قد يكون من الصعب الاحتفاظ بذات القدر من الشغف تجاه الشريك والعلاقة تمامًا كما كان في البدايات وما بعدها، فمشاغل الحياة اليومية والاعتياد والروتين الطاحن، عوضًا عن الانشغال بالأطفال بعد سنوات، قد تجعل من العلاقة مثل واجبٍ إضافيّ آخر في قائمة طويلة من الأعمال الأسبوعية التي يجب إنجازها والتعامل معها.
يرتبط ذلك الشغف بالفضول التي يتكوّن مع بدء العلاقة منذ لحظاتها الأولى، والذي يُعرّف على أنه رغبة قوية في التعلّم والاكتشاف أو معرفة المزيد عن شيءٍ ما، وبشكلٍ عام فإنّ هذا التعلم يجعلنا أكثر حكمة ويحسّن قدرتنا على التعامل والتأقلم مع الواقع، في الوقت الذي تكثر الروايات والآراء التي ترى الفضول عقبةً أمام السعادة، فبحسب بعضها فقد طُرد آدم وحواء من الجنة بسبب فضولهما لاكتشاف العالم وشيءٍ جديد، ووفقًا للأسطورة اليونانية فإنّ معظم الشرور في العالم نشأت بفعل قيام “باندورا” بفتح الصندوق الذي حمّلها إياه الآله “زيوس” طالبًا منها ألّا تفتحه وكان يتضمن كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة وغيرها الكثير.
يرغب الأفراد في العلاقات الرومانسية معرفة أكبر قدرٍ ممكن من المعلومات والتفاصيل عن الحبيب أو الشريك، فهذا يعمل على تعزيز العلاقة وفهم الطرف الآخر بشكلٍ واضح وعميق، وبطبيعة الحال فنميل نحن البشر بفطرتنا للرغبة في رؤية وتجربة ما هو أبعد من ظروفنا الحالية، وتذوق الكثير من جوانب الحياة الواقعية أو المتخيّلة.
لو جئنا للنظر وراء الأسباب التي تجعل من الفضول سببًا أساسيًا لتعزيز العلاقة ودفع طابع الفتور والملل عنها لوجدنا أنها تعمل بشكلٍ أو بآخر على تقوية التواصل والاتصال بين الشريكين
يرى علماء النفس أنه وحتى لو كان عاش الشريكان معًا لسنين طويلة، معتقدين أنّهم باتوا يعرفون كلّ شيء حيال الآخر، إلا أنّ هناك -دومًا- لا يزال ما يجب تعلّمه واستكشافه، وإلا ستكتسي العلاقة بطابع الفتور والملل، والتي وإن استمرت على هذا النحو لوقتٍ طويل فسيكون محكوم عليها بفشلها.
ولو جئنا للنظر وراء الأسباب التي تجعل من الفضول سببًا أساسيًا لتعزيز العلاقة ودفع طابع الفتور والملل عنها لوجدنا أنها تعمل بشكلٍ أو بآخر على تقوية التواصل والاتصال بين الشريكين. فشعورك أنّ ثمة ما هو جديد وممتع يخصّ شريكك أو يحدث معه، سيزيد من انجذابك للحوار ومشاركتك به أو قد يدفعك لطرح الأسئلة وخلق مزيدٍ من الحوارات.
إضافة إلى أنّ الفضول يدفع لفهم وجهات النظر المختلفة والاستماع إليها بحجة تعلّمها واستكشافها، ما يجعل من الفرد منفتحًا أكثر على تجارب غيره وآرائه وأفكاره، مما يزيد من تقبّله لها حتى وإن خالفها، الأمر الذي له أثرٌ إيجابيّ كبير في حالات الخلافات أو عدم الاتفاق بين الشريكين، فأنْ تكون فضوليًا تجاه شريكك يعني أن تكون مستعدًا لسماع وجهة نظره ورؤيته للمواضيع التي قد تختلف فيها معه، وبالتالي ستكون مستعدًا للوصول لنقاط تشاركٍ بعيدًا عن ردود الفعل السلبية.
ويساعدك الفضول أيضًا في فهم نفسك بطريقة يمكن لها أن تكون مفيدة لعلاقتك أو زواجك. فأنْ تكون فضوليًا حيال شريكك يعني أن تعرف عن نفسك أكثر أثناء محاولتك للتعرف عليه واستكشافه، فعلى سبيل المثال قد تخوض حوارًا معه حول رأيه في إحدى القضايا الأمر الذي قد يمكّنك من أن تحفر في ذاتك أكثر وتكتشف أمورًا حول رأيك أنت أو أفكارك أو قيمك أو مشاعرك وغيرها.
أن تركّز مع شريكك يعني أن تكون مستمعًا جيّدًا له، منتبهًا لانفعالاته وملاحظًا لغة جسده ونبرات صوته التي تُعدّ مهمة جدًا في الحوارات والتواصل
ففي كثيرٍ من الأحيان لا نكون على معرفةٍ واضحة بذواتنا دون مساعدة شخصٍ آخر، كأن يطرح سؤالًا أو يدخل بحوارٍ ما، فالكثير من الأمور والقضايا قد لا نعطيها وقتًا للتفكير أو قد نؤجلها مرارًا وتكرارًا حتى يأتي ذلك الشخص بذلك السؤال أو الحوار.
كيف تقوي فضولك تجاه شريكك؟
قد يكون بطبيعة الحال الوصول لحالة ثابتة من الفضول تجاه الشريك أمرًا صعبًا قليلًا. فنحن قد نلجأ أحيانًا للهرب من التفاعل مع الأشخاص الذي لا نشعر أنهم لا يبدون اهتمامًا في ذلك، أو الأشخاص الذين نراهم مشغولين، أو أولئك الذين نشعر ببرودتهم تجاهنا، لذلك فلا نحاول استكشافهم خوفًا من فشلنا في ذلك، الأمر الذي قد يقودنا على المدى البعيد لخلقٍ حالةٍ كبيرة من الفتور وعدم الاهتمام والملل في العلاقة.
– ركّز مع شريكك في اللحظة الراهنة
أن تركّز مع شريكك يعني أن تكون مستمعًا جيّدًا له، منتبهًا لانفعالاته وملاحظًا لغة جسده ونبرات صوته التي تُعدّ مهمة جدًا في الحوارات والتواصل، ففي الكثير من الأحيان يمكن أن يؤدي الفهم الخاطئ لنبرة الصوت أو لحركةٍ جسدية ما لنشوء خلاف كان يمكن تجنبه لو ركّزنا أكثر.
إضافة لتجنب القيام بأكثر من مهمة أثناء الحديث مع الشريك أو الزوج، فهذا يقلل من الانتباه والتركيز في المحادثة، أو قد ينقل له عن غير قصد شعورًا بعدم الاحترام أو يوصل له رسالة بأنه وأحاديثه مملّة ولا تجذب الانتباه.
– استمع للطرف الآخر بانفتاح دون إطلاق أي أحكام مسبقة
يجب على الشريكين ضبط نفسيهما وتجنب القفز إلى إطلاق الأحكام المسبقة حول أحدهما الآخر، فهذا قد يعني الرغبة في إنهاء الحديث وتجنب الاستماع له لإنّ ما سيقوله لا يناسبك ولا يلائمك.
– اطرح الأسئلة المفتوحة
يمكن الإجابة على الأسئلة المغلقة فقط ب “نعم” أو “لا”. أما الأسئلة المفتوحة وهي تلك التي تبدأ بـِ كيف، ماذا، أين، متى، لماذا تلعب دورًا كبيرًا في توسيع المحادثة وزيادة التواصل مع الشريك. فهي تسمح بالتعلم والاكتشاف والمشاركة معه. وبالتالي، فإن المحادثات المصحوبة بأجواء من الفضول تساعد على خلق التغيير الإيجابي الذي نريده في حياتنا ومع شركائنا.