رغم مرور أكثر من أربع سنوات على الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في مصر، يفتح فولفام رايس ملف جماعة الإخوان المسلمين من جديد، في كتاب صدر مؤخرًا عن دار “Tectum Verlag” الألمانية، بعنوان “ازدهار وسقوط جماعة الإخوان المسلمين المصرية 2011-2013”.
ويتضمن الكتاب كمًا هائلاً من الأحداث التي شهدتها مصر، يقدمها رايس في صورة أجوبة لأسئلة من مثيل: كيف أطاح الجيش بالرئيس المنتخب بحرية؟ وكيف نتج كل من صعود وسقوط جماعة الإخوان المسلمين؟ وما الدور الذي لعبته وسائل الإعلام؟ وما التطورات التي يمكن ملاحظتها منذ عام 2013؟
وبين جنبات “صعود وسقوط الإخوان المسلمين 2011-2013” يجمع الكاتب مختارات لثلاثة أشخاص على مسافات متباينة من جماعة الإخوان، وبقدر ما كان ذلك مفيدًا، إلا أنهم غالبًا ما يفتقرون إلى “مسافة حرجة” حقًا من جماعة الإخوان المسلمين.
المختارات الثلاث تضم التحليل الزمني لمراسل لصحيفة (Frankfurter Allgemeine Zeitung – F.A.Z) الألمانية، ماركوس بيكل، ودراسة تاريخية لمارتينا شميدل عن مسألة استخدام القوة ضد الإخوان المسلمين وموقفهم من العنف، بالإضافة إلى مشاركات لعائشة عصام الحداد، ابنة مستشار السياسة الخارجية لمرسي، وذلك بهدف تكوين صورة عن الإسلاميين في وسائل الإعلام المصرية.
قصة الصعود التي لم تكتمل
المساهمون الثلاث في الكتاب الذي نشره ولفرام ريس يمثلون وجهات نظر مختلفة تناقش التطور المصاحب للإخوان المسلمين في مصر، ويعتبر الكاتب جماعة الإخوان المسلمين المنظمة الأم للإسلاموية (تطبيق الإسلام)، وبعد تأسيسها عام 1928، كانت الجماعة تعمل في حدود نوع من التنظيم الثقافي الذي أراد أن ينشر طريقة الحياة الإسلامية.
ومع ذلك، وبعد سنوات قليلة، قررت “الجماعة” أيضًا إضافة مواقف سياسية متفانية، وذهب أعضاؤها ليحلوا محل النظم الاستبدادية على أساس قومي – علماني، ورأوا في الثيوقراطية (الحكم الديني) حلاً بديلاً.
بخلاف الحديث عن السياسة العالمية وسوريا ورحلات اللجوء إلى أوروبا، أصبحت مصر الآن محور تركيز العالم، فقد استطاعت أن تؤسس مرة أخرى لنظام عسكري، يقمع بيد من حديد أي معارضة، ويقمع حرية التعبير، ويجعل من الحلم الذي كان في يوم ما بعيد المنال
وكان أتباعهم أيضًا، وخاصة في مصر، في نزاع مع الديكتاتوريين العلمانيين القوميين المذكورين من ناصر إلى مبارك، وكان هذا النزاع يرتبط أيضًا بالقمع والاضطهاد. وفيما يتعلق بالسياق الإسلامي، فإن هذا يعني وجود نظام سياسي يرى في تفسير الإسلام الأساس لبناء الدولة.
خلال ثورات الربيع العربي، كانت مصر واحدة من الدول التي لفتت انتباه وسائل الإعلام، لكن الحماس الذي كان في بداية الثورة سرعان ما خمد سريعًا، فجماعة الإخوان التي كانت تمثل – رغم القيود والحظر – أهم حركة معارضة، استطاعت خلال الثورة أن تطور أدواتها بحرية، وتحصل على الأغلبية البرلمانية وتعين الرئيس.
كما أتاح الربيع العربي فرصًا جديدة للإسلاميين للتنمية في الواقع، حيث اُنتخب أحد مؤيديهم رئيسًا، لكن سرعان ما أدت الاحتجاجات الجماهيرية إلى إطاحة الجيش بهذا الرئيس الأول المنتخب بحرية، بعد عام على حكمه، واستبداله بـ”جنرال”، بحسب المؤلف.
دولة السيسي القوية.. من الثورة إلى القمع
بخلاف الحديث عن السياسة العالمية وسوريا ورحلات اللجوء إلى أوروبا، أصبحت مصر الآن محور تركيز العالم، فقد استطاعت أن تؤسس مرة أخرى لنظام عسكري، يقمع بيد من حديد أي معارضة، ويقمع حرية التعبير، ويجعل من الحلم الذي كان في يوم ما بعيد المنال.
وبعد مقدمة ريس، يصف ماركوس بيكيل محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “F.A.Z”، سقوط الثورة المصرية بعد انقلاب رئيس الجيش آنذاك عبد الفتاح السيسي في تموز/يوليو 2013، مشيرًا إلى أن “دولة السيسي القوية” كانت نتيجة لتطور الأحداث من الثورة إلى القمع.
نموذج النظام المصري للاستقرار محكوم عليه بالفشل، في ظل غياب الشفافية والعناصر التشاركية لتهدئة المعارضة
وقد تحطمت منذ ذلك الحين جميع الآمال في التغيير الديمقراطي السلمي الذي سعت إليه الجهات الليبرالية والإسلامية الفاعلة التي وقفت وراء الثورة ضد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
وبعد ذلك، احتجز نظام السيسي عشرات الآلاف في السجون وأطلقت قوات الشرطة والجيش في جميع أنحاء البلاد، واكتسبت الدولة الإسلامية منذ ذلك الحين امتيازات محلية أدى إلى انتشارها في سيناء والمدن الكبرى مثل الإسكندرية والقاهرة.
وبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فقد تم اعتقال قادتها أو إخفائهم أو تهجيرهم، حتى القوى الليبرالية التي بدأت الثورة تقبع هي أيضًا على قدم المساواة في السجن أو تغادر مصر.
ونجح السيسي حتى الآن في كسب الغرب لحربه المعلنة على جميع طوائف المشهد الإسلامي دون تفرقة، حتى أدى ذلك إلى غياب التمييز بين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلمية.
ورغم الإخفاق في تحقيق الديمقراطية، ينظر الرأي الغربي إلى هذا التطور باعتباره “خير”، لكن بالنسبة لبيكل فقد سبقت الديمقراطية – التي يراها الغرب – الاستقرار الذي افتقدته البلاد.
ويخلص بيكيل في النهاية إلى أنه “من دون التقدم الاجتماعي فإن نموذج النظام المصري للاستقرار محكوم عليه بالفشل، في ظل غياب الشفافية والعناصر التشاركية لتهدئة المعارضة.
العنف ضد الإسلاميين: حالة الإخوان المسلمين
يعود مؤلف الكتاب إلى الأساس الذي تقوم عليه الجماعة ويتتبع تطورها حتى يومنا هذا، بما في ذلك الأحداث التي وقعت في أثناء ثورات الربيع العربي وأبعاده المثيرة للاهتمام بشكل خاص.
وهنا، تأتي المساهمة الثانية من مارتينا شميل التي تعالج على نطاق واسع قضية العنف ضد الإسلاميين، وجماعة الإخوان المسلمين المصريين كمثال على ذلك العنف الممنهج.
وتتناول هذه الورقة جماعة الإخوان المسلمين المصرية في تفاعلها العنيف مع العناصر الخارجية، وفي هذا السياق، فإن أعمال العنف التي يرتكبها الإخوان المسلمون في مصر، وكذلك ضدهم، تخضع للتحقيق.
وبينما ينصب التركيز على المعالجة التفصيلية للأحداث التي أدت إلى الربيع العربي في مصر وبعده في 2011 حتى ربيع 2014، فإن التطورات التاريخية التي حدثت منذ تأسيس الجماعة في 1928 تأتي موجزة، لتوفير سياق واسع للمواقف المتعلقة بالعنف وتنفيذه. ومن الناحية التاريخية، ارتبط العنف في معظمه بالأنشطة السياسية للجماعة، ولهذا السبب تركز الدراسة على العنف من جانب الإخوان.
البعض قد يدين هذا الكتاب كإصدار مؤيد للإسلام منذ البداية، إلا أنه يمكن الحصول على رؤى جديدة، على الأقل من مختارات غير ناقدة
ولا يجري التحقيق في موقف الجماعة من العنف من الناحية العملية والتاريخية فحسب، بل أيضًا في معالجة العنف من قِبل مفكرين مهمين في الحركة، فضلاً عن الاختلافات بين الموقفين. وفي هذا السياق، يقدم الكاتب آراء قاده جماعة الإخوان المسلمين بشأن العنف مع التركيز على مواقف حسن البنا وسيد قطب.
صورة الجماعة في الإعلام
يأتي الجزء الثالث والأخير ممثلاً في النسخة الإنجليزية لأطروحة الماجستير التي قدمت بأكملها إلى كليه الإعلام بالجامعة الأمريكية في القاهرة من قبل عائشة عصام الحداد، وتتعلق بصورة الإخوان المسلمين في الصحف الموجهة الحكومية والخاصة.
وبحثت هذه الدراسة في طريقة تعاطي الصحف المصرية مع الحركات الإسلامية المصرية في العامين التاليين لثورة 25 يناير 2011، وقد تم تطبيق تحليل المحتوى على أربع صحف مصرية، منها صحيفة الأهرام المملوكة للدولة، وثلاث صحف خاصة تمثل مستويات مهنية مختلفة هي: المصري اليوم واليوم السابع والدستور.
ويرى رايس أن المساهمات الفردية المقدمة من قبِل الثلاثة السابق ذكرهم تتميز بقدر كبير من المعلومات، كما أنها غالبًا ما تتخذ وجهة نظر مغايرة عن تلك المهيمنة في الغرب. ومع ذلك، فإن أي انتقاد لمعاملة غير عادلة من الإخوان المسلمين هو اعتذار عن أفعالهم ومواقعهم، لكن هذا بالضبط ما يحدث في كثير من الأحيان بشكل مباشر أو غير مباشر.
مصر لا تزال برميل بارود، والإسلام السياسي سيستمر في لعب دور مهم
ويكتب المحرر عن المساهم الأخير (عائشة عصام الحداد): “إنها ابنة المستشار السياسي للرئيس السابق محمد مرسي، وكذلك شقيقه المناضل الانتخابي المتحمس لحزب الإخوان المسلمين…”، ثم لا يمكن أن يفاجأ المرء بأثر العرض والتفسير الأحادي الجانب.
وقد رأى رايسأيضًا أن البعض قد يدين هذا الكتاب كإصدار مؤيد للإسلام منذ البداية، إلا أنه يمكن الحصول على رؤى جديدة، على الأقل من مختارات غير ناقدة. ورغم هذا الكم من الأحداث المعقدة التي يناقشها الكتاب، يبقى شيء واحد يؤكده رايس بقوله: “مصر لا تزال برميل بارود، والإسلام السياسي سيستمر في لعب دور مهم”.
عن المؤلف والمساهمين الآخرين
– ولفرام رايس، ولد في 28 من يونيو/حزيران 1959 في لودفيغسهافن بألمانيا، هو قس بروتستانتي ألماني ومتدين، ويدرِّس الدراسات الدينية في كلية اللاهوت الإنجيلية بجامعة فيينا، وينصب تركيزه الرئيسي في مجال البحث والتدريس على الديانات التوحيدية الثلاثة في الشرق الأوسط: الإسلام والمسيحية الشرقية واليهودية. وفي عام 2005، ترأس برنامج التأهيل على “عرض المسيحية في الكتب المدرسية المصرية”، ومن الناحية النظرية، فإنه ملتزم بالدراسات الدينية الموجهة نحو التطبيق بوصفها موضوع تكميلي إلى جانب الدراسات الدينية التاريخية والمقارنة المنتظمة، وله منشورات مختلفة عن حالة الأقليات في الشرق الأوسط وأوروبا.
– ماركوس بيكل هو محرر صحيفة “F.A.Z” الألمانية، أكبر صحيفة يومية في ألمانيا، ولد في كراكاس عام 1971، ودرس العلوم السياسية والاجتماعية والاتصالات في ميونيخ وبرلين، بعد الانتهاء من المدرسة الألمانية للصحافة في ميونيخ، عمل كمراسل في سراييفو وبيروت لعدد من الوسائل الإعلامية الألمانية البارزة كصحفي حر، في عام 2008 انضم إلى صحيفة “F.A.Z” الألمانية، وعمل كمراسل للصحيفة في منطقة الشرق الأوسط، وفي القاهرة من عام 2012 إلى عام 2015، وخلال ثورات الربيع العربي عام 2011 نشر “الصراع المنسي في الشرق الأوسط – سوريا وإسرائيل ولبنان وحزب الله”.
– عائشة عصام الحداد محاضر مساعد في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، حاصلة على درجة الماجستير في الصحافة والتليفزيون، ودبلوم في السياسة العامة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بالإضافة إلى حصولها على دبلوم في الدراسات الإسلامية من المعهد العالي للدراسات الإسلامية في القاهرة، وعملت كصحفية في العديد من وسائل الإعلام بما في ذلك النسخة الألمانية من “إسلام أون لاين”، و”اليوم الاقتصادي”، وعملت أيضًا كباحث في وسائل الإعلام الاجتماعية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، في عام 2010، نشرت ورقة بحثية عن “العلاقة بين الإنترنت والمشاركة السياسية بين الشباب المصري: دراسة حالة عن الرئاسة المصرية 2011”.
– مارتينا شميدل أستاذة في جامعة فيينا، وتعد حاليًا لرسالة الدكتوراه في مجال الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، حصلت على درجة الماجستير في لغات الشرق الأدنى القديم وعلم الآثار الشرقية (2012) وفي الدراسات الدينية (2015)، وكلاهما من جامعة فيينا.، وهي عضو في صندوق العلوم النمساوية، واستنادًا إلى هذا البحث تقوم حاليًا بإعداد الدكتوراه.