ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت البلاد تعيش حالة طوارئ مع عطلة نهاية أسبوع، تحديدا يوم 13 آب/ أغسطس، إلا أن حاجز الخوف قد انكسر على أبواب مهرجان الموسيقى الإلكترونية. على خلاف الكثبان الإلكترونية، وتحديدا بين كثبان الصحراء التونسية حيث نظم ديكور فيلم “حرب النجوم”، قام السكان هذه المرة بأنفسهم بتنظيم الحفلات التي سجلت حضور قرابة ستة آلاف شخص.
في هذا السياق، أفاد المدير الفني، أحمد لوبيري، “لقد أكد هذا النجاح أنه بالإمكان تنظيم مثل هذا النوع من التظاهرات، كما يمكننا أن نحقق أشياء كثيرة باستخدام موارد قليلة”. وانتشرت هذه التظاهرات في وقت كانت فيه البلاد تطوي صفحة بن علي وتعيش انتقالا ديمقراطيا، حيث أضحت بمثابة موجة من الموسيقى الإلكترونية التي جابت ربوع البلاد، على غرار مهرجان جربة، ومهرجان سوسة، ومهرجان “أصوات الصحراء” في توزر.
في الحقيقة، اجتاحت الموسيقى الإلكترونية، أو كما تعرف أيضا بالموسيقى الكهربائية، قلوب الشعب التونسي وأصبحت تُمارس في أي مكان. وفي هذا الإطار، أشار أحمد لوبيري، وهو يضحك، إلى أنها أصبحت تسمع أيضا في “الإذاعات، وفي الحانات، وفي الملاهي، وعلى الشواطئ وحتى خلال الأعراس”.
في تونس، حقق الدي جي حمدي رايدر، وهو عضو في فرقة “داونتاون فايبز”، سلسلة من التظاهرات الناجحة. وقد نظم موسيقاه السرية في أماكن خارجة عن المألوف على غرار، أسطح المدينة بالعاصمة، وأقبية منازل أصدقائه
في الوقت الحاضر، يطمح كل من المنظمين والفنانين إلى نشر الثقافة التي جاءت بها هذه الموسيقى من خلال بناء مشهد بديل تمحى فيه الرموز الاجتماعية لتجاوز الإحباط. وفي هذا الصدد، أورد لوبيري “يتعلق الأمر بالمجيء بملء إرادتك، ويتعلق بالقبول والتسامح، وهما أمران نحتاج إليهما كثيرا، خصوصا في الوقت الراهن”.
“دمقرطة الموسيقى الكهربائية”
ظهرت الموسيقى الإلكترونية قبل سنوات قليلة من انطلاق الربيع العربي. لكن، بالنسبة لأحمد لوبيري، كانت الثورة بمثابة “الحافز” الذي أدى إلى انتشار هذه الثقافة في تونس، ناهيك عن أن هذا النوع من الموسيقى قد أضاف نفسا جديدا على جو الحفلات المغلق.
في حين كانت البلاد تعتبر إحدى أفضل وجهات النوادي بالنسبة لمعظم “الدي جي” الدوليين خلال سنوات 2000، كان هذا النوع من الحفلات لا ينظم إلا في الملاهي العصرية التي تمتلكها نخبة اقتصادية، حيث تتلخص الحفلة في الرقص حول الطاولات المحجوزة بأسعار باهظة، مع العلم أن سعر الطاولة المخصصة لعشرة أفراد وزجاجتين من الكحول كان يصل آنذاك إلى 3000 يورو.
في تونس، حقق الدي جي حمدي رايدر، وهو عضو في فرقة “داونتاون فايبز”، سلسلة من التظاهرات الناجحة. وقد نظم موسيقاه السرية في أماكن خارجة عن المألوف على غرار، أسطح المدينة بالعاصمة، وأقبية منازل أصدقائه، ليكون بذلك أسلوبه في تنظيم هذه الحفلات تحت الأرض منافيا تماما لثقافة الملاهي التي عرفتها البلاد قبل الثورة.
حيال هذا الشأن، أكد حمدي رايدر أن “طموحنا يتمثل في الحفاظ على الأصالة في حفلاتنا وتوحيد مجتمع كامل حول نفس الشغف ألا وهو الموسيقى”. كما أضاف حمدي “أنا فخور بأن أرى العامة يأتون للسهرات ليمرحوا على ميدان الرقص ويصبوا جام انتباههم على ما يقدمه الدي جي، وليس بهدف الاكتفاء بالجلوس والمشاهدة فحسب”. وفي خضم هذه التظاهرات وضمن إطار حميمي، نجح الدي جي في إطلاق الأجساد وتحريرها بعيدا عن نظرة المجتمع التونسي الذي ينتقد هذه الموسيقى.
في الواقع، تعد العاصمة تونس من أكثر المدن شغفا بالموسيقى الكهربائية. في غضون سنة، أصبحت ألحان موسيقى “التيكنو” والهاوس” تسمع تقريبا في كل مكان. ومع تزايد شعبية هذه الموسيقى، قررت المزيد من الأماكن فتح أبوابها لاحتضان تظاهرات بديلة.
ارتفع عدد الفرق الموسيقية المحلية، التي باتت تفرض نفسها في الأماكن الجديدة من ضواحي العاصمة التونسية بشكل كبير خلال سنوات ما بعد الثورة
خلال شهر شباط / فبراير من سنة 2011، وفي وقت كانت فيه تونس تعيش حظرا للتجول، نظم هيثم بن عاشور، مؤسسة فرقة “وايف فورم” أمسية في منطقة “قمرت”، الواقعة في إحدى ضواحي العاصمة التونسية. وإجمالا، حضر قرابة 1200 شخص منتهكين الحظر بهدف الرقص على إيقاع هذه الموسيقى. أما مداخيل هذه الأمسية، فقد دفعت كمساعدات مالية لفائدة مستشفى مدينة سيدي بوزيد، معقل الثورة التونسية. أما في الوقت الحاضر، أصبحت هذه الفرقة تستثمر في العديد من الحانات الواقعة في العاصمة على غرار “بلوغ” في المرسى أو “باكغراوند” في ضاحية قمرت.
مواهب محلية
ارتفع عدد الفرق الموسيقية المحلية، التي باتت تفرض نفسها في الأماكن الجديدة من ضواحي العاصمة التونسية. فعلى سبيل المثال، استضاف “كارب ديم”، وهو ملهى في الهواء الطلق، أحدث نسخة من “فابريكا” التي تعود لفرقة دي جي تونسية تأسست في “ميزون دي لا تيونيزي” في الحي الجامعي العالمي في باريس. وقد حضر الاحتفال ما يقارب ألف شخص.
بالإضافة إلى ذلك، تم تركيز مركب جديد “يوكا” على ضفاف شاطئ منطقة المرسى يحتضنعروض الفنون البصرية والموسيقى الإلكترونية لأكثر من سنة. واحتفالا بعيد ميلاده يوم 24 آب/ أغسطس سنة 2017، نظم المركب احتفالا باستخدام لوحات جدارية عملاقة استمر لثلاثة أيام مع مجانية الدخول.
مما لا شك فيه، جلبت الموسيقى الإلكترونية التونسية أنظار الجمهور المحلي، وفي الأثناء يسعى الفنانون في هذا المجال الموسيقي إلى البروز على المستوى الدولي. فقد تمكن بعض الفنانين التونسيين المختصين في هذه الموسيقى من تأدية حفلات في أكبر المهرجانات التي تنعقد في أوروبا. ومن بين هذه الأسماء نذكر دينا عبد الواحد، التي شاركت في مهرجان “تولوز”، وشاركت أيضا هذه السنة في مهرجان “سانار” في برشلونة. علاوة على ذلك، أدى المغني خليل هنتاتي، الذي يعيش في باريس، حفلة في مهرجان “جزيرة مجرية”، مع الثنائي “داما”.
هذا النوع من الفنانين لا يتمتع بوضع قانوني لممارسة هذه المهنة، وبعبارة أخرى يعتبر جل هؤلاء الشباب عاطلا عن العمل من وجهة نظر قانونية، ناهيك عن أنهم محرومون من الحصول على تأشيرات لأداء الحفلات في الخارج
في السنوات الأخيرة، سجلت المواهب المحلية عودة مثيرة في تونس، لعل أبرزها عودة الدي جي “لوكو دايس”، أحد رموز الموسيقى الإلكترونية، الذي ولد في تونس وهاجر إلى ألمانيا منذ طفولته. ففي سنة 2016، خلال إحدى المهرجانات، أنهى هذا الفنان حضوره على خشبة المسرح مع ريمكس للنشيد الوطني التونسي، تكريما للشباب الذي قاد الثورة وتذكيرا بالدور الذي اضطلعت به الموسيقى.
فنانون دون وضع اجتماعي
لازال موسيقيو الدي جي في تونس دون وضع اجتماعي واضح. والجدير بالذكر أن فرق الدي جي قد طرحت هذه المشكلة خلال الاجتماع حول مائدة مستديرة نظمت في غرة تموز/ يوليو في حانة “واكس” في ضاحية قمرت. فهذا النوع من الفنانين لا يتمتع بوضع قانوني لممارسة هذه المهنة، وبعبارة أخرى يعتبر جل هؤلاء الشباب عاطلا عن العمل من وجهة نظر قانونية، ناهيك عن أنهم محرومون من الحصول على تأشيرات لأداء الحفلات في الخارج.
في سنة 2015، تمت دعوة حمدي رايدر للمشاركة في جولة احتفالية بين بلجيكا وإسبانيا وفرنسا، لكنه لم يستطع المشاركة بسبب عدم تمكنه من تسوية وضعيته. وفي هذا الصدد، أوضح حمدي رايدر السبب الذي حال دون مشاركته في تلك الفعاليات، “اصطحبت صديقا لي إلى إدارة الموسيقى والرقص التابعة لوزارة الثقافة، لكن الموظفة التي استقبلتني رفضت أن تنصت إلي، مؤكدة لي أنها لا تفهم أصلا معنى كلمة “دي جي”. فبالنسبة لها، كانت فكرة إنتاج الموسيقى باستخدام جهاز الحاسوب أمرا غير معقول بتاتا”. ولحل هذه المشكلة، تعتزم فرق الدي جي حاليا إنشاء نقابة من أجل التواصل مع السلطات.
المصدر: جون أفريك