ترجمة وتحرير: نون بوست
يُعد يوسي لانداو هو رئيس العمليات للمنطقة الجنوبية في زاكا، وهي منظمة بحث وإنقاذ إسرائيلية. بعد تكليفه بجمع الرفات البشري بعد هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في “إسرائيل”، أثار لانداو وزملاؤه من أعضاء زاكا اهتمام وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم بالفظائع المروعة التي شاهدوها.
وقد تحدث إلى نادي الصحافة في القدس بعد وقت قصير من الهجوم باكيًا، وصف لانداو العثور على امرأة حامل في كيبوتس بئيري في “بركة كبيرة من الدماء، ووجهها للأسفل”، وقال لانداو: “لقد طعنت في بطنها. لقد طُعن الطفل الذي كان متصلاً بالحبل السري”.
وقال إنه وجد في بئيري أيضًا عائلة مقيدة ومعذبة ومُعدمة برصاصة في مؤخرة الرأس: الأب والأم وطفلان صغيران يبلغان من العمر حوالي 6 أو 7 سنوات، وكانت العيون مفقودة، والأصابع مقطوعة. وصرّح لانداو لشبكة سي إن إن في وقت لاحق: “كان الإرهابيون يلعبون الكرة”، بينما كان المسلحون الفلسطينيون يتناولون وجبة العطلة التي أعدتها الأسرة، وانهار لانداو وهو يروي الحكاية، بينما طمأنه مراسل سي إن إن.
بعد فترة طويلة من إعادة عرض ذكريات لانداو العاطفية، وتكرارها، والاستشهاد بها، والاقتباس منها في وسائل الإعلام العالمية، ظهرت مشكلة: لم يتمكن أحد من العثور على أي دليل على وقوع المذبحتين على الإطلاق؛ سواء في بئيري أو في أي مكان آخر.
في حالة الأم والجنين المذبوحين، خلصت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية إلى أن عملية القتل “ببساطة لم تحدث”. أما بالنسبة للعائلة المعذبة، فلا أحد قُتل في بئيري يطابق رواية لانداو. وكان الأخ والأخت الوحيدان اللذان لقيا حتفهما في الكيبوتس هما توأمان يبلغان من العمر 12 سنة، وقد قُتلا عندما أمر جنرال إسرائيلي دبابة بإطلاق النار على منزل كان مسلحو حماس يحتجزونهما كرهائن. ومع ذلك؛ روى لانداو هذه القصص دون تدقيق في المقابلات والمؤتمرات الصحفية.
نشر لانداو حكاياته على نطاق واسع دون أن يلقى أي معارضة تذكر، حيث روى قصصًا مماثلة أمام الكاميرا لشبكة سي إن إن، وفوكس نيوز، وميديا لاين، وفي مؤتمر صحفي مفتوح. وحتى بعد أن أظهر الصحفيون أن رواياته تفتقر إلى أي دليل، استمرت المؤسسات الإخبارية في تجنب إدانته. وأجرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا مقابلة مع لانداو كجزء من تحقيق حول منظمة زاكا، لكنها لم تذكر أيًا من قصصه الفظيعة.
تبييض وسائل الإعلام الغربية
كانت قصص زاكا ضرورية لتبرير حرب “إسرائيل” الشاملة ضد غزة، والتي أودت بحياة حوالي 30 ألف فلسطيني في أقل من خمسة أشهر. وفي حديثه في الأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر، انهار نائب قائد زاكا، سيمحا غرينيمان، أثناء وصف الفظائع المزعومة، وروى لاحقًا القصص ذاتها في اجتماع للبرلمانيين البريطانيين.
ونظرًا لأهميتها، فقد خضعت منظمة زاكا للتدقيق من قبل الصحافة الإسرائيلية ولكن ليس وسائل الإعلام الأمريكية، فقد كشف تقرير شهير لصحيفة “هاآرتس” بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أن كبار القادة العسكريين همشوا جنود الاحتلال الإسرائيلي المتخصصين في انتشال الجثث والحفاظ على الأدلة، وأرسلوا متطوعين من “زاكا” غير مدربين بدلاً من ذلك. ويقال إن زاكا حولت مواقع المذابح إلى “غرفة حرب للتبرعات”، واستخدمت الجثث كدعائم لجمع التبرعات، و”نشر روايات عن فظائع لم تحدث قط”، وأفسد الطب الشرعي الذي يشكل أهمية مركزية في ادعاء “إسرائيل” بأن حماس نفذت حملة اغتصاب جماعي متعمدة.
حتى عندما شككت وسائل الإعلام الغربية في لانداو، لم تكن هناك تحقيقات جدية، فقد سألت صحيفة التايمز لانداو “عن التقارير المنسوبة إليه والتي تفيد بقطع رؤوس الأطفال في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر”، وأفادت: “نفى لانداو تقديم هذا الادعاء، على الرغم من اعترافه بأنه أخطأ في التحدث في بعض الأحيان في أعقاب الهجوم مباشرة. وقال إن ما رآه بنفسه كان جثة صغيرة محترقة مع فقدان جزء من الرأس على الأقل، وربما كان مقطوعًا بسبب قوة الانفجار. وأضاف أنه من غير الواضح ما إذا كانت جثة مراهق أو شخص أصغر سنًّا”.
وبينما قالت التايمز إن التصريحات “نسبت” إلى لانداو، فلا يوجد خلاف في أنه من صرح بها. لقد روى القصص أمام الكاميرا، ونُشرت المقاطع على نطاق واسع عبر الإنترنت. وصرح لشبكة سي إن إن إنه عثر على “جثة لشاب يبلغ من العمر 14 أو 15 سنة مقطوعة الرأس، وكنا نبحث حولنا عن الرأس، ولم أتمكن من العثور عليه”. وقال لانداو على شاشة تلفزيون الجمهورية الهندية عن الأطفال المقطوعة الرأس: “نعم، لقد حدث هذا. قد حدث هذا”. وأدلى بتعليقات مماثلة للقناة 14 الإسرائيلية وسي بي إس نيوز. ولكن لا يوجد أي دليل على أن حماس قطعت رؤوس أطفال أو رضع. وكما أفاد موقع الإنترسبت في ذلك الوقت أن الجيش الإسرائيلي صرح أنه لا يستطيع تأكيد هذه المزاعم بعد أربعة أيام فقط من الهجوم.
يبدو تقرير التايمز عن زاكا وكأنه صورة متوهجة لمتطوعين متفانين في “مهمة مقدسة” لتكريم الموتى ومنح العائلات خاتمة وفقا للقانون اليهودي. ويمكن قراءة المقال على أنه تبرئة لمنظمة غارقة في الاعتداءات الجنسية والفضائح المالية لعقود من الزمن. لم تلاحظ صحيفة التايمز أبدًا أن لانداو يبدو وكأنه كاتب خرافات متسلسل، وأن متطوعي زاكا الآخرين يروون قصصًا ساذجة بشكل لايصدق.
لقد تحدث لانداو علنًا في أربع مناسبات عن اختراع القصص: “عندما نذهب إلى المنزل، فإننا نستخدم خيالنا؛ حيث تكشف الجثث القصص التي حدثت لها”. وقال مسؤول آخر في زاكا في مقطع فيديو لوزارة الخارجية الإسرائيلية: “صرخ الحجر والجدران: لقد اغتُصبت”.
” من محض الخيال”
أصبح متطوعو زاكا موجودين يتحدثون في كل مكان في التقارير الإعلامية حول هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وقد نقلت عنهم رويترز، وسي إن إن، ونيويورك تايمز، وبي بي سي، والغارديان، وإن بي سي نيوز، وبوليتيكو، ووول ستريت جورنال، وواشنطن بوست، والعديد من المنافذ الأخرى – مع القليل من الإشارات، إن وجدت، للفضائح الماضية أو التناقضات الحالية.
فشلت هذه المنافذ في التدقيق في قصص زاكا؛ حيث يصف العديد من المتطوعين الجرائم المتطرفة التي من شأنها أن تترك أدلة واسعة النطاق ولكن لم تُدعم من خلال التقارير. وادعى غرينيمان، نائب قائد زاكا، أن نساء عاريات رُبطن بالأشجار في مهرجان سوبر نوفا للموسيقي. وقال إنه عثر على طفل صغير مثقوب بسكين في رأسه، وأنه اكتشف مقاتلين أجانب، وقد تركوا بطاقات هوياتهم في جيوبهم. وقال متحدث باسم زاكا إنه رأى عشرات القتلى من الرضع والأطفال مقيدين معًا ومحترقين. وزعم متطوع آخر أنهم عثروا على جثة امرأة مشوهة في اعضائها التناسلية تحت الأنقاض وقد أُزيلت أعضائها.
قد دحضت وسائل الإعلام، بما في ذلك البرامج الإخبارية التلفزيونية الإسرائيلية، العديد من القصص عن الأطفال الموتى، ووصفتها بأنها “خيالية”.
ولم يؤكد أي شخص آخر قصة غرينيمان عن المقاتلين الأجانب. وبعد أشهر، ادعى مصدر آخر أنه عثر على خمس نساء ميتات مقيدات وهم عاريات إلى الأشجار: وفقًا لتقرير جديد صادر عن مجموعة إسرائيلية، زعم مزارع أنقذ الحاضرين من مهرجان الموسيقى أن أعضاء النساء الخمس قد بُترت جميعها وقدم ادعاءات غريبة حول تشويه الأعضاء التناسلية. في ثلاث مقابلات سابقة، لم يقدم المزارع قط مثل هذه الادعاءات ولا يوجد أي دليل شرعي أو صور تدعم روايته.
وبدلاً من تقديم أدلة يمكن التحقق منها على جرائم الحرب، يخدم متطوعو زاكا أجندة أخرة: فهم يشكلون جزءًا لا يقدر بثمن من آلة الدعاية الإسرائيلية ومسؤولو الحكومة الإسرائيلية، في سعيهم لشن حرب شاملة على الفلسطينيين، ويصورون حماس على أنها تنظيم الدولة آخر، الجماعة الإرهابية التي تتخذ من العراق وسوريا مقرًّا لها والتي صدمت العالم من خلال استعباد النساء جنسيا ونشر سلسلة من مقاطع فيديو الإعدام ابتداء من سنة 2014 تقريبًا.
في مقابلة مع الموقع الإخباري الإسرائيلي يديعوت أحرونوت، أوضح إيتان شوارتز، المستشار المتطوع في مديرية الإعلام الوطني التابعة لرئيس الوزراء، وهي مكتب للدبلوماسية العامة، كيف أثر متطوعو زاكا على التغطية الإخبارية.
وقال شوارتز: “كان لشهادات متطوعي زاكا، كأوائل المستجيبين على الأرض، تأثير حاسم في فضح الفظائع في الجنوب للصحفيين الأجانب الذين يغطون الحرب”. وأضاف قائلًا: “لقد كانت إسرائيل بأكملها منخرطة في صياغة الرواية القائلة بأن حماس مشابهة لتنظيم الدولة وفي تعزيز شرعية إسرائيل للتحرك بعنف أكبر”.
وتابع: “الشهادات المباشرة لرجال المنظمة الرائعين، الذين تعرضوا لأصعب المشاهد، كان لها تأثير هائل على الصحفيين”. وأردف قائلًا “شهادات منظمة زاكا أحدثت حالة من الرعب وكشفت للصحفيين عن نوع الوحوش البشرية التي نتحدث عنها”.
وفي المقال ذاته ليديعوت أحرونوت، قال نيتسان تشين، مدير المكتب الصحفي الحكومي: “من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل الدعاية الإسرائيلية في الصحافة الأجنبية دون الدور المذهل والفعال الذي اضطلعت به منظمة زاكا”. ( وتجدر الإشارة إلى أنه عادةً ما تُترجم كلمة “هسبارا” على أنها تفسير أو دبلوماسية، لكنها في الواقع حرب معلومات متطورة لتشكيل الرأي العام لخدمة الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل).
وتناولت وسائل الإعلام الغربية قصص زاكا؛ حيث نشرت الحكومة الإسرائيلية مقطع فيديو يظهر فيه لانداو وهو يروي قصة عائلته المعذبة، وقد كُتب عليه عبارة “حماس = تنظيم الدولة“.
لقد كان الرد السياسي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر بمثابة حملة منسقة، فقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الطريق، معلنًا أن “حماس هي تنظيم الدولة” في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر. واحتشد منافس نتنياهو وشريكه في الحكم بيني غانتس خلف هذا الشعار، كما فعل وزير الدفاع يوآف غالانت ومسؤولون إسرائيليون آخرون. وفي غضون أيام، اصطف كبار المسؤولين الأمريكيين أيضًا. وقد ردد كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ورئيس البنتاغون لويد أوستن هذه المشاعر. وحتى أن الرئيس جو بايدن قال: “إن وحشية حماس – هذا التعطش للدماء – تعيد إلى الأذهان أسوأ أعمال العنف التي قام بها تنظيم الدولة”.
مشهد جمع التبرعات
وقد شككت وسائل الإعلام الإسرائيلية – وخاصة التحقيق الذي أجرته صحيفة هآرتس في قضية زاكا – في التقارير الإعلامية الساذجة التي تكرر الادعاءات الإسرائيلية بأن المخاوف الدينية والفوضى حالت دون جمع أدلة الطب الشرعي في أعقاب الهجوم.
وبعد نشر أفراد وجنود زاكا من الحاخامية العسكرية في الجيش الإسرائيلي لاستعادة الرفات، تم إتلاف جزء كبير من المجموعة، وفقًا لصحيفة هآرتس. وعندما سُمح أخيرًا للجنود المدربين على التعافي بالدخول في الأسبوع الثاني بعد الهجوم، انزعجوا من تصرفات زاكا.
لقد تأسست منظمة أرثوذكسية متطرفة مكونة من متطوعين ذكور، وهي سلف زاكا، على يد يهودا ميشي زهاف في سنة 1989، وأصبحت زاكا رسميًا في سنة 1995. وتعتمد المجموعة على التبرعات والمناقصات الحكومية لميزانيتها، وبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر حققت أقصى استفادة من كليهما، بحسب صحيفة هآرتس. ونشرت الصحيفة الإسرائيلية صورة لأعضاء زاكا وهم يقومون بأنشطة جمع التبرعات بالقرب من جثة هامدة، وقد لاحظت مصادر من مجموعات الإنقاذ الأخرى أن متطوعي زاكا يقومون بإجراء مكالمات لجمع التبرعات ومقاطع فيديو تظهر الجثث في الخلفية. وفي الأسبوع الثاني بعد الهجمات، بدأت وزارة الدفاع بالدفع لزاكا مقابل عملها على الأرض.
وتشير جميع الأدلة المتاحة إلى أن زاكا كانت بحاجة إلى ضخ نقدي، فقد كانت المجموعة معسرة تقريبًا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ووفقًا لتحقيق أجرته صحيفة هآرتس سنة 2022، حصلت زاكا على ملايين الدولارات من الأموال العامة على مدى السنوات الخمس الماضية من خلال المطالبة بأكثر من ثلاثة أضعاف عدد المتطوعين مما كان عليه، وهي فترة زمنية تشمل فترة ولاية الرئيس التنفيذي الحالي، دوبي فايسنسترن، الذي ظهر في الملف الشخصي لصحيفة نيويورك تايمز. حتى عندما كانت زاكا مهددة بالإفلاس في سنة 2021، ووفقًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، فقد استخدم “منظمات الظل” لتحويل ملايين الدولارات إلى ميشي زهاف وعائلته، ويُزعم أنها أنفقتها على البقالة، وتذاكر الطائرة، والفنادق الفاخرة، وفيلا بملايين الدولارات. إن مخططات زاكا، حسبما أفاد موقع الأخبار الإسرائيلي إن أر جي، شملت ضرب المتبرعين للحصول على المال لشراء نفس الدراجة النارية وتغيير اللوحة لتعكس اسم المتبرع الجديد.
وفي عهد ميشي زهاف؛ عانت المنظمة من فضائح مالية وفضائح سوء استخدام. وعلى الرغم من معرفتها بـ “20 حالة على الأقل” حيث زُعم أن ميشي زهاف اعتدى جنسيًا على قاصرين، إلا أن الشرطة فشلت في التحقيق معه وأغلقت القضية دون توجيه اتهامات إليه في سنة 2014. وتقدم أكثر من عشرة أشخاص في سنة 2021 بدعوى اغتصاب ميشي زهاف والاعتداء عليه، وهددوهم. وذكرت صحيفة هآرتس أنه “يُزعم أنه استغل مكانته وسلطته وأمواله وحتى المنظمة التي يرأسها [زاكا] للاعتداء على المراهقين و… الأولاد والبنات” الذين لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، حسبما ذكرت صحيفة هآرتس. وكانت الإساءة شأنًا عائليًا: سُجن أحد الإخوة بتهمة اغتصاب إحدى قريباته وفر الثاني إلى الخارج بعد التحقيق معه، مع يهودا، لإغداق الهدايا على سبع فتيات مراهقات كن يمرن بمحنة ثم الاعتداء عليهن جنسيًا، وحدث ذلك أحيانًا في مركبات زاكا.
بدا متطوعو زاكا أكثر اهتمامًا بالاستيلاء على المال أكثر من اهتمامهم بتعبئة الجثث
وقالت إحدى الضحايا المراهقات إن ميشي زهاف حولها فعليًا إلى “عاهرة” وكافأ المراهقة بـ”صافرة زاكا” وشهادة عمل تطوعي مميزة. وزعمت شابة أنه بعد اغتصابها من قبل ميشي زهاف، هددها: “إذا قلت أي شيء لأي شخص، فسوف تدهسك سيارة زاكا”. واشتبهت الشرطة في أن كبار مسؤولي زاكا وشخصيات في المجتمع الحريدي كانوا على علم بالانتهاكات لكنهم ساعدوا في إسكات الانتقادات. وحاول ميشي زهاف الانتحار بعد وقت قصير من الإبلاغ عن مزاعم الانتهاكات وتوفي بعد سنة.
ولم يتم إدراج أي ذكر لهذا التاريخ في الملف التعريفي لصحيفة التايمز، أو أي وسيلة إعلامية أمريكية أخرى تضم متطوعي زاكا. وفي الوقت نفسه، كانت التقارير الإيجابية بمثابة هدية لصورة زاكا وتمويلها.
وتقوم زاكا بجمع التبرعات على فيس بوك وتشتري إعلانات جوجل للتبرعات. وبعد أيام من 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ومع ظهور جهود متخصصة لجمع التبرعات، بدأت الأموال تتدفق إلى مجموعات زاكا المختلفة. وحصلت المجموعة على جزء من مبلغ 242 مليون دولار الذي أنفقه الاتحاد اليهودي في أمريكا الشمالية. وشاركت في تبرع بقيمة 15 مليون دولار من شركة إنفيديا العملاقة لصناعة الرقائق. وتعهد الملياردير رومان أبراموفيتش بمبلغ 2.2 مليون دولار لزاكا. وفي “حفل الوحدة من أجل إسرائيل” الذي أقيم يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر في مانهاتن، بحضور يوسي لانداو على خشبة المسرح، ظهرت لافتة تحمل مبلغ 1,000,430 دولار تم جمعها لزاكا. ويحتوي موقع زاكاورلد على حملة تجاوزت 3.5 ملايين دولار، ويبدو أن حملة جمع التبرعات المنفصلة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر بلغت حوالي 2.1 مليون دولار. وحسب حسابات صحيفة هآرتس؛ فقد جمعت زاكا ما لا يقل عن 13.7 مليون دولار منذ الهجمات.
وبدا متطوعو زاكا أكثر اهتمامًا بالاستيلاء على المال أكثر من اهتمامهم بتعبئة الجثث. وبحسب صحيفة “هآرتس”؛ فشلت زاكا في توثيق الرفات، ووضع أجزاء من جثث مختلفة في كيس واحد، ولم يجمع كل الرفات في المنازل والحقول. ومن الواضح أن متطوعي زاكا وجدوا الوقت لإعادة تغليف البقايا المعبأة بالفعل في مادة “تعرض شعار زاكا بشكل بارز”.
“ليسوا خبراء بعلم الأمراض”
لقد جاء ملف زاكا في صحيفة نيويورك تايمز بعد المقال المثير للجدل الذي نشرته الصحيفة في 28 كانون الأول/ ديسمبر بعنوان “صرخات بلا كلمات” حول مزاعم الاعتداء الجنسي خلال هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وتعرض التقرير لانتقادات واسعة النطاق بسبب ضعف مصادره واستشهاده بحالات تفتقر إلى الأدلة المادية. وذكرت صحيفة التايمز والإنترسبت في شهر كانون الثاني/ يناير، أنها سحبت حلقة ذات صلة من البودكاست الخاص بها “ذا ديلي” بسبب مشكلات تتعلق بالمقال، مما أثار مخاوف داخلية من أنها قد تكون “كارثة صحفية أخرى على مستوى الخلافة”.
وفي قصة “صرخات بلا كلمات”، نقلت صحيفة التايمز عن شخصيتين من شخصيات زاكا، أحدهما لانداو، والذي قال: “لم ألتقط صورًا لأنه غير مسموح لنا بالتقاط الصور. وأنا نادم على ذلك في الماضي”.
ويبدو أن الصورة المبهرة التي نشرتها التايمز لزاكا في 15 كانون الثاني/ يناير تتبنى نهج الثقة العمياء في تصريحات زاكا، مما يشير إلى أن لانداو ربما لم يقل أنه تم قطع رؤوس الأطفال؛ وأنه “يشعر بالقلق بشأن الحصول على التفاصيل الصحيحة”، وأنه يجمع الرفات البشرية باجتهاد، وأن متطوعي زاكا لم يتدربوا في الطب الشرعي، وأخيرًا تعرض النساء للعنف الجنسي.
ومع ذلك، فهذه هي تأكيدات لانداو، وكذلك ادعائه بأن متطوعي زاكا لا يمكنهم التقاط صور للموتى. وذكرت صحيفة هآرتس أن زاكا “نشرت صورًا حساسة ومصورة” من مواقع المجازر. وهناك لقطات إخبارية تظهر الرفات وهو محمول على نقالات، وتحمل عنوان “مقاطع فيديو التقطها متطوعو زاكا في الموقع”. وقد تفاخر غرينيمان، نائب قائد زاكا، ثلاث مرات على الأقل بـ ” جميع الصور وجميع الأدلة لدينا، يوجد كل شيء لإثبات ذلك”، ولكن لم يتم نشر أي شيء علنًا على الإطلاق.
بدا زاكا دائمًا غير مناسب لمهمة الطب الشرعي. ففي الثمانينيات؛ قاد ميشي زهاف حركة أرثوذكسية متطرفة تسمى كيشيت، والتي احتجت على الحفريات الأثرية وعمليات التشريح باعتبارها تدنيسًا دينيًا. وبحسب ما ورد، قام أعضاء كيشيت بإرهاب الأطباء وأخصائيي علم الأمراض من خلال زرع متفجرات مزيفة في منازلهم وإرسال الرصاص إليهم مع ملاحظة “هذه المرة عبر البريد فقط”.
وأدارت الجماعة أيضًا إدارة قانونية “لعقود من الزمن” كان هدفها منع الشرطة وأخصائيي الأمراض من إجراء فحوصات طبية على الجثث، الأمر الذي أعاق التحقيقات الجنائية. ولم تتساءل أي وسيلة إعلامية غربية عن سبب السماح لمنظمة معادية لعلم الطب الشرعي بإفساد أهم أدلة الطب الشرعي في تاريخ إسرائيل.
وتعترف زاكا بأوجه القصور في شهادة أعضائها، وكشفت صحيفة هآرتس زيف رواية لانداو عن جثة المرأة الحامل في كيبوتس بئيري التي قطع مهاجمو حماس جنينها. فلا يوجد أي تأكيد مستقل لادعاء لانداو، ونفى كيبوتس بئيري وقوع الحادث هناك، وقالت الشرطة إنه ليس لديهم سجل بالقضية، ولم يكن “مصدر علم الأمراض” في المشرحة الرئيسية على علم بالقضية.
وفي تصريح لصحيفة “هآرتس” حول عدم وجود أدلة داعمة لروايات المتطوعين، قال زاكا: “إن المتطوعين ليسوا خبراء في علم الأمراض وليس لديهم الأدوات المهنية للتعرف على هوية القتيل وعمره، أو الإعلان عن كيفية مقتله، باستثناء شهادة شهود العيان.”
المصدر: إنترسبت