“مشروب الدم مش عايزين، في المقاطعة مكملين”.. بهذا الهتاف المدوي هزّت جماهير نادي الزمالك المصري أرجاء الصالة الرياضية، التي احتضنت نهائي السوبر المصري للكرة الطائرة أمام نادي الأهلي، مساء الثلاثاء 27 فبراير/ شباط 2024، رافضة بشكل قاطع تعاقد فريقهم مع شركة كوكا كولا للمشروبات الغازية.
جاء هذا الهتاف ضد الشركة الأمريكية المعروف دعمها للكيان الإسرائيلي، بسبب تقارير تحدثت عن احتمالية إبرام اتفاق رعاية بينها ونادي الزمالك المصري، وهو ما رفضته الجماهير الزملكاوية التي أعلنت تمسّكها بالمقاطعة، دعمًا لأهل غزة في مواجهة دولة الاحتلال وداعميها في مختلف دول العالم.
وتعيد تلك الواقعة التي قوبلت باحتفاء كبير على منصات التواصل الاجتماعي، التذكير مجددًا بسلاح المقاطعة الذي يعدّ الخيار الوحيد أمام الشارع العربي والمسلم من باب أضعف الإيمان، في ظل الخذلان الرسمي الفاضح الذي يتعرض له أهل غزة من الأشقاء والجيران وأبناء العمومة والمجتمع الدولي.
خسائر كبيرة.. الأرقام لا تكذب
بعيدًا عن المزاعم والادّعاءات التي تقلّل من تأثير المقاطعة كسلاح فعّال، في مواجهة الداعمين للاحتلال في جرائم الإبادة التي تُشن ضد الفلسطينيين على مدار قرابة 5 أشهر، إلا أن التقارير الواردة عن تلك الشركات المستهدَفة بهذا السلاح تؤكد حجم الألم الذي تعرضت له منذ بداية الحرب، والخسائر الهائلة التي مُنيت بها، سواء في تراجع مبيعاتها أو انخفاض قيمة أسهمهما في البورصات العالمية.
– شركة ماكدونالدز الأمريكية.. أسفرت حملات المقاطعة عن تراجع نمو المبيعات إلى أقل من 4% في الربع الأخير من عام 2023 (أول 3 أشهر من الحرب)، مقارنة بنمو كان عند 8.8% في الربع الثالث من العام ذاته، ما يعني أن مبيعاتها تراجعت إلى أكثر من النصف خلال 3 أشهر فقط، فيما انخفض سهم الشركة بصورة ملحوظة كذلك.
مع الوضع في الاعتبار أن الشركة تمتلك نحو 40 ألف مطعم في العالم، نصيب الشرق الأوسط منها 5% فقط، وهو ما يعني أن تلك النسبة الضئيلة يمكنها ضرب المبيعات بشكل كامل، إذا ما أُضيف إليها حجم المقاطعة في الأفرع الأخرى في مختلف دول العالم، حيث الجاليات العربية والإسلامية التي يمكنها -إذا ما قررت- تكبيد تلك الشركات خسائر فادحة.
وبينما كانت الشركة تتوقع نموًّا في الإيرادات بنسبة 6.45 مليارات دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي، تراجعت الإيرادات إلى 6.41 مليارات دولار، ويرجع هذا الانخفاض بالتحديد في أفرع الشركة في منطقة الشرق الاوسط والهند وإندونيسيا وماليزيا والبلدان ذات الأغلبية المسلمة، وفق ما ذكر الرئيس التنفيذي للشركة كريس كيمبكزينسكي.
– سلسلة مقاهي ستاربكس.. تراجعت مبيعات الشركة بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حسبما تحدث الرئيس التنفيذي لها لاكسمان ناراسيمهان، لافتًا إلى أنه رغم زيادة الإيرادات بنسبة 8% إلى 9.4 مليارات دولار في الربع الأخير من عام 2023، إلا أن ذلك لم يكن المتوقع، ما دفع الشركة إلى مراجعة أهداف نمو مبيعاتها السنوية نزولًا بحوالي 4-6%.
كما انخفض سهم السلسلة خلال يناير/ كانون الثاني الماضي بنسبة 7.4%، ما كبّدها خسارة تجاوزت حوالي 12 مليار دولار من قيمتها السوقية، حيث يتداول سهم الشركة حاليًّا عند حوالي 95 دولارًا للسهم، مقارنة بما كان عليه عند حاجز 115 دولارًا قبل بداية الحرب.
لأي حد مش مقاطع، صفحة كنتاكي منزلة بوست:
عذرًا، لا توجد خيام هنا، فقط دجاج جيد يلعق أصابعك، تمامًا بالطريقة التي تريدها لإضفاء نكهة مميزة على عطلة نهاية الأسبوع..
خلي عندك شوية دم وقاطع. pic.twitter.com/7LAbVNXLMg
— KAFRAWY (@Kafrawykafr) February 18, 2024
– شركة دومينوز بيتزا.. انخفضت مبيعات السلسلة المنتشرة بصورة كبيرة في بلدان آسيا تحديدًا، بنسبة 8.9% خلال النصف الثاني من العام الماضي، وذلك بسبب حملات المقاطعة التي تعرّضت لها إثر تداول صور لها على منصات التواصل الاجتماعي وهي توزّع وجبات مجانية على الجنود الإسرائيليين، فيما أكّد مديرها العام، دونالد جيفري ميغ، على تأثير المقاطعة على مبيعات الشركة.
– شركة يام (Yum).. تراجعت إيرادات الشركة الأمّ لكنتاكي وبيتزا هات وتاكو بيل بسبب المقاطعة والانتقادات التي تعرّضت لها بسبب دعمها لجيش الاحتلال، حيث بلغت خلال الربع الرابع من عام 2023 حوالي 2.04 مليار دولار فيما كانت التوقعات عند 2.1 مليار دولار، فيما تراجعت مبيعات كنتاكي وبيتزا هات في الشرق الأوسط بنسبة 5% و3% على التوالي.
– هذا بخلاف سلاسل وشركات أخرى مُنيت بخسائر كبيرة في إيرادات مبيعاتها بسبب المقاطعة، ومنها بوما العالمية، كارفور وأكسا (AXA) الفرنسيتان، HB، أهافا، صودا ستريم، شركة JCB وشركة هيونداي للمعدّات الثقيلة (HD Hyundai)، بالإضافة إلى كاتربيلر وهيتاشي وفولفو، أيضًا شيفرون الأمريكية والمجموعة الألمانية سيمنز.
سلاح مؤثر رغم النفي
تحاول الشركات المستهدَفة بالمقاطعة التقليل من تأثير تلك الحملات الشعبية التي زاد زخمها مع بداية الحرب على غزة، في ظل عدم استشعار تلك الشركات لأي حرج في الإعلان عن دعمها لجيش الاحتلال، رغم الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها ليلًا نهارًا بحقّ نساء وأطفال وشيوخ غزة.
ولعبت إدارات تلك السلاسل العملاقة، من أجل تثبيط همم المقاطعين وسحب بساط الحماسة والأمل بشأن هذا الحراك وتأثيره، على 3 أوتار رئيسية، الأول نفي تأثير المقاطعة بالكلية، وتجاهل معدلات التراجع في المبيعات وانخفاض الإيرادات وقيم وسعر الأسهم، وهو النفي الذي سرعان ما يتبخّر أمام الأرقام الرسمية الصادرة عن تلك الشركات وإداراتها التي تؤكد هذا التأثير الواضح.
الثاني: استمالة المقاطعين ومحاولة إسالة لعابهم من خلال موجات التخفيضات المستمرة على منتجات تلك الشركات، التي تتوهّم أن العامل المادي هو الدافع الأساسي للمقاطعة، وهي المحاولات التي لا تحقق أيًّا من أهدافها إلا بنسب بسيطة مع شرائح بعينها، لا تملك العقيدة الراسخة التي تملكها الغالبية بشأن أهمية المقاطعة كمبدأ وأيديولوجيا دينيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا لنصرة أهل غزة في مواجهة الاحتلال وأعوانه.
"الوجود هنا أمام ستاربكس بالكوفية يمثل تضامننا مع #فلسطين ، ليس لي سوى هذه الطريقة" .. فتاة تركية تعبر عن حزنها واستياءها باستمرار نشاط شعبة ستاربكس التي تجاور المسجد النبوي#فلسطين_قضيتنا #غزه_تموت_جوعاً pic.twitter.com/192zZ38L57
— نون بوست (@NoonPost) February 24, 2024
الثالث: الطنطنة على وتر أن المتضرر الأساسي من تلك المقاطعة هي اقتصادات البلدان العربية والإسلامية التي تحتضن تلك الشركات، بزعم أن العاملين فيها من أبناء تلك البلدان وأن أرباحها تصبّ في السوق الوطني، والإيهام بأنه لا علاقة لتلك الشركات بالسلاسل الأمّ إلا فيما يتعلق بالعلامة التجارية المستأجرة فحسب، محذّرين من تداعيات تلك الحملات على مستقبل عشرات الآلاف من العاملين في تلك الكيانات، وانعكاس ذلك على الوضع المعيشي والاقتصادي للدولة والشعب معًا.
وبعيدًا عن تلك الاستراتيجيات التخديرية الثلاثة، وبلُغة الأرقام والبيانات الرسمية وغير الرسمية، أثبتت المقاطعة تأثيرها كسلاح فعّال، حتى وإن لم تحقق التأثير المطلق لكنها حجر ثقيل في بحر مناهضة الاحتلال وداعميه، يمكن البناء عليه في تحقيق أهداف أخرى في مرمى دعم القضية الفلسطينية على المدى البعيد.
قرار لا خيار
أمام خذلان الحكومات إزاء دعم الفلسطينيين، وانبطاح الأنظمة لمقارباتها السياسية والاقتصادية والأمنية، لم يجد العربي ولا المسلم وبقية أحرار العالم سوى المقاطعة كسلاح وحيد، يعبّرون من خلاله عن دعمهم لحقّ الشعب الفلسطيني في الحياة أمام جرّافات القتل والتدمير الإسرائيلية.
حرب موازية، تتجاوز حدود غزة الضيقة إلى آفاق أوسع وعدة مناطق من مختلف بلدان العالم، يرتدي فيها المقاطعون ثياب المقاومين، يحاولون بما أوتوا من قوة وضعف الحيلة تقديم أي وجه من أوجه الدعم الشرعية للقضية الإنسانية الأولى في السنوات الأخيرة، والعروبية الأهم على مرّ التاريخ.
https://twitter.com/DzFire7/status/1762876041637351864?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1762876041637351864%7Ctwgr%5E939a47cda2f8505fda23115eff8e44bd1afd1754%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.alaraby.co.uk%2Fsport%2FD8A5D8B4D8A7D8AFD8A9-D8A8D8ACD985D987D988D8B1-D8A7D984D8B2D985D8A7D984D983-D8A8D8B9D8AF-D8A5D8B9D984D8A7D986-D8B1D981D8B6D987-D8B9D982D8AF-D8B1D8B9D8A7D98AD8A9-D983D988D983D8A7D983D988D984D8A7-D8AFD8B9D985D8A7D98B-D984D8BAD8B2D8A9
ورغم انطلاق حملات المقاطعة منذ عام 2005، إلا أنها اليوم باتت لاعبًا مؤثرًا في المشهد، بعدما تحولت المعركة مع الاحتلال إلى حرب مكشوفة، سقطت فيها الأقنعة عن الجميع لتنكشف أوجه الخصوم والحلفاء معًا، بما لا يجدي معها استراتيجيات المواءمات والتحايلات واللعب من تحت الطاولة.
وعامًا تلو الآخر، ترسّخ المقاطعة نفسها كإحدى الاستراتيجيات التي يجب أن تكون حاضرة على الساحة طالما ظلَّ الاحتلال يراوح مكانه، وأداة متواصلة ومستمرة وليست مؤقتة، وقاعدة قابلة للتوسع رأسيًّا وأفقيًّا، تحارب بما لديها من إمكانات، جنبًا إلى جنب المقاومة المسلحة، حتى تحرير الأرض المحتلة.
وبعد سنوات من النضال المسلح، وتقييم موضوعي للموقف العربي إزاء القضية الفلسطينية بصفة عامة، أثبتت المقاطعة أنها سلاح لا يمكن نزعه أو التخلي عنه، سلاح مزدوج التأثير: إضعاف لاقتصاد العدو وتجفيف لمنابع دعمه ودفع لإعادة النظر في سياسات ومواقف حلفائه من جانب، ودعم للاقتصاد الوطني العربي وتعزيز الصناعات الوطنية من جانب آخر، ما يشدد على ضرورة التشبّث به مهما كانت الضغوط والادّعاءات والمزاعم التي يروّجها المثبطون.