منعطف جديد في مسار الاحتجاجات الشعبية المناهضة لنظام الأسد في محافظة السويداء جنوبي سوريا، وسط حالة احتقان واستياء شعبية جرّاء تجاهل المطالب وعمل نظام الأسد على استعادة تموضع مؤسساته الأمنية والحزبية، التي أغلقها المتظاهرون مع بداية الحراك السلمي في أغسطس/ آب 2023.
وعلى صدى هتافات “بشار الأسد قاتل” و”اللي بيقتل شعبه خاين”، شيّعت السويداء، الخميس 29 فبراير/شباط، فقيد “الكرامة والواجب” في ساحة سمارة وسط المدينة، الذي قُتل برصاص الأجهزة الأمنية، بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية ودعوات الإضراب المؤقت التي وجّهها منظمو الحراك خلال اليومَين الماضيَين، وسط دعوات للحفاظ على الحراك السلمي، في ظل مخاوف من مساعي نظام الأسد لجرِّ سلمية الحراك إلى السلاح.
"بشار الأسد قاتل".. من هتافات المشيعين في ساحة سمارة وسط مدينة السويداء اليوم الخميس، خلال تشييع الفقيد جواد الباروكي، الذي قضى بإطلاق نار من قوى الأمن في مظاهرة سلمية أمس الأربعاء.#مظاهرات_السويداء pic.twitter.com/yxjfIev7vD
— السويداء 24 (@suwayda24) February 29, 2024
متظاهر يفارق الحياة برصاص قوات الأسد
فارقَ جواد الباروكي الحياة، بعدما فشلت محاولات الكوادر الطبية في مشفى السويداء الوطني إنقاذه جراء إصابته، ومتظاهر آخر يُدعى وليد الجوهري، بأعيرة نارية مرتدة أطلقتها الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد أثناء تفريقها للمتظاهرين بالرصاص الحي، محيط صالة السابع من نيسان وسط مدينة السويداء جنوبي سوريا.
الباكوري والجواهري وعشرات المتظاهرين من أبناء السويداء تجمّعوا صباح الأربعاء 28 فبراير/ شباط أمام صالة السابع من نيسان، التي يتخذها نظام الأسد مركزًا لإجراء عملية التسويات الأمنية، ردّدوا خلالها شعارات مناهضة لنظام الأسد وطالبوا بإسقاطه، تعبيرًا عن رفضهم إعلان نظام الأسد استئناف عمل مركز التسويات الأمنية في المحافظة، وفتح المجال أمام المشاركين في الحراك السلمي لإجراء عمليات التسوية الأمنية.
واجهت عناصر الأجهزة الأمنية المحتجّين بإطلاق أعيرة نارية في الهواء بهدف منعهم من اقتحام المبنى، إلا أن وقوع جرحى جراء إطلاق الرصاص، تسبّب في تعرض العناصر لضغط كبير ونزع السلاح، ما أدّى إلى تراجع وانسحاب القوى الأمنية التي ترافق لجان التسوية وتشرف على حراسة المبنى، حسب ما نقلت شبكة “السويداء 24”.
وجاء زخم الاحتجاجات عقب دعوات وجّهها ناشطون للاحتجاج على إعادة فتح مركز التسويات الأمنية منذ أسبوع، بعد توقفه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بسبب الحراك الشعبي المتواصل والضغط الكبير على المراكز الأمنية والحزبية، إلا أن الجديد تداول شائعات عن وجود نيّة لتسجيل أسماء المحتجين من الحراك السلمي لإجراء تسوية أمنية ضمن مراحل قادمة، ما استفزَّ أبناء المحافظة الذين دعوا إلى إغلاقه.
ويعتبَر الباروكي أول قتيل برصاص الأجهزة الأمنية منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء ضد نظام الأسد في أغسطس/ آب الماضي، فيما سبق وأطلقت عناصر نظام الأسد الرصاص على محتجّين سلميين قبل عدة أشهر، إلا أنها اقتصرت على وقوع إصابات في صفوف المتظاهرين.
واتخذ نظام الأسد صالة السابع من نيسان المخصصة للمناسبات مقرًّا للتسويات، تستقبل فيه لجنة مؤلفة من كافة الأفرع الأمنية، بهدف تسوية أوضاع المتخلفين عن الخدمة العسكرية والفارّين والمطلوبين بقضايا أمنية تحت تهمة “الإرهاب” خلال عام 2022.
و”تسوية الوضع” هو تكتيك يتبعه نظام الأسد منذ عام 2011 لامتصاص غضب الشارع من جهة، وتطبيع العلاقات مع الناس من جهة، أخرى لكسر الحالة الاحتجاجية وتمييعها وإعادة فرض نفسه في المدن التي تخرج عن سيطرته، حيث يحصل على تعهد من النشطاء والمتظاهرين بعدم التظاهر والاحتجاج والمشاركة بالأنشطة الثورية مقابل إزالة أسمائهم من حواجز قواته وقوائم المطلوبين لديه.
دعوات للحفاظ على سلمية الاحتجاجات
الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمة الهجري، دعا إلى “ضرورة الحفاظ على المسار السلمي للحراك، ومحاسبة الفاعل بما فعل”، في تعليق له على مقتل متظاهر على يد الأجهزة الأمنية التي وصفها بـ”أيادي الغدر”، حسب ما نقلت شبكة “الراصد” المحلية.
وقال الصحفي في مركز إعلام الانتفاضة، مرهف الشاعر، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن موقف منظّمي الحراك من تصعيد نظام الأسد ثابت، ويواجه بغصن الزيتون وقوة الكلمة الحرة، ولن يتنازل السوريون عن مطالبهم في التغيير السياسي السلمي، وتطبيق القرار الأممي 2254 باعتباره أحد الحلول للمأساة السورية”.
وأضاف: “إن العمل المدني والاجتماعي والسياسي في الحراك السلمي المناهض لنظام الأسد، أبرز ما يواجه رصاص الأجهزة الأمنية التي تعبث في أمن المحافظة وتفرّق أبناء الجبل وتشتّت وحدتهم، من خلال التضييق وتجاهل مطالب المحتجين”.
وتابع المتظاهرون سيرهم بعد وقوع إصابات في صفوفهم، جراء إطلاق الرصاص، نحو الشعبة الحزبية الغربية، حيث أفرغوا محتوياتها وأغلقوها، متجهين نحو ساحة الكرامة/ السير وسط المحافظة، حسب ما أوردت “السويداء 24”.
وفي 27 فبراير/ شباط، شهدت السويداء إضرابًا جزئيًّا شمل معظم المناطق، تخلّله قطع طرقات رئيسية أشعلوا فيها الإطارات، منها طريق دمشق السويداء، وبلدات عتيل مفعلة، وقنوات شمال شرق مدينة السويداء، والمزرعة غربًا، والقريا والغارية جنوبًا، فيما نظّم متظاهرون وقفات احتجاجات شعبية عطّلت مؤتمرًا لنقابة المهندسين الزراعيين، الذين استضافوا منتسبين في حزب البعث، فيما أغلقوا مقرّ الشعبة الحزبية الشرقية.
جاء ذلك عقب دعوة وجّهها منظمو حراك السويداء لتنفيذ إضراب عام يوم الثلاثاء الماضي، تأكيدًا على انتهاء تحكّم حزب البعث في الحياة العامة، واحتجاجًا على موجة الغلاء المتلاحقة، وتدهور دخل المواطنين، وتجاهل نظام الأسد للاحتجاجات.
ونصّت الدعوة الموجّهة إلى أهالي محافظة السويداء، على أن “محاولة حزب البعث العودة إلى المشهد في المحافظة، وموجة الغلاء والتدهور المتسارع في دخل الناس، يدفعنا لتفعيل العمل السلمي بوسائل جديدة، ومنها الإضراب المدني الذي هو حق الناس بالتعبير؛ وغدًا هو يوم إضراب عام يوجّه رسالة أن لا عودة لحزب البعث، وأن حقوق الناس لا يمكن التلاعب بها”.
يشار إلى أن تصاعد الاحتجاجات تزامنَ مع بدء الانتخابات الحزبية، تمهيدًا لانتخابات اللجنة المركزية في حزب البعث، والتي انطلقت في ديسمبر/ كانون الأول 2023، عندما عقد رأس نظام الأسد اجتماعًا مع اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات.
مخاوف من الانجرار إلى الحراك المسلح
شنَّ مجهولون سلسلة من الهجمات المتزامنة بالقذائف الصاروخية والرصاص، استهدفت عددًا من المواقع الأمنية، والمقار العسكرية التابعة لنظام الأسد في مدينة السويداء ومحيطها، ليل الأربعاء/ الخميس.
وأكّدت مصادر محلية من محافظة السويداء لـ”نون بوست”، “أن مجهولين استهدفوا مقرات أمنية من بينها مركز مخابرات، والفوج 44 التابع لجيش نظام الأسد، ومقر قيادة فرع حزب البعث، وفرع أمن الدولة في مدينة السويداء”، وأضاف المصدر: “تمّ سماع صوت انفجار قرب موقع حادثة مقتل المتظاهر جواد الباروكي على يد الأجهزة الأمنية، فيما يبدو أنه ردّ على الحادثة التي وقعت صباح الأربعاء”.
من جانبها، قالت شبكة “السويداء 24”: “إن قصفًا بقذيفة آر بي جي استهدف منزلًا سكنيًّا، بالقرب من صالة السابع من نيسان بعد منتصف الليل (في موقع مقتل المتظاهر صباح الأربعاء)، ما أدّى إلى أضرار في المنزل دون وقوع إصابات”، مشيرةً إلى “نجاة سكان المنزل بأعجوبة”.
"اللي بيقتل شعبه خاين".. لحظات دخول حشود كبيرة من المحتجين إلى ساحة الكرامة وسط السويداء، عقب انتهاء تأبين الفقيد جواد الباروكي، اليوم الخميس. pic.twitter.com/Bw2TJDrXpf
— السويداء 24 (@suwayda24) February 29, 2024
وعلق الشاعر خلال حديثه لـ”نون بوست”، قائلًا: “إن وضع محافظة السويداء الراهن كشعلة نيران ما زالت تتّقد، بينما يصرّ الأهالي على استمرار الاحتجاجات حتى تحقيق مطالبهم، رغم ممارسات الأجهزة الأمنية ومحاولات التضييق المستمرة لوأد الاحتجاجات من قبل نظام الأسد”، مضيفًا: “إن الأيام القادمة تحمل في طياتها احتمالات تصعيد عسكرية تصل حدّ المواجهة، رغم تأكيدنا على سلمية الحراك”.
وحذّر ناشطون من مواجهة نظام الأسد بالسلاح، كونها إحدى رغباته في تسليح الحراك السلمي، وإيجاد ذريعة من خلال اختلاق روايات عن وجود هجمات ينفذها مسلحون ضد المدنيين والمقار والمؤسسات العسكرية، في إشارة إلى ما حدث ليل الأربعاء/ الخميس.
عاجل: أفاد مراسل السويداء 24 عن اختراق إحدى القذائف الصاروخية شقة سكنية في مدينة السويداء، مما أدى لأضرار فادحة داخل الشقة الكائنة في الطابق الرابع، بالقرب من صالة السابع من نيسان.
وأوضح مراسلنا أن السكان نجوا بأعجوبة من الضربة التي اخترقت جدار الشقة، وأحدثت أضراراً بالغة… pic.twitter.com/zcIEFPqQrJ
— السويداء 24 (@suwayda24) February 28, 2024
فيما أبدى آخرون مخاوفهم من مساعي نظام الأسد في نسج رواية يتخذها ذريعة للاجتياح والقمع العسكري، وجرّ السويداء إلى مستنقع من الدماء، وهو ما اعتاد عليه نظام الأسد في سيناريوهات سابقة خلال مواجهة الاحتجاجات السورية المطالبة بالحرية والتغيير الديمقراطي، مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.
تواصل محافظة السويداء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الأسد منذ أغسطس/ آب الماضي، وسط تجاهل متعمّد من نظام الأسد لمطالب المحتجين، من خلال استمرار رفع أسعار السلع الأساسية وتحرير سلع مدعومة، في ظل أزمة اقتصادية حادّة تعيشها البلاد.