وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى طهران في زيارة رسمية هي الثانية منذ توليه الرئاسة، يلتقي فيها كبار المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمتهم المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. وتكتسي هذه الزيارة أهمية استراتيجية للبلدين على حد سواء ومن الناحية الإقليمية بالنسبة للمنطقة.
أردوغان وقبل ذهابه إلى إيران، أشار في تصريحات صحفية، عقب الزيارة ستتضح معالم خارطة الطريق للمرحلة المقبلة بالنسبة لتركيا، التي تعتبر في حالة اتصال دائم مع دول المنطقة فيما يخص استفتاء إقليم كردستان العراق. وتهدف زيارة أردوغان إلى تطوير الحوار السياسي مع إيران وتحقيق نقلة في التعاون معها بكافة المجالات وهو ما يجعل هذه الزيارة “هامة واستثنائية”.
من المتوقع أن يتم تناول الإجراءات المشتركة التي من المنتظر اتخاذها بالتعاون مع الحكومة العراقية فضلا عن العلاقات مع الحكومة العراقية، إضافة إلى مسار المحادثات السورية في أستانة والحملة التركية المتوقع حدوثها على إدلب، إضافة إلى الملف الاقتصادي بين البلدين.
الخطر الكردي يجمع تركيا وإيران
يطغى ملف استفتاء كردستان العراق على زيارة أردوغان لطهران اليوم الأربعاء، حيث دفع الملف نحو تعزيز أكبر للعلاقات الثنائية بين البلدين ولا سيما التنسيق والتعاون على الصعيد العسكري. إذ سبق زيارة أردوغان، زيارة رئيس هيئة الأركان التركية، خلوصي أكار الذي التقى مع نظيره محمد باقري، وأكد الأخير على ضرورة دعم وحدة الأراضي العراقية وأن يكون الدستور العراقي أساس الحوار بين أربيل وبغداد، كما شدد باقري وآكار على أهمية التعاون العسكري بين طهران وأنقرة في مواجهة الإرهاب.
ويقف ملف تسليم المعابر بين تركيا وإيران من جهة وكردستان من جهة أخرى، على قمة أجندة التباحث وسيأخذ مساحة كبيرة من المباحثات التركية الإيرانية بحسب محللين إيرانيين، لإيجاد سيناريوهات تسليم المعابر لبغداد، إذ تعكف كل من أنقرة وبغداد وطهران للتوافق على آلية معينة للسيطرة على المعابر وإعادتها لبغداد أو فتح معابر أخرى تتحكم بها بغداد فقط.
السبب الرئيسي في اتجاه أنقرة إلى محور موسكو – طهران، هو تغير سياسات العواصم الغربية تجاهها ومواقفها من تنظيمي “غولن” و”بي كي كي” الإرهابيين.
ستكون الخطوة القادمة لحكومة بغداد المركزية هي السيطرة على المعابر الحدودية بعد حظر الطيران من وإلى الإقليم، بحسب مراقببين. ومن جهتها عبرت وزارة الدفاع العراقية في بيان لها إن الهدف الأهم بالنسبة لها هو السيطرة على المعابر الحدودية بالتنسيق مع تركيا وإيران. ولتحقيق هذا الهدف، شارك الجيش العراقي في مناورات عسكرية بإيران، بعد تركيا، حيث يسعى إلى الدخول من المعابر الحدودية مع الإقليم في البلدين المذكورين، والسيطرة عليها.
وقد أشارت مصادر إلى سيناريوهات سيتم تدارسها في هذا الصدد في زيارة أردوغان إلى طهران، وحددت أن السيناريو الأول قد يكون شن القوات العراقية هجوم عسكري للسيطرة على المعابر باستخدام الأراضي الإيرانية والتركية، علمًا أن البعض استبعد هكذا سيناريو على الأقل في المرحلة القريبة المقبلة. أما السيناريو الثاني فيعتمد على التصعيد السياسي عبر التهديد وفرض المزيد من العقوبات وهذا السيناريو مرجح من قبل البعض، إذ قد تجبر الخسائر الاقتصادية وشلل القطاعات هناك حكومة الإقليم على الرضوخ لمطالب الدول الإقليمية. فيما سيكون السيناريو الثالث، اتفاق طهران وأنقرة وبغداد، للاعتماد على معابر أخرى مع بغداد وتجاوز المعابر مع إقليم كردستان.
إقدام رئيس إقليم شمالي العراق بارزاني على إجراء استفتاء الانفصال ونيته في إقامة “دولة كردية” مستقلة، أدى إلى دخول العلاقات التركية في مرحلة جديدة مع طهران
وفي حال اعتماد الخيار العسكري، ستقوم القوات العراقية المشاركة في المناورات العسكرية مع تركيا وإيران، باجتياز معبر خابور التركي من تركيا والسيطرة على معبر إبراهيم الخليل المقابل له في الإقليم. من ناحية أنقرة فإن العمل العسكري سيكون بالنسبة لها الخيار الأخير في حال إصرار الإقليم على الذهاب إلى أبعد مدى في تمسكه بنتائج الاستفتاء.
على العموم، فالرئيس التركي أردوغان أفسح المجال أمام القيادات الكردية في الإقليم بقوله في خطابه في افتتاح السنة التشريعية الجديدة بالبرلمان أول أمس، “عندما تبدي حكومة إقليم شمال العراق فضيلة العودة عن الخطأ ستواصل تركيا، دولة وشعبًا، الوقوف إلى جانبها”.
محللون أتراك أشاروا أن إقدام رئيس إقليم شمالي العراق بارزاني على إجراء استفتاء الانفصال ونيته في إقامة “دولة كردية” مستقلة، أدى إلى دخول العلاقات التركية في مرحلة جديدة مع طهران، وحتى مع موسكو. إذ تنوي الإدارة التركية نقل هذا التقارب إلى تعاون ملموس يخدم العديد من الأهداف أهمها الحد من “أطماع بارزاني”، وضمان وحدة الأراضي العراقية ومواجهة الأخطار التي تهدد الأمن القومي التركي ودول المنطقة.
ويرى برهان الدين دوران، الكاتب الصحفي التركي ورئيس مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا”، السبب الرئيسي في اتجاه أنقرة إلى محور موسكو – طهران، هو سياسات العواصم الغربية تجاهها ومواقفها من تنظيمي “غولن” و”بي كي كي” الإرهابيين. ففي الوقت التي تركزت فيها السياسات الأوروبية المتعلقة بسوريا، على اللاجئين والمقاتلين الأجانب فقط، وصلت السياسات الأمريكية بهذه الخصوص إلى نقطة تتضمن إزالة وشيكة للمعارضة السورية المعتدلة، واتساع النفوذ الروسي- الإيراني في سوريا، فضلاً عن تحويل ميليشيات “بي كي كي – ي ب ك” إلى “جيش فعلي” على حد وصفه.
سوريا في أجندة الزيارة أيضًا
هناك نقطة بارزة وهامة سيتم تناولها في الزيارة، وهي سوريا والحملة التركية العسكرية في إدلب. إذ أشار مراقبون أن التقارب بين طهران وأنقرة، وأنقرة وموسكو من جهة أخرى، قد يزحف إلى توافق بين الأطراف الثلاثة على شكل الحل في سوريا ومصير الأسد الذي لا تزال السلطات التركية تنظر إلى مستقبل سوريا بدون الأسد وتتهمه بتورطه في جرائم الحرب التي حدثت خلال السنوات الماضية.
ففي تصريحات لوزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أمس الثلاثاء، أشار فيها إلى الجهود الدبلوماسية المشتركة بين تركيا وروسيا وإيران، في ما يتعلق باتفاق أستانة حول سوريا، لكنه أكد على استمرار وجود تباين في المواقف. وقال إن التوصل إلى اتفاق في أستانة لا يكفي، بل ينبغي رؤية تطبيق ذلك الاتفاق على الأرض.
تركيا قد تضطر لتخفيف لهجتها من الأسد ومسألة مصيره في الحكم وشكل الحل في مستقبل سوريا، مقابل التفاهم على القيام بعملية عسكرية تركية في سوريا والعراق ضد مقاتلي “حزب العمال الكردستاني”
وحول الوضع في إدلب، شمال سوريا، أوضح المسؤول التركي أن المراقبين الأتراك سيقومون بمهامهم في محافظة إدلب، بينما سيتولى مراقبون روس مهامهم خارج إدلب، وفي بعض المناطق المحددة الأخرى سيكون فيها مراقبون إيرانيون وروس، وذلك لمنع الاستفزازات. ولا تزال الاشتباكات والغارات الروسية المتواصلة على إدلب تمنع تحقق أي حل سياسي بشكل كامل على الأرض.
ومن جهة أخرى فإن موسكو تبقي على قدر كبير من التنسيق مع القوات التركية لحسم الأمور في إدلب، وتمكين أنقرة من التوغل في منطقة تتجاوز 100 كيلومتر وبعمق يصل حتى 40 كيلومترًا، رغم اعتراض الحكومة السورية. وإذا تمكنت تركيا من السيطرة على هذه المناطق في إدلب فإنها ستضمن محاصرة عفرين ذات الأغلبية الكردية من الغرب والشرق، مانعةً أي تواصل من جهة البحر أو الشرق مع المناطق ذات الأغلبية السكانية الكردية في شمال سوريا.
وإذا تمكنت تركيا من السيطرة على مناطق في إدلب فإنها ستضمن محاصرة عفرين ذات الأغلبية الكردية من الغرب والشرق، مانعةً أي تواصل من جهة البحر أو الشرق مع المناطق ذات الأغلبية السكانية الكردية في شمال سوريا.
ويشير البعض أن تركيا قد تضطر لتخفيف لهجتها من الأسد ومسألة مصيره في الحكم وشكل الحل في مستقبل سوريا، مقابل التفاهم على القيام بعملية عسكرية تركية في سوريا والعراق ضد مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” والوقوف في وجه طموحات فرعه السوري “قوات سوريا الديمقراطية” الذي يسعى من جهته إلى تشكيل كيان كردي في سوريا ترى فيه أنقرة مهدد لأمنها القومي.
بالرغم من براغماتية العلاقة بين إيران وتركيا والتي تميز بها البلدان خلال الفترة الماضية إلا أنهما يتفقان الآن على خطر يحدق بأمنيهما القومي، وعلى ضرورة مصالحهما في المنطقة.