياسي سلمي. لذلك، ينبغي على كردستان تدارك الوضع من أجل التفاوض مع بغداد والوصول إلى حل حقيقي لهذا المأزق الحالي
في هذه الحالة، يتوجب على حكومة إقليم كردستان أيضا تأكيد حقوق الأقليات التابعة لها، على غرار اليزيديين والمسيحيين، كي يتمكنوا من إجراء استفتائهم الخاص في الأراضي المتنازع عليها. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى انقسامات لا نهاية لها في المنطقة، إلا أن إمعان النظر في هذا السيناريو من شأنه أن يسلط الضوء على سبب الصراع في الأراضي المتنازع عليها، ألا وهو الاختلاف والتشتت.
من هذا المنطلق، لعل الأوان قد حان لإحياء الدعوات المنادية بتكريس مكانة خاصة لكركوك، وفصلها عن حكومة إقليم كردستان، ولكن في كنف العراق الكونفدرالية. علاوة على ذلكن يجب أن لا ننسى أن العراق وكردستان ستكونان دائما منطقتين مشتتين ومركبتين. في مثل هذه الظروف، يتعين على الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية الليبرالية، التخلي عن النموذج الاستبدادي والإصرار على إرساء ديمقراطية حقيقية من حيث الانتخابات وسيادة القانون.
على ضوء هذه المعطيات، ينبغي القول إن العراق وإقليم كردستان العراق يعتبران مقصرين من ناحية تكريس سيادة القانون، إلا أن العراق قد تقدم على إقليم كردستان فيما يتعلق بالاستعداد لإجراء انتقال سياسي سلمي. لذلك، ينبغي على كردستان تدارك الوضع من أجل التفاوض مع بغداد والوصول إلى حل حقيقي لهذا المأزق الحالي.
المصدر: نيوز ويك