“نعود مرة أخرى إلى غزة من أجل تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية وإنهاء مظاهر وتداعيات الانقسام المؤلمة”، بهذه الكلمات استهل رامي الحمد لله رئيس الوزراء الفلسطيني كلمته عقب وصوله إلى قطاع غزة أمس الإثنين في إطار تفاهمات المصالحة مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بعد عشر سنوات من الانقسام.
الزيارة التي تعد الأولى لرئيس الوزراء الفلسطيني منذ العام 2015 وسط ترحيب من قبل قادة الحركتين ممن كانوا في استقباله فضلاً عن مئات الفلسطينيين، تعكس ملامح الجدية هذه المرة في رغبة كلا الطرفين في الوصول لمصالحة حقيقية بعد ماراثون طويل من المفاوضات السرية والعلنية – بوساطة وطنية أو إقليمية أو دولية – تمخضت عن حزمة من الاتفاقيات ذهبت جميعها أدراج الرياح في ظل تعنت كل فصيل في التمسك بمواقفه.
هرولة حركتي حماس وفتح نحو إتمام المصالحة بهذه الصورة أثار الكثير من التساؤلات والشك لدى بعض المقربين، خاصة في ظل تباين تعاطي كل حركة مع فكرة المصالحة وتفسيرها لما تتضمنه، هذا بخلاف وجود العديد من القنابل الموقوتة التي تهدد مستقبل هذه الخطوة إن لم توضع على طاولة المفاوضات قبل البدء فعليًا في تنفيذ بنود المصالحة، فهل ينجح الفلسطينيون في إنهاء عملية الانقسام بعد هذه السنوات الطويلة؟ وما ردود فعل الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد الفلسطيني؟
بعد عقد من الانقسام.. ما الذي تغير؟
منذ فوز حركة حماس بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية، دخلت العلاقات بينها وبين حركة فتح نفقًا مظلمًا من الانقسام والمناكفات السياسية والصدامات الدامية في بعضها بين الحركتين، أسفرت عن عزلة شبه تامة بين رام الله حيث سلطة حركة فتح وغزة حيثما تتمركز حركة حماس.
ولم يكن هذا الانقسام حينها إلا انعكاسًا وتجسيدًا واقعيًا لمناخ التباين السياسي والفكري والمنهجي سواء في المواقف والرؤى والأيدولوجيا بين الحركتين، أو تعاطي كلٍ منهما مع القضية الفلسطينية وسبل تحرير الأراضي المحتلة، وهو ما ألقى بظلاله على المناخ السياسي برمته.
طيلة عشر سنوات كاملة ظل الانقسام عنوان الواقع الفلسطيني بشقيه الداخلي والخارجي، واستطاعت كل حركة أن تكيف حساباتها وتعيد قائمة أولوياتها على هذه الحالة، حيث نجحت حركة فتح في الضفة الغربية في إحكام السيطرة على الأرض بصورة كبيرة وبناء منظومة إدارية وسياسية وأمنية تخدم توجهاتها العامة، في مقابل استتباب الأمر في غزة لصالح حركة حماس من خلال ما فرضته من بيئة حياتية ومؤسساتية تخدم رؤيتها السياسية، ومن ثم كان نجاح كلا الطرفين في التعامل مع هذا الواقع بهذه الكيفية سببًا رئيسيًا في تعزيز فكرة الانقسام.
وبعد سلسلة من الحوارات والمفاوضات بين الحركتين، أسفرت عن عدد من الاتفاقيات والمعاهدات التي تدعم فكرة المصالحة، باءت جميعها بالفشل، لعل آخرها ما عرف بـ”تفاهمات الشاطئ” في أبريل 2014 ، والذي اشتمل على خمسة ملفات رئيسية للمصالحة هي: تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، تفعيل المجلس التشريعي، إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، إغلاق ملف المصالحة المجتمعية، إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، إلا أن ما أنجز منها لم يكن بالقدر الكافي لتحريك قطار المصالحة للأمام، في ظل تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات على رأسها مستقبل ما يقرب من 50 ألف موظف عينتهم حركة حماس في غزة تنظر لهم حركة فتح على أنهم غير شرعيين، ومن هنا دخلت القضية ثلاجة المفاوضات مرة أخرى.
ونظرًا للعديد من المستجدات الإقليمية التي فرضت نفسها في أعقاب الربيع العربي ومحاولات الانقضاض عليه من الحكومات الداعمة للثورات المضادة، دخلت المخابرات العامة المصرية على خط المفاوضات، في ظل تراجع كل من حماس وفتح خطوة للوراء، مما أدى فيها نهاية الأمر إلى هذه المرحلة التي استطاع فيها رامي الحمد الله الدخول إلى غزه في موكب من وزراء حكومته، ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل كان في استقباله كبار القيادات في حركة حماس وهو ما أثار التساؤل: ما الذي حدث؟ وما رؤية كلا الحركتين لمضمون المصالحة؟ وهل يعني ذلك تخلي كل منهما عن ثوابته المعلنة؟
طيلة عشر سنوات كاملة ظل الانقسام عنوان الواقع الفلسطيني بشقيه الداخلي والخارجي، واستطاعت كل حركة أن تكيف حساباتها وتعيد قائمة أولوياتها على هذه الحال
هكذا ترى حركة فتح المصالحة
منذ 2006 تنظر حركة فتح لحماس كونها الخصم اللدود الذي يسعى لتهديد كيانها وتقويض نفوذها بشكل كبير، وكانت النتيجة خروج قطاع غزة من تحت السيطرة الفتحاوية لعقد كامل، ومن ثم فإن أي حديث عن المصالحة من قبل فتح لا بدأن ينضوي على إعادة سلطتها الكاملة وسيطرتها على القطاع بشتى أركانه، وهو ما أكد عليه رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) في حوار متلفز له على قناة “cbc “الفضائية المصرية” أمس الإثنين.
أبو مازن في بداية حديثة وضع تعريفًا جامعًا مانعًا لمفهوم المصالحة من وجهة نظره وهي “أن يكون كل شيء في القطاع تحت سلطتنا”، فلا حديث هنا عن مشاركات أو محاصصة أو توزيع سلطات وخلافه، كل شيء يجب أن يخضع لسيطرة حركة فتح.
الركيزة الثانية التي انطلق منها رئيس السلطة في حديثه عن المصالحة أن يكون سلاح المقاومة تحت إمرة وسيطرة الحكومة، ففي إجابته عن سؤال محاورة البرنامج لميس الحديدي، عن سلاح حماس، أجاب: “نحن نتحدث عن دولة واحدة بسلاح واحد وقانون واحد، أي سلاح مع أي فرد من حركتي حماس أو فتح يتم سحبه فورًا” مضيفًا: “لن أستنتسخ تجربة حزب الله في لبنان”.
ثم انطلق أبو مازن ليؤكد أن حماس حركة إسلامية في المقام الأول ورغم الوثيقة التي أصدرتها مؤخرًا والتي فسرها البعض أنها انسلاخ من عمق الحركة الإسلامي، إلا أنها ستظل إسلامية وستبقى رغم اتهام بعض الدول لها وعلى رأسها أمريكا بأنها إرهابية.
إلا أنه عاد ليؤكد أن الخلاف بينه وبين حركة المقاومة لا ينكر أنها جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وأن هناك تجاوزات مورست من قبل عناصر الحركتين وقد آن الأوان أن يتم طي هذه الصفحة من أجل إتمام المصالحة، مشيرًا إلى أن حماس حين تريد الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية “يجب عليها أن تلتزم بكل مبادئ واتفاقيات المنظمة”.
المتابع لحديث الرئيس الفلسطيني يلمح تشكيكًا واضحًا في تنفيذ بنود واتفاقيات المصالحة، خاصة حين سألته المحاورة : هل ستترشح في الانتخابات القادمة؟ فأجاب “إذا يصير في انتخابات” وكأن الرجل يستبعد هذا الإجراء في الوقت الحالي رغم أنه أحد المحاور الخمس التي بني عليها اتفاق الشاطئ الأخير المنبثقة عنه تحركات المصالحة الأخيرة.
أبو مازن في بداية حديثة وضع تعريفًا جامعًا مانعًا لمفهوم المصالحة من وجهة نظره وهي “أن يكون كل شيء في القطاع تحت سلطتنا”
وهذا ما تراه حركة حماس
تستند حركة حماس في رؤيتها للمصالحة الوطنية مع حركة فتح على المبادئ الخمس التي أعلنها رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في خطابه الشهير في غزة بداية يوليو 2017، وهي “صياغة برنامج سياسي واضح، تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني، التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، إعادة تفعيل المؤسسات الوطنية وخاصة المجلس التشريعي، وقف التعاون والتنسيق الأمني مع الاحتلال”.
هذا علاوة على ضرورة الاعتراف بالموظفين العاملين في غزة والمعينين من قبل حماس في 2007، حيث كانت هذه المسألة إحدى أهم نقاط الخلاف الرئيسية في الاتفاقيات السابقة خاصة أن السلطة الفلسطينية كان تنظر لتعييناتهم على أنها غير شرعية، ومن ثم لا حق لهم في البقاء في مناصبهم بعد استلام حكومة الوفاق مسؤولياتها في القطاع.
التحديات الداخلية والإقليمية التي تواجهها حركة حماس في الآونة الأخيرة كان لها مفعول السحر في دفعها لقبول عملية المصالحة وتقديم بعض التنازلات التي ما كانت لتقدم عليها في الظروف الطبيعية السابقة.
البعض في تفسيراته للخطوات التي اتخذتها حماس مؤخرًا لدفع عجلة المصالحة للأمام كحلها للجنة الإدارية التي تم تشكيلها قبل ستة أشهر تقريبًا لتيسير الأمور المحلية والخدمية في القطاع عقب تراجع السلطة عن دورها، أشار إلى أن ذلك يعني اعتراف حمساوي بترك العمل السياسي في غزة والانسحاب من المشهد برمته، إلا أن الواقع ينافي ذلك بصورة جذرية إذ أبقت الحركة الوضع الأمني تحت سيطرتها مما يعني استمرارية إمساكها بزمام الأمور بصورة كبيرة.
وهنا نقطة يجب الإشارة إليها وهي أن إعلان حماس سيطرتها على الوضع الأمني في القطاع يعني بقاء سلاحها تحت أيدي عناصرها بصورة كاملة، كون هذا الملف خطًا أحمر لا تقبل الحركة الاقتراب منه حسبما جاء على لسان خليل الحية نائب رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة، حين قال: “سلاح المقاومة خارج كل المعادلات، ولم يطرح يومًا للنقاش، ولن نقبل أن يطرح على طاولة المفاوضات”، مؤكدًا أنه “لا مقايضة ولا مساس بسلاح المقاومة، وسنقاتل الاحتلال بكل وسائل المقاومة حتى دحره”، وكانت هذه نقطة الخلاف الثانية في مسيرة مفاوضات المصالحة السابقة والتي كللت بالفشل.
من الواضح ومن خلال تعاطي كل حركة لفكرة المصالحة أن هناك تباين شديد في الرؤى والمواقف والتأويلات للخطوات التي ستتضمنها هذه العملية، خاصة فيما يتعلق بتفعيل البنود المتفق عليها كإجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية، أو من خلال بعض المسائل كسلاح المقاومة والذي ترى فيه حماس خطًا أحمر بينما يراه أبو مازن ركيزة أساسية من ركائز المصالحة.
غياب دحلان عن المشهد أثار الكثير من الجدل
اتفاق رغم التباين
التحديات الداخلية والإقليمية التي تواجهها حركة حماس في الآونة الأخيرة كان لها مفعول السحر في دفعها لقبول عملية المصالحة وتقديم بعض التنازلات التي ما كانت لتقدم عليها في الظروف الطبيعية السابقة.
داخليًا: مارس أبو مازن ضغوطًا مالية وإدارية ضد حماس في قطاع غزة وضعتها في موقف حرج أمام الفلسطينيين في القطاع، بينها وقف التحويلات المالية وخفض رواتب موظفي السلطة هناك والتوقف عن دفع فاتورة الكهرباء التي تزود بها “إسرائيل” غزة، بالإضافة إلى تحديد عدد التصاريح الطبية التي تسمح لسكان غزة بتلقي العلاج خارج القطاع المحاصر.
خارجيًا: تراجع الدعم المقدم لحركة حماس في ظل الأزمة الخليجية القطرية الأخيرة، فضلاً عن تشديد القاهرة حصارها بمشاركة الكيان الصهيوني على القطاع، ساهم في تأجيج الموقف اشتعالاً، وهو ما صعب من وضعية الحركة بصورة كبيرة.
هذا التضييق الواضح على الغزاويين كان مرهونًا بإعادة حكومة السلطة الفلسطينية سيطرتها على القطاع مرة أخرى، وتسلم مهامها في غزة من جديد، وهو ما ذكره أكثر من مرة عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح.
ومن ثم وأمام هذه الضغوط لم تجد حركة حماس أمامها سوى العودة للوراء قليلاً في محاولة لالتقاط الأنفاس السياسية والاقتصادية على حد سواء، وإنقاذ ما يقرب من مليوني فلسطيني من الممكن أن يتحولوا أمام الأوضاع المعيشية الطاحنة إلى قنابل موقوتة إن لم يتم حلحلة الأزمة بأقصى سرعة، فكانت التعديلات التي أدخلتها على ميثاقها التأسيسي في مايو 2017 والتي سعت من خلاله إلى تقديم نفسها كمحاور أكثر مرونةً وقبولاً مع المستجدات الأخيرة، تبعها حل اللجنة الإدارية وإبداء الاستعداد لتولي الحكومة الفلسطينية زمام الأمور في القطاع كنتيجة لسلسلة من المفاوضات التي أجرتها مع فتح برعاية المخابرات العامة المصرية.
تحويل القاهرة دفتها من دحلان إلى أبو مازن دفع ببورصة التكهنات إلى الصعود مجددًا
وفي المقابل لم يختلف الموقف في حركة فتح كثيرًا عن نظيره في حماس، إذ إن الضغوط الخارجية والداخلية الممارسة على الحركة ورئيسها أبو مازن لاسيما فيما يتعلق باللعب بورقة القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، كان دافعًا قويًا لتسريع وتيرة المصالحة في محاولة لتقديم الحركة لنفسها من جديد حريصة على الفلسطينيين وداعمة لكل خطوات إنهاء الانقسام.
حركة فتح أيقنت أن المصالحة ربما تكون قرارًا فوقيًا وليس وطنيًا فقط، فالولايات المتحدة تضغط وبقوة لإنهاء هذا الانقسام في محاولة للتوصل إلى صيغة توافقية للتعاطي مع القضية الفلسطينية بما يخدم توجهات كل من واشنطن وتل أبيب في إطار ما أطلق عليه “صفقة القرن “، ومن هنا وجدت الحركة أن عملية المصالحة هي البوابة الكبيرة التي تغازل من خلالها ترامب وتخفف من وطأة اللعب بورقة دحلان.
إعادة أبو مازن لطاولة المفاوضات مع حركة حماس من جانب، والتقارب مع الوسيط المصري من جانب آخر، أثار العديد من التساؤلات عن هذا التناقض الواضح في المشهد، خاصة بعد دعم القاهرة للقيادي الفتحاوي المفصول والمقرب من الإمارات محمد دحلان، لإعادته للملعب الفلسطيني مرة أخرى عبر بوابة غزة، فما الذي حدث؟
لماذا غاب دحلان؟
عقب قرار حماس حل اللجنة الإدارية الشهر الماضي في إطار إبدائها حسن نواياها في إتمام عملية المصالحة ثمن دحلان هذه الخطوة مناشدًا في تصريح له في حسابه على الفيس بوك، الجميع بـ “الاستجابة لها على طريق الوحدة الوطنية” واصفًا ما فعلته حماس بأنها “أزاحت الذرائع التي كان يضعها أبو مازن شرطًا للمضي بالمصالحة”.
فرض دحلان نفسه كورقة ضغط قوية استخدمتها كل من القاهرة وأبو ظبي ضد أبو مازن في محاولة لإملاء بعض الشروط عليه تحقيقًا لمصالح الدولتين فلسطينيًا، مما تسبب في توتر واضح في العلاقات بين رام الله من جانب والقاهرة وأبو ظبي بالإضافة إلى عمان والرياض من جانب آخر.
وظن البعض حينها بالصفقة المبرمة بين حماس ودحلان بمباركة الدول الرباعية – التي مارست ضغوطًا متعددة لإعادته للمشهد الفلسطيني مجددًا – أن أيام أبو مازن داخل السلطة باتت معدودة، خاصة مع تقوية وتدعيم التيار الموالي للقيادي المفصول داخل الحركة، إلا أن خروجه عن المشهد في مراحله الأخيرة واستعادة الرئيس الفلسطيني علاقته بالقاهرة مرة أخرى ليقود بجانب إسماعيل هنية والسنوار ورئيس المخابرات العامة المصرية خالد فوزي مضمار المصالحة، أثار الكثير من التساؤلات.
التضييق الواضح على الغزاويين كان مرهونًا بإعادة حكومة السلطة الفلسطينية سيطرتها على القطاع مرة أخرى، وتسلم مهامها في غزة
تحويل القاهرة دفتها من دحلان إلى أبو مازن دفع ببورصة التكهنات إلى الصعود مجددًا، ما بين ضغوط أمريكية مورست للدفع بأبو مازن كطرف أساسي في عملية المصالحة وتنحية دحلان جانبًا خاصة في ظل ما يمكن أن يترتب على وجود من شق للصف داخل فتح وهو ما تتجنبه جميع الأطراف في الوقت الراهن، وبين تباين الدور الإماراتي المصري حيال هذا الملف، خاصة وأن أبو ظبي كانت تحارب من أجل الدفع بحليفها داخل المشهد الفلسطيني مرة أخرى بأي ثمن.
إلا أن فريق آخر ذهب إلى أن خروج دحلان عن المشهد في الوقت الذي أبدى فيه تأييدًا لخطوات المصالحة خطوة ذكية تعزز من مكانته فلسطينيًا حسبما جاء على لسان الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني حمادة فراعنة الذي نقل على لسان القيادي المفصول “أنه لن يعترض على المصالحة بين حركتي فتح وحماس، حتى ولو لم تتم دعوته لاجتماع الفصائل 13 المقرر له في القاهرة”.
فراعنة في تصريحاته كشف عن مخطط أبو مازن من وراء دعم خطوات المصالحة كونها تأتي في إطار مساعيه لإضعاف التيار الذي يقوده دحلان، إلا أنه شكك فيما يمكن أن تتمخض عنه هذه العملية من إجراءات على أرض الواقع قائلاً: “علينا أن ننتظر الإجراءات التي يمكن أن يتخذها عباس في هذا الإطار”.
أما عن تأثير عملية المصالحة على مستقبل العلاقة بين حماس ودحلان، نقل المحلل الفلسطيني على لسان حركة المقاومة أن “تفاهماتها مع دحلان ليست على حساب العلاقة مع حركة فتح، وأن علاقاتها مع فتح لن تكون على حساب تفاهماتها مع تيار دحلان، بسبب قوة هذا الأخير في غزة” على حد قوله.
رد الفعل الإقليمي والدولي
تباينت ردود الفعل المحلية والإقليمية حيال جهود إتمام عملية المصالحة وإنهاء الانقسام بين الحركتين، والذي بلغ ذروته في زيارة الحمد الله لغزة أمس، حيث أعربت الولايات المتحدة عن تقديرها لهذه الخطوة مثمنة الجهود المبذولة في هذا الإطار، إيمانًا منها أنه من دون مصالحة ومن دون غزة لا يمكن المضي قدمًا في حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهو ما أكد عليه الرئيس الفلسطيني خلال حوار له مع عمرو أديب بالأمس حين أشار إلى أن في أثناء وجوده في أمريكا شكره الرئيس دونالد ترامب على جهوده في المصالحة، لافتًا إلى أن الإدارة الأمريكية ليست ضد المصالحة، وأنه لا يريد أن تكون أمريكا ضدها.
ورغم الصمت الإسرائيلي حيال عملية إنهاء الانقسام الفلسطيني وترقب تل أبيب لما ستسفر عنه الأوضاع مستقبلاً، ومدى ما يمكن أن تحققه الجهود الأخيرة من خطوات ملموسة على أرض مقارنة بما تم في السابق، ألمح أبو مازن إلى رغبة الكيان الصهيوني في “استمرار بقاء الشقاق الفلسطيني إلى الأبد لأنه يحول دون تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة”، لافتًا إلى أنه “كان لا يريد معارضة إسرائيلية في مسألة المصالحة”.
إقليميًا.. أبدت كل من أنقرة والدوحة وطهران ارتياحها لجهود المصالحة كونها خطوة جيدة نحو وحدة الصف الفلسطيني وتوحيد كلمته في مواجهة الكيان الصهيوني، هذا في الوقت الذي تؤكد فيها قيادات حركة حماس تمسكها بثوابتها وميثاقها المعلن وعلى رأسها المقاومة ضد الاحتلال وعدم التفريط في أي من تراب الوطن وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني.
“نون بوست” في تقرير له استعرض ردود فعل تركيا وقطر على وجه الخصوص حيال هذا الملف، وكيف أن كل من البلدين رحبا بالجهود المبذولة، داعين جميع الأطراف المعنية لاقتناص الفرصة الحالية وتحقيق الوحدة في فلسطين، في إطار مساعي كليهما إلى تحقيق عملية السلام في الشرق الأوسط.
عربيًا.. كشفت الأيام الأخيرة في مسيرة المصالحة تجاهل واضح لبعض القوى والأطراف العربية التي كانت بالأمس طرفًا ولاعبًا أساسيًا في هذا الملف، على رأسها الأردن والإمارات والسعودية، حيث غابوا تمامًا عن تفاصيل المشهد، وهو ما يعزز الرأي الذي يقول إن إتمام هذه العملية جاء وفق تعليمات عليا.
تقارب جديد بين أبو مازن والقاهرة بعد فترة توتر
هل تنجح المصالحة؟
تدخل حركتا حماس وفتح هذه الصفقة الجديدة من المصالحة دون ضمانات حقيقية تطمئن أي من الطرفين بشأن جدية والتزام الطرف الآخر بما تم الاتفاق عليه، وتبقى القاهرة وحدها راعية هذا الاتفاق والضامن الوحيد له، وإن كان هذا لا يعد ضمانًا وهو ما تجسده الاتفاقيات والتفاهمات السابقة سواء في 2012 أو 2014.
ومن ثم فإن التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية التي فرضتها المستجدات الإقليمية الأخيرة ربما تدفع الجميع إلى التعامل مع المصالحة من باب المقامرة، التي تقبل الربح أو الخسارة، ويتوقف هذا على مدى تقريب وجهات النظر بين الحركتين في القضايا الخلافية بينهما من جانب، وقدرة الوسيط المصري على ممارسة الضغط على تخلي أي من الأطراف عن التزاماته وتعهداته.
جوهر الأزمة لم يكن أبدًا صراع على السلطة بين حركتي فتح وحماس، وإلا كانت سبل الحل سهلة ومتيسرة في ضوء عدة تفاهمات، إلا أن المشكلة تكمن في أن أطراف الصراع مختلفون وبشكل جذري في الثوابت والمرجعيات، وفي البرنامج الوطني والأولويات وإدارة الأطر الوطنية الكبرى، ومن هنا يتأزم الوضع.
ومن ثم فإن حركة فتح بعد استلامها إدارة قطاع غزة لن تصمت طويلاً حتى تسعى للسيطرة على الجانب الأمني والعسكري وما يترتب على ذلك من تفكيك للمقاومة ومحاولة سحب السلاح من حركة حماس، وهو ما سيقابل برفض شديد من الأخيرة التي ستعزز هي الأخرى من نشاطاتها في عملية المقاومة، وهو ما قد يؤدي إن طال الوقت أو قصر إلى إفشال عملية المصالحة ما لم يدخل الطرفان في جولة جديدة من المفاوضات لوضع حل جذري لهذه القنابل الموقوتة قبل أن تنفجر في وجه الجميع.