يركز خبيرو العلاقات والمعالجين النفسيين على أن التواصل والحوار بين الشريكين يشكلان أساسًا مهمًا في بناء علاقة جيدة وصحية، بالطبع ليس مقصودًا بالتواصل الحديث والحوارات التي تدخلها مع شريكك بشكلٍ يومي وحسب، وإنما القدرة على إعطاء صورة جيدة أو دقيقة بقدر المستطاع عن ذاتك ونفسك وأفكارك وما يحدث حياتك النفسية والعاطفية. إلى جانب القدرة على نزع الأفكار التي تعتقد أنها موجودة في أعمق الزوايا من نفسك أو ربما أحلكها، ونقلها حتى وإن كانت مملوءة بالحرج أو الخجل، دون خوفٍ أو تردد للشريك، متوقعًا منه التفهم والتعاطف والاستماع بكل تركيز واهتمام دون إطلاق الأحكام أو الغضب أو تجنب الحديث.
لكننا بطبيعتنا كبشر قد لا نكون جيدين بطريقة أو بأخرى في التواصل مع غيرنا خاصة شركائنا الحميميين، لأن هناك الكثير في دواخلنا ما لا يمكننا مجابهته أو فهمه، وربما ما نشعر بالخجل والعار تجاهه، وبالتالي نبدأ بالشعور بأن ما يجول في خواطرنا وما تكننه ذواتنا شيءٌ خاصٌ بنا أو ربما غالٍ جدًا بحيث نستصعب استخراجه والتصريح به.
فلماذا نجد التواصل صعبًا؟
قد يكون أحد الأسباب الأساسية وراء عدم قدرتنا على التواصل غياب النموذج الجيد في حياتنا، فجزء أساسي من تعلمنا للحديث ومناقشة أفكارنا وترتيبها يأتي من خلال سماعنا لغيرنا يتحدثون بها ويناقشونها. ولكن معظمنا كبر وترعرع في وسطٍ عائلي لم يكن يولي للحوار بالمواضيع النفسية والعاطفية الصعبة أي اهتمام، وعلى العكس تمامًا كان يتم تجنب نقاشها وذكرها وكأنها غير موجودة أو التحدث عنها بتغليفها أو الدوران حولها وكأنها غريبة أو مبهمة.
بالإضافة إلى أن البعض منا قد عاش في وسطٍ عائلي غير صحي البتة، ومليء بالمشاكل والصراعات بين الأبوين، فقد يكون لا يتذكر حديثًا بين أبويه إلا ويرافقه الصراخ والسباب والإهانة وربما الضرب والعنف، مما قد يشكل عنده هاجسًا تجاه أي نقاشٍ مع شريكه خشية تحوله لوضع غير هادئ أو غير آمن.
عوضًا عن أننا نتوقع في كثيرٍ من الأحيان من شركائنا أن يفهمونا دون أن نقول نحن شيئًا، وبكلمات أخرى فإننا نتوقع منهم أن يقرأوا عقولنا ويغوصوا في لاوعينا ويحللوا مشاعرنا وعواطفنا، دون أن نُبدي نحن أي جهدٍ في ذلك، ظانين أنهم باتوا على درجةٍ عالية من فهمنا وتفهمنا وأن هذا هو الطبيعي في سيرورة العلاقات والزواج، غير أن الحقيقة على العكس تمامًا من ذلك، لسببين اثننين: أولهما أننا نحن أنفسنا لا نستطيع فهم أنفسنا واحتياجاتنا، وثانيهما أننا أيضًا لا نستطيع فهم الآخرين.
نحن نحتاج وقتًا طويلًا قد يمتد لسنوات كي نفهم أنفسنا، وما يثير غضبنا واستياءنا وما يُريحنا، أو كيف نعبر عن فهمنا لأنفسنا للشريك أو الحبيب، فنادرًا ما نلج للحظات ديناميكية تحتم علينا فهم أنفسنا والنظر إلى مرآة اضطراباتنا قبل الزواج أو البدء بعلاقة، وبالتالي نكون بعده في وضعٍ يجعلنا نكتشف أنفسنا من جديد، خصوصًا الجوانب الصعبة والغريبة من طبيعتنا، فكيف تتوقع من شريكك الذي عرفته منذ فترة فقط أن يفهمك دون أن تتواصل معه؟
التواصل الجيد ليس حجر الزاوية في العلاقة أو الزواج السعيد، قد يكون يكون ذلك صحيحًا لكنه وحده لا يخلق بالضرورة السعادة
إلى جانب أن نزوعنا إلى الشعور بالخجل من أنفسنا، وبالتالي افتراضنا أن الآخرين سيحكمون علينا بقسوة أو عدم تقبل، قد يكون العقبة الرئيسية أمام خلق تواصل بناء معهم، فيجعلنا الخجل نصنف أفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا إلى ما هو معقول بالنسبة للآخرين ومقبول عندهم، وبالتالي نجد أنفسنا ميالين لإخفاء إخفاقاتنا، أو تجنب بعض أفكارنا، أو الهروب من مشاعرنا، وهذا كله يأتي بهدف حماية أنفسنا والاحتفاظ بصورة جيدة لذواتنا تجاه غيرنا والتي نعتقد أنها تأتي بالصمت وعدم الإفصاح، أي أننا نفضل البقاء صامتين على تخريب صورتنا الذي نعتقد أنه سيؤدي لتخريب العلاقة.
يرتبط الخجل من ذواتنا أو أفكارنا وأفعالنا بمحصورية استيعابنا أن صورة الفرد منا قد تبقى “جيدة” حتى إن أخطأ أو أظهر جانبًا سيئًا أو ضعيفًا منه، فقد تخشى الاعتراف لشريكك بفشلك في امتحانٍ ما أو في عملك، خشية أنْ يعتبرك فاشلًا تمامًا ويراك غير كفءٍ بشيء، إذًا فالمشكلة أساسًا مشكلة ثقة، نحنُ لا نثق بصورة ذواتنا وأننا أشخاص عاديون قد نمر بلحظات فوضوية وغير مستقرة أو غير منضبطة بين الفينة والأخرى مع كل تحديات الحياة والصعوبات التي نمر بها، ونبقى نطمح لرسم صورةٍ شبه مثالية عن ذواتنا ضاربين بعرض الحائط ضعفنا البشري وتعقيداتنا النفسية.
كما تلعب تجاربنا السابقة في الماضي دورًا كبيرًا في الحكم على طبيعة التواصل بيننا وبين شركائنا، فلو أننا نجد أن تاريخنا مليءٌ بالمحاولات الفاشلة في التواصل، فهذا سيعيقنا في اللحظات الحالية أو المستقبل من مجرد المحاولة حتى وبالتالي نؤمن بأن التواصل والحوار لا نفع له ولا طائل، وإنما قد يكون سببًا في زيادة الخلافات وتعكير الأجواء.
قد تكون التجارب تلك مريرة بالفعل، وقد يصعب على الفرد تجاوزها وبدء المحاولة من جديد، فالخوف في هذه الحالة يكون المسيطر، وجل تفكيرنا ينصب في أننا لا نريد تكرار التجارب الماضية وعيشها من جديد، لا أنكر ذلك أبدًا، لكن على الفرد منا أن يعي دومًا أن فكرة “عدم نجاح التواصل في الماضي” ليست حاسمة، وربما يجوبها جانب من الافتراض الخادع أو الكاذب، لذلك نحن بحاجةٍ إلى تقليل مخاوفنا والتغلب عليها، للتعبير عن أنفسنا بهدوء بعيدًا عن أوهام الخوف والفشل، الأمر الذي يكون بحاجةٍ للجوء لأحدٍ آخر، صديقٍ عزيز أو ربما خبير علاقات ومعالجٍ نفسي.
وبناءً عليه لا بد أنْ نركز على نقطة مهمة قد تكون مفاجئة للكثيرين، وهي أن التواصل الجيد ليس حجر الزاوية في العلاقة أو الزواج السعيد، قد يكون ذلك صحيحًا لكنه وحده لا يخلق بالضرورة السعادة، فالتواصل وحده لا يخلق “الاتصال” بين الشريكين، وبالتالي فمن المهم جدًا إيجاد طرق أخرى للاتصال إلى جانب التواصل، مثل إيجاد نقاط أو فعاليات مشتركة على سبيل المثال.