ينوي الرئيس التركي أردوغان زيارة إيران الأربعاء المقبل بعد وصول رئيس الأركان التركي خلوصي أكار على رأس وفد عسكري مهم إلى طهران ولقائه المسؤولين الإيرانيين للتباحث بشأن عدد من الملفات في المنطقة، في ظل تنسيق متزايد بين البلدين خلال الأيام الماضية بخصوص معركة محتملة في إدلب بالتنسيق مع روسيا، وما يخص مستقبل إقليم كردستان العراق بعد استتفاء الانفصال عن العراق الذي جرى يوم 25 من سبتمبر/أيلول الماضي.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، أعرب سابقًا أن الرئيس التركي أردوغان، سيزور طهران في المستقبل القريب، قائلًا إن الطرفين اتفقا على الزيارة ووضعاها على جدول الأعمال، مؤكدًا على استراتيجية وأهمية العلاقات الإيرانية التركية.
أردوغان في زيارة إلى طهران
جاء إعلان الرئيس التركي زيارته المرتقبة إلى إيران، عقب افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان أمس الأحد، حيث ذكر أنه سيزور إيران يوم 4 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري أي بعد يومين، وفي معرض حديثه مع القادة العسكريين الأتراك قال أردوغان لهم: “لنكن مستعدين في أي لحظة”.
ومن المقرر أن يبدأ رئيس هيئة الأركان التركية خلوصي أكار اليوم الإثنين، لقاءات رسمية يبدأها مع نظيره الإيراني محمد باقري الذي سبق له وزار تركيا في منتصف أغسطس/آب الماضي، إضافة إلى لقاءات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، ووزير الدفاع أمير حاتمي، وقد أكد محمد باقري في لقائه مع نظيره التركي الجنرال خلوصي آكار، ضرورة دعم وحدة الأراضي العراقية وأن يكون الدستور العراقي أساس الحوار بين أربيل وبغداد، كما شدد باقري وآكار على أهمية التعاون العسكري بين طهران وأنقرة في مواجهة الإرهاب.
تركيا قد تضطر لتخفيف لهجتها من الأسد ومسألة مصيره في الحكم، مقابل التفاهم على القيام بعملية عسكرية تركية في سوريا والعراق
أردوغان وخلال إجابته على أسئلة الصحفيين أمس الأحد عند سؤاله عن زيارته إلى إيران، قال: “زيارتي إلى إيران تأتي للمشاركة في اجتماع المجلس الاستراتيجي المشترك، وسيتصدر استفتاء إقليم شمال العراق جدول الأعمال ومباحثاتي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي”، وأضاف أنه عقب الزيارة ستتضح معالم خارطة الطريق للمرحلة المقبلة بالنسبة لتركيا، التي تعتبر في حالة اتصال دائم مع دول المنطقة فيما يخص الاستفتاء، وأوضح أردوغان أن “إمكانية إغلاق تركيا لصنبور النفط لإقليم شمال العراق، مدرج ضمن خارطة طريق الرد على الاستفتاء، لكن الإفصاح عن التوقيت ينتهك سريتها”.
يُذكر أن آخر لقاء جمع الرئيسين التركي والإيراني قبل أسبوع كان على هامش اجتماع قمة منظمة التعاون الاسلامي في كازاخستان، وكان أردوغان قد زار طهران في أبريل/نيسان من العام 2015 في أول زيارة رسمية له لإيران بوصفه رئيس دولة بعد أربع سنوات على آخر زيارة على مستوى الزعماء آنذاك.
يُشار أن هناك موقف موحد لدى الطرفين الإيراني والتركي ضد الاستفتاء في إقليم كردستان العراق، فبالنسبة لكليهما مبدأ تقسيم العراق مرفوض لما يمكن أن يسببه من فوضى قد تنعكس عليها، فضلاً عن الانعكاسات السلبية المباشرة على الملف الكردي الداخلي، وهو ما يجعل كل من تركيا وإيران تعتبر انفصال الإقليم “مسألة أمن قومي”.
التحرك التركي الإيراني الإقليمي يعد محاولة مشتركة في إطار سياسة ” تبادل الأدوار” للضغط على روسيا التي ترمي إلى الاستفراد بالسيطرة العُظمى على المنطقة، وعلى الولايات المتحدة التي تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها في سوريا على حساب مصلحة البلدين.
في هذه الأثناء، بدأت المرحلة الثالثة من مناورات الجيش الإيراني بمشاركة وحدات من الجيش العراقي غرب إيران على مقربة من النقطة الحدودية برفيز خان المتاخمة لإقليم كردستان العراق. وعن المناورات قال الجيش العراقي في بيان إن هذه المرحلة تشارك فيها قوات التدخل السريع والفرق الآلية، وترتبط هذه المناورات بتطورات إقليم كردستان العراق، إذ ستدعم طهران بغداد في السيطرة على المعابر الحدودية.
وبالمثل كانت قد انطلقت قبل أسبوع مناورات عسكرية مشتركة بين العراق وتركيا على حدود البلدين من الجانب التركي، بالتزامن مع استمرار عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة الحدودية واستفتاء انفصال كردستان عن العراق، إذ بحث رئيسا أركان الجيش العراقي والتركي التدابير التي ستتخذ من أجل حماية وحدة التراب العراقي.
وليس ببعيد عن العراق، فإن تركيا تتحضر لإطلاق معركة في محافظة إدلب السورية على حدودها الشمالية بحسب اتفاق “خفض التصعيد” في أستانة للقضاء على “هيئة تحرير الشام” الفصيل المسيطر على المحافظة، وقد حشدت خلال الأيام الماضية على حدودها تجهيزات عسكرية كبيرة بانتظار لحظة إطلاق العملية بعد التوافق مع كل من إيران وروسيا التي شنت خلال الأيام العشرة الماضية غارات جوية على المحافظة أدت لسقوط نحو 150 قتيلاً واستهداف البنية التحتية والمرافق الطبية.
العلاقات التركية الإيرانية
شهدت العلاقة بين إيران وتركيا على مدى الشهور الماضية تطورًا ملحوظًا، مع ذلك فالمحللون لا يعولون كثيرًا على العلاقة بين البلدين بحيث تكون علاقة مستدامة إنما علاقة تقوم على المصلحة المتبادلة والباراغماتية إلى حد بعيد، وأن التقارب سيبقى في إطار المصلحة ومحدود بالتفاهمات الموجودة بين البلدين والتي تجد أنقرة نفسها مضطرة لإبرامها مع الإيرانيين، فمع توافق البلدين على وحدة سوريا والعراق إلا أن القادة الأتراك والإيرانيين لا ينظرون إلى وحدة البلدين إلا بقدر ما يخدم مصالح بلادهم وأمنها القومي، ويأتي هذا من الحرص على ألا تتمدد نتائج الاستفتاء إلى كل من الداخل الإيراني والتركي.
ويشير البعض أن تركيا قد تضطر لتخفيف لهجتها من الأسد ومسألة مصيره في الحكم، مقابل التفاهم على القيام بعملية عسكرية تركية في سوريا والعراق ضد مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” والوقوف في وجه طموحات فرعه السوري “قوات سوريا الديمقراطية” الذي يسعى من جهته إلى تشكيل كيان كردي في سوريا ترى فيه أنقرة مهدد لأمنها القومي.
لطالما كانت العلاقة بين إيران وتركيا متقلبة ومتذبذبة خلال العقود الماضية، إذ جنحت تركيا إلى الولايات المتحدة التي تصفها إيران بـ”الشيطان الأكبر” ومالت إيران إلى روسيا والصين اللتين تصفهما تركيا بالمنافسين التاريخيين، وظهر الصراع بين البلدين بشكل أكبر بعد دعم إيران حزب “العمال الكردستاني” في العراق المصنف على قوائم “الإرهاب” في تركيا.
عقب زيارة أردوغان إلى إيران ستتضح معالم خارطة الطريق للمرحلة المقبلة بالنسبة لتركيا، التي تعتبر في حالة اتصال دائم مع دول المنطقة فيما يخص استفتاء إقليم كردستان.
يصف مراقبون العلاقة بين إيران وتركيا بأنها “براغماتية” وتحتكم لسياسة “تحالف الضرورات”، فبعد مهاجمة أردوغان لإيران بلهجة لاذعة متهمًا إياها بنشر سياسات مذهبية في المنطقة في نهاية ديسمبر/كانون الأول، عادت أنقرة إلى طهران للتنسيق معها على أعلى المستويات، ,نتج اتفاق “خفض التصعيد” في سوريا، وزيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، بدعوة من رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، لعقد اجتماع لمناقشة قضية توجه إقليم شمال العراق نحو الانفصال، ومحاربة “هيئة تحرير الشام” في إدلب.
محللون فسروا التحرك التركي الإيراني الإقليمي بأنه محاولة مشتركة في إطار سياسة “توزيع أو تبادل الأدوار” للضغط على روسيا التي ترمي إلى الاستفراد بالسيطرة العُظمى على المنطقة، وعلى الولايات المتحدة التي تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها في سوريا على حساب مصلحة البلدين.
انفصال كردستان عن العراق في مقدمة القضايا التي سيبحثها أردوغان في زيارته إلى إيران
وكذلك بأتي هذا التقارب والتحرك الثنائي لمواجهة ما يعتبره البلدان تهديدًا على أمنهما القومي، ممثلاً بموضوع استفتاء إقليم كردستان العراق، وسيطرة “العمال الكردستاني” على مساحات واسعة من الأراضي السورية بالتعاون مع أمريكا، في إطار التحالف ضد تنظيم “داعش”، وكذلك ضرب “هيئة تحرير الشام” وباقي التنظيمات في محافظة إدلب، مقابل صمت الإيرانيين والنظام السوري وروسيا على قيام أنقرة بتحجيم وضرب قوات “الاتحاد الديمقراطي” التي تسيطر على منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي.
كما بدا هذا التقارب واضحًا أيضًا في التوافق على موقف موحد من الأزمة الخليجية، إضافة إلى التعاون في العراق، حيث تشير بعض التوقعات إلى إمكانية تخلي إيران عن توفير غطاء عسكري لوجستي لـ”حزب العمال الكردستاني” الرابض في بعض مناطق إقليم شمال العراق، لا سيما في إقليم سنجار، مقابل إظهار تركيا بعض المرونة حيال حل الأزمة السورية، والدور الإيراني فيها.
على العموم شكلت الزيارة التي قام بها محمد باقري إلى تركيا محطة مهمة ومفصلية في علاقات التقارب بين البلدين، فهي الأولى منذ 39 عامًا التي يقوم بها مسؤول عسكري إيراني بهذا المستوى إلى أنقرة ونتج عنها قدر كبير من التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين، كما أفادت تحليلات أن تركيا باتت أقرب للاصطفاف إلى القوة الإقليمية الجديدة التي تضم كل من روسيا والصين وإيران، وهو ما ترجمته تركيا عبر تقاربها مع إيران وروسيا في الفترة الأخيرة الماضية في المسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية أيضًا.