اشتدت موجة النزوح من مناطق الشمال السوري مع بداية حملة البراميل المتفجرة التي استهدفت الأحياء الشرقية من مدينة حلب عام 2014م، وأدت إلى نزوح مئات الآلاف إلى خارج المدينة، وصل الكثير منهم تركيا واستوطنوا المدن التركية الكبرى، حتى أطلق البعض على مدينة غازي عنتاب مثلاً مسمى “حلب الصغرى” لشدة اكتظاظها بالنازحين الحلبيين.
في هذه الفترة كانت الحدود السورية التركية شبه مفتوحة على مصراعيها لاستقبال آلاف السوريين، الذين كانوا يدخلون الأراضي التركية أمام أعين الجندرما وبدون أي مضايقات، وذلك بالتنسيق مع المهربين السوريين والأتراك الذين كانوا يتقاضون مبالغ بسيطة لإيصال الناس إلى سيارات الأجرة التركية التي تقلهم إلى أي مكان يريدونه في تركيا.
إلا أن الأمر تغير مع إغلاق المنافذ الحدودية من قبل الجانب التركي منتصف عام 2015 وهما معبري باب الهوى وباب السلامة وتشديد الرقابة على طول الحدود التركية لمنع أي محاولات للتسلل غير الشرعي إلى داخل الأراضي التركية.
يقول أسامة عياط أحد النازحين من ريف حلب الشمالي والمقيم حالياً في تركيا: “في بداية الأمر كان يُسمح لمن يملك جواز سفر بدخول تركيا من خلال المعابر النظامية ولم يكن هناك أي قيود على ذلك، وأنا شخصياً لم أكن أملك جوازاً فكنت ألجأ إلى طرق التهريب وكنت أدخل الأراضي التركية بكل سهولة مع دفع مبلغ زهيد للمهربين، فأذهب إلى أقاربي في مدينة غازي عنتاب أقضي بعض الأمور وأعود بعد أيام إلى سوريا، ولكن الأمر تغير مع إجراءات الحكومة التركية الجديدة، فطريق التهريب أصبح مليئاً بالمخاطر وخاصة لمن يريد أن يعبر الحدود مع زوجته وأولاده”.
تم إغلاق المنافذ الحدودية من قبل الجانب التركي منتصف عام 2015 ومنع أي محاولات للتسلل غير الشرعي
وقد تعرض كثير من السوريين للضرب المبرح على يد الجندرما التركية وتم إعادتهم إلى الأراضي السورية وتحذيرهم من إعادة المحاولة مرة أخرى، ثم تطور الأمر ولجأت الجندرما إلى استخدام القنص كوسيلة رادعة لمنع أي تسلل إلى داخل الأراضي التركية حيث سقط العشرات من الذين حاولوا الاقتراب من الحدود ، إذ تجاوز عددهم الثلاثمئة قتيل بينهم أطفال حسب ناشطين سوريين متابعين لشؤون اللاجئين.
إضافة إلى خطر الموت فإن المهربين استغلوا حاجة الناس ليطلبوا أموالاً طائلة من النازحين لتأمين طرق آمنة ومضمونة للتهريب كما يزعمون، فإن سعر تهريب الشخص الواحد يتفاوت بين 150 دولاراً أمريكا للطريق الوعر والطويل وبين 1700 دولار للدخول من المعبر النظامي كمرافق مريض أو مع العمال أو بأي طريقة أخرى تتم بالتنسيق مع الجانب التركي.
وكثيراً من الأحيان يتم خداع المحتاجين وإرغامهم على دفع مبالغ إضافية بحجة تقصير طريق التهريب ووجود طرق مختصرة وسهلة للعبور ليكتشف النازح أنه تعرض لعملية نصب واحتيال ولكنه مضطر لمتابعة المسير وتجاوز الحدود مهما كان.
تعرض كثير من السوريين للضرب المبرح على يد الجندرما التركية بينما تعرض آخرون للاعتقال و الموت بحسب ناشطين سوريين
يحدثنا علي طويلو وهو أحد أبناء بلدة سرمدا في ريف إدلب الشمالي عن تجربته المريرة فيقول: “اضطررت لدخول الأراضي التركية فبحثت عن مهرب يساعدني وطلب مني مبلغ 700 دولار أمريكي، على أن طريق التهريب لا يتجاوز نصف ساعة مشياً على الأقدام ولكن تفاجئنا أن الطريق طويل واستغرق منا أكثر من 7 ساعات مشيناها بمشقة كبيرة فالأرض وعرة والمرتفعات كثير، كان الأمر مرهقاً جداً ولكن وصلنا في النهاية ودخلنا تركيا بسلام”.
أما أحمد نازح من مدينة حلب فيروي لنا مأساته التي عاشها من خلال عدة محاولات لدخول تركيا عن طريق التهريب والتي باءت كلها بالفشل فيقول: “كانت محاولتي أنا وأهلي لدخول الأراضي التركية في فترة الشتاء وكانت الأرض وحلة جداً، حيث حاولنا الدخول من ريف حلب الشمالي ولكن تم القبض علينا من الجندرما التركية وفقدنا كثيراً من أمتعتنا وأصبحت حالتنا يُرثى لها من الوحل الذي مشينا فيه لمئات الأمتار، كان الأمر مأساوياً وصعباً للغاية”.
هذا وقدرت الأمم المتحدة في تقرير صادر عنها في آذار/مارس 2017، عدد اللاجئين السوريين خارج سوريا بحوالي 5 ملايين لاجئ، استوطن منهم مليونان في تركيا، وما زال اللاجئون يتدفقون يومياً مغادرين الأراضي السورية هروباً من واقع مرير وبحثاً عن لقمة العيش في دول الجوار التي أغلقت جميع المنافذ الحدودية أمامهم لتصبح سوريا عبارة عن سجن كبير يتعرض من يريد أن يغادره إلى عقوبة الموت وهو يسعى إلى حياة أفضل.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي صاحبها