ما زال العالم الإسلامي صامتا عما يحدث في ميانمار من المجازر الوحشية والتدمير العنيف، والتطهير العرقي والتهجير القسري رغم توارد الأنباء المؤلمة التي تصل من إقليم آراكان والمنطقة الحدودية التي تفصل بين ميانمار وبنغلاديش. ولكن حديث المجالس في بنغلاديش الآن يدور حول الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المسلمون من أقلية الروهنغيا والمجازر التي يقوم بها جيش ميانمار والعصابات البوذية في ولاية آراكان.
يقوم الشعب البنغالي وعلى رأسهم العلماء والمؤسسات الخيرية البنغلاديشية -سواء تلك التي يديرها الشعب البنغالي أو الأخرى التابعة للحكومة- بأعمال توزيع المساعدات الإنسانية بين الروهنغا. فإن هذه المساعدات الإنسانية تخفف على الأقل آلام الفقراء المنكوبين والمحتاجين المستضعفين، وتعزز التعاون والتضامن بين أبناء الأمة، ولكن العالم الإسلامي ينزف دما فقط، والمسلمون يتعرضون للقتل والتعذيب، والإحراق والإغراق في المناطق الساخنة، لاندري لماذا يسكتون؟ وإلى متى يسكتون؟! وممن يريدون حل مشكلاتهم الطارئة؟
بنغلاديش، حكومة وشعبا على رأسهم العلماء وأساتذة المدارس الإسلامية وأئمة المساجد، تسعى إلى حل مشاكل المسلمين الروهنغيا وإنهاء معاناتهم، وتقوم بما يمكن فعله في إطار قدراتها وإمكانياتها، وتمد يد العون إلى المظلومين والمستضعفين، كما ترفع صوتها للفت انتباه المجتمع الدولي إلى قضايا المسلمين العادلة والدفاع عنها في المؤتمرات الدولية. وفي سبيل ذلك تواجه صعوبات عديدة وعراقيل توضع أمامها إلا أنها تركز على وصول المساعدات إلى المستحقين.
ومن الصعب جدا على دولة مثل بنغلاديش أن أن تؤوي اللاجئين وتواصل تقديم المساعدات الإنسانية إليهم وتوفير المستلزمات اليومية لهم إلى أمد بعيد، فإنها بلد لايستطيع أن يتحمل نفقات شعبها أحيانا، وإن قضية الروهينغا قضية قديمة منذ ما يقرب من أربعة عقود، فاضظرت بنغلاديش أن تنقل هذه القضية إلى المستوى الدولي، وليس هناك أي سبيل سوى نقلها إلى المستوى الدولي. فإنها تشكل ضغطا هائلا على بنغلاديش منذ ما يقرب من أربعة عقود، ولا تستطيع بنغلاديش أن تتحمل مثل هذه الغضوط.
العلماء البنغلاديشيون لم يزلوا يرسلون المساعدات الإنسانية إلى كوكس بازار بعد أن أخذواها من كل أنحاء البلاد
ثم إن الضغط الدولي على مينمار وإن تسارعت وتيرته وأخذت في ازدياد في الآونة الأخيرة إلا أنه لم يصل إلى درجة أنه يجبر على حل مشكلة الروهنغا، واستعادة اللاجئين إلى بلادهم، ولم نسمع أي صوت في الجمعية العامة من قبل كبار قادة العالم، رغم أن كندا قد شددت على التعذيب والاضطهاد ضد الروهنغا إلا أنه لم تتكلم في خطبتها التي ألقتها أمام قادة العالم شيئا، فالسؤال هنا أن نشاطاتنا الدبلوماسية حول قضية الروهنغا هل كانت قوية أم محتاجة إلى مزيد من القوة.
العلماء البنغلاديشيون لم يزالوا يرسلون المساعدات الإنسانية إلى كوكس بازار بعد أن أخذواها من كل أنحاء البلاد، كما يواصلون الخدمات الدينية اللازمة إلا أن وسائل الإعلام لا تنشر أخبارهم، بل تقوم دائما بحملة تشويه ضد العلماء وخدماتهم ودورهم في إنقاذ المظلومين والمستضعفين، وإن القليل من الصحف الإلكترونية وعلى رأسها ourislam24.com تكشف أن ما تنشره وسائل الإعلام العادية حول مساعدات العلماء لا أساس له من الصحة.
وفي قضية مسلمي آراكان، تسعى بنغلاديش وعلماؤها، بكل ما يملكون من قوة، إلى إنقاذ مسلمي الروهنغيا من الجرائم البشعة التي يرتكبها جيش ميانمار ورجال العصابات البوذية الطاغية. وأجرت رئيسة وززراء بنغلاديش الشيخة حسينة مشاورات مع عدد من الزعماء حول هذه القضية، فقد ألقت في الجمعية العامة للأمم المتحدة خطابا ركزت فيه على هذه الأزمة. وبدأت وزارة الخارجية العمل لإخبار قادة العالم من خلال تسليط الضوء على حاجة اللاجئين أمام أفراد البعثة الدولية، مشددا على أن “انتهاكات حقوق الإنسان المتصاعدة حيال مسلمي أراكان تبعث على القلق العميق في العالم بأسره، على رأسه الدول الإسلامية”.
بنغلاديش ليس لديها وقت للانشغال بهؤلاء، لأن المثل البنغلاديشي يقول إنك “لن تصل إلى هدفك إن وقفت في طريقك لرمي كل كلب نابح بالحجارة”.
الجهود البنغلاديشية لإنهاء معاناة المسلمين الروهنغيين تستمر في جميع الاتجاهات، ودعا بنغلاديش قادة العالم إلى فتح مساعدتهم لمسلمي أركان، مؤكدا أن بنغلاديش لا تستطيع أن تتكفل بوحدها بنفقاتهم كاملة، كما دعت الدول الإسلامية إلى اتخاذ خطوات مماثلة. وأن العلماء لايزالون يرسلون شاحنات وحافلات من المساعدات الإنسانية العاجلة من جميع أنحاء البلاد وأرجائها.
مساعدات بنغلاديش وجهودها الإنسانية لإنقاذ مسلمي أراكان يقدرها جميع المنصفين في العالم، غير أن هناك من تزعجهم هذه الجهود المشرفة على رأسهم بعض البلاد العربية والغربية. ويقوم هؤلاء بحملة تشويه وتشكيك تستهدف كل ما تقوم به بنغلاديش من جهود مختلفة لمدّ يد العون إلى المسلمين في أنحاء العالم، ولكن بنغلاديش ليس لديها وقت للانشغال بهؤلاء، لأن المثل البنغلاديشي يقول إنك لن تصل إلى هدفك إن وقفت في طريقك لرمي كل كلب نابح بالحجارة.
فأوجّه الدعوة الحارة بمقالتي هذه المتواضعة إلى ولاة بلاد المسلمين وأربابها، وإلى رؤساء المؤسسات الخيرية والإنسانية للقيام بمساعدات ضافية حيال الشعب الروهينغا اللاجئين في مخيامات بنغلاديش، فإنهم في أشد حاجة إلى المعاونة الإنسانية والمساندة الأخوية الإيمانية، فإلى القصد السبيل ومنه جائر.