ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال شهر آب/أغسطس الماضي، وجهت رسالة سرية من واشنطن إلى القاهرة، حتى تحذر السلطات بشأن سفينة غامضة تبحر باتجاه قناة السويس. وشددت الرسالة على أن سفينة الشحن التي تحمل اسم “جي شون” وترفع العلم الكمبودي قد أبحرت من كوريا الشمالية بطاقم كوري شمالي، في حين تحمل على متنها شحنة مجهولة مغلفة بأقمشة مشمعة سميكة.
متسلحين بهذه المعلومة السرية، انتظر عملاء الجمارك دخول السفينة إلى المياه المصرية. وفور وصولها، اكتسح المسؤولون السفينة ليكتشفوا مخبأ يحتوي على أكثر من 30 ألف قاذف صاروخي أو “آر بي جي”، تتوارى تحت صناديق من خام الحديد. ووفقا لما جاء في تقرير للأمم المتحدة في وقت لاحق، مثلت تلك الحادثة “أكبر عملية ضبط للذخائر في تاريخ العقوبات المفروضة على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”.
جاهد المصريون لإبقاء الصفقة طي الكتمان، وذلك وفقا لما أكده مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون غربيون على اطلاع بنتائج تحقيق الأمم المتحدة
لكن لسائل أن يسأل، لمن كانت هذه الأسلحة مُوجّهة؟ في الواقع، قد يستغرق الكشف عن السر وراء سفينة “جي شون” أشهرا عدة، كما قد تتجلى مفاجآت مبهرة، حين يتضح أن المشترين يعتبرون المصريون أنفسهم. وفي هذا الصدد، كشف تحقيق للأمم المتحدة عن عملية معقدة طلب من خلالها ثلة من رجال الأعمال المصريين صواريخ كورية شمالية بقيمة ملايين الدولارات من أجل تعزيز قدرات الجيش المصري.
في الأثناء، جاهد المصريون لإبقاء الصفقة طي الكتمان، وذلك وفقا لما أكده مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون غربيون على اطلاع بنتائج تحقيق الأمم المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن الحادثة، وإن لم يُكشف علنا عن الكثير من التفاصيل بشأنها، قد أثارت حفيظة الولايات المتحدة التي أدانت بشدة الجهود المصرية للحصول على معدات عسكرية محظورة من بيونغ يانغ، وذلك حسب ما صرح به المسؤولون.
من جانب آخر، سلطت هذه الحادثة الضوء على تجارة الأسلحة العالمية التي يشوبها الكثير من الغموض، والتي أصبحت تمثل شريان الحياة المالي للزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، على نحو متزايد، خاصة في أعقاب العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة. في المقابل، أشاد بيان صادر عن السفارة الأمريكية في واشنطن “بشفافية” مصر وتعاونها مع مسؤولي الأمم المتحدة بهدف إيجاد وتدمير الأسلحة المهربة. ووفقا لما ورد في هذا البيان، “ستواصل مصر الالتزام بكافة قرارات مجلس الأمن، كما ستمتثل لهذه القرارات التي تقيد عمليات شراء السلاح من قبل كوريا الشمالية”.
في المقابل، أكد مسؤولون في الأمم المتحدة أن عملية تسليم الصواريخ تم إحباطها، عقب نجاح وكالات المخابرات الأمريكية في رصد السفينة وتحذيرها للسلطات المصرية من خلال القنوات الدبلوماسية. وقد كان ذلك بمثابة خطوة لإرغام مصر على التحرك، وفقا لما أفاد به دبلوماسيون ومسؤولون سابقون وحاليون في الأمم المتحدة، مطلعون على حيثيات الواقعة.
فضلا عن ذلك، قال المسؤولون، الذين اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم، فيما يتعلق بالنتائج التي توصلت لها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، إن حادثة سفينة “جي شون” تعد واحدة من سلسلة الصفقات السرية التي دفعت بإدارة ترامب إلى تجميد أو تأخير تقديم حوالي 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لصالح مصر خلال هذه الصائفة. وعلى الرغم من أنه لم يُعلم بعد ما إذا كانت كوريا الشمالية قد تلقت قطُ أموالا مقابل شحنة الصواريخ، التي تقدر بحوالي 23 مليون دولار، إلا أن الحادثة كشفت عن أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها زعماء العالم في إطار مساعيهم لتعديل سلوك كوريا الشمالية، من خلال ممارسة الضغط الاقتصادي.
برزت تجارة الأسلحة الصغيرة على اعتبارها مصدرا موثوقا لتدفق المال النقدي لصالح نظام يمتلك خبرة، مثيرة للإعجاب، في مجال التكتيكات المتعلقة بإدارة التهريب
وفي الوقت الذي ما فتئت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها، ينتهجون سياسة العقوبات، يستمر كيم جونغ أون في جني أرباح كبيرة بهدوء مقابل بيع الأسلحة التقليدية الرخيصة والمعدات العسكرية. وتشمل قائمة العملاء والمستفيدين من هذه التجارة إيران وبورما وكوبا وسوريا وإريتريا، بالإضافة إلى مجموعتين إرهابيتين على الأقل، وحلفاء رئيسين للولايات المتحدة على غرار مصر، وذلك وفقا لما أفاد به المحللون.
في الواقع، يتمتع بعض العملاء بعلاقات عسكرية طويلة الأمد مع بيونغ يانغ، في حين سعى البعض الآخر إلى الاستفادة من السوق، الفريد من نوعه، الذي أنشأته كوريا الشمالية. وفي الأثناء، يعد هذا السوق أشبه بموقع “إيباي” عالمي، يضم أسلحة عتيقة ومُرممة من فترة الحرب الباردة بأسعار أقل بكثير من تلك السائدة في أغلب الأحيان.
مع مرور الوقت، برزت تجارة الأسلحة الصغيرة على اعتبارها مصدرا موثوقا لتدفق المال النقدي لصالح نظام يمتلك خبرة، مثيرة للإعجاب، في مجال التكتيكات المتعلقة بإدارة التهريب. وتنطوي تلك التكتيكات على استخدام “علم مزيف” للإبحار، والإخفاء الذكي للشحنات غير المشروعة ضمن شحنات ضخمة من السلع المشروعة من قبيل السكر، أو كومة عملاقة من خام الحديد كما هو الحال بالنسبة لسفينة “جي شون”.
من جهته، أوضح ديفيد تومسون، أحد كبار المحللين، وهو محقق في المخططات المالية الكورية الشمالية في مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، وهي منظمة أبحاث غير ربحية مقرها في واشنطن، أن “هذه المواد لا يراد بها أن تكون عنصر تمويه لإخفاء الأسلحة ضمن شحنات مهربة، فحسب. ففي الحقيقة، يحيل اعتماد مثل هذه المواد كغطاء إلى الطريقة التي تُستغل بها الأعمال التجارية الكورية الشمالية المشروعة من أجل تسهيل النشاط غير المشروع للدولة”.
وأضاف تومسون أن “الأمر أشبه “بالتعشيش”، الذي يجعل من الصعب بل من شبه المستحيل تحديد هذا النشاط غير المشروع. ونظرا لأن الشركات الأخرى التي كانت تتمتع بأرباح كبيرة في كوريا الشمالية، قد تضررت بسبب العقوبات الدولية، تعتبر مثل هذه الصادرات في الوقت الراهن “أكثر أهمية من أي وقت مضى””.
تحت الصخور الصفراء
كانت سفينة “جي شون” عبارة عن “دلو صدأ” بشكل لا يصدق، وذلك حتى بالنسبة للمعايير الكورية الشمالية، حيث كان إطارها الفولاذي متآكلا من الأعلى إلى الأسفل، فضلا عن أن مثبتاتها كانت مكسوة بغبار الفحم جراء رحلاتها السابقة، وذلك حسب ما ورد في تقرير محققي الأمم المتحدة في وقت لاحق. فضلا عن ذلك، اتضح أن نظام تحلية المياه توقف عن العمل، وذلك بالاستناد إلى صناديق زجاجات المياه التي وجدها المسؤولون منتشرة حول مقصورات طاقم السفينة.
بغض النظر عن عملية اكتشاف الأسلحة، كانت رحلة السفينة التي امتدت لمسافة 8 آلاف ميل خلال الصيف الماضي على الأرجح الأخيرة في سجلها. وفي هذا الإطار، قال دبلوماسي غربي مطلع على التقارير الصادرة عن تحقيق الأمم المتحدة الرسمي إن “السفينة كانت في حالة مزرية للغاية، مما يعني أن تلك كانت رحلتها الأخيرة. وبالتالي، كان من المحتمل أن يكون مآلها ساحة الخردة بعد ذلك”.
سواء كانت السفينة صالحة للإبحار أم لا، فقد أبحرت من مدينة هايجو الساحلية في كوريا الشمالية في 23 من تموز/يوليو سنة 2016 وعلى متنها طاقم كوري شمالي متكون من 23 شخصا، من بينهم قبطان وموظف سياسي لضمان الالتزام بقواعد الحزب الشيوعي على متنها. وعلى الرغم من أن السفينة مملوكة من قبل كوريا الشمالية، إلا أنها سُجلت في كمبوديا. وقد خول لها ذلك وضع العلم الكمبودي والادعاء بأن مدينة “بنوم بنه” مينائها الأصلي.
كانت الأسلحة جميعها عبارة عن نسخة كورية شمالية من رؤوس صاروخية حربية تعرف “بآر بي جي7” وهي نسخة مختلفة من ذخيرة سوفييتية صنعت للمرة الأولى خلال الستينات
في الواقع، مكّن استخدام التكتيك الذي يُعرف “بعلم الملاءمة” سفن كوريا الشمالية من تجنب جذب الأنظار غير المرغوب فيها في المياه الدولية. وينطبق الأمر ذاته على عملية الإغلاق الروتيني للجهاز المستجيب في السفينة. وقد اعتمدت سفينة “جي شون” هذه الآلية وتم توثيقها في تقرير للأمم المتحدة صدر في شهر شباط/فبراير الماضي يتعلق بالأساس بحيثيات رحلة السفينة. كما أشار التقرير إلى أن “نظام التعرف الآلي للسفينة كان مغلقا أثناء معظم الرحلة، ما عدا في الممرات البحرية المزدحمة، حيث بالإمكان ملاحظة هذا التجاوز واعتباره بمثابة تهديد للسلامة”.
على الرغم مما ذكر آنفا، لم يكن من السهل إخفاء سفينة شحن كبيرة يبلغ طولها 300 قدما، تكفي لاستيعاب 2400 سيارة. ونتيجة لذلك، تمكنت وكالات الاستخبارات الأمريكية من تتبع السفينة عند مغادرتها لكوريا الشمالية. ومن ثم عمدت إلى مراقبتها بينما كانت تبحر حول شبه جزيرة ملايو واتجهت غربا عبر بحر العرب وخليج عدن. والجدير بالذكر أن السفينة كانت متجهة شمالا عبر البحر الأحمر في مطلع آب/أغسطس الماضي، حين تم توجيه تحذير للسلطات المصرية بشأن سفينة كورية شمالية مشتبه بها، اتضح فيما بعد أنها متجهة إلى قناة السويس.
في هذا السياق، أفاد مسؤول أمريكي سابق ورفيع المستوى، على اطلاع مباشر بالأحداث، أنه “قد تم إبلاغ السلطات المصرية من قبلنا بهذه المسألة. كما كنت قد أشدت بوزارة الخارجية المصرية لأخذها إياها على محمل الجد”. ولم تكن سفينة “جي شون” قد بلغت قناة السويس حتى أصدرت سفينة بحرية مصرية أوامرها لطاقم السفينة الكورية الشمالية بالتوقف من أجل القيام بعمليات تفتيش.
كشف اختبار أكثر دقة من قبل خبراء الأمم المتحدة خدعة أخرى، تتعلق بالمتلقي المصري للأسلحة خاصة وأن كل الصواريخ تحمل ختما بتاريخ تصنيع يعود إلى آذار/مارس سنة 2016، أي قبل أشهر قليلة من إبحار “جي شون”
في البداية، كان مستودع الشحنة يبدو مطابقا للوصف الذي يحمله بيان حمولة السفينة ألا وهو 2300 طن من الصخور الصفراء التي تُدعى “الليمونيت”، وهي أحد أنواع خام الحديد. وبعد البحث تحت الصخور والأقمشة المشمعة، عثر المفتشون على أكوام من الصناديق الخشبية. وعند سؤالهم عن الصناديق، استظهر أفراد طاقم السفينة بوثيقة شحن تتضمن قائمة المحتويات، حيث أفادوا بلكنة إنجليزية غريبة أنها “عبارة عن أجزاء تجميع لمضخة تحت الماء”.
بعد إفراغ آخر صندوق من أصل 79 تم فتحها في ميناء الأدبية بمصر، كان من الجلي أن الأمر يتعلق بشحنة أسلحة ليس لها مثيل، حيث أنها تحتوي على أكثر من 24 ألف قاذف صاروخي “آر بي جي”، ومكونات كاملة لستة آلاف قاذف آخرين. وكانت الأسلحة جميعها عبارة عن نسخة كورية شمالية من رؤوس صاروخية حربية تعرف “بآر بي جي7” وهي نسخة مختلفة من ذخيرة سوفييتية صنعت للمرة الأولى خلال الستينات.
كشف اختبار أكثر دقة من قبل خبراء الأمم المتحدة خدعة أخرى، تتعلق بالمتلقي المصري للأسلحة خاصة وأن كل الصواريخ تحمل ختما بتاريخ تصنيع يعود إلى آذار/مارس سنة 2016، أي قبل أشهر قليلة من إبحار “جي شون”. وتجدر الإشارة إلى أن باقي البيانات في الختم كانت خاطئة. وفي هذا السياق، ورد في تقرير الأمم المتحدة أن: “التحليل الموقعي قد كشف أن تاريخ الصنع لم يكن حديثا ولكن تم تخزين البضاعة لبعض الوقت”.
قاعدة عملاء حول العالم
مثلت التجارة المزدهرة للأسلحة المحرمة في كوريا الشمالية ثمرة أعمال تجارية شرعية بدأت منذ عقود. فقد منح الاتحاد السوفييتي في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الأسلحة التقليدية، وفي بعض الحالات، مصانع كاملة لإنتاجها، إلى البلدان النامية، كوسيلة لكسب الحلفاء وخلق أسواق للتكنولوجيا العسكرية السوفييتية. ونظرا لأن الكثير من هذه الدول، استخدمت بشكل موحد الذخائر الشيوعية وعتاده من الأسلحة في جيوشها، فقد ضمن للاتحاد السوفييتي وجود طلب مطرد على قطع الغيار والذخائر في المستقبل.
وباعتبارها دولة تنتهز الفرص، حصلت كوريا الشمالية على تراخيص لتصنيع نسخ متماثلة من الأسلحة السوفيتية والصينية، بدءا من البنادق الهجومية والصواريخ المدفعية إلى الفرقاطات البحرية والدبابات القتالية. وقد انتشرت مصانع الأسلحة في الستينيات، والتي سرعان ما أنتجت ما يكفي من الأسلحة لتزويد الجيش الكوري الشمالي الكبير، فضلا عن فائض يمكن بيعه نقدا.
مع نهاية الحرب الباردة، امتدت قاعدة عملاء كوريا الشمالية إلى أربع قارات وشملت عشرات البلدان، فضلا عن دعمها لعمليات التمرد المسلح في مناطق واسعة في العالم. وفي هذا الصدد، قال أندريا بيرغر، المختص في الشأن الكوري الشمالي وكبير الباحثين في ميدلبوري معهد الدراسات الدولية في مونتيري كاليفورنيا إن “الطلب على الأسلحة الكورية الشمالية قد استمر بعد فترة طويلة من انهيار الاتحاد السوفيتي، وحتى بعد أن تعرضت كوريا الشمالية للاعتداء الدولي والعزلة الاقتصادية بسبب برنامجها النووي”.
أشار دبلوماسيون غربيون إلى أن السمعة السيئة التي فرضتها العقوبات على كوريا الشمالية لا تزال تخيف بعض الزبائن المحتملين، ولكن تلقى هذه التجارة رواجا في الخفاء
من جانبه، قال بيرغر، مؤلف كتاب “الأسواق المستهدفة” وهي دراسة تُعنى بتاريخ صادرات الأسلحة في بيونغ يانغ إن “مساعدة كوريا الشمالية خلّفت إرثا من التبعية. وفي الأثناء، ما زالت الأسلحة التي تستخدم في هذه البلدان تعتمد إلى حد كبير على نماذج الكتلة الشيوعية في فترة الحرب الباردة. وقد بدأت كوريا الشمالية في ابتكار وتجاوز تلك التصاميم، لكنها لا تزال قادرة على توفير قطع الغيار والصيانة. ومع مغادرة روسيا والصين لهذا السوق، سدت كوريا الشمالية هذا الشغور”.
نتيجة لتهديد الأمم المتحدة بفرض العقوبات الصارمة وإبعاد العملاء، غيرت كوريا الشمالية ببساطة تكتيكاتها. فغيرت السفن، التي تنقل صواريخ المدفعية وأجزاء الصهاريج إلى الموانئ البعيدة، أسماءها وأوراق التسجيل حتى تتمكن من الإبحار تحت راية علم أجنبي. علاوة على ذلك، أنشأت شركات جديدة في الصين وماليزيا لتكون في واجهة المعاملات مع الزبائن بعيدا عن أي اتصال مرئي مع بيونغ يانغ.
بعد ذلك، ظهر بائع أسلحة غامض عبر الإنترنت يدعى غلوكوم- يطلق عليه بعض المحققين الغربيين اسم “سامسونغ كوريا الشمالية”- وبدأ بنشر أشرطة الفيديو عن مجموعة متنوعة من العتاد تتراوح بين أجهزة الراديو العسكرية ونظم توجيه الطائرات من دون طيار. في المقابل، لم يذكر أن المصدر هي كوريا الشمالية.
أشار دبلوماسيون غربيون إلى أن السمعة السيئة التي فرضتها العقوبات على كوريا الشمالية لا تزال تخيف بعض الزبائن المحتملين، ولكن تلقى هذه التجارة رواجا في الخفاء. وتعتبر سوريا من أبرز عملاء النظام الكوري الشمالي، حيث شملت مشترياتها الأخيرة معدات واقية من الأسلحة الكيميائية.
لا يزال بعض العملاء ينظرون إلى كوريا الشمالية باعتبارها آخر الموردين لعتاد منخفض التكلفة لأنظمة الأسلحة القديمة
أما العملاء القارون الآخرون، فهم جهات فاعلة غير حكومية، على غرار جماعة حزب الله المسلحة التي امتلكت صواريخ صادرة من كوريا الشمالية وصلتها عبر مهربي الأسلحة والأنظمة المتعاطفة مع الحزب. كما عثر على أسلحة صنعت في كوريا الشمالية بجانب جثث مقاتلي تنظيم الدولة في العراق وسوريا، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أنها قد نُهبت من خزائن الأسلحة التي كانت قبل سنوات تحت قبضة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
في الأثناء، لا يزال بعض العملاء ينظرون إلى كوريا الشمالية باعتبارها آخر الموردين لعتاد منخفض التكلفة لأنظمة الأسلحة القديمة، التي نادرا ما توجد في الأسواق التجارية. وتشمل قائمة العملاء بلدانا أفريقية في جنوب الصحراء الكبرى على غرار أوغندا والكونغو، التي اعتمدت على مدى عقود على كوريا الشمالية لتدريب وتجهيز جيوشها.
قال بيرغر الباحث في ميدلبري إن القائمة تشمل أيضا مصر، التي تعتبر من كبار المستفيدين من المساعدات الأميركية، ولا تزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسية تاريخية مع بيونغ يانغ تعود إلى السبعينات. وعلى الرغم من أن القاهرة قد أقسمت على أنها لا تتعامل مع كوريا الشمالية، إلا أن حوادث مثل كشف سفينة “جي شون” تبين مدى صعوبة التخلي عن العادات القديمة، خاصة بالنسبة للمدراء العسكريين الذين يسعون إلى إطالة عمر أنظمة الأسلحة المكلفة.
في شأن ذي صلة، لا يزال الجيش المصري اليوم يمتلك العشرات من أنظمة الأسلحة سوفيتية التصميم؛ من بينها ستة أنواع على الأقل من الأسلحة المضادة للدبابات، بما في ذلك “آر بي جي “7، وقاذفة قنابل يدوية تعود للستينات تستخدم نفس الرأس الحربية “بي جي 7” التي عثر عليها في جي شون. كما يقدر عدد الأسلحة المصرية من طراز “آر بي جي7” في الخدمة الفعلية بحوالي 180 ألف قذيفة. من جانبه، صرّح بيرغر قائلا إن “مصر كانت تعدّ عميلا لدى كوريا الشمالية في الماضي، إذ يمكن أن أسميها اليوم بالعميل المرن”.
الاضطرابات الدبلوماسية
عندما تمت مواجهة المسؤولين المصريين لأول مرة بحقيقة علاقتهم بصواريخ “جي شون”، كان الإنكار هو الرد، ثم تلته محاولات للتعتيم، وفقا لما ذكره دبلوماسيون غربيون. ووفقا لمسؤولين ودبلوماسيين أمريكيين مطلعين على المناقشات، كانت مصر، خلال فترة اكتشاف السفينة، عضوا غير دائم منتخب حديثا في مجلس الأمن الدولي.
ومن جهتهم، أصر وفدها على إنكار تلك المعلومات الواردة في التقارير الرسمية التي تربط بين المسؤولين المصريين أو الشركات التجارية بالأسلحة الكورية الشمالية غير المشروعة. وفي الواقع، صدر في بيان السفارة أن المسؤولين المصريين طلبوا مهلة صغيرة حتى يضمنوا أن انعكاس وجهات نظرهم حول الأحداث سيكون بشكل صحيح. وأشار التقرير إلى أن مسؤولين في مجلس الأمن قد اعترفوا بدور مصر في مساعدة حُسن سير التحقيق، وأشادوا به.
على أية حال، يلغي تقرير الأمم المتحدة الصادرة في شباط/فبراير عن الحادث، مسألة الجهة التي كان من المفترض أن تتلقى الصواريخ. وقد جاء في التقرير أن ” مصر دمّرت الذخائر تحت إشراف الأمم المتحدة”، وأن “التحقيقات حول الوجهة والمستخدم النهائي للمعدات، قد أجريت من قبل النائب العام المصري”.
لكن الأدلة التي جمعها المحققون التابعون للأمم المتحدة، والتي شاركت لاحقا مع الدبلوماسيين، لم تترك شكوكا حول مكان وجود الصواريخ. وكانت إحدى الأدلة المبكرة هي طبيعة الصواريخ نفسها: جلّها كانت مزودة برؤوس حربية غير قابلة للإزالة من النوع المستخدم في التدريبات العسكرية. فضلا عن ذلك، تشير هذه الكمية الكبيرة إلى أن المشتري لديه جيش كبير يتكون من آلاف المجندين. وفي هذا السياق، يبلغ قوام الجيش المصري النشط 438 ألف جندي مقابل 479 ألف جندي احتياطي.
خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لواشنطن في ذلك الشهر، أشاد ترامب بالجنرال أمام كاميرات التلفزيون وصرح قائلا: إنه “يقوم بعمل رائع”
لقد عثر على أكثر الأدلة وضوحا على الصناديق، حيث نقش على كل منها اسم شركة مصرية. وفي الحقيقة، أكد دبلوماسيون مطلعون على التحقيق تورط شركة مصرية رفض الكشف عن اسمها. في المقابل، لم يتم تحديد اسم هذه الشركة المصرية في تقرير الأمم المتحدة واكتفت بكتابة: “أغلقت السلطات الوطنية الشركة الخاصة وألغت ترخيصها”.
في حين رفض مسؤولون أمريكيون انتقاد مصر علنا، ساهم حادث “جي شون”، الذي تصدر قائمة صفقات أسلحة أخرى مع كوريا الشمالية خلال السنوات الأخيرة، في نشوب اضطرابات دبلوماسية ضيقت حدود العلاقات بين القاهرة وإدارتيْ أوباما وترامب. وأكد المسؤولون الأمريكيون أن فضيحة هذه الصواريخ كانت من بين العوامل المؤدية إلى تجميد إدارة ترامب في تموز/ يوليو الماضي وتأجيل 290 مليون دولار المخصصة للمساعدة العسكرية لمصر.
خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لواشنطن في ذلك الشهر، أشاد ترامب بالجنرال أمام كاميرات التلفزيون وصرح قائلا: إنه “يقوم بعمل رائع”. في المقابل، أوضح بيان البيت الأبيض الذي صدر بعد ذلك أن السيسي تلقى تحذيرا من قبل ترامب على انفراد. ووفقا للبيان الرسمي، أكد ترامب على ضرورة التزام جميع الدول بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلق بكوريا الشمالية بما في ذلك وقف التبادل الاقتصادي والعسكري مع كوريا الشمالية.
المصدر: واشنطن بوست