يكثّف النظام السوري مساعيه لإعطاء زخم للانتخابات التي يجريها على مستوى حزب البعث الحاكم في سوريا، وذلك عبر اللقاءات المتكررة التي يجريها بشار الأسد مع السياسيين والحزبيين، والظهور في أكثر من مناسبة للحديث عن أهمية الانتخابات التي تُجرى في الوقت الحالي، على مستوى الأعضاء العاملين والشُّعَب الحزبية في المحافظات، وصولًا إلى انتخابات أعضاء القيادة المركزية الجديدة.
ويريد النظام من خلال الضجة الإعلامية التي يحدثها لهذه الانتخابات، رغم شكليتها، الادّعاء بأن تغييرًا يجري على مستوى سلوك النظام، وإمكانية إجراء انتخابات شفافة، تماهيًا كما يبدو مع المطالب الدولية للحلّ السياسي في سوريا.
ويظهر ذلك بوضوح من خلال اعتبار الأسد أن “النقطة الأهم في الانتخابات الحالية، هي كيف سنعكس تجربة الانتخابات في المرحلة اللاحقة”، وذلك في لقاء عقده رئيس النظام قبل أيام مع بعثيين.
وقبل “الحوار المفتوح” الذي أجراه بشار الذي يشغل منصب الأمين العام لحزب البعث مع “مجموعة من المفكرين والأكاديميين والكتّاب البعثيين”، التقى الأسد أواخر يناير/ كانون الثاني أعضاء اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات، وقال حينها إن “نجاح تجربة الإشراف على الانتخابات ستبنى عليه استحقاقات مقبلة على مختلف المستويات الحزبية التي ستتبع المؤتمر الموسَّع، ما يجعل هذه التجربة جزءًا من مسار ديمقراطي يجب بناء متطلبات شفافيته ونجاحه”.
كما ظهر الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي للحديث عن الانتخابات، حيث التقى باللجنة العليا المشرفة على الانتخابات، ليشدد على استقلالية اللجنة وحيادها المطلق في أداء مهامها خلال كل مراحل المسار الانتخابي.
ما أهداف الزخم الدعائي؟
رغم تراجع دور البعث في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية، واعتراف الأسد بوجود أخطاء أدّت إلى تراجع الحزب وأساءت إلى صورته، وجد النظام في هذه الانتخابات فرصة سانحة للترويج بأن النظام قابل للتغيير، وكذلك لإعطاء الوعود بتحسّن معيشي قادم من جهة أخرى.
ويبدو واضحًا للباحث الرئيسي في مركز جسور للدراسات، عبد الوهاب عاصي، أن الأسد يريد توظيف حدث انتخابي دوري وعادي لحزب البعث، من أجل التسويق لوجود خطة إصلاح واسعة في كامل أجهزة السلطة، بحيث تشكّل الأجهزة التنفيذية والعسكرية والأمنية.
مضيفًا لـ”نون بوست” أن النظام غير جادّ بخصوص التغيير، حيث تظهر الحملات الانتخابية في القرى والبلدات التي تنشَر على وسائل التواصل ويتم التفاعل معها، على أنها ليست أكثر من شكلية، فالأشخاص أنفسهم لم يتغيروا، وما زال مبدأ الاستئناس الحزبي معمولًا به رغم مزاعم إلغائه، فالجميع يصل إلى منصبه بالنهاية عبر التعيين والاختيار.
ولا يزال حزب البعث إحدى أهم أدوات النظام وبشار الأسد للاستمرار في الحكم، وفق عاصي، الذي يوضح أن “النظام يقوم عبر أفرع الحزب بمراقبة ومتابعة الأنشطة السياسية والاجتماعية لأصغر الدوائر، مثل أعمال المخترة والتعليم وغيرهما”، وقال: “باختصار، يريد النظام إظهار التغيير أمام المجتمع الدولي، واعتبار ذلك استجابة للمطالب الدولية والعربية بتعديل سلوكه السياسي والأمني”.
ويتفق مع عاصي الباحث في مركز الحوار السوري أحمد القربي، إذ رأى في حديث مع “نون بوست” أنه إلى جانب الأهداف الإعلامية المتمثلة في محاولة إظهار تغييرات على مستوى القيادات، لإعطاء ورقة للدول العربية المطبّعة، يريد النظام إرسال رسائل للحاضنة الموالية، مفادها أن الوضع يتجه إلى الأفضل في ظل الواقع المعيشي الصعب.
ويكمل: “من بين أهداف الظهور المتكرر للأسد، إظهار الأخير نفسه على أنه شخصية مفكِّرة لديها نظرية في الحكم، وهذا هو حال كل الأنظمة الديكتاتورية”.
وباختصار، يمكن القول إن الانتخابات هذه لن تؤدّي إلى تغيير في بنية النظام الأمنية العسكرية الطائفية، التي تمثل جوهر الحكم طبقًا لقربي، الذي اعتبر أن “نظام الأسد أسّس منذ استلامه الحكم في ثمانينيات القرن الماضي نظامًا قائمًا على السلطة الطائفية العائلية، وهو ما يظهر بوضوح من خلال جيش النظام، بمعنى أن قيادة الجيش والأجهزة الأمنية لا تتغير، والباقي تفاصيل، ويمكن إجراء تغييرات شكلية فيه”.
هامش مناورة محدود
في المقابل، يتزامن كل ذلك مع تسارُع خطوات بعض الدول العربية نحو التطبيع مع النظام السوري، مثل السعودية التي فتحت سفارتها في دمشق، وكذلك الإمارات، ومن هنا عدَّ الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي، ما يجري من طنطنة للانتخابات الحزبية من جانب النظام في إطار “اللعب في هامش محدود”.
موضحًا لـ”نون بوست” أن خيارات النظام ضاقت كثيرًا في السنوات الأخيرة بعد مصادرة قراره من روسيا وإيران، وبالتالي لم يعد بإمكانه إرسال الرسائل للعرب إلا بصعوبة بالغة وبشكل غير مباشر، وهذا ما يعمل عليه النظام من خلال ظهوره المتكرر والحديث المكرر عن الانتخابات.
وبحسب الكاتب، يحاول النظام تقديم خطاب معتدل مغاير للّهجة الإيرانية، وقال: “تجاوبَ النظام شكليًّا مع المبادرة العربية ووعدَ العرب ببذل أقصى جهوده لمكافحة تهريب المخدرات، وقام بطرد بعثة أنصار الله الحوثي من السفارة اليمنية في دمشق، وسلمها للحكومة الشرعية اليمنية كمؤشر على عدم تماهيه مع سياسة محور إيران في المنطقة”.
وبعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تلقّى الأسد النصائح من أطراف مختلفة بالنأي بنفسه عن سياسات وخطابات محور الممانعة، وتهديدات في حال سمح باستعمال أراضيه لاستهداف الجولان المحتل، كما يؤكد المعراوي.
مضيفًا: “يعتقد الأسد أنه فعل ما هو مطلوب منه، والآن انتقل إلى الاهتمام بالمؤتمرات الحزبية، ويحاضر في القواعد الحزبية عن الشفافية وتأخُّر الإصلاح ضمن البنية الحزبية، وعلاقة الحزب بالحكومة والسلطة، وضرورة إجراء انتخابات من القاعدة تفرز قيادة حقيقية للحزب”.
والهدف من كل ذلك، على حدّ تأكيد المعراوي، إظهار أن النظام منهمك في ترتيب بيته الداخلي وإصلاحه، مستدركًا: “لكن لا يوجد أي نية لدى النظام بالتغيير، ولا حاجة للتدليل على ذلك”.
عدا عن ذلك، يضغط المجتمع الدولي نحو إجراء انتخابات نزيهة في سوريا وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، على أساس دستور جديد، ولهذا يريد النظام القول من خلال إجراء مسرحيات الانتخابات إن البلاد باتت آمنة، ويمكن تنظيم انتخابات فيها تحت إشراف الأمم المتحدة.