ترجمة وتحرير: نون بوست
تتكشف الآن الكارثة الإنسانية والحقوقية في السودان، ومع وجود ما يقرب من 11 مليون نازح بالفعل – ثلاثة ملايين منهم من الأطفال – أصبحت البلاد الآن موطنًا لأكبر عدد من الأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب الصراع في جميع أنحاء العالم، ويقف سكانها على شفا مجاعة كبرى، كما أن النظام الطبي المنهار يجعل العدد الحقيقي للقتلى في الحرب غير معروف، بينما يتم تدمير العاصمة السودانية الخرطوم قطعة تلو الأخرى.
قد يكون من المغري أن نفكر في هذه المأساة باعتبارها حلقة أخرى في صراع يمتد لعقود من الزمن، كما ساعد المقاتلون الرئيسيون – القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهي المجموعة شبه العسكرية التي نظمتها القوات المسلحة السودانية من الميليشيات المعروفة باسم الجنجويد – في دفع الحرب في دارفور قبل 20 سنة، وكانت تلك الحرب سببًا في اندلاع أول إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين، والآن عادت أعمال عنف الإبادة الجماعية إلى منطقة دارفور، وفي سنة 2023، بعد أن انقلبت قوات الدعم السريع على مموليها العسكريين السابقين وبدأت في السيطرة على مساحات كبيرة من السودان، دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع المملكة العربية السعودية لمحاولة تأمين وقف إطلاق النار.
ولكن هذه الجهود الأمريكية باءت بالفشل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحرب الأهلية السودانية ليست مجرد تكرار للتوترات القديمة؛ حيث انضم إلى المعركة لاعبون جدد، وهم ممثلون دوليون تؤدي مساهماتهم في أعمال العنف إلى تعقيد الصراع وتوفير فرص جديدة لحله، وترى دول الشرق الأوسط فرصًا مغرية بشكل خاص لاستغلال الموارد الطبيعية للسودان، والوصول إلى موانئه على طول البحر الأحمر، واستخدامها كقاعدة لمحاربة الحوثيين في اليمن، وسحق الجهود المؤيدة للديمقراطية، وتقوية الجماعات الإسلامية أو المناهضة للإسلاميين.
وأصبح تصدير الذهب بشكل غير مشروع مصدرًا رئيسيًّا لتمويل الحرب: إذ تشتري مصر الآن الذهب القادم من المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، وأصبحت الإمارات العربية المتحدة تشتري الذهب المستخرج من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ويُزعم أن الإمارات تقوم بتسليم الأسلحة إلى قوات الدعم السريع، كما تسهل شركة فاغنر شبه العسكرية الروسية عمليات شراء واسعة النطاق للذهب الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع، فيما تزود قوات الدعم السريع بالمساعدات العسكرية مثل صواريخ أرض جو.
وبتشجيع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن في شباط/فبراير بتعيين مبعوث خاص جديد إلى المنطقة، وهو الدبلوماسي المخضرم توم بيرييلو، وكان بيرييلو، العضو السابق في الكونجرس، مبدعًا ودؤوبًا في دوره كمبعوث خاص إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما، وسوف تشكل علاقاته القوية في الكونغرس أهمية بالغة لتأمين اهتمام رفيع المستوى من واشنطن.
لكن الفارق الأكبر الذي يمكن للولايات المتحدة، بل ويجب عليها، أن تحدثه هو زيادة ضغوطها المالية بشكل كبير على الوكلاء الذين يتسببون في تفاقم الحرب، وخاصة الإمارات، وأيضًا مصر وفاغنر وإيران، التي أصبحت موردًا مهمًا للأسلحة بالنسبة للقوات المسلحة السودانية، وعلى المدى القصير، يتعين على أولئك الذين يرغبون في إحلال السلام في السودان أن يتفاوضوا من أجل التوصل إلى وقف حقيقي لإطلاق النار وإنشاء ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية، ويجب أن تعطي مفاوضات وقف إطلاق النار الأولوية أيضًا للتوصل إلى ترتيب سياسي انتقالي شامل، وهو أمر أساسي لإنهاء العنف وإرساء أساس لحكم مستقبلي فعال، ومن الأهمية بمكان أيضًا أن يتم إشراك الجماعات المدنية في المفاوضات بما يعكس رغبة الشعب السوداني العارمة في السلام، ولكن لتحقيق أي من هذه الأهداف، لا بد من مواجهة النظام الفساد المؤسسي العنيف الذي يمول الحرب الآن.
المنقبون عن الذهب
وينتج السودان كمية كبيرة من الذهب، ووفقًا لمجلس الذهب العالمي، فقد احتلت في سنة 2022 المركز السادس عشر بين أكبر منتجي الذهب في العالم ورابع أكبر منتج للذهب في إفريقيا، بعد غانا ومالي وجنوب إفريقيا، وسيطر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو – تاجر الإبل السابق المعروف باسم حميدتي – على العديد من مناجم الذهب في السودان بعد أن أصبح مقربًا من عمر البشير، رئيس الدولة لمدة 30 سنة، لكن حميدتي ليس رجلاً مخلصًا: ففي سنة 2019، دخل في شراكة مع الجنرال عبد الفتاح البرهان من القوات المسلحة السودانية، وأطاح بالبشير، وانضم إلى حكومة انتقالية وتحدث عن الديمقراطية، وبعد سنتين، أطاح هو والبرهان بشركائهم المدنيين – وهو الانقلاب العسكري الرابع من نوعه في تاريخ السودان ما بعد الاستعمار – قبل أن ينقلب حميدتي على البرهان.
ومع ذلك، فإن اعتماد حميدتي على الإمارات كان ثابتًا، وبحلول أواخر سنة 2010، جعلت تجارة الذهب حميدتي أحد أغنى الرجال في البلاد، وبعد الاستيلاء على أحد أكثر المناجم ربحية في السودان في سنة 2017، استخدم حميدتي تلك الثروة لتعزيز مكانته الرائدة في النظام السياسي الفاسد في البلاد، ومع تزايد دوره في تجارة الذهب، تعمقت علاقاته مع قادة دبي؛ وبدءًا من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قام بتزويد قوات المرتزقة للقتال نيابة عن مصالح الإمارات في كل من ليبيا واليمن.
وخلص تحليل حديث للأمم المتحدة إلى أن الإمارات تساعد قوات الدعم السريع من خلال تلقي الذهب الذي تقوم الشركات الخاضعة للعقوبات بتهريبه بشكل غير مشروع إلى خارج السودان – غالبًا بالشراكة مع الشركات التابعة لفاغنر – وغسله وضخه في سوق الذهب الدولية، ووجدت لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بالسودان أن الإمارات تدعم قوات الدعم السريع عسكريًا، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وفي بداية الصراع الحالي، كانت القوات المسلحة السودانية أفضل تسليحًا من قوات الدعم السريع، ولم يكن من الممكن أن تستمر الحرب الأهلية السودانية كل هذه المدة دون مساعدة الإمارات لقوات الدعم السريع، وأفادت الأمم المتحدة ووسائل إعلام متعددة أن الإمارات تقدم مساعدة عسكرية مباشرة لقوات الدعم السريع في شكل مدافع هاوتزر، وأنظمة صواريخ متعددة الإطلاق، وطائرات مسيرة مقاتلة، وصواريخ أرض جو محمولة.
وقد مكنت هذه المساعدات قوات الدعم السريع من تغيير ميزان القوى لصالحها في أجزاء كثيرة من السودان، بما في ذلك الخرطوم وأماكن رئيسية في الشرق مثل عاصمة ولاية الجزيرة، سلة غذاء البلاد، وبحلول أواخر سنة 2023، سقطت أربع من الولايات الخمس في منطقة دارفور المحاصرة منذ فترة طويلة في أيدي قوات الدعم السريع، التي دمرت قواتها وأحرقت القرى، وارتكبت اعتداءات جنسية وعمليات قتل جماعي، وعرقلت إيصال المساعدات الإنسانية، كما توجد عمليات كبيرة لتصدير الذهب في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية في السودان أيضًا: فمنذ بداية الحرب، حولت القوات المسلحة السودانية وجهة تصدير الذهب الرئيسية من الإمارات العربية المتحدة إلى مصر، وقد حظي تهريب الذهب إلى مصر باهتمام أقل، لكن هذه الصادرات غير المشروعة تساعد أيضًا في إدامة الصراع العنيف.
إن وقف قدرة القادة السودانيين على تهريب الذهب لن يقلل فقط من قدرتهم على مواصلة قتالهم المدمر، لكنه يمكن أن يعيق جهود روسيا لإخضاع أوكرانيا أيضًا، فقد كان حميدتي محوريًا في الترتيبات التي تسمح لروسيا بالوصول إلى ما قيمته مليارات الدولارات من الذهب السوداني، إما عن طريق استيراده مباشرة أو من خلال الشراكة مع الإمارات لغسله في أسواق الذهب الدولية كمصدر نقدي لا يمكن تعقبه نسبيًا، وفي تموز/يوليو 2023، أصدرت لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية في المملكة المتحدة تقريرًا عن دور فاغنر في تمويل حرب روسيا في أوكرانيا، وأشارت إلى أن “عمليات تهريب الذهب التي تقوم بها شركة فاغنر من السودان كبيرة؛ حيث وصفها أحد [الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات] بأنها “حاسمة لقدرة روسيا على الصمود في وجه العقوبات الكبيرة المفروضة ضدها بسبب غزوها غير القانوني في أوكرانيا“، ربما تجني فاغنر أكثر من مليار دولار سنويًا من الذهب السوداني الذي تم شراؤه وتصديره بطريقة غير مشروعة.
واجهة نظيفة
وخلال النصف الثاني من 2023، سعت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومسؤولون أمريكيون آخرون إلى إجراء محادثات مع قادة الإمارات، وحثهم على التوقف عن دعم قوات الدعم السريع، لكن هذه المساعي لم تُحدث أي تغيير في سياسة الإمارات تجاه السودان، وتحتاج هذه الدبلوماسية إلى دعمها بمزيد من الضغوط المالية، في المقام الأول من خلال استخدام أدوات مكافحة غسيل الأموال بشكل أكثر قوة وفرض عقوبات الشبكات التي تستهدف تجارة الذهب غير المشروعة وتسليم الأسلحة غير المشروعة.
ولطالما كانت الإمارات نقطة ساخنة لغسيل الأموال، وهي تعمل كنقطة نقل ووجهة رئيسية لغسيل الأموال على مستوى العالم، ويُقدر أنها تستمد منها ما يصل إلى 20 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي، وفي سنة 2020، ذكر تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن “القادة الإماراتيين والمجتمع الدولي يواصلون غض الطرف عن السلوكيات الإشكالية والثغرات الإدارية وممارسات الإنفاذ الضعيفة التي تجعل دبي وجهة جذابة عالميًا للأموال القذرة”، ويُعد قطاع الذهب هدفًا رئيسيًا لعمليات غسيل الأموال تلك، وقد اعترفت الإمارات نفسها بأن قطاع الذهب والمعادن الثمينة لديها يجذب المجرمين، وأنه يجب عليها بذل المزيد من الجهد لوقف تدفق الأموال القذرة والذهب غير المشروع من دول مثل السودان.
وعلى الرغم من أن الإمارات أطلقت العديد من المبادرات خلال السنوات القليلة الماضية لتنظيف قطاع الذهب لديها، إلا أن النتائج الملموسة لا تزال نادرة، وفي سنة 2022، كشفت وزارة الاقتصاد في البلاد عن مبادئ توجيهية جديدة بشأن مصادر الذهب المسؤولة، بما في ذلك عملية تدقيق مستقلة، لكن الإمارات لديها سجل مشكوك فيه عندما يتعلق الأمر بالاعتماد على عمليات التدقيق هذه: ففي سنة 2020، وجدت محكمة بريطانية أن شركة المحاسبة إرنست ويونغ كانت “تتواطأ” مع سلطات دبي للتستر على الأدلة التي تفيد بأن شركة مجوهرات كبرى قامت بغسيل مليارات الدولارات؛ واتهم القاضي شركة المحاسبة بارتكاب “سوء السلوك المهني” و”انتهاك” “مبادئ النزاهة والموضوعية”.
وقد تعرضت الإمارات للتوبيخ مرارًا وتكرارًا بسبب غسيل الأموال واستيراد الذهب بشكل غير مشروع. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2022، أضاف الاتحاد الأوروبي الإمارات إلى قائمة “الولاية القضائية للدول الثالثة عالية المخاطر”، وهو التصنيف الذي يتطلب من المؤسسات المالية الأوروبية تعزيز العناية الواجبة بشأن المعاملات الناشئة من دول محددة. وفي وقت سابق من السنة نفسها، وضعت مجموعة العمل المالي، وهي الهيئة الحكومية الدولية التي تأسست سنة 1989 لمكافحة غسل الأموال في جميع أنحاء العالم، دولة الإمارات على القائمة الرمادية للدول التي تعاني من قصور في أطر مكافحة غسل الأموال، وتشجيع البنوك والشركات على تعزيز تدقيقها في تدفقات الأموال من دبي.
كانت القيادة الإماراتية يائسة للخروج من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي. ووجدت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي سنة 2021 حول تأثير القائمة الرمادية على 89 دولة، أن تدفقات رأس المال إلى البلدان المدرجة في القائمة الرمادية تنخفض، في المتوسط، بنحو ثمانية بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقالت منظمة الشفافية الدولية إن الإصلاحات على الورق في الإمارات لم يتم تنفيذها بعد، ولكن في أواخر سنة 2023 وأوائل سنة 2024، زارت الإمارات الدول الأعضاء الرئيسية في مجموعة العمل المالي للضغط من أجل إزالتها من القائمة، وفي منتصف شباط/ فبراير، تمت مكافأة هذه الجهود عندما قامت مجموعة العمل المالي بإزالة الدولة من قائمتها الرمادية. ولا شك أن الاعتبارات الجيوسياسية لعبت دوراً حاسمًا، نظرًا لموقع دبي الحاسم في دبلوماسية الشرق الأوسط وأمن الطاقة في أوروبا.
اتبع المال
لقد تكثفت الجهود لحل الأزمة السودانية دبلوماسيًا: فبالإضافة إلى قرار بايدن بتعيين مبعوث خاص، قام الأمين العام للأمم المتحدة في تشرين الأول/ نوفمبر بتعيين مبعوث جديد إلى السودان لدعم جهود صنع السلام، لكن يمكن للولايات المتحدة وشركائها أن يفعلوا المزيد لبناء النفوذ قبل المرحلة التالية من الوساطة في السودان. وينبغي على واشنطن والحكومات الأوروبية الراغبة أن تشير إلى دبي بأنها طالما أنها تمول الحرب والإبادة الجماعية في السودان؛ فإنها ستستمر في جمع المعلومات حول أي عدم امتثال إماراتي لمعايير مجموعة العمل المالي.
في حزيران/ يونيو 2023، قامت مجموعة العمل المالي بتحديث منهجية التصنيف الخاصة بها، مما زاد من تركيزها على “فعالية” التنفيذ ليعكس أن بعض البلدان تتبنى لوائح تنظيمية مثالية ولكنها لا تتبع سوى القليل جدًا من التنفيذ اللاحق. وينبغي على الولايات المتحدة والحكومات الأخرى زيادة جمع المعلومات الاستخباراتية حول غسيل الأموال في دبي، ومشاركة النتائج حول الثغرات في التنفيذ، وتسليم تلك المعلومات إلى مجموعة العمل المالي، والاستمرار في استخدام نفوذها داخل مجموعة العمل المالي للدعوة إلى سد هذه الثغرات. وكجزء من هذا التدقيق، من الضروري أن تقوم مجموعة العمل المالي بإجراء تحليل مستقل لمصادر الذهب في دولة الإمارات. ويجب على الاتحاد الأوروبي إبقاء الإمارات على قائمته الرمادية الخاصة بغسل الأموال حتى تتوقف دبي عن استيراد الذهب السوداني بشكل غير مشروع وتسليح قوات الدعم السريع.
ويجب على الولايات المتحدة أيضًا أن تشير إلى أنها ستنشر تقريرًا استشاريًا تجاريًا خاصًا بالإمارات مماثلًا لتلك التي أصدرتها لميانمار والسودان وجنوب السودان، لتحذير القطاع الخاص من غسيل الأموال، والتهرب من العقوبات، ومخاطر الفساد المرتبطة بممارسة الأعمال التجارية مع الإمارات والدعوة إلى زيادة العناية الواجبة في القطاعات عالية المخاطر مثل الذهب. وسيكون لمثل هذا الاستشارة تأثير على سمعة دولة الإمارات، ويمكن أن يؤدي إلى خسارة إيرادات الدولة إذا فرضت الشركات الأمريكية رسومًا أو أسعار فائدة أعلى لتغطية تكاليف تطبيق تدابير امتثال أكثر صرامة، وواجهت الشركات الإماراتية حواجز أكبر أمام الوصول إلى السوق الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على واشنطن إصدار عقوبات على الشركات الإماراتية وغيرها من الشركات المتورطة في تجارة الذهب السودانية غير المشروعة، وخاصة الشركات التابعة لفاغنر. وقد فعلت الولايات المتحدة ذلك من قبل؛ حيث فرضت عقوبات على الشركات الإماراتية المتورطة في التهرب من العقوبات الروسية. ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أيضًا أن يكونوا أكثر جدية بشأن فرض عقوبات على الكيانات السودانية. وفي السنة الماضية، بدأت الولايات المتحدة في فرض عقوبات على مجموعة من المسؤولين والشركات السودانية التي تستفيد من العنف. وفي كانون الثاني/ يناير، دخل الاتحاد الأوروبي المعركة بفرض عقوبات على ست شركات سودانية لدورها في تسهيل الفساد والصراع في السودان.
ولكن هذه العقوبات عانت من مشكلة مشتركة مع العقوبات المفروضة في جميع أنحاء أفريقيا. فعادةً لا يقوم الأفراد الخاضعون للعقوبات بأعمال تجارية بأسمائهم الخاصة، وبدلًا من ذلك يعملون من خلال شركات وهمية ويستخدمون أسماء أفراد الأسرة أو الشركاء أو حتى أطفالهم القصر. ويجب فرض عقوبات على الشبكة الكاملة من المصالح الاقتصادية والوكلاء والعوامل التمكينية المحيطة بالمسؤولين الرئيسيين والشركات المستهدفة حتى يتأثر صراع تمويل تدفق الأموال ماديًا.
ومن شأن إستراتيجية العقوبات الأكثر فعالية أن تستهدف شبكات المتعاونين والشركات التي تدعم المسؤولين الرئيسيين في قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، بما في ذلك حميدتي والبرهان أنفسهم. إن فرض عقوبات على الجهات الفاعلة في بلدان ثالثة وتعزيز إنفاذ العقوبات ضد مجموعة فاغنر وإيران من شأنه أن يساعد أيضًا – خاصة إذا كانت فرض عقوبات على الجهات الفاعلة الإماراتية تبدو صعبة للغاية من الناحية السياسية. ويمكن للولايات المتحدة وحلفائها استهداف الشركات والشبكات في بلدان ثالثة بسهولة أكبر – مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وأوغندا – التي تشارك في تسليم الأسلحة الإماراتية إلى قوات الدعم السريع.
وفي السنة الماضية، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين متواطئين في العنف القائم على النوع الاجتماعي في روسيا وأفغانستان ودول أخرى. ويمكنها فرض عقوبات مماثلة على مسؤولي قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية المسؤولين عن الزيادة الهائلة في العنف الجنسي في البلاد منذ اندلاع الحرب الأخيرة. وبدلاً من إسقاط مجموعة من العقوبات كل بضعة أشهر، يجب على المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصعيد هذه العقوبات القائمة على الشبكات بسرعة في انسجام تام والالتزام بتحديثها بسرعة من أجل مراعاة التغيرات المتطورة في تسمية الشركات وهياكلها. أخيرًا، يجب على الولايات المتحدة تعديل أمرها التنفيذي لسنة 2023 المتعلق بالسودان للسماح بفرض عقوبات تتعلق بالاتجار غير المشروع بالموارد الطبيعية، على غرار الأمر التنفيذي الذي يسمح بفرض عقوبات متعلقة بالموارد الطبيعية ضد كيانات في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وهذا من شأنه أن يجعل من الأسهل بكثير فرض عقوبات على التجار أو الشركات التي تشتري ذهب الصراع.
مكاسب السلام
وتواجه إدارة بايدن عوائق سياسية أمام ممارسة الضغوط المالية للمساعدة في حل الأزمة السودانية. وتحتاج الولايات المتحدة إلى مصر والسعودية والإمارات لمساعدتها على نزع فتيل التوترات في الشرق الأوسط الذي مزقته الحرب، وهي المنطقة التي تفوق أهميتها تاريخيًا بالنسبة للولايات المتحدة أهمية السودان. ويجب استخدام أدوات الضغط المالي بهدوء، ومن المرجح أن يتم النظر فيها فقط استجابة لمطالب مجموعة ملتزمة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أعضاء الكونجرس الذين طالما دافعوا عن رد أمريكي أكثر قوة على الصراع في السودان.
ولكن من الواضح أن دبي حساسة للضغوط المالية، كما يتضح من ضغطها الكامل من أجل الخروج من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي والاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن يؤثر التدقيق المتزايد عن طريق الاستشارات التجارية، وتسميات عقوبات الشبكات الجديدة، وتبادل المعلومات مع مجموعة العمل المالي على شهية البلاد لاستيراد الذهب السوداني غير المشروع ويقلل من حافزها لدعم قوات الدعم السريع عسكريًا. وإذا تراجعت الإمارات عن الصراع؛ فإن ذلك سيحد بشكل كبير من قدرة قوات الدعم السريع على مواصلة شن هجماتها المدمرة في جميع أنحاء السودان. وإذا خفضت مصر تهريب الذهب المرتبط بالقوات المسلحة السودانية وتم تنفيذ عقوبات جديدة على فاغنر والكيانات الإيرانية؛ فإن ذلك سيزيد من احتمالات التقدم على طاولة المفاوضات.
ومن شأن الضغوط المالية وراء الكواليس أن تعزز إلى حد كبير موقف الدبلوماسيين، بما في ذلك بيرييلو، المبعوث الخاص الجديد للولايات المتحدة. وهو يواجه مهمة معقدة: فالجهود السابقة لوضع السودان على مسار أكثر استقرارًا عانت من نقص المدخلات من الناشطين السودانيين المؤيدين للديمقراطية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. ويجب على الولايات المتحدة زيادة الدعم المادي الذي تقدمه للجماعات السودانية المؤيدة للديمقراطية ومكافحة الفساد والمؤيدة للسلام، وكذلك للجهود على مستوى المجتمع لتقديم المساعدة الإنسانية. ولمزيد من الدعم لهذه الجهود المدنية، يجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية الالتزام بعدم الاعتراف بأي حكومة سودانية تخرج من فوهة البندقية، ويجب عليها زيادة تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية لتصنيف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تمهيدًا لمحاكماتها المحتملة في المستقبل.
ولكن يجب على واشنطن أن تتخذ خطوات جريئة، لأن لها في الواقع مصالح حيوية في السودان. ويتعين عليها مواجهة محاولة روسيا تأمين قاعدة على البحر الأحمر. كما راهنت إدارة بايدن بقدر كبير من رأس مالها السياسي على دعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ومن شأن المساعدة في استعادة الديمقراطية في السودان أن تقدم بيانًا مهمًا حول التزام الولايات المتحدة بدعم الديمقراطية الأفريقية وصنع السلام. ويستمر دور الجماعات الإسلامية وإيران في عمليات القوات المسلحة السودانية في النمو؛ وقد شكل العديد من مسؤولي القوات المسلحة السودانية جزءً من نظام البشير الذي استضاف أسامة بن لادن واحتضن البنية التحتية التجارية لتنظيم القاعدة.
إن الحرب التي تجتاح السودان ليست مجرد صراع عرقي أو صراع على السلطة بين اثنين من أمراء الحرب، فلقد قامت الأنظمة السودانية المتعاقبة ببناء نظام لصوص مبني على العنف والقمع، وتتعرض البلاد الآن للنهب بلا هوادة من قبل الجهات الأجنبية. ويسعى معظم اللاعبين الدوليين في السودان إلى الاستفادة من أزمة البلاد. إن الولايات المتحدة هي الدولة التي تتمتع بأفضل وضع لدفع السلام بدلاً من الحرب، ولكن فقط إذا مارست ضغوطًا مالية ودبلوماسية على مصر وإيران وروسيا والإمارات، وهي الأماكن التي يهمها الأمر أكثر من غيرها.
المصدر: فورين أفيرز