في زيارة وصفت بـ “التاريخية” وصل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مساء أمس الأربعاء إلى موسكو على رأس وفد رفيع، حيث كان في استقباله دميتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، وسط آمال وطموحات من قبل كل من الرياض وموسكو في تدشين صفحة جديدة في العلاقات المشتركة.
الزيارة التي تعد الأولى لملك سعودي إلى روسيا في تاريخ العلاقات بين البلدين تأتي في ظل تباين واضطراب وجهات النظر حيال العديد من الملفات الإقليمية، فضلا عما تعاني منه خارطة التحالفات في المنطقة من تغيرات متلاحقة، ما دفع بصعود بورصة التكهنات مجددًا حول ما يمكن أن تضفيه هذه الزيارة على المشهد الإقليمي برمته.
العلاقات بالأرقام
بعيدًا عن التوتر الذي شهدته العلاقات السعودية الروسية في الآونة الأخيرة جراء توجهات كل دولة حيال بعض ملفات المنطقة إلا أن العلاقات بينهما تمتد إلى ما يقرب من 91 عامًا سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
سياسيًا. كان الاتحاد السوفيتي أول دولة غير عربية اعترفت بالمملكة العربية السعودية وأقام معها علاقات دبلوماسية في فبراير عام 1926، وبعد التفكك صدر بيان مشترك في 17 سبتمبر عام 1990 بإعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية على أسس ومبادئ ثابتة .
واستمرت العلاقات بين الرياض وموسكو على أسس من التنسيق والتعاون في القضايا المحورية في الشرق الأوسط كللت بعدد من الزيارات المتبادلة لعل آخرها زيارة ولي العهد، محمد بن سلمان في 2015 لروسيا.
اقتصاديًا..خلال السنوات الأخيرة شهد حجم التبادل التجاري بين السعودية وروسيا نموًا غير مسبوقًا، وإن كان أقل من المأمول بحسب محللين، فقد بلغ العام الماضي نصف مليار دولار، منها 350 مليون دولار صادرات روسيا إلى السعودية، مقابل واردات بقيمة 150 مليون دولار.
تأتي زيارة العاهل السعودي لروسيا في ظل تخمة أجندة الملفات المشتركة بين البلدين، والتي طفت على السطح في أعقاب الربيع العربي، حيث تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة للحرب بالوكالة
وبحسب موقع “ITC Trade” فقد احتلت السعودية،العام الماضي، المرتبة الـ60 في ترتيب الدول التي صدرت لها روسيا بضائع وسلعا من حيث القيمة، فيما جاءت روسيا في المرتبة الـ82 في قائمة الدول التي تصدر لها المملكة، ومن المتوقع أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز الـ 10 مليارات دولار العقد المقبل.
وفي العامين الماضيين عقد البلدين حوالي 9 صفقات استثمارية بقيمة مليار دولار في قطاعات مختلفة، تشمل البنية التحتية والبتروكيماويات وقطاعات أخرى، حسبما كشف صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي الذي تم تدشينه بعد زيارة بن سلمان في 2015 بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع مختلفة في روسيا.
لحظة وصول العاهل السعودي لروسيا
6 ملفات على طاولة بوتين – سلمان
تأتي زيارة العاهل السعودي لروسيا في ظل تخمة أجندة الملفات المشتركة بين البلدين، والتي طفت على السطح في أعقاب الربيع العربي، حيث تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة للحرب بالوكالة أفرزت تشكيلات متباينة من التحالفات والتشكيلات السياسية.
العلاقات السعودية الروسية تأثرت في السنوات الأخيرة – صعودا وهبوطًا- جراء حزمة من الملفات الإقليمية، تباينت حيالها توجهات البلدين، وربما هذا ما يضفي أهمية على تلك الزيارة التي وصفتها وسائل الإعلام هنا وهناك بالتاريخية، نظرا لما يفترض أن تناقشه من قضايا ستوضع بلا شك على طاولة لقاء بوتين- سلمان ربما تؤثر على المشهد السياسي والاقتصادي في المنطقة بصورة كبير.
أولا: الملف السوريتعاطي كلا البلدين مع الأزمة السورية منذ بدايتها كان يتسم بالتباين الأقرب للعداء في التوجهات والمواقف وما نتج عنها من سلوكيات على الأرض، إلا أنه ومع مرور الوقت بدأ النفوذ السعودي يفقد بريقه رويدًا رويدًا في مقابل تصدر موسكو حلبة الصراع كونها اللاعب الأكثر حضورًا وتأثيرًا خاصة بعد تراجع الدور الأمريكي بسبب أزماته الداخلية حينها.
هذا التغير في خارطة النفوذ داخل سوريًا ساهم بشكل كبير مع مرور الوقت في إعادة النظر في التوجهات السابقة، حيث قطعت روسيا والسعودية شوطًا كبيرًا من المفاوضات في هذا الملف أفضى إلى تقارب وجهات النظر بين البلدين، رغم وجود الكثير من الخلافات بينهما ، على رأسها مصير الأسد،هذا في الوقت الذي أعربت فيه موسكو عن تقديرها الكبير لدور المملكة في توقيع اتفاق القاهرة بين روسيا والمعارضة السورية الخاص بمناطق “الغوطة” و”الرستن”، وتعتبر موسكو أن الرياض يمكن أن تلعب دورا مهما جدا في إنشاء مناطق تخفيف التصعيد.
يذكر أن الموقف السعودي تجاه سوريا قد طرأ عليه بعض التغيرات والتحولات في الآونة الأخيرة من الداعم بشدة لضرورة رحيل “الأسد” عن الحكم وهو ما كان مرتبطًا بإدارة “أوباما”، التي كان لها نفس الموقف، إلى التراجع خطوة للوراء والإعلاء من الحل السياسي الذي يفضي في النهاية إلى الرحيل، تلك الرؤية التي تبدلت مع قدوم ترامب، وهو ما كشفته تصريحات وزير خارجيتها عادل الجبير في أكثر من مناسبة، وهذا ما دفع المملكة إلى إحداث تقارب مع موسكو في هذا المضمار.
تحيا السعودية حالة من انسداد الأفق في معظم الملفات العالقة، بدءًا من اليمن في ضوء ما تتكبده من خسائر مادية وبشرية مرورًا بسوريا حيث تراجع دورها في بشكل ملحوظ، وصولا إلى فتح جبهة جديدة مع جارتها قطر
ثانيًا: الملف اليمني
تحاول موسكو فرض نفسها على المشهد اليمني بصورة كبيرة وإن كان نفوذها أقل مما هو عليه في سوريا، إلا أن الصورة الذهنية المتكونة هن الارتباط الوثيق بينها وبين حليفتها طهران ربما يدفعها لأن تكون أحد أوراق اللعبة المؤثرين في الصراع داخل اليمن، وهو ما انعكس بصورة أو بأخرى على زيادة النفوذ الإيراني في مقابل تراجع الدور السعودي الإماراتي على وجه الخصوص.
الرياض تؤمن تمامًا أن الحل اليمني لا يمكن أن يكون بمعزل عن الدب الروسي، خاصة بعد تلويح الأخير أكثر من مرة بالتدخل العسكري بدعوى محاربة تنظيم القاعدة في اليمن وهو ما أثار الجدل حينها سواء لدى الرياض أو واشنطن، ومن ثم سيكون هذا الملف حاضرًا وبقوة خلال الزيارة الحالية.
ثالثًا: الأزمة الخليجيةثالث الملفات المتوقع حضورها على طاولة لقاء بوتين – سلمان هو ملف الأزمة القطرية الأخيرة والتي كان لها دورًا مؤثرا في تشكيل جبهات جديدة من التحالفات في المنطقة أثارت حفيظة الدول المقاطعة للدوحة وعلى رأسها السعودية.
الموقف الروسي حيال تلك الأزمة واضحًا، إذ يميل إلى إيجاد مقاربة متوازنة للطرفين، القطري والسعودي، وهو ما اتضح خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس بوتين وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، حيث أكد بوتين أهمية الجهود السياسية–الدبلوماسية المبذولة لتجاوز هذا “الوضع الصعب”، – بحسب بيان الكرملين.
رابعًا: التقارب مع إيرانإيمان الرياض بحجم النفوذ الروسي لدى طهران كان دافعًا رئيسيًا لأن يجعل ملف التقارب السعودي الإيراني أحد الملفات المتوقع إدراجها على طاولة اجتماعات بوتين- سلمان ، خاصة وأن التوجهات السعودية الأخيرة تسير في إطار تخفيف حدة التوتر مع الدولة الإسلامية خاصة بعدما نجحت في فرض نفسها كأحد القوى المؤثرة في المشهد الإقليمي.
خامسًا: انفصال كردستانالموقف الروسي تجاه مساعي إقليم كردستان العراق إلى الانفصال موقف غير واضح بصورة كاملة، فموسكو على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف عبرت أكثر من مرة عن إيمانها بأن عملية الاستفتاء “تعبير عن تطلعات الشعب الكردي” غير أنها دعتهم في الوقت ذاته إلى دراسة التوابع الناجمة عن هذه الخطوة.
الموقف السعودي يبدوا هو الآخر غامضًا حيال هذا الملف، فرغم البيانات الصادرة عن الخارجية السعودية بشأن التحذير من عملية الاستفتاء لما سيترتب عليها من أزمات قد تمتد إلى دول المنطقة بأكملها، إلا أن هناك من يشير إلى دعم كل من الرياض وأبو ظبي لهذه الخطوة نكاية في تركيا.
سادسًا: الطاقةيعد ملف الطاقة من أكثر الملفات أهمية في تاريخ العلاقات بين السعودية وروسيا، إذ أن كلا البلدين يعتبر من أكبر المؤثرين الرئيسين في سوق النفط العالمية، وهذا جعل التقارب في وجهات النظر بينهما حيال مستقبل الطاقة في المنطقة واستراتيجيات زيادة الإنتاج أو تقليصه قضية مهمة، خاصة بعد التوتر الذي شاب العلاقات بينهما إثر تلويح الرياض بعدم الاستجابة لاتفاق فيينا النفطي القاضي بتقليص إنتاجهم بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا والموقع العام الماضي، وإن تراجعت المملكة فيما بعد عن موقفها.
تهدف المملكة إلى توظيف نفوذ موسكو لدى طهران في إحداث حالة من التقارب بين الأخيرة والرياض، خاصة بعدما بات هذا التوجه أحد الاستراتيجيات الجديدة التي أقرها ابن سلمان في خطته المعدة لخلافة والده
ماذا يريد سلمان؟
تحيا السعودية حالة من انسداد الأفق في معظم الملفات العالقة، بدءًا من اليمن في ضوء ما تتكبده من خسائر مادية وبشرية مرورًا بسوريا حيث تراجع دورها في بشكل ملحوظ، وصولا إلى فتح جبهة جديدة مع جارتها قطر، هذا غير ما تواجهه من توتر داخلي سواء أمنيًا في حدودها الشرقية أو سياسيًا جراء محاولات تصعيد محمد بن سلمان خلفًا لوالده.
هذا الموقف المتأزم الذي تواجهه السعودية دفعها لأن تعيد النظر في وضعها الراهن، وخارطة تحالفاتها، ومن ثم وفي ضوء ما تحققه موسكو من نجاحات في توسيع نفوذها كلاعب رئيسي في معظم تلك الملفات، كان تحويل قبلة سلمان صوب الكرملين.
فسلمان يسعى من خلال لقاءه ببوتين تحقيق عدد من المكاسب على عدة مستويات:
سياسيًا: تقريب وجهات النظر حيال الموقف في سوريا، ومحاولة التوصل إلى تفاهمات مشتركة حول إنهاء حالة الصراع وفق رؤية جديدة تسعى الرياض من خلالها إلى تخطي معضلة الإبقاء على الأسد في منصبه، ودخوله طرفًا في المرحلة الانتقالية، بحيث تحفظ المملكة ماء وجهها وتخرج بأقل الخسائر السياسية من خلال هذه المعركة.
وفي المقابل قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن موسكو تأمل أن تبث زيارة الملك سلمان الروح في علاقة تملك إمكانات هائلة، مؤكدا أن بلاده مهتمة بمواصلة الحوار مع الرياض “بشأن الشرق الأوسط وسوريا على وجه الخصوص”.
كذلك تهدف المملكة إلى توظيف نفوذ موسكو لدى طهران في إحداث حالة من التقارب بين الأخيرة والرياض، خاصة بعدما بات هذا التوجه أحد الاستراتيجيات الجديدة التي أقرها ابن سلمان في خطته المعدة لخلافة والده، والتي تسير في جزء منها عكس التيار التقليدي المتعارف عليه سعوديًا، فالهدف الذي يسعى إلى تحقيقه من وراء هذا كله يتمحور في بلوغ حلم الخلافة حتى ولو كان ذلك عبر التخلي عن المعتقدات والثوابت القديمة، بما يتماشى مع توجهات أبناء زايد المعروف عنهم علاقتهم القوية بطهران وإن كان ما يثار في الإعلام عكس ذلك.
هذا علاوة على محاولة الخروج من المأزق في اليمن خاصة بعد تأزم الوضع السعودي بصورة كبيرة في أعقاب تلويح بعض القوات المشاركة معها في قوات التحالف بالانسحاب بخلاف الخسائر التي تتكبدها على أرض الواقع دون تحقيق الانتصار المتوقع.
اقتصاديًا: تسعى الرياض إلى توسيع دائرة نشاطها الاقتصادي وتبادلها التجاري مع موسكو بصورة تتناسب وحجم اقتصاد البلدين، خاصة وأن الأرقام الرسمية حول حجم التبادل أقل من المأمول حسبما تم ذكره سابقًا.
رؤية 2030 لـ محمد بن سلمان تعتمد في جزء منها على تنويع الموارد الاقتصادية للمملكة والتي منها زيادة الصادرات للدول الأجنبية، هذا فضلا عن استثمارات الطاقة المتوقع ضخها من مستثمري البلدين خلال العقد المقبل في إطار ما يثار بشأن تدشين صندوق استثماري جديد لتمويل مشاريع طاقة بقيمة مليار دولار.
عسكريًا: هدف محوري من وراء تشين صفحة جديدة في العلاقات بين موسكو والرياض مساعي الأخيرة نحو تنويع مصادر تسليحها بصورة يراها فريق من المحللين تأمينًا جيدًا لمستقبلها وعدم خضوعها لمصدر واحد ربما يشكل ضغوطًا عليها إذا ما تعارضت التوجهات هنا أو هناك.
ويعد الاتفاق الأولي الذي أبرمته المملكة ومؤسسة “روستيخ” الروسية الحكومية مؤخرا في مجال التعاون العسكري التقني بقيمة 3.5 مليار دولار تعزيزًا واضحًا لهذا التوجه الجديد الذي تتبناه الرياض نحو مستقبل التسليح لديها.
انفتاح سعودي روسي من جانب، وتقارب إيراني تركي من جانب أخر، حديث يسوقه البعض نحو تدشين تحالف جديد يضم الدول الأربعة قادر على أن يعيد رسم الخارطة السياسية في المنطقة بأسرها
وماذا يريد بوتين؟
في المقابل يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال هذه الزيارة إلى تحقيق عدة مكاسب تتنوع هي الأخرى ما بين سياسية واقتصادية.
فعلى المستوى السياسي يهدف بوتين إلى الحصول على المزيد من الدعم لحضوره الإقليمي وتوجهاته حيال الملفات المشتركة، خاصة في ظل صراع النفوذ بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية، في إطار مساعيه لإحياء إمبراطورية الاتحاد السوفيتي السابقة.
موسكو تهدف هي الأخرى إلى إدخال الرياض تحالفها الإقليمي مع إيران والصين وهو ما يعد مكسبًا استراتيجيا مهما خاصة في ظل ما تمتلكه المملكة من نفوذ في بعض الملفات سواء في سوريا أو اليمن بما لديها من طاقات وإمكانيات اقتصادية هائلة.
أما اقتصاديًا فترى روسيا السعودية فرصة جيدة لتنشيط منظومتها الاقتصادية وإثراء مناخها الاستثماري، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها موسكو خلال السنوات الأخيرة، ومن ثم فمن المتوقع توقيع سلسلة من الاتفاقات الاستثمارية، بما فيها مشروع للغاز الطبيعي المسال ومحطات للبتروكيميائيات، ووضع اللمسات النهائية على خطط لإنشاء صندوق حجمه مليار دولار للاستثمار في مشروعات الطاقة، كما قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك “إن الشركات الروسية تبحث صفقات مع شركة أرامكو السعودية، من بينها تقديم خدمات التنقيب وتجارة النفط الخام”
علاوة على حزمة من المشروعات الأخرى التي كشف عنها وزير الاقتصاد الروسي ماكسيم أوريشكين حين قال “إن المستثمرين مهتمون بمشروع محطة للطاقة النووية تريد السعودية بناءها، وإنه سيتم عرض فرص استثمارية على السعوديين، منها الاستثمار في شركة الشحن سوفكومفلوت”.
زيارة محمد بن سلمان لموسكو في 2015
تغير في خارطة التحالفات
زيارة العاهل السعودي لروسيا في هذا التوقيت، وما سبقها أمس من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لطهران ولقاءه مع كبار المسئولين هناك وفي مقدمتهم المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، تشي بتغيرات واضحة في خارطة التحالفات الإقليمية.
فالعاهل السعودي المختلف أيديولوجيا مع موسكو في أكثر الملفات الإقليمية حساسية سواء في سوريا أو اليمن، فضلا عن كون روسيا هي الداعم الأول لإيران، خصم المملكة في المنطقة، حين يقرر الذهاب إلى الكرملين فلا شك أن لهذا دلالة واضحة المعالم كون الرياض قد اختارت أن تفتح صفحة جديدة مع أحد خصومها في المنطقة، وأن تكون أحد ركائز تحالفها الإقليمي خاصة وأنها تعلم جيدًا نفوذها القوي وحضورها المؤثر في المشهد.
وفي المقابل تخطت كل من أنقرة وطهران عقبة تباين وجهات النظر بينهما في سوريا ليقودا سويًا مرحلة جديدة من تفعيل التعاون المشترك، تمخض في زيارة أردوغان الثانية له منذ توليه الرئاسة، ساعدهما في ذلك اتفاق الرؤى حيال بعض القضايا المحورية التي فرضت نفسها مؤخرا على رأسها مسألة انفصال كردستان والأزمة القطرية هذا بخلاف التوصل إلى تفاهمات بشأن الوضع في سوريا.
الموقف المتأزم الذي تواجهه السعودية دفعها لأن تعيد النظر في وضعها الراهن، وخارطة تحالفاتها، ومن ثم وفي ضوء ما تحققه موسكو من نجاحات في توسيع نفوذها كلاعب رئيسي في معظم تلك الملفات، كان تحويل قبلة سلمان صوب الكرملين.
انفتاح سعودي روسي من جانب، وتقارب إيراني تركي من جانب أخر، حديث يسوقه البعض نحو تدشين تحالف جديد يضم الدول الأربعة قادر على أن يعيد رسم الخارطة السياسية في المنطقة بأسرها، هذا إن تم تفعيله بصورة واقعية، في الوقت الذي تراجع فيه النفوذ الأمريكي بشكل كبير.
روسيا وإيران استطاعتا استغلال فشل واشنطن في دعم توجهات حلفائها في المنطقة على رأسهم السعودية وتركيا في محاولة لكسب هاتين القوتين لصفهما وهو ما لاقى ترحيبًا لديهما خاصة وأن معظم خيوط اللعبة في ملفات المنطقة بيدي كل من موسكو وطهران، وهو ما يفسر خطوات التقارب المسرعة بين الطرفين.
رغم ما تمثله زيارة العاهل السعودي لروسيا من أهمية تاريخية وانعكاس واضح لملامح التغير في توجهات الرياض الخارجية حيال دول المنطقة والقوى الإقليمية المؤثرة في المشهد، وما يعقد عليها من آمال وطموحات لدى البلدين، إلا أن هذا يتوقف على ما يمكن أن تتمخض عنه الأيام الأربع القادمة وهي مدة مكوث الوفد السعودي في موسكو، ومدى ما إذا كان ما يخرج عنها على قدر المأمول منها أم أنها لا تعدو زيارة بروتوكولية سليمانية تأتي في إطار سياسة الانفتاح التي يسعى النظام السعودي لتدشينها المرحلة المقبلة.