كشف التقرير نصف السنوي الصادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال وإريتريا، انتهاك الإمارات العربية المتحدة للقرارات الدولية المتعلقة بفرض حظر تسليح على البلدين، كذلك دعمها لبعض الفصائل الإرهابية، وذلك من خلال وسائل متعددة.
التقرير السري الذي قالت الجزيرة إنها اطلعت عليه تضمن خلاصة ما أوردته اللجنة الدولية بشأن الممارسات التي قامت بها أبو ظبي في منطقة القرن الإفريقي والتي تنطوي على خرق واضح للقرارات المتخذة في هذه المنطقة كافة، لا سيما إريتريا والصومال، وذلك حسبما كشفت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية وشهادات بعض المصادر المعنية في كلا البلدين.
مساعي الإمارات نحو تمديد نفوذها الإقليمي ومحاولة مزاحمة الكبار في الحضور الإفريقي خاصة في منطقة القرن ذات الأهمية الاستراتيجية المحورية، دفعها لأن تسلك كل الطرق نحو ذلك، شرعية كانت أو غير شرعية، علاوة على أن ما تمارسه في هذه المنطقة ليس الأول من نوعه إفريقيًا، فهل يواصل أبناء زايد الهرولة نحو تحقيق مطامعهم حتى ولو كان ذلك على حساب القرارات الدولية؟
خرق للقرار الأممي
استعرض التقرير الدولي موثقًا بالصور والأدلة مظاهر خرق الإمارات لقرار حظر التسليح على كل من الصومال وإريتريا، بالإضافة إلى عدد من الممارسات الأخرى غير القانونية كتصدير الفحم والقرصنة وغيرها.
أولاً: إريتريا.. عرض التقرير التحركات العسكرية التي تقوم بها أبو ظبي في منطقة عصب، حيث مواصلة الإنشاءات الخاصة بالقاعدة العسكرية الإماراتية المقامة هناك جراء توقيع عقد إيجار للاستخدام العسكري لميناء عصب والمطار الرئيسي لمدة 30عامًا، مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة الهبوط عليه، مما جعله قاعدة عمليات رئيسية للقوات الإماراتية المشاركة في الحرب ضد اليمن.
كما تم رصد الانتهاء من جاهزية منطقة الرسو في الميناء والتي اكتملت بصورة شبه نهائية، بينما يتواصل تشييد مرافق على اليابسة، لا سيما في القاعدة الجوية، هذا فضلاً عن استمرار وجود الدبابات والمدفعية في المنطقة الواقعة بين المطار ومرافق الميناء، بما في ذلك الدبابات القتالية من نوع ليكليرك، إضافة إلى وجود مروحيات وطائرات مقاتلة، لا سيما من طراز ميراج 2000، حسبما كشفت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية والتي تضمنها التقرير.
التقرير لفت إلى توقف السفن التي تحمل علم الإمارات عن إرسال الإشارات الخاصة بنظام التعرف الآلي “إيس” منذ منتصف أكتوبر 2016، مرجحًا أن يكون ذلك بسبب إجراءات اعتمدتها الإمارات عقب الهجوم على إحدى سفنها قرب مضيق باب المندب في ذاك الشهر، في الوقت الذي أظهر فيه زيادة كبيرة في نشاط ميناء عصب، مثل تزايد أعداد السفن البحرية، بما فيها سفن الإنزال والهجوم السريع ومراكب الدوريات، منذ أواخر 2016.
مساعي الإمارات نحو تمديد نفوذها الإقليمي ومحاولة مزاحمة الكبار في الحضور الإفريقي خاصة في منطقة القرن ذات الأهمية الاستراتيجية المحورية، دفعها لأن تسلك كل الطرق نحو ذلك، شرعية كانت أو غير شرعية
جهود إماراتية مكثفة لتدشين قاعدتها العسكرية في عصب الإريترية
ثانيًا: الصومال..
أ- القرصنة: عن الخروقات الإماراتية للقرارات الدولية في الصومال، أورد التقرير إعراب فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات عن قلقهم إزاء التهديد الذي يتعرض له السلام والأمن في الصومال بسبب هذه الأعمال وما تسببه من عودة لظهور شبكات القرصنة.
وبالتفصيل كشف التقرير عن بعض حالات اختطاف السفن وعلى رأسها اختطاف ناقلة النفط “أريس 13” المملوكة للإمارات وتحمل علم جزر القمر ويعمل عليها بحارة سريلانكيون، حيث تم الخطف قبالة سواحل بونتلاند الصومالية عندما كانت في طريقها من جيبوتي إلى مقديشو.
طريقة اختطاف الناقلة وإطلاق سراحها وفريقها بالكامل دون فدية أو أي خسائر أثار قلق الخبراء، وهو ما دفعهم للاشتباه في أن السفينة الإماراتية قد تكون مشاركة بنقل غير مشروع للأسلحة أو المواد المهربة الممنوعة إلى الصومال قبل اختطافها.
الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية كشفت تغيير الناقلة لمسارها المفترض، لتقترب من السواحل الصومالية، حيث التقت مع قاربين صغيرين وتم تبادل شحنات فيما بينهما.
فريق الخبراء استطاع الكشف عن مستندات مزورة صادرة من جيبوتي سهلت وصول شحنات من الفحم الصومالي إلى ميناء الحمرية الإماراتي
ب- أما في إقليم “أرض الصومال” فقد أورد التقرير نشاط عسكري إماراتي بهدف إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة، وهو ما دفع فريق الخبراء إلى إرسال رسالة إلى أبو ظبي في الـ12 من يناير الماضي للتحقق من ذلك وتقديم المشورة بشأن إجراءات الامتثال لحظر توريد الأسلحة، غير أن السلطات الإماراتية امتنعت عن الرد.
ووفق الصور الملتقطة فقد لاحظ الخبراء في أواخر مارس الماضي بدء بناء جدران محيطية على طول الخط الساحلي بين مطار بربرة والمدينة، مما يعني أن العمل في بناء القاعدة مستمر دون توقف، ومن ثم فمن الطبيعي أن يتضمن ذلك نقل مواد عسكرية إلى الإقليم، مما يشكل انتهاكًا لحظر الأسلحة المفروض على الصومال، وأي مساهمات خارجية لدعم المؤسسات الرسمية في “أرض الصومال” يجب أن تنال موافقة لجنة العقوبات الدولية.
ج- فحم الصومال.. اتهم التقرير أبو ظبي باستيراد الفحم من الصومال، رغم تجريم مجلس الأمن الدولي له، كونه أحد أهم المصادر المالية لحركة الشباب المصنفة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية.
فريق الخبراء استطاع الكشف عن مستندات مزورة صادرة من جيبوتي سهلت وصول شحنات من الفحم الصومالي إلى ميناء الحمرية الإماراتي، رغم ادعاء السلطات الإماراتية أن هذه المستندات صحيحة خلال الاجتماع الذي عقد بين لجنة الخبراء وممثلين عن الإمارات في مارس الماضي، حيث قدمت شهادات منشأ لشحنات الفحم التي تجاوز مجموعها عشرة آلاف طن مصدقًا عليها من سفارة جيبوتي في أبو ظبي، وهو ما تكشف عدم صحته فيما بعد.
د- دعم التنظيمات الإرهابية.. كشف التقرير أيضًا عن تورط الإمارات في تصدير أسلحة من اليمن إلى عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الصومال، والمصنف إرهابيًا من قبل السلطات الصومالية، وحسبما جاء على لسان الخبراء الذين قالوا إنهم كانوا بمهمة في إقليم قندلة الصومالي في مارس الماضي، بالتنسيق مع مكتب رئاسة الإقليم وشرطته البحرية، حيث تم خلال الزيارة عرض أسلحة وذخائر صودرت من قبل قوات الأمن في الإقليم من قبل تنظيم الدولة، وحين تم الكشف عنها وجد أن مصدرها اليمن، ودخلت عبر الوسيط الإماراتي.
ليست المرة الأولى
الإدانة الدولية للإمارات بخرق قرارات مجلس الأمن ليست الأولى من نوعها، ففي يونيو الماضي اتهم تقرير للأمم المتحدة أبو ظبي بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتقديم مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات المشير خليفة حفتر.
التقرير أورد على لسان عدد من خبراء المنظمة الدولية أن أبو ظبي قدمت الدعم المادي والدعم المباشر “للجيش الوطني الليبي” خاصة فيما يتعلق بالدعم الجوي، من أجل محاربة الفصائل الليبية المسلحة في إطار صراع النفوذ المستعر في ليبيا منذ ثورة 2011، وأضاف أن “العتاد الذي يدخل ليبيا باتت طبيعته متزايدة التعقيد”، مشيرًا إلى أن “الدعم الخارجي للجماعات المسلحة في مجال الدعم المباشر والتدريب والمساعدة التقنية قد ازداد أيضًا”.
كشف التقرير نصف السنوي الصادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال وإريتريا، عن انتهاك الإمارات العربية المتحدة للقرارات الدولية المتعلقة بفرض حظر التسليح على البلدين
لجنة الخبراء في التقرير كشفت تتبعها لإحدى الصفقات التي قامت بها الإمارات لتسليح القوات الموالية للجنرال الليبي المتقاعد، حيث تمكنوا من تسليم شحنات مروحيات قتالية من طراز “مي-24 ب” مصنوعة في بيلاروسيا إلى الإمارات العربية المتحدة وقدموا صورًا تظهر وجود هذه المروحيات في قاعدة الخادم الجوية في شرق ليبيا معقل حفتر.
وفي المقابل أكدت بيلاروسيا من جهتها أنها باعت أربع مروحيات من الطراز السابق إلى الإمارات في 2014، قدمتها الأخيرة لحليفها الليبي إضافة إلى طائرة واحدة على الأقل من طراز “إيه تي-802 آي”، حسبما ألمح الخبراء الذين أشاروا إلى أن عربات مدرعة مصدرها شركات تتخذ من الإمارات مقرًا لها قد تم تسليمها إلى قوات هذا الجيش في طبرق في نيسان/أبريل 2016.
إدانات دولية لدعم الإمارات للواء خليفة حفتر
النفوذ الإفريقي
لا تدخر أبو ظبي جهدًا في توسيع دائرة نفوذها داخل القارة الإفريقية في إطار حلمها بفرض السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية لا سيما في منطقة القرن الإفريقي التي فرضت نفسها على دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي لما تتميز به من موقع جيوسياسي مهم، إذ تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، وهو ما أهلها لأن تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى الغرب، كما أنها تُعد ممرًا مهمًا لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي.
الأهمية المحورية للقرن الإفريقي دفعت العديد من القوى الإقليمية والدولية لمحاولة إيجاد موضع قدم في هذه المنطقة التي تضم كلا من الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، كان آخرها دولة الإمارات التي سعت وبكل قوة إلى مزاحمة الكبار في هذه المنطقة الحيوية.
ففي الـ12 من فبراير الماضي أقر البرلمان الصومالي بغرفتيه – النواب والشيوخ – الموافقة على قرار إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة شمال غرب البلاد، وذلك بموافقة 144 نائبًا، في مقابل رفض 5 من أصل 151 نائبًا حضروا جلسة التصويت على القرار.
لجنة الخبراء في التقرير كشفت تتبعها لإحدى الصفقات التي قامت بها الإمارات لتسليح القوات الموالية للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر
هناك رغبة جامحة لدى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد في مشاركة القوات الأمريكية والمصرية في تأمين ساحل اليمن حتى مضيق باب المندب، ومن ثم سعى إلى تعزيز دور البحرية الإماراتية في حماية المضيق الآن وفي السنوات القادمة، ضمن خطة لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي، بما يوازيها في الجانب المقابل سيطرته على الجزر والمواني الواقعة على الشريط الحدودي في اليمن، وذلك لإحكام قبضته على هذا الممر الذي يعد من أكثر الممرات أهمية على مستوى العالم، بما يضمن له الحفاظ على مصالح بلاده الاقتصادية والعسكرية، وذلك حسبما أشارت صحيفة “العربي” نقلاً عن موقع” Tacticalreport” الاستخباراتي.
الموقع في تقرير له كشف عن اتصالات مستمرة بين ابن زايد ووزارة الدفاع الأمريكية وذلك لتوسعة وتعزيز دور البحرية الإماراتية في هذه المنطقة، مضيفًا أن النفوذ الإماراتي – المدعوم أمريكيًا – في القرن الإفريقي يعتمد على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة مواني ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، كما في ميناءي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية كما في بربرة شمال غرب الصومال، وهو ما تطرق إليه “نون بوست” في تقرير مفصل تناول نفوذ الإمارات في منطقة القرن الإفريقي وأبرز الاستراتيجيات التي تعتمد عليها لتوسعة رقعته يومًا تلو الآخر.
وهكذا يواصل أبناء زايد مسيرتهم نحو تحقيق طموحاتهم التوسعية، مستغلين في ذلك كل طاقاتهم وإمكاناتهم وما لديهم من نفوذ، سواء كان بالطرق الشرعية أو غير الشرعية، حتى ولو كان ذلك عبر خرق للقرارات الدولية، ودعم بعض الفصائل المصنفة إرهابيًا، لتكشف أبو ظبي عن بعض ملامح ما تحققه من تقدم على الأرض وأبعاده الحقيقية التي تعتمد في كثير منها على انتهاك القانون والأعراف.