في الآونة الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تتناقل أخبار ومعلومات عن المصالحة بين فتح وحماس، بل أكثر من ذلك بدأت علامات التفاؤل تظهر بشكل جلي على أبناء الشعب الفلسطيني، كأن المصالحة تمت وانتهى الخلاف الفتحاوي الحمساوي الذي عمره بعمر سنوات الحصار على غزة.
عن نفسي فإنني أرى بكل بساطة أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي قارب الـ70 عامًا أبسط من حل الخلاف الفتحاوي الحمساوي، وهنا فأنا لست بمتشائم ولا متفائل بل متشائل، والواقع صاحب الفصل في هذا الأمر.
وهنا أطرح مجموعة من الأسئلة: ما المصالحة؟ ماهيتها بالنسبة لكل من فتح وحماس؟ وهل هم هذه المرة جادين فعلاً في المصالحة وأن الانقسام الفلسطيني الفلسطيني الذي كبرنا وترعرعنا في كنفه قد انتهى وأصبح في خبر كان؟ وهل يعنيهم الشعب الفلسطيني الذي يكتوي بنار صراعهم، والذي لم يعرف خلال سنوات الانقسام قضية غير الانقسام وإنهاء الانقسام؟
المصالحة بالنسبة لحماس هي تسليم – اسمي لا أكثر – قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، بهدف كسب بعض الوقت والتخلص من حملها الثقيل الذي حملته طوال سنوات الحصار على غزة
المصالحة بالنسبة لفتح تتمثل بعودة الأوضاع إلى ما قبل الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، أي باختصار شديد تسليم حماس قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية متمثلة بحركة فتح، إضافة إلى تسليمها كذلك سلاحها الذي يتعارض مع مسار المفاوضات حسب ادعائهم.
أما المصالحة بالنسبة لحماس هي تسليم – اسمي لا أكثر – قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، بهدف كسب بعض الوقت والتخلص من حملها الثقيل الذي حملته طوال سنوات الحصار على غزة، وتخفيف الحصار بفتح معبر رفح، وإحداث انفراجة ولو بسيطة على المدى القريب حتى تتمكن من لملمة نفسها من جديد بعد عشر سنوات من الحصار الذي أفقدها شعبيتها وبريقها، وإن كان الفريقان يفكران بنفس العقلية، وكل طرف هدفه لي ذراع الآخر، فهل بقية مجال للحديث عن المصالحة!
أضف إلى ذلك أن كلا الفريقين يختلافان في عدد من القضايا التى لا يمكن أن يلتقيا عندها أبدًا، ففريق يعتبر المفاوضات مع الاحتلال الطريق الأمثل والأقصر لحل القضية الفلسطينية، وفريق يعتبر أن المقاومة الطريق الأمثل والأقصر لتحرير فلسطين من العدو الصهيوني، وكل طرف يدعي أنه يمثلنا ويسعى لمصلحتنا، ففريق يفاوض ويعاند الاحتلال، ولكن سرعان ما يتنازل لأجلنا كما يدعي، وفريق يحارب المحتل ويطلق الصواريخ ويستدعي العدو إلى ديارنا لإحداث أكبر الخسائر لديه على حسابنا.
وبين هذا وذاك نجد أنفسنا ندفع ثمن جريمة أو خلاف ليس خلافنا، والأدهى من ذلك أن يشد طرف على يد المحتل الإسرائيلي لتشديد الحصار على قطاع غزة، ويشد على يد طرف آخر للاستمرار في إغلاق معبر رفح، بل أكثر يضيق علينا رزقنا لإضعاف خصمه اللدود، وعندما يتدخل طرف آخر يناصبه العداء، لإحداث انفراجة بسيطة من خلال علاقاته المتشعبة مع دول الجوار، نجد الطرف الأول يهرول إلى المصالحة، وكأن شيئًا لم يحدث وخلاف عشر سنوات يمكن أن يحل على فنجان قهوة، وفجأة ومن دون مقدمات يعلنا لنا مصالحتهم الناقصة، مع العلم أنها على مراحل وبالتقسيط المريح إذا استلزم الأمر، فهل نصدقهم هذه المرة؟
باعتقادي أن فتح وحماس بدأ نجمهما يفقد بريقه الأخاذ الذي أخذ قلوبنا قبل عقولنا في وقت من الأوقات، وصراعهم بدأ يطغي على قضيتنا الأساسية وهي تحرير فلسطين
من الواضح أن الخلاف بين فتح وحماس عميق جدًا، ولا يمكن حله مع تباين خيارات الطرفيين، وسعي كل طرف لإقصاء الطرف الآخر من المشهد الفلسطيني بكل الطرق والسبل.
فباعتقادي – وأنا لست بخبير – أن فتح وحماس بدأ نجمهما يفقد بريقه الأخاذ الذي أخذ قلوبنا قبل عقولنا في وقت من الأوقات، وصراعهم بدأ يطغي على قضيتنا الأساسية وهي تحرير فلسطين، وكل هذا وذاك يصب في مصلحة العدو الإسرائيلي، الذي بدأ يشعر بالارتياح والانتشاء لأول مرة منذ تأسيسه عام 1948 حيث المنطقة العربية بحالة من الفوضى وعدم الاستقرار، تتقاسمها الصراعات والحروب الأهلية التي لا يبدو لها نهاية قريبة كما نرجو، أضف إلى ذلك صراع أو صراع من يدعي أنه يمثل أصحاب الأرض الحقيقيين.
ونحن كفلسطنيين وأمام هذه المسرحية الهزلية التي يتبادل بها فتح وحماس الأدوار، أكثر ما نكون في هذه الأيام إلى طرف فلسطيني ثالث يعبر عن آمالنا وطموحاتنا في التحرر، إضافة إلى قدرته أن يحل محل فتح وحماس، ويعيد القضية الفلسطنية إلى مسارها وطريقها الصحيح، ويجنب الشعب الفلسطيني ويلات صراعات ليس له فيها ناقة ولا جمل كما حدث مع فتح وحماس.