لا تزال التعبئة العسكرية الإيرانية مستمرة في الجنوب اللبناني، عبر زيادة ضخّ الأسلحة والذخيرة إلى “حزب الله”، بهدف تعزيز القدرات الحربية للحزب، لا سيما ترسانته الصاروخية التي تمثل رأس حربة قوته العسكرية.
مؤخرًا، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن “إيران تسرّع في الآونة الأخيرة من عمليات نقل الأسلحة الدقيقة إلى حزب الله، استعدادًا لصراع واسع النطاق في الجبهة الشمالية الإسرائيلية، في ظل ازدياد حدة المناوشات بين الحزب وإسرائيل على هامش الحرب في قطاع غزة”.
مضيفة أن “عمليات نقل أسلحة إيرانية دقيقة إلى حزب الله تتم عبر الأراضي السورية، رغم أن إسرائيل عملت على منع وصول هذه الشحنات إلى حزب الله عبر تعطيل مطارات سورية”.
تقرير الصحيفة سبقته رسالة أرسلها وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى مجلس الأمن الدولي، أعلن فيها أن إيران انتهكت قرار مجلس الأمن رقم 1701 عبر نقلها الأسلحة إلى “حزب الله” اللبناني عن طريق البرّ، باستخدام الحدود السورية اللبنانية التي يسهل اختراقها، وكذلك عن طريق الجو والبحر.
وبيّن كاتس في رسالته إلى مجلس الأمن الدولي، كيفية نقل الأسلحة من قبل إيران إلى “حزب الله” ومواعيدها، مشيرًا إلى أن “العديد من وحدات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله متورّطة في عمليات نقل الأسلحة من إيران إلى العراق، ومن هناك إلى سوريا، ثم إلى لبنان، في ظل انشغال إسرائيل في عدة جبهات خلال الأشهر الماضية”.
ولا يعتبر نقل إيران الأسلحة، لا سيما منظومات الدفاع الجوي المتقدمة إلى “حزب الله”، أمرًا جديدًا، بل سبق أن تناولت العديد من التقارير الاهتمام الإيراني بتدعيم جبهة الجنوب اللبناني الواقع تحت سيطرة الميليشيا اللبنانية والمتاخم للمستوطنات الإسرائيلية الشمالية، ومحاولة تقييد العمليات الجوية لسلاح الجو الإسرائيلي من جهة، وتعقيد العمليات ضد “إسرائيل” في مناطق أوسع من جهة أخرى.
في المقابل، لا تكفّ “إسرائيل” عن تعطيل محاولات إيران إنشاء شبكة دفاع جوي خارج شبكات الدفاع السورية التي يتحكم بها الجانب الروسي، واستهداف مطارَي دمشق وحلب الدوليَّين، وإخراجهما عن الخدمة باعتبار أن إيران تستخدمهما لنقل شحنات الأسلحة.
السلاح الإيراني يشقّ طريقه إلى الجنوب
إلى جانب اعتبارها ساحة معركة ناشئة بين الجماعات الموالية لإيران، تعدّ سوريا مستودعًا السلاح الإيراني، وصلة الوصل لنقل هذا السلاح والذخائر إلى “حزب الله” في لبنان، عبر طرق برية وجوية وبحرية.
كشفت منظمة مشروع مكافحة التطرف في ألمانيا، في أغسطس/ آب الفائت، أن إيران قامت بنقل آلاف الصواريخ وكميات كبيرة من الأسلحة والمقاتلين وإمدادات أخرى إلى “حزب الله”، من خلال الحرس الثوري الإسلامي التابع لها، وباستخدام سوريا كنقطة نقل.
وخلال أكثر من 3 عقود، نجحت إيران في توفير طرق برّية عبر مسار العراق ثم سوريا عبر معبر البوكمال، والذي يعتبَر منطقة حيوية لمشاريع الحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان، وصولًا إلى البقاع ثم بيروت انتهاء بالضاحية الجنوبية معقل “حزب الله”، ويساعد إيران في هذا انتشار الميليشيات الموالية لها جنوب العراق وصولًا إلى غرب الفرات والبادية السورية، ومنها إلى القلمون السوري المفتوح على لبنان.
كما يتم شحن السلاح جوًّا إلى سوريا، حيث يخزَّن في مواقع يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، وهذا ما يفسّر تكرار الغارات الإسرائيلية داخل العمق السوري، والتي غالبًا ما تستهدف مواقع تابعة للحرس الثوري، أما بحرًا فتنقل السفن الإيرانية السلاح إلى الموانئ السورية، ومن هناك ينقل برًّا إلى لبنان عبر شبكة من الوكلاء.
مسارٌ آخر كشفته مصادر إسرائيلية لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في تقريرها الذي نشرته عام 2017، وهو نقل السلاح جوًّا إلى لبنان مباشرة باستخدام طائرات مدنية تنظّم رحلات من مطارات إيران إلى مطار بيروت الدولي، وتستخدم هذه الطريقة في تهريب مكونات وأجزاء عسكرية صغيرة متطورة لإنتاج وتصنيع الأسلحة، ويمكن نقل هذه المكونات عبر حقائب السفر الصغيرة التي يحملها المسافرون معهم إلى الطائرة، وتساعد في هذه الطريقة سيطرة الحزب على الجانب الأمني في المطار.
أما الفرضية الأخرى التي وضعتها “إسرائيل” في الحسبان، فهي “إمكانية تسيير إيران طائرات عسكرية صغيرة لنقل شحنات من الأسلحة إلى حزب الله من سوريا عبر قواعد تابعة لقوات النظام، باستعمال مطارات متنقلة يتم إنشاؤها لساعات في مناطق البقاع اللبناني، وهذا النوع من المسارات تكمن صعوبته في مراقبته وتحديده لأنه قصير المدى، ويعتمد على غلق الإرسال الذي يتعقب الطائرات”.
ويمكن اعتبار وصول السلاح المتقدم إلى “حزب الله” بالنسبة إلى “إسرائيل”، بمثابة تشجيع للحزب على تجاوز الخطوط الحمراء، لا سيما في خضمّ الحرب الجارية الآن على غزة، والمواجهات المتفاوتة بين “حزب الله” و”إسرائيل” على الجبهة الجنوبية اللبنانية.
وكشفت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية “كان”، في تقرير لها في يوليو/ تموز، عن نشاط وحدة جديدة في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني باسم الوحدة 700، مهمتها تهريب المعدّات العسكرية وتحويلها بشكل خاص إلى “حزب الله” اللبناني والميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.
وتتعاون الوحدة 700 مع الوحدة 190 التابعة لفيلق القدس، برئاسة بهنام شهرياري، وهي وحدة معروفة تقوم بعمليات نقل الأسلحة في الميدان، تعرضت قوافلها للهجوم عدة مرات، بما في ذلك نهاية أبريل/ نيسان الماضي في منطقة حمص، عندما هُوجمت قافلة شاحنات تحمل أسلحة إلى “حزب الله”.
أنواع الأسلحة
حسب التقديرات الإسرائيلية، كما جاء في تقرير صحيفة “يديعوت أحرونوت”، تحاول إيران زيادة عدد الصواريخ الدقيقة والصواريخ المضادة للطيران وتعزيز منظومات الدفاع الجوي لـ”حزب الله”، فيما أشار وزير الخارجية الإسرائيلي في رسالته المقدمة إلى الأمم المتحدة، إلى أن الأسلحة التي أرسلتها إيران إلى “حزب الله” شملت أجزاء من أنظمة الدفاع الجوي.
هذا بالإضافة إلى المسيّرات شاهد-101 وشاهد-136، وصواريخ من طراز أبابيل وأنظمة الاعتراض المضادة للطائرات 358، والتي يسميها الغرب و”إسرائيل” صواريخ SA-67 الموجهة ضد الطائرات المتميزة بالتحليق على ارتفاع منخفض، وضد المروحيات والمسيّرات والصواريخ قصيرة المدى.
ومن المعروف أن ترسانة “حزب الله” مجهولة الحجم، إذا تغيب الإحصائيات الدقيقة عن هذه الترسانة، إلا أن موقع “ميسيل ثريت” الأمريكي المتخصص بمتابعة القدرات الصاروخية للدول والمنظمات، أشار في دراسة له إلى أن “حزب الله” هو القوة الأكثر تسليحًا في العالم، على صعيد القوى التي لا تصنَّف ضمن الجيوش النظامية.
في عام 2019، لفتت مجلة “فورين أفيرز” إلى أن قدرات “حزب الله” العسكرية تفوق ما يعرفه العالم عنه، ونقلت عن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي حينها، أن قدرات “حزب الله” في تزايد مستمر.
وأكّد الخبير العسكري الإسرائيلي تال ليف-رام، في مقال نشرته صحيفة “معاريف”، أنه “في نهاية المطاف، وفي واقع التطور التكنولوجي اليوم، سيكون لدى حزب الله أسلحة محددة تشكل تهديدًا عسكريًّا استراتيجيًّا كبيرًا لأمن إسرائيل”.
من جهتها، وفي تصريح سابق لـ”فرانس برس”، تشير الباحثة من مركز “كونترول ريسكس” دينا عرقجي، إلى أنه “منذ حرب 2006، وسّع حزب الله بشكل كبير ترسانته لناحية الكمية والنوعية”، موضحة أنه كان يمتلك 15 ألف صاروخ حينها، لكن التقديرات اليوم تبيّن أن “العدد تضاعف نحو 10 مرات”، وبات الحزب يمتلك أسلحة “متطورة أكثر” بينها صواريخ دقيقة.
وتعدّ الصورايخ درة التاج في مخازن أسلحة “حزب الله”، من صواريخ مضادة للطائرات والدبابات ومضادة للسفن اُستخدمت عام 2006، حين أُعلن استهداف بارجة عسكرية إسرائيلية قبالة الشواطئ اللبنانية، إضافة إلى صواريخ موجّهة استعملها ضد المواقع الإسرائيلية المتاخمة للجنوب اللبناني مع بدايات العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت.
إضافة إلى امتلاكه صواريخ غير موجّهة، من بينها صواريخ غراد وكاتيوشا التي يتراوح مداها بين 4 كيلومترات و40 كيلومترًا، وفجر-3 وفجر-5، والتي يبلغ مداها بين 43 و75 كيلومترًا، وصواريخ رعد ويتراوح مداها بين 60 و70 كيلومترًا، وفجر-1 وفلق-1 وفلق-2 وشاهين-1 وتايب-81، وأيضًا خيبر-1 وزلزال-1 وزلزال-2 وفاتح-110 وسكود-بي سي دي.
وكان لافتًا استخدام الحزب المسيّرات (إيرانية الصنع) ذات الأحجام المختلفة، والتي باتت سلاحًا فعّالًا في جمع معلومات استخباراتية وتنفيذ هجمات انتحارية ضد الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى حملها متفجرات وذخائر ضد عدة مواقع إسرائيلية.
ويقدِّر مركز ألما للبحوث والتعليم الإسرائيلي، أن الحزب يمتلك نحو 2000 طائرة من دون طيار من مختلف الأنواع، بما في ذلك طائرات مدنية من دون طيار قام بتعديلها لتصبح قادرة على حمل الأسلحة.
أنفاق حزب الله
في خضمّ التصعيد الكبير الذي يشهده الجنوب اللبناني والشمال الفلسطيني، وشنّ “إسرائيل” سلسلة غارات جوية على بلدات خاضعة لتمركز “حزب الله”، أعاد تقرير نشرته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية مؤخرًا عن امتلاك “حزب الله” أنفاقًا، الحديثَ عن شبكة معقّدة من الأنفاق السرّية المتطورة التي بدأ “حزب الله” العمل عليها منذ عقود.
وحسب التقرير، فإن أنفاق “حزب الله” التي بدأ بحفرها منذ ثمانينيات القرن الماضي بين 40 و80 مترًا، وباستخدام تكنولوجيا كوريا الشمالية، هي أكثر تعقيدًا وخطورة من أنفاق حركة حماس في غزة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري إسرائيلي، قوله إن “الجيش الإسرائيلي يحاول رسم خريطة شبكة الأنفاق، مستخدمًا أجهزة كشف حركة وألياف ضوئية متصلة بشبكة الجيل الرابع، بجانب الروبوتات والمسيّرات ومصادر معلومات أخرى”.
وطوّر “حزب الله” الأنفاق بشكل رئيسي بعد حرب 2006 تحسبًا لأي عملية إسرائيلية برّية، تتضمن عشرات مراكز العمليات المجهّزة تحت الأرض، وأنفاق داخل الأقاليم تربط المراكز الحيوية في بيروت والبقاع وجنوب لبنان، فمنها ما هو مخصّص لعمليات تسلُّل الأفراد إلى “إسرائيل”، ومنها ما هو مخصّص لبطاريات الصواريخ البالستية الإيرانية.
أضافت “ليبراسيون” أنه “في تقرير نُشر في يونيو/ حزيران 2023، كشف مركز ألما الإسرائيلي للأبحاث عن وجود أنفاق متفجّرة محفورة تحت نقاط استراتيجية مغلقة ومتروكة من دون أي نشاط يمكن اكتشافه لسنوات”، مؤكدًا أن هذه الأنفاق أكثر تطورًا وخطورة من نظيرتها في قطاع غزة، وقد يؤدي انفجار بعضها إلى حدوث زلزال.
وباعتبار أن الموارد المالية للحزب أكبر من موارد حماس، فضلًا عن تحوّل الحزب إلى إمبراطورية اقتصادية في لبنان وخارجه، فإن ذلك يجعله أكثر اهتمامًا بحفر الأنفاق رغم طبيعة الأرض القاسية، خاصة في شبعا بالجنوب اللبناني، مقارنة بأرض غزة الرملية.
ويعدّ نفق مليتا جنوب لبنان أشهر أنفاق “حزب الله” الذي ظلَّ مستخدمًا لـ 9 سنوات، بعد أن بُدء العمل به عام 1989 وسط غابات البلوط والصنوبر، قبل أن يحوّله الحزب إلى متحف مفتوح للسياحة الجهادية عام 2010، هادفًا من ذلك تعزيز سردية الجهاد التي يتبناها أمام مناصريه.
في المقابل، استجابت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عام 2015 لضغوط سكان المستوطنات في الجليل المتاخم للجنوب اللبناني، بعد تصاعد شكواهم من “أصوات تحت الأرض يعتقدون أنها ناجمة عن حفر الحزب أنفاقًا تصل إلى ما تحت منازلهم.
ورغم نفي الجيش الإسرائيلي حينها، قال الخبير بالشؤون العربية، دورون بيسكين، للإذاعة الإسرائيلية، إنه منذ عام 2006 هناك كثير من التقارير العلنية في وسائل الإعلام العربية وغيرها، تتحدث عن وجود أنفاق في جنوب لبنان، و”حزب الله” لم يحاول إخفاء أنه يوسّع شبكة أنفاقه، وما هو معروف أنه من جنوب الليطاني حتى الحدود الإسرائيلية توجد شبكة أنفاق تابعة لـ”حزب الله”، ونحن نتحدث عن أنفاق إذا ما قارنّاها بما يحدث في غزة، فإن الأمر يبدو كلعبة أطفال مقابل ما يوجد لدى “حزب الله”.