فقدت السعودية 74 مليار دولار من احتياطياتها من النقد الأجنبي في الفترة من أغسطس/آب 2016 وأغسطس/آب 2017 بينما بلغ إجمالي ما فقده الاحتياطي منذ ديسمبر/كانون الأول 2014 وحتى أغسطس/آب 2017 بحوالي 245 مليار دولار، منخفضًا من حوالي 732 مليار دولار بحسب أرقام مؤسسة النقد العربي التي تمثل البنك المركزي في السعودية.
وحساب الاحتياطي العام للدولة يحوّل إليه ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية، ولا يجوز السحب منه إلا بمرسوم ملكي في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة. وتتضمن إجمالي الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد العربي؛ الذهب، وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي، والودائع في الخارج، بالإضافة إلى استثمارات في أوراق مالية متفرقة في الخارج.
تراجع الاحتياطي العام
يبدو أن الاقتصاد السعودي لا يمر بأفضل أيامه بسبب انخفاضات في الاحتياطي النقد الأجنبي، وارتفاع الدين العام، والعجر المالي في الميزانية، إلى جانب تقارير تتكلم عن فشل في رؤية 2030. حيث يتجه صافي الأصول الخارجية لدى السعودية يتجه نحو انخفاضات مطردة منذ العام 2014، في ضوء تراجع أسعار النفط، وتوجه الرياض نحو توسيع استثمارات صندوق ثروتها السيادية في الخارج.
حيث تراجعت الاحتياطيات الأجنبية في يونيو/حزيران الماضي 16% على أساس سنوي بالغة 2.14 ترليون ريال ما تعادل 570.1 مليار دولار هبوطًا من 2.53 ترليون ريال أي 675.5 مليار دولار في يونيو/حزيران العام الماضي 2015. كما تم تسجيل عجز قياسي بلغ 98 مليار دولار في ميزانية العام 2015 لأول مرة، وعجز آخر بقيمة 79 مليار دولار في موازنة العام الماضي 2016 مع توقعات بتسجيل عجز يقدر عند 53 مليار دولار في العام الحالي 2017.
الانخفاض في الأصول الخارجية والاحتياطيات النقدية يرجع فيما يبدو إلى تحويل أموال إلى صناديق تابعة للدولة تستثمر في الخارج
إلى جانب انخفاض الاحتياطي العام وارتفاع العجز المالي، فقد شهد الدين العام أيضًا ارتفاعات متتالية منذ عام 2015 فوفقًا لوزارة المالية السعودية، فقد بلغ الدين العام في 31 ديسمبر/كانون الأول 2015 حوالي 37.9 مليار دولار، جميعها ديون محلية تعادل 5.8% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة.
وبعد مرور عام سجل الدين العام في 31 ديسمبر/كانون الأول 2016، حوالي 84.4 مليار دولار، منها 56.9 مليار دولار ديون محلية، و27.5 مليار دولار ديون خارجية. وفي 30 يونيو/حزيران الماضي، بلغ الدين العام 91 مليار دولار، منها 54.5 مليار دولار ديون محلية، و36.5 مليار دولار ديون خارجية.
ارتفاع الدين العام ناجم عن ارتفاع العجز المالي، وتسديده عبر توسع المملكة في إصدار سندات الدين المحلية والخارجية. يأتي ذلك، بعد اعتماد السلطات السعودية سياسات تقشفية بهدف تخفيض العجز المالي في الميزانية الناجم عن هبوط أسعار النفط، حيث تعتمد السعودية في تمويل الميزانية على إيرادات النفط بنسبة كبيرة.
حساب الاحتياطي العام للدولة يحوّل إليه ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية، ولا يجوز السحب منه إلا بمرسوم ملكي في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة.
بعض المحللين أشاروا أن الانخفاض في الاحتياطيات النقدية يرجع إلى الإنفاق على التدخل العسكري السعودي في اليمن، فيما، تكهن آخرون بأن هروب رأس المال من السعودية ربما يكون السبب في تراجع الاحتياطيات، وقال مصرفي دولي إن قدرًا كبيرًا من الانخفاض في الأصول الخارجية يرجع فيما يبدو إلى تحويل أموال إلى صناديق تابعة للدولة تستثمر في الخارج، خاصة صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية الرئيسي.
إذ تعتزم الرياض استثمار مبالغ كبيرة في الخارج في مجال التكنولوجيا الحديثة، ورفع عوائد أموالها. وقال صندوق الاستثمارات العامة إنه سيستثمر ما يصل إلى 45 مليار دولار على مدى 5 سنوات في صندوق للتكنولوجيا أسسته شركة سوفت بنك اليابانية، و20 مليار دولار في صندوق للبنية التحتية تعتزم شركة بلاكستون الأمريكية تأسيسه.
رؤية 2030
تزامن هذا مع تبني السعودية رؤية 2030 التي عول عليها للانتقال بالبلاد إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة على مواجهة التحديات وتعزيز موقع السعودية في الاقتصاد العالمي. وتتضمن الرؤية برامج تنفيذية لتحقيق الأولويات الوطنية وإتاحة الفرص للجميع من خلال تقوية وتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وبناء منظومة قادرة على الإنجاز، ورفع وتيرة التنسيق والتكامل بين الأجهزة الحكومية كافة، ومواصلة الانضباط المالي، وتعزيز الشفافية والنزاهة.
إلا أن تقارير أجنبية عدة أشارت إلى فشل الجهود الرامية لتنويع الاقتصاد الوطني في إطار رؤية 2030، بعد تباطؤ الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومن جهة أخرى لجوء السلطات إلى تعديل بنود عدة في الرؤية لأنها طموحة ولا يمكن تطبيقها.
وبحسب تقرير منشور على وكالة بلومبيرغ الاقتصادية بعنوان “الركود أو لا، هذه البيانات قد تخيب صناع السياسة السعودية”، فإن جهود المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها، والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة، فشلت حتى الآن.
واستدل التقرير على انكماش أكبر اقتصاد عربي بمعدل سنوي قدره 1% في الربع الثاني بعد انكماشه بنسبة 0.5٪ في الأشهر الثلاثة الماضية. وما يثير قلق المحللين، أن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخط أكثر من 0.6% وهو رقم ضئيل جداً، مع خطط الحكومة الطموحة. وكان انخفاض الإنفاق الحكومي وانخفاض الطلب الاستهلاكي، أبرز الأسباب التي ساقها التقرير لضعف نمو الاقتصاد غير النفطي.
وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية كشفت الشهر الماضي أن رؤية 2030، صعبة التحقيق، وأهدافها مبالغ فيها، لذا بدأت بإعادة صياغتها، مشيرة إلى وجود قلق في المملكة بعد إعلان محمد بن سلمان وليًا للعهد، وخطط مقبلة حول تنصيب الأمير ملكًا على البلاد.