مرت عشر سنوات على الحصار الإسرائيلي البري والبحري والجوي المشدد على قطاع غزة، التي أصابت الاقتصاد الغزي بحالة شلل شبه كاملة في ظل الأزمات المتتالية التي ضربت القطاعات الحيوية في القطاع سواء كانت في قطاع التجارة والصناعة أو غيرها، ولكن قرب إتمام المصالحة الفلسطينية أعاد إلى الواجهة إمكانية إنعاش الاقتصاد الغزي وإخراجه من الدوامة التي ما زالت تعصف به.
ومع أجواء المصالحة وتحركاتها الإيجابية بين حركتي فتح وحماس، كشف رجل الأعمال الفلسطيني ورئيس تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة منيب المصري، عن مبادرة صينية اقتصادية وسياسية يطلق عليها اسم (طريق الحرير)، ستنفذ في قطاع غزة لإنهاء العقبات كافة التي تعيق إعمار قطاع غزة، وتنعش اقتصاده بعد موته بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض عليه منذ العام 2007.
وقال المصري: “قطاع غزة بحاجة إلى تطوير”، موضحًا أن المبادرة الاقتصادية السياسية الصينية (طريق الحرير)، تشمل مشاريع كبيرة، منها محطات مياه وتحليه ومطار ومشاريع بنية تحتية ومدن صناعية وأخرى زراعية.
إنقاذ غزة
وأشار إلى أن المبادرة قوبلت بإجماع 70 دولة وبمباركة من الرئيس محمود عباس، منوهًا أن مبادرة طريق الحرير ستلبي كل ما تحتاجه غزة للتطوير، راهنًا إمكانية تحقيق المبادرة الصينية على أرض الواقع، بإنهاء الانقسام الفلسطيني أولًا.
الاقتصادي محمد أبو جياب: أتوقع أن يشهد قطاع غزة تحسنًا كبيرًا في النشاط الاقتصادي بعد إتمام المصالحة بين الأطراف الفلسطينية
ويعتبر “طريق الحرير”، لقب أطلق على مجموعة الطرق المترابطة التي كانت تسلكها القوافل والسفن بين الصين وأوروبا بطول 10 آلاف كيلومتر، والتي تعود بداياتها لحكم سلالة Han في الصين نحو 200 سنة قبل الميلاد، لكنه توقف كخط ملاحي مطلع التسعينيات.
الجدير ذكره، أن مبادرة “الحزام والطريق”، أكثر سياسيات الرئيس الصيني طموحًا على إثر خطة أعلنها في سبتمبر 2013 لتأسيس طريق يصل الصين بأوروبا، متضمنًا الفرع البري من المبادرة 6 ممرات إضافة إلى طريق الحرير البحري.
إضافة لمشروع “طريق الحرير”، طفا على السطح مؤخرًا الحديث عن حقل الغاز الطبيعي الموجود في المناطق المحاذية لقطاع غزة بعد حديث الحكومة في جلساتها الأخيرة أنها ناقشت الترتيبات لتطوير حقل “غزة مارين”، للغاز الطبيعي، فضلاً عن الحديث عن تفعيل مشاريع الإعمار وبدء تنفيذ ما تعطل منها.
وهنا توقع المختص بالاقتصاد الفلسطيني المحلي محمد أبو جياب، أن يشهد قطاع غزة تحسنًا كبيرًا في النشاط الاقتصادي بعد إتمام المصالحة بين الأطراف الفلسطينية، إذ سيعلن كبار المانحين خلال الأيام القادمة كاليابان والصين والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية، التزامهم الكامل بما تم الاتفاق عليه بمؤتمر شرم الشيخ بمصر لتسريع عجلة الإعمار.
وأوضح أبو جياب أن الدول المانحة ستقوم بتأمين الأموال التي وعدت بها، الأمر الذي سيؤدي إلى انتعاش القطاع الصناعي والإنتاجي للقيام بدوره المناط به على مستوي التشغيل، وكذلك تمكين الحكومة من توفير الخدمات للمواطن بقطاع غزة.
وأشار إلى أنه في حال إتمام المصالحة سيكون ملف الغاز المكتشف ببحر غزة من أهم الملفات التي ستكون على طاولة البحث بين الحكومة وصندوق الاستثمار الفلسطيني، إذ يعتبر من أهم مقومات الطاقة، وروافد التطور لدى محطة توليد الكهرباء، لافتًا إلى أنه سيوفر قرابة 4 ملايين دولار سنويًا، كانت تدفع الشركات من أجل الحصول على الكهرباء ومواد لتشغيل المحطة.
محللون: حال إتمام المصالحة فإن العديد من الأزمات كالكهرباء وإغلاق المعابر وعملية الإعمار والازدواج الضريبي وغيرها من الأزمات العالقة بعد الانقسام،ستحل وستساهم بعودة الحياة الاقتصادية مرة أخرى
وشدد على أن ملف الغاز الطبيعي ما زال هناك نزاع عليه بين الحكومة وصندوق الاستثمار، من أجل الاستحواذ على إيراداته، لافتًا إلى أنه في حال تم التوافق الفلسطيني عليه سيتم العمل على تطويره مع شركات دولية وعالمية ضمن عطاءات رسمية، وذلك سيعود بالنفع على اقتصاد قطاع غزة، وسيوفر فرص عمل لآلاف المتعطلين، لكونه مشروعًا استثماريًا ضخمًا يعتمد عليه كرأس مال للقطاع.
وتم اكتشاف حقل الغاز على ساحل شاطئ قطاع غزة قبل نحو 14عامًا، ليضاف لحقل الغاز الذي تم اكتشافه في نهاية التسعينيات على بعد 36 كيلومترًا من شاطئ غزة، وقدرت شركة بريتش غاز البريطانية كمية الغاز المتوافرة فيه بأكثر من 33 مليار متر.
وكان رئيس الحكومة الدكتور رامي الحمد الله قد أكد في 7 من نوفمبر 2013 أن السلطة الفلسطينية ستكون دولة منتجة ومصدرة للغاز بحلول العام 2017، من خلال الحقل المكتشف قبالة سواحل غزة نهاية تسعينيات القرن الماضي، على حد وصفه.
انفراجة اقتصادية
في سياق متصل اتفق المحلل الاقتصادي الدكتور ماهر الطباع مع سابقه، أن المصالحة بين الأطراف الفلسطينية، سيكون لها دور كبير في إحداث انفراجة على الصعيد الاقتصادي وتنشيط المشاريع الاقتصادية بقطاع غزة بقوة.
وأشار الطباع أنه في حال إتمام المصالحة فإن العديد من الأزمات كالكهرباء وإغلاق المعابر وعملية الإعمار والازدواج الضريبي وغيرها من الأزمات العالقة بعد الانقسام، ستساهم بعودة الحياة الاقتصادية مرة أخرى.
وبين أن الازدواج الضريبي والمؤسساتي خلق اختلافًا كبيرًا بأسعار الضرائب والجمارك والرسوم المحصلة من المواطنين والتجار، إذ تزيد تكلفة الأنفاق بقطاع السيارات لوحده 30% عن السعر الحقيقي، فضلاً عن تحصيل ما يقارب 700مليون شيكل تدفع من رجال الأعمال بغزة لرام الله كضريبة، متوقعًا في حال تم تمكين عمل الحكومة بالقطاع، انخفاض التكاليف التي يتكبدها المواطن والتجار.
وأشار إلى أن المصالحة ستعمل على زيادة الإيرادات لصالح خزينة السلطة، وكذلك زيادة العائد والاستثمارات العربية والأجنبية التي ستفتح مشاريع بالقطاع، في حال ضمنت عودة الهدوء والاستقرار.
معدل النمو في قطاع غزة بلغ 7.3% عام 2016 نتيجة لأنشطة البناء والتعمير، ومن غير المتوقع أن يعود اقتصاد غزة إلى مستوياته السابقة للحرب حتى عام 2018
وعد الطباع الإيرادات العامة المحصلة التي تجبيها الحكومة من مختلف شرائح المواطنين على الخدمات المقدمة لهم، الممول الرئيس للنفقات، لافتًا إلى أنه في حال تساوت أو زادت يحدث انتعاش اقتصادي، وفي حال زادت النفقات عن الإيرادات فستسبب عجزًا.
وكان البنك الدولي، قال في تقرير سابق له إن غياب السلام والمصالحة على المستوى السياسي، أدى إلى خلق وضع اقتصادي غير مستدام في قطاع غزة.
وتسببت الحرب التي شهدها قطاع غزة عام 2014 وفق التقرير، في وقوع أزمة إنسانية، وبلغ حجم الخسائر التي لحقت باقتصاد القطاع الذي لا يزال يعاني حتى اليوم من آثارها 1.7 مليار دولار. وعلى الرغم من أن معدل النمو في قطاع غزة بلغ 7.3% عام 2016 نتيجة لأنشطة البناء والتعمير، ومن غير المتوقع أن يعود اقتصاد غزة إلى مستوياته السابقة للحرب حتى عام 2018.
وأظهرت معطيات تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، أن 50% فقط من إجمالي تعهدات إعادة إعمار غزة في مؤتمر القاهرة 2014، وصل فعليًا للحكومة والمنظمات الأممية.
وخرج مؤتمر القاهرة الدولي، المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول 2014، عقب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، بتعهدات بمنح مالية بقيمة 3.5 مليار دولار لإعادة إعمار غزة.