قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الكيان المحتل وافق على تجميد أنشطته العسكرية في قطاع غزة خلال شهر رمضان، مضيفًا في مقابلة له مع قناة “إن بي سي” الأمريكية، الثلاثاء 27 فبراير/شباط الحاليّ، أن تل أبيب تخاطر بخسارة الدعم من كل أنحاء العالم في حال استمرار ارتفاع أعداد الضحايا في صفوف الفلسطينيين.
وتابع: “إذا نجحنا في تنفيذ وقف إطلاق النار المؤقت، فسنتمكن من التحرك في اتجاه يسمح لنا بتغيير الوضع. لن يتم تنفيذ حل الدولتين فورًا، بل سيكون هناك عملية (تدريجية) للوصول إلى حل الدولتين وضمان أمن إسرائيل واستقلال الفلسطينيين”.
تأتي تلك التصريحات في وقت تتصاعد فيه حدة التباين بين حركة حماس وحكومة الاحتلال بشأن المقترح المقدم، في ظل اختلاف وجهات النظر بين الطرفين إزاء بعض النقاط الرئيسية، على رأسها مدة وقف إطلاق النار وعدد الأسرى المفرج عنهم ونوعيتهم، كذا الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وعودة نازحي الشمال لمناطقهم مرة أخرى.
تتزامن تصريحات بايدن – غير الجازمة – مع تسريبات غير معلنة بشأن موافقة حكومة الاحتلال على بنود إطار أولي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، كأحد مخرجات مباحثات باريس والدوحة، لكنها لم ترتق بعد إلى مستوى الاتفاق النهائي وسط تفاؤل لدى البعض في إبرام هدنة إنسانية قبيل رمضان.
وهو يأكل الآيس كريم .. الرئيس الأمريكي جو #بايدن يتوقع موعداً محتملاً لوقف إطلاق نار في #غزة pic.twitter.com/9oNo3fQfHT
— TRT عربي (@TRTArabi) February 27, 2024
تفاصيل صفقة التبادل
وفق ما نقلته “الجزيرة” عن مصادرها المطلعة على مسار المفاوضات بين الجانبين، فإن تفاصيل صفقة التبادل تتضمن:
– إطلاق سراح 40 محتجزًا إسرائيليًا من النساء وكبار السن لدى المقاومة نظير 400 أسير فلسطيني لدى سجون الاحتلال بينهم عدد من أصحاب الأحكام العالية، بجانب إطلاق سراح الأسرى الذين اعتقلهم الاحتلال بعد الإفراج عنهم في صفقة جلعاد شاليط عام 2011.
– الموافقة الإسرائيلية المشروطة على عودة تدريجية للنازحين إلى شمال القطاع باستثناء من هم في سن الخدمة العسكرية.
– قبول “إسرائيل” طلب حماس زيادة دخول المساعدات والمنازل المؤقتة للقطاع وإدخال الآليات والمعدات الثقيلة، بالإضافة لإعادة تموضع قواتها العسكرية خارج المناطق المكتظة، ووقف الاستطلاع الجوي لمدة 8 ساعات يوميًا.
– طلب إسرائيلي بأن تتضمن قائمة الأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم أسماء 5 مجندات مقابل الموافقة على خروج أسرى فلسطينيين من أصحاب الأحكام العالية، بشرط أن يتم إبعادهم خارج الأراضي الفلسطينية إلى دول مثل قطر وتركيا.
– وبحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادرها، فإن الصفقة تتضمن بنودًا تتعلق بإصلاح المستشفيات والمخابز في غزة وإدخال 500 شاحنة مساعدات إلى القطاع يوميًا.
– ويسعى الوسطاء في المفاوضات إلى استثمار تفاهمات الفترة المقبلة للتوصل إلى اتفاق للوقف الدائم لإطلاق النار بعد نهاية المرحلة الأولى التي تمتد نحو 40 يومًا، حسبما نقل مدير مكتب “الجزيرة” في رام الله.
سياق مهم
تأتي تصريحات بايدن قبل يوم واحد فقط من إجراء الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ميتشغان، التي يوجد بها جالية عربية كبيرة، قرابة 300 ألف عربي، وهي الولاية التي تشكل أهمية كبيرة للمرشحين المحتملين من الحزب من أجل خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويخشى بايدن من التصويت العقابي من الجالية العربية في ظل الاتهامات الموجهة له بالتواطؤ والمشاركة في حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال ضد قطاع غزة، حيث قدمت إدارته للمحتل دعمًا غير مسبوق، سياسيًا ولوجستيًا وعسكريًا، رغم التصريحات الجوفاء التي يرددها بين الحين والآخر بشأن تحفظه على الانتهاكات الإسرائيلية وسعيه لإبرام هدنة إنسانية عاجلة.
كذلك اقتراب شهر رمضان وما يمثله من تهديد كبير بشأن تدحرج كرة النار في القدس وغيرها، لما يمثله من خصوصية للمسلمين في الداخل الفلسطيني وخارجه، فضلًا عن القلق من تصاعد الاحتجاجات الشعبية في مختلف دول العالم خلال الشهر إذا ما استمرت الحرب، وهو ما سيشكل ضغطًا كبيرًا على الأنظمة والحكومات.
مصدر لـ "رويترز": #حماس تلقت مسودة محادثات #باريس حول صفقة تبادل الأسرى مع #إسرائيل التي تشمل وقف العمليات العسكرية في #غزة 40 يومًا #الحدث pic.twitter.com/whFIs6K07Z
— ا لـحـدث (@AlHadath) February 27, 2024
هذا بخلاف الضغوط الخارجية التي تمارسها دول أوروبا الحليفة للكيان، بشأن ضرورة التوصل إلى اتفاق تهدئة في أقرب وقت، بعدما باتت حكومات تلك البلدان في مأزق سياسي وأخلاقي أمام شعوبهم وأمام الرأي العالم العالمي، نظرًا لدعمهم لجرائم الإبادة التي تُشن ضد سكان غزة منذ أكثر من 140 يومًا.
علاوة على ضغوط محكمة العدل الدولية التي منحت الاحتلال في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، مهلة شهر واحد فقط، لتقديم ما يثبت الالتزام ببعض الإجراءات الاحترازية الخاصة بضمان إدخال المساعدات وتجنب ارتكاب مجازر حرب ضد المدنيين، حيث أرسلت حكومة نتنياهو أول أمس ردها الرسمي على تلك الإجراءات.
وفوق كل هذا تراجع الدعم الغربي المقدم للاحتلال منذ بداية الحرب، حيث خسرت تل أبيب جزءًا كبيرًا من تعاطف دول أوروبا معها، بسبب الانتهاكات الوحشية التي ترتكبها ضد الأطفال والنساء في غزة، وأفرزت مزاجًا شعبيًا عالميًا داعمًا للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ومنددًا بالسياسة الإسرائيلية العنصرية، الأمر الذي وضعها في مأزق سياسي دولي حذرت منه إدارة بايدن ومراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة أكثر من مرة.
تفاؤل حذر
تشير تلك الأجواء التي تخيم على مسار المفاوضات بين المقاومة وحكومة الاحتلال إلى أن فرص التوصل إلى اتفاق وهدنة إنسانية خلال شهر رمضان أكبر بكثير من احتمالات الفشل، لا سيما أن الهدنة باتت مطلبًا أساسيًا للجميع، ما عدا نتنياهو وجنرالاته ويمينه المتطرف بطبيعة الحال، الذين يسعون لإطالة أمد الحرب واستمراريتها قدر الإمكان، حفاظًا على حاضرهم ومستقبلهم السياسي.
ومع ذلك تذهب التصريحات الصادرة عن قادة حماس ومسؤولي حكومة الحرب الإسرائيلية إلى أن التقدم في مسار المباحثات طفيف ولم يُحسم بعد بشأن الوصول إلى اتفاق نهائي، رغم الأجواء الإيجابية التي خيمت على مباحثات باريس حسبما نقلت وسائل الإعلام العربية أول أمس الأحد 25 فبراير/شباط.
ويتمحور الخلاف بين حماس وحكومة الاحتلال، حسبما نشرت القناة الـ13 العبرية قبل يومين، حول 4 نقاط رئيسية، أولها: مطالبة حماس بعودة جميع سكان شمال القطاع وإجلاء جميع قوات الجيش الإسرائيلي من هذه المنطقة، وترى حكومة الاحتلال أن الموافقة على هذا المطلب تعني عودة حماس للسيطرة على شمالي القطاع.
المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري: لا يوجد اتفاق نهائي بشأن أي من القضايا التي تفضي إلى وقف إطلاق النار في #غزة لكننا ندفع للوصول إلى هدنة قبل دخول شهر رمضان @majedalansari pic.twitter.com/nwoIjAe48C
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 27, 2024
ثانيها: زيادة المساعدات الإنسانية بجميع أنواعها بحيث تشمل كل مناطق الشمال والجنوب والوسط، وثالثها: مدة وقف إطلاق النار، حيث تطالب حماس بوقف دائم للحرب، وهو ما تعترض عليه حكومة الاحتلال التي تريده وقفًا مؤقتًا ريثما يتم الانتهاء من تبادل الأسرى ثم تعود للحرب مرة أخرى، وآخرها: عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الذين سيتم إطلاق سراحهم، هذا بخلاف نوعيتهم، إذ تطالب المقاومة بأسماء محددة لها رمزية سياسية خاصة، وهو ما يعترض عليه الاحتلال بشكل كبير.
غير أن الوسيطين، المصري والقطري، ومعهم من بعيد الأمريكي، يحاولون قدر الإمكان – من خلال الضغوط الممارسة على حماس وحكومة نتنياهو – تذليل جميع العقبات التي تعرقل إتمام الاتفاق، من أجل التوصل إلى صيغة مشتركة تتضمن وقفًا لإطلاق النار في رمضان ومنح الفلسطينيين متنفس خلال الشهر الكريم، حتى يكون بداية يمكن البناء عليها نحو إطالة أمد وقف إطلاق النار وصولًا إلى إنهاء الحرب بشكل كامل ومستمر وفق تفاهمات لم تتبلور بعد في شكلها النهائي.
اليوم التالي للحرب.. أوهام نتنياهو التي لا تنتهي
في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات الإسرائيلية المطالبة بضرورة إبرام اتفاق لتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية في ظل الخسائر الكبيرة التي يتكبدها جيش الاحتلال منذ بداية الحرب والفشل في تحقيق الأهداف الـ3 المزعومة، خرج نتنياهو بخطة مثيرة للجدل والسخرية معًا، تتعلق باليوم التالي للحرب.
الوثيقة التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي الجمعة 23 فبراير/شباط تتضمن 3 أطر زمنية، إطار زمني فوري، وآخر متوسط، وثالث طويل الأمد، وبعيدًا عن البنود والتفصيلات العدة التي حوتها الوثيقة إلا أن أبرز ما جاء فيها: القضاء على حماس والجهاد عسكريًا وبنيويًا، إقامة مناطق عازلة في الشمال، احتفاظ “إسرائيل” بصمام “الإغلاق الجنوبي” لمنع حماس من إعادة تسليح نفسها بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة، كذلك أن تكون السيطرة الأمنية على كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن بأيدي الإسرائيليين، وأن يكون قطاع غزة منزوع السلاح بشكل كامل، وعليه منع أي سيادة فلسطينية على أي من أراضي الدولة.
نتنياهو يعرض على الكابينت خطة اليوم التالي للحرب.. ما تفاصيل الوثيقة المقدمة؟ pic.twitter.com/CmyzoQbsXi
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 23, 2024
الوثيقة قوبلت باستهزاء وسخرية حتى من الجانب الإسرائيلي نفسه، كونها بعيدة شكلًا ومضمونًا عن تطورات الميدان الذي يتجرع فيه جيش الاحتلال الهزائم تلو الأخرى، حيث وصفها الكاتب آلون بينكاس، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، بأنها غير قابلة للتطبيق ومن الصعب تنفيذها بالشكل الوارد.
وخلص الكاتب في مقاله إلى أن نتنياهو يحاول القفز على شعبيته المتراجعة بما وصفه اختراع “أزمة الدولة الفلسطينية” ومواجهة الولايات المتحدة، مغازلًا بذلك الشعبوية الإسرائيلية المتفاقمة خلال الآونة الأخيرة بعد صعود اليمين المتطرف، لافتًا إلى أن حول هذا الهدف تدور الخطة “غير المخططة” المقدمة، مما يثبت بشكل قاطع عدم وجود خطة على الإطلاق، على حد قوله.
"بايدن" يحدّد موعد الهدنة في غزة!!
ظهر في متجر لـ"آيس كريم" في نيويورك أمس؛ رفقة ممثل كوميدي، وحين سئل عن "الهدنة" قال:
"آمل أن يكون ذلك بحلول بداية عطلة نهاية الأسبوع، أعني نهاية عطلة نهاية الأسبوع". يقصد الاثنين القادم.
مشهد يثير السخرية من حيث المبدأ.
يتحدّث عن مجزرة إبادة… pic.twitter.com/ot1CWLawno
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) February 27, 2024
ويسابق نتنياهو المهزوم المأزوم الزمن لعرقلة أي مقترحات من شأنها وقف إطلاق النار، إذ إن أي مسار نحو التهدئة يعني باختصار الإطاحة به خارج المشهد، وعليه لا يجد حرجًا – إن لم يكن يدفع بقوة – نحو توسيع دائرة الصراع، لبنانيًا ويمنيًا وعراقيًا وسوريًا، لإبقاء جذوة الحرب مشتعلة، حتى لو كان ذلك على حساب أشلاء المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة، فهذا آخر ما يشغل باله، وهو ما استقر في يقين عائلات الأسرى الذين يمارسون ضغوطهم ليلًا ونهارًا لكبح جماحه المنفلت لإرضاء أهوائه الشخصية.
وفي الأخير فإن الجزم بصفقة تبادل عاجلة مسألة غير محسومة في ظل إستراتيجية “عض الأصابع” وسياسة تبادل الأدوار التي يتبعها بايدن مع نتنياهو لامتصاص غضب الرأي العام في الداخل والخارج من جانب، وخذلان الموقف العربي الفاضح وامتناعه عن استخدام ما لديه من أوراق ضغط من جانب آخر، إلا أن الأجواء العامة تذهب بهذا الاتجاه قبيل رمضان، خاصة بعد تفاقم الكارثة الإنسانية في معظم مناطق القطاع واستفحال سرطان الجوع الذي يهدد حياة أكثر من مليون و400 ألف إنسان، وهي الكارثة التي من المفترض أن تضغط على الجميع لمنح المهددين بالموت الوقت لالتقاط الأنفاس.. فهل تنجح الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى هذا الاتفاق قبيل الشهر الكريم؟