ترجمة وتحرير نون بوست
عشية الاستفتاء بخصوص استقلال كتالونيا، دعا فانسان دو برناردي الحكومة الفرنسية إلى أن تراقب عن كثب عملية التصويت الجارية في كتالونيا. ففي الغالب، قد تضطر فرنسا لاتخاذ قرار تستجيب من خلاله للمطالب المنادية بإمكانية استقلال جزيرة كورسيكا عن البلاد.
في الحقيقة، لا يعدو الوضع الذي تشهده إسبانيا في الوقت الحالي سوى أن يكون مجرد تمهيد لما يمكن أن يطرأ في كورسيكا خلال الأشهر القادمة، حيث قد يبادر القوميون بإثارة قضية الحق في تقرير مصير الجزيرة الفرنسية. وعلى الرغم من أن فرنسا ليست مثل إسبانيا، إلا أن الوضعيتين في كلا الدولتين تتشابه إلى حد ما.
مما لا شك فيه أن باريس تراقب عن قرب عملية التصويت التي تعيش على وقعها كتالونيا، وذلك حتى تعالج بهدوء أية مطالب محتملة بخصوص استقلال كورسيكا. ومن الواضح أن دراسة هذا الاحتمال ستكون نابعة من تحاليل معمقة، حيث ستأخذ حكومة إدوار فيليب بعين الاعتبار كل الأبعاد التي يمكن أن يطرحها ملف كورسيكا.
من جهة أخرى، كشف المثال الكتالوني أن معركة الاستقلال تخاض على عدة أصعدة مختلفة، وعلى وجه الخصوص الصعيد السياسي، والصعيد القانوني، ناهيك عن آليات التواصل التي ارتكزت عليها الحكومة الإسبانية بغية مجاراة الوضع. ومنذ شهر أيلول/سبتمبر سنة 2014، تاريخ تنظيم استطلاع، يكتسي بعد رمزي، في كتالونيا. وآنذاك، صوت 80 بالمائة من بين حوالي مليوني شخص، لصالح استقلال الإقليم. في الوقت ذاته، تم إجراء حوار مع مدريد، وصف بالفوضوي.
في الوقت الذي جدد فيه رئيس المؤيدين لاستقلال كتالونيا رغبته في إجراء الاستفتاء بخصوص تقرير مصير إقليمه، بادر ماريانو راخوي بالتعاطي مع هذه المطالب بقسوة. وفي هذا الصدد، صرح راخوي، قائلا: “طالما أنني مكلف بمسؤوليات رئيس الحكومة، فلن يتم ذلك أبدا”. من جهته، أفاد الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسبانية، انيغو منديز دي فيغو، أن قضية الاستفتاء ليست سوى مجرد “مسرحية، في حين أن الانفصاليين عددهم محدود للغاية. وقد باءت جميع محاولاتهم بالفشل في سبيل كسب موالين”.
أعرب نادي برشلونة، بدوره، عن دعمه لمبدأ إجراء الاستفتاء، مما ساهم في إضفاء بعد عالمي على الملف.
من خلال تصريحات الحكومة القاسية، ساهم قصر “لا مونكلوا” في تعزيز حركة الاستقلال، التي كانت تلوح في كتالونيا منذ سنوات. فضلا عن ذلك، دفع هذا الأمر بمؤيدي الاستقلال إلى اعتلاء السلطة في حين جعلت جمهورا سياسيا عريضا يلتف حولهم. وقبل بضعة أسابيع، تم إجراء استطلاع رأي في صفوف الكتالونيين بشأن الاستقلال. وقد أثبتت جميع الاستطلاعات الرأي الأمر ذاته، أي رغبة الكتالونيين في الاستقلال.
في المقابل، نادت الأغلبية التي أفادت برغبتها في الاستقلال (80 بالمائة) بإجراء استفتاء رسمي بشأن هذا الموضوع. وفي ظل اختيارها تحدي هذه المطالب، ألقت الحكومة الإسبانية بنفسها في مواجهة موجة تضييق من مختلف الجوانب، وخاصة الجانب الاقتصادي. علاوة على ذلك، أعرب نادي برشلونة، بدوره، عن دعمه لمبدأ إجراء الاستفتاء، مما ساهم في إضفاء بعد عالمي على الملف.
على العموم، يمكننا الجزم بأن المؤيدين للاستقلال قد لعبوا ورقة ذكية، وذلك من خلال استدعاء صحفيين أجانب والإدلاء بتصريحات باللغة الإنجليزية والفرنسية. وخلال المظاهرات التي انبثقت أواخر شهر سبتمبر / أيلول، قام مؤيدو الاستقلال برفع لافتات تندد بالقمع وتصف الحكومة المركزية “بالحكومة الكليانية”. ويعزى ذلك لسعيها بشتى الوسائل إلى منع تنظيم استفتاء ديمقراطي، بما في ذلك إيقاف أشخاص محسوبين على لجنة تنظيم عملية تصويت غرة تشرين الأول/أكتوبر. فضلا عن ذلك، قامت الحكومة الإسبانية بعمليات تفتيش طالت الوزارات التابعة للتنظيم السياسي لكتالونيا.
ساهم موقف رئيس الوزراء الإسباني في توحيد كتالونيا ضد الحكومة المركزية على الرغم من أن سكان الإقليم في حد ذاتهم غير متفقين على قضية الانفصال
في ظل هذه الإستراتيجية التي ترتكز على سياسة تضييق الخناق، تبنت الحكومة المركزية موقفا متصلبا، حيث هددت بمنع إجراء عملية التصويت، بل وصل بها الأمر إلى حد إرسال الحرس المدني الإسباني للسيطرة على مختلف دور الطباعة التي تتولى مهمة طباعة بطاقات التصويت. وفي الأثناء، شدد ماريانو راخوي في عدة مناسبات على أنه قبل الدخول في حوار مع برشلونة يجب أولا احترام الدستور، حيث اعتبر البعض أن هذا الأمر أشبه بمناورة.
في هذا الإطار، ساهم موقف رئيس الوزراء الإسباني في توحيد كتالونيا ضد الحكومة المركزية على الرغم من أن سكان الإقليم في حد ذاتهم غير متفقين على قضية الانفصال. من جهتها، أوردت صحيفة “لافانغوارديا”، المعارضة للاستقلال، في هذا الصدد، أن “القضية لم تعد مجرد قضية مؤيدين للاستقلال ومناهضين له. فقد بات العديد من المواطنين الذين لا علاقة لهم بمسألة الاستقلال ممتعضين من هذا الأمر”.
يمكن لفرنسا أن تتجنب الوقوع فيما تعتبره إسبانيا مشكلا سياسيا رئيسيا (استفتاء كتالونيا)، وذلك من خلال الاستفادة من الدرس الكتالوني وتنظيم حوار بناء وذو مصداقية
والجدير بالذكر أنه منذ وصول ماريانو راخوي إلى الحكم في شهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 2011، لم تبادر السلطة البرشلونية بإجراء أية محادثات مع المؤيدين للاستقلال. ونظرا لأنه يحظى بأغلبية في البرلمان، لم يُبادر راخوي بتقديم أي تنازلات للكتلونيين، كما ركز على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تساعد إسبانيا على الخروج من أزمتها الاقتصادية. في الوقت ذاته، لم يكن راخوي على استعداد للإنصات للمطالب المنادية باستقلال كتالونيا، مع العلم أن ذلك ينطوي على استقلال مالي أيضا.
في سياق مغاير، تعد هذه الوضعية في إسبانيا بمثابة عرض توضيحي للحكومة الفرنسية، حتى تستعد لاحتمال أن يظفر القوميون من جديد بالانتخابات المحلية المزمع إجراؤها نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر. وفي حين أنه من المؤكد أنهم سينتصرون في الانتخابات، سيبادرون تبعا بالمطالبة، كما فعلوا سابقا، باستئناف التفاوض بهدف تنظيم استفتاء حول تقرير مصير الجزيرة الفرنسية. وطبعا، سيخدم ذلك موقف أولئك الذين سينتصرون في عملية التصويت.
في كل الحالات، سيكون غياب الحوار أمرا مدمرا. خلافا لذلك، يمكن لفرنسا أن تتجنب الوقوع فيما تعتبره إسبانيا مشكلا سياسيا رئيسيا (استفتاء كتالونيا)، وذلك من خلال الاستفادة من الدرس الكتالوني وتنظيم حوار بناء وذو مصداقية مع الممثلين المنتخبين للجنة الإقليمية لكورسيكا. وفي الأثناء، يبدو هذا المنهج مطابقا لفلسفة جمهورية “إلى الأمام”. فضلا عن ذلك، سيكون هذا الأمر بمثابة سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات المضطربة بين باريس وكورسيكا.
المصدر: لوفيغارو