ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال السنوات الأخيرة، تراجعت شعبية تاج محل، النصب التذكاري في الهند الذي يرمز للحب الأبدي. فقد تقلصت أعداد الوافدين على المكان، فضلا عن أن الهواء الملوث قد حوّل لون الرخام الأبيض الأثري إلى أصفر. وما يزيد الأمر سوءا، في الوقت الراهن، أن بعض الأشخاص في الهند يزعمون أن الحكومة القومية الهندوسية المنتخبة مؤخرا في ولاية أتر برديش، قد أقدمت على منع أي دعم أو تقديم الأموال للاهتمام بالموقع المشهور عالميا، نظرا لأنه قد شُيّد على أيدي الغزاة المسلمين.
فضلا عن ذلك، تبنى رئيس الوزراء الجديد للبلاد، الكاهن الهندوسي، يوغي أديتياناث هذا الموقف السلبي تجاه هذا النصب التذكاري. فقد أعرب أديتياناث عن أسفه إزاء إهداء النماذج المصغرة من تاج محل للزوار الأجانب، مشيرًا إلى أن هذا النصب “لا يعكس الثقافة الهندية”.
وتجدر الإشارة إلى أن صندوق التراث الثقافي لم يخصص لتاج محل، الذي يعتبر من بين أفضل الوجهات السياحية في البلاد، أي موارد مالية ضمن ميزانية الدولة للسنة القادمة. علاوة على ذلك، تم حذف النصب من الكتيب السياحي، الذي أدرج فيه كافة المشاريع الهامة التي اضطلعت بها إدارة السياحة في أتر برديش، رسميا. وقد أثار هذا الأمر موجة من الاحتجاجات في الحزب الرئيسي المعارض بالبلاد.
في 26 من يونيو/ حزيران، أدى المسلمون الهنود صلاة عيد الفطر في تاج محل في أغرة
في السياق ذاته، قال المتحدث باسم حزب المؤتمر الوطني الهندي، ابهيشيك مانو سينغفي، إنه “في حال استبعدنا تاج محل من كتيب السياحة سيكون ذلك بمثابة خطوة كارثية. في الواقع، يعد هذا الأمر بمثابة تمييز ديني واضح، في غير محله تمامًا”. من جانبها، سارعت حكومة أديتياناث بالرد على هذه الاتهامات مؤكدة أن الدولة خصصت 22 مليون دولار لتجديد بوابات النصب التذكاري، والقيام بأعمال صيانة وإنشاء موقف سيارات متعدد الطوابق.
من جانبه، صرح أوانيش أواسثي السكرتير الأول لأديتياناث، أن: “تاج محل يعتبر أحد عجائب الدنيا السبع، ولطالما كان أولوية ليس فقط بالنسبة لأتر برديش ولكن بالنسبة للهند بأسرها. عموما، سيكون هذا النصب دائمًا محور كل سياستنا السياحية، ولكن هناك بعض المشاريع الجديدة الأخرى التي نريد أن نسلط الضوء عليها أيضا”.
والجدير بالذكر أن ضريح تاج محل، الذي يعد أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، قد شيد في القرن 17 من قبل الإمبراطور المغولي “شاه جاهان في ذكرى زوجته الراحلة “ممتاز محل”. وفي الوقت الراهن، يعتبر الضريح من أروع نماذج الهندسة المعمارية الهندية الإسلامية. وفي هذا الصدد، وصف الشاعر الهندي الشهير، رابيندراناث تاغور، المكان على اعتباره “دمعة على خد الزمان”.
لطالما كان تاج محل أحد المواقع السياحية الرئيسية الأكثر استقطابا للسياح الأجانب. في المقابل، أخذت أعداد الزائرين تتراجع منذ سنة 2012، على الرغم من إنشاء طريق سريع، مما ساهم في انخفاض مدة رحلة الحافلات السياحية من العاصمة نيودلهي إلى الموقع إلى أقل من 3 ساعات.
في الحقيقة، لم تكن الصورة التي انتظرت رؤيتها عن تاج محل، كما هي، أحد عجائب الدنيا السبع في العالم والمكان الأثري الذي بني قبل 500 سنة والذي يأتي الجميع من مختلف أنحاء العالم ليزوره
وفقا لوزارة السياحة، زار قرابة 480 ألف سائح أجنبي الموقع في سنة 2015. وقد تراجعت أعداد السياح بنسبة 35 % مقارنة بنحو 743 ألف سائح زاروا المكان في سنة 2012. كما انخفضت السياحة المحلية بحوالي 400 113 ألف سائح في الفترة الممتدة بين سنة 2012 وسنة 2015. في سياق متصل، قدّم المسؤولون الهنود في مجال السياحة أسبابا متفاوتة لتبرير هذا الانخفاض. فقد أوعز الكثيرون الأمر إلى الوضع الاقتصادي، وانعدام البنية التحتية، فضلا عن المخاوف الأمنية خاصة بعد عملية الاغتصاب الجماعي في نيودلهي، سنة 2012.
من جانب آخر، أثار لاعب نادي غولدن ستيت واريورز، كيفين وينا ديورانت جدلا كبيرا، عقب التصريحات شديدة اللهجة والعبارات القاسية التي اعتمدها لوصف الظروف السيئة التي تحيط بمعلم تاج محل. ويأتي ذلك بعد زيارة أداها إلى الموقع التاريخي خلال هذه الصائفة، في إطار جولة رسمية لكرة السلة الوطنية.
في حوار أجراه مع موقع أتلاتيك، صرّح كيفين ديورانت أنه “عندما كنت في طريقي إلى تاج محل، كنت أعتقد أن المكان سيكون أشبه بالأرض المقدسة، ومحميا ونظيفا جدا. ولكني، وباتجاه تاج محل، سلكت طرقا ملتوية، أعادت في ذهني صور بعض الأحياء المتواضعة التي كنت أذهب إليها عندما كنت صغيرا” .
وأضاف ديورانت أن “الشوارع المؤدية لتاج محل كانت مليئة بالطين فضلا عن بالمنازل التي لا أبواب لها ولا نوافذ، ناهيك عن الأبقار التي تجول في الشارع، والكلاب الضالة. في الحقيقة، لم تكن الصورة التي انتظرت رؤيتها عن تاج محل، أحد عجائب الدنيا السبع في العالم والمكان الأثري الذي بني قبل 500 سنة والذي يأتي الجميع من مختلف أنحاء العالم ليزوره”.
البرامج الحكومية يجب أن يقع دعمها من خلال الميزانية السنوية. وفي حال لم يتم تخصيص ميزانية لتاج محل، فسوف يتهاوى هذا المعلم التاريخي وبسرعة
في وقت لاحق، اعتذر ديورانت على تصريحاته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. من جهتهم، أعرب مسؤولون محليون في ولاية أغرة عن أسفهم لإهمال الإدارة للمبنى وتفضيلها المواقع الدينية الهندوسية. وفي سياق متصل، قال سكرتير نقابة سياحة أغرة، راجيف ساكسينا إن “الحكومة الحالية لا تدعم أغرة على اعتبارها إحدى الوجهات السياحية بسبب آثارها المغولية، علما وأنه لم يقع تخصيص أموال لتنمية السياحة. يبدو أن تركيزهم ينصب على السياحة الدينية الهندوسية”.
من جانب آخر، يعتقد بعض النقاد أن حكومة أديتياناث ركزت على تعزيز أماكن سياحية أخرى مثل مدينة فاراناسي القديمة، وموقع الحج الهندوسي، وجوراكبور، حيث يشغل أديتياناث منصب رئيس كهنة معبد كبير.
في الإطار ذاته، قال ساكسينا إن “حكومة الولاية السابقة قد أطلقت خططا لإقامة متحف المغول والمركز التوجيهي في تاج محل، ولكن من غير الواضح ما إذا كان سيتم تمويلها بالكامل للمضي قدما في هذه الخطط”. وأضاف المصدر نفسه أن “البرامج الحكومية يجب أن يقع دعمها من خلال الميزانية السنوية. وفي حال لم يتم تخصيص ميزانية لتاج محل، فسوف يتهاوى هذا المعلم التاريخي وبسرعة”.
المصدر: واشنطن بوست