سيعلن الرئيس الأمريكي ترامب موقفه من الاتفاق النووي الأسبوع المقبل قبيل الموعد النهائي المحدد في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري للتصديق على التزام طهران بالاتفاق. حيث يلزم القانون بأن يُبلغ الرئيس الأميركي الكونغرس كل تسعين يومًا بمدى التزام إيران بالاتفاق، وهل رفع العقوبات عنها سيصب في الصالح القومي للولايات المتحدة أم لا.
وحول قرار ترامب حيال هذا الموضوع، فقد ألمح في اجتماع له في البيت الأبيض أمس الخميس بحضور كبار القادة العسكرييين، أنه سيعلن قراره بشأن التصديق على الاتفاق من عدمه بقوله “ستسمعون شيئًا عن إيران قريبًا جدًا”. يأتي هذا بعد تصريحات صادرة من صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن الرئيس الأمريكي يعتزم عدم تجديد التصديق على الاتفاق النووي المبرم مع إيران.
وما يؤكد ما قالته “واشنطن بوست”، ما أشار إليه ترامب في اجتماع الأمس في البيت الأبيض أنه “يتعين علينا عدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، فالنظام الإيراني يدعم الإرهاب ويصدر العنف والفوضى وشلالات الدم إلى الشرق الأوسط”. وتابع “علينا إنهاء اعتداءات إيران المتواصلة وطموحاتها النووية، إن إيران لم تلتزم بروح الاتفاق المبرم معها”.
لا اتفاق نووي مع إيران بعد الآن
“أحد أسوأ الاتفاقات” هكذا وصف ترامب الاتفاق النووي الإيراني الموقع بين طهران ودول الخمسة زائد واحد والتي من بينها الولايات المتحدة، خلال كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي وخلال حملته الانتخابية الرئاسية العام الماضي. والاتفاق النووي هو أحد أبرز إنجازات سلفه أوباما في السياسة الخارجية والذي توصلت إليه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وإيران في العام 2015.
ذكرت الصحيفة الأمريكية “واشنطن بوست” عن مصادر في الإدارة الأمريكية إن ترامب سيوجه خطابًا الأسبوع المقبل في 12 الشهر الجاري، يقول فيه للأمريكيين إن الاتفاق النووي الذي وقع لضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع تدريجي للعقوبات، ليس في صالح الولايات المتحدة وسيحيل الملف إلى الكونغرس كي يتعامل معه.
لا يزال الموقف الأمريكي من قضية الملف النووي ملتبسًا ومتخبطًا بين ترامب وإدارته
وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر مطلعة على إستراتيجية البيت الأبيض، أن قرار الرئيس سيكون أول خطوة في عملية قد تؤدي إلى تقويض الاتفاق الموقع مع إيران عام 2015.
وفي السياق نفسه قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، إن الرئيس ترمب اتخذ قرارًا بشأن الاتفاق وسيعلن عنه في الوقت المناسب، مشيرة إلى أن تركيزه ينصب على إستراتيجية شاملة حول كيفية التعامل مع إيران. وأضافت في تصريح لها “أعتقد أنكم ستشاهدون هذا الأمر في وقت قصير، وستكون إستراتيجية شاملة مع فريق موحد خلفه لدعم هذا الجهد”.
الرئيس ترامب وفي اجتماع الأمس في البيت الأبيض مع كبار المسؤولين العسكريين، قال للصحافيين الحاضرين لتغطية المناسبة: “هل تعلمون ماذا يمثل هذا المشهد؟ إنه هدوء ما قبل الإعصار. لدينا أفضل العناصر العسكرية في العالم. سوف ترون ماذا أعني”.
سفراء أوروبيون سيشرحون تبعيات انهيار الاتفاق النووي الإيراني في الكونغرس الأمريكي
هذا الكلام تلقفه محللون على أنه إنذار لشيء ما قادم قد يكون ذو بعد عسكري، وتراوحت التقديرات أن إيران وكوريا الشمالية هي المعنية بهذا التصريح، مع رجحان كفة إيران بحسب مراقبين، بالأخص بعدما أوردته “واشنطن بوست” أن الرئيس حسم قراره بعدم التزام طهران بشروط الاتفاق. وقالت الصحيفة الأمريكية، نقلاً عن مصادر مطّلعة على استراتيجية البيت الأبيض، إن قرار الرئيس سيكون أول خطوة في عملية قد تؤدي إلى تقويض الاتفاق الموقَّع في 2015 والذي حدّ من الأنشطة النووية الإيرانية.
رفض ترامب للاتفاق النووي يأتي من بوابة عدم تأكيد احترام طهران للاتفاق، وإحالة الموضوع إلى الكونغرس سيعطي مهلة 60 يومًا للمجلس لاتخاذ قرار في شأن إعادة فرض العقوبات أو لا. وتستطيع واشنطن استغلال هذه المهلة الزمنية للضغط على شركائها الأوروبيين، بريطانيا وفرنسا وألمانيا بهدف انتزاع موافقتهم على التفاوض مجددًا مع طهران.
ترامب يحاول عبر انسحابه من الاتفاق النووي، تنفيذ وعوده الانتخابية التي كان من بينها الانسحاب من الاتفاق إضافة إلى وعود أخرى لم ينجح حتى الآن في تنفيذ أيًا منها.
علمًا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انتقد نظيره الأمريكي في كلمته في الجمعية العامة بالأمم المتحدة، ودافع بشدة عن الاتفاق النووي الإيراني “الجيد”، حسب وصفه، قائلًا إن أولئك الذين لا يحترمونه لا يتسمون بالمسؤولية. وقال ماكرون “سيكون التخلى عنه خطأ جسيم وعدم احترامه أمرًا غير مسؤول، لأنه اتفاق جيد وضروري لإحلال السلام، في وقت لا يمكن فيه استبعاد حدوث حريق جهنمي”. وأضاف ماكرون أنه أوضح ذلك لترامب وللرئيس الإيراني حسن روحاني، عندما التقى بهما على هامش اجتماعات الجمعية.
حيث ترامب في كلمته “لا نستطيع أن نلتزم باتفاق (نووي) قد يمنح طهران في النهاية ستارا لامتلاك الأسلحة النووية”. وأوضح أن الأوان قد حان للعالم بأسره ليطلب من نظام إيران أن يتوقف عن دعم الإرهاب وأن يحترم سيادة الدول المجاورة.
ومن المتوقع أن تتخذ خطط ترامب المقبلة في تعامله مع إيران والاتفاق النووي نهجًا أكبر صرامة وشمولية، حيث يشير البعض ممن هم مطلعين على أفكار الرئيس بأن يعيد الكونغرس فرض عقوبات على إيران من شأنها إلغاء االاتفاق. وهذا القرار يعود إلى توصية من مستشاري الأمن القومي الرئيسيين بأن يسحب ترامب الثقة من الاتفاق المبرم بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول، وبحسب “واشنطن بوست” فإن قرار ترامب هذا لن يلغي الاتفاق بشكل مباشر بل من شأنه أن يطلق العد التنازي لاستئناف العقوبات التي رفعتها الولايات المتحدة عن طهران بوصفها جزءًا من الاتفاق.
الرئيس الفرنسي دافع عن الاتفاق النووي ووصفه بالجيد
ولا يبدو أن مهمة ترامب وإدارته في إقناع الكونغرس بالتخلي عن الاتفاق ستكون سهلة، حيث بدأ سفراء أوروبيون من إدارة الرئيس السابق أوباما يمثلون دول كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بعرض حججهم للإبقاء على الاتفاق على أعضاء الكونغرس مباشرة. إضافة أن هناك تمسك قوي من الديمقراطيين لدعم الاتفاق النووي وشرح عواقب انهياره أمام أعضاء الكونغرس.
وقال السفراء إن نهاية الاتفاق ستمثل خسارة كبيرة قد تدفع إلى زيادة جهود إيران لتخصيب اليورانيوم وتضعف المساعي الدولية لمنع الانتشار النووي، في وقت يواجه فيه العالم تهديدًا نوويا متناميا من كوريا الشمالية.
وفي حال امتناع ترامب عن الشهادة بالتزام إيران بالاتفاق، فقد يمهد ذلك السبيل أمام الكونغرس للتصويت على إعادة العمل بالعقوبات، الأمر الذي سيقضي على الاتفاق. ويشير أنصار الاتفاق إن انهياره قد يطلق شرارة سباق تسلح إقليمي ويؤدي إلى تزايد حدة التوترات في الشرق الأوسط. أما إيران من جهتها، فموقفها شبه واضح حيث قالت إنها قد تتخلى عن الاتفاق النووي إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب منه.
تضارب في المواقف
أشار وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، قبل يومين عكس ما ذكره ترامب ومخالفًا لتوجهاته، حيث ذكر أن المضي بالاتفاق النووي يصب في خدمة الأمن الأمريكي، وفي نفس الوقت نبه آخرون أن الخروج من الاتفاق قد يهدد بخطر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط فضلا عما بتسبب به من أذى للدبلوماسية الأمريكية.
حيث يشير البعض أن قرار ترامب بالتخلي عن اتفاق إيران سيؤذي دول أخرى تتفاوض لعقد اتفاقيات مع أمريكا، لذلك فهناك ضغوط على الرئيس الأمريكي لإعادة النظر في موقفه قبل إعلانه بشكل رسمي الأسبوع المقبل. وفي هذا السياق فإن ما يجدر ذكره، أن وزارة الخارجية الأمريكية برئاسة ريكس تيلرسون، لا تقف على وفاق كامل مع تطلعات وقرارت الرئيس الأمريكي، ودائمًا ما كانت تخالفه في العديد من سياساته سواءًا في سوريا وكوريا الشمالية ومناطق أخرى حول العالم.
في حال امتناع ترامب عن الشهادة بالتزام إيران بالاتفاق، فقد يمهد ذلك السبيل أمام الكونغرس للتصويت على إعادة العمل بالعقوبات، الأمر الذي سيقضي على الاتفاق.
وكان الوزير الأمريكي تيلرسون قال عقب كلمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي عبر فيها عن سخطه من الاتفاق النووي، إن بنود الاتفاق يجب أن يتغير لبقاء الولايات المتحدة طرفًا فيه، وأضاف “إذا كنا سنظل في الاتفاق المبرم مع إيران فيجب إجراء تعديلات عليه. البنود التي ينتهي أمدها تلقائيا ليست طريقة معقولة لإحراز تقدم”.
وليس وزارة الخارجية فقط، فهناك أيضًا وزارة الدفاع التي تختلف مع ترامب في السياسات الأمريكية الخارجية للمنطقة. حيث قال وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، إن الولايات المتحدة قد تفكر في الحفاظ على الاتفاق ما لم يثبت أن إيران لا تلتزم به، مضيفا أن إيران “من الناحية الجوهرية” ملتزمة بالاتفاق. وفي جلسة مع لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قال وزير الدفاع جيمس ماتيس: “نعم إن الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران يخدم مصلحة أمريكا الأمنية”، وهي شهادة متناقضة ومتضاربة كليًا مع موقف ترامب الأخير من الاتفاق النووي.
وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون يخالف توجهات ترامب في الموقف من الاتفاق النووي الإيراني
محللون أشاروا أن ترامب يحاول عبر انسحابه من الاتفاق النووي، تنفيذ وعوده الانتخابية التي كان من بينها الانسحاب من الاتفاق، علمًا أنه لم ينجح في تمرير أي من الوعود الانتخابية التي وعد بها. كما يتيح له الخروج من ذلك الاتفاق بنظر البعض صرف الانتباه عن تعثر الأجندة الداخلية وخلافاته المتواصلة مع إدارته في وزارة الخارجية حيث لم يعد سرًا أن علاقة ترامب وتيلرسون تزداد فتورًا مع مرور الوقت بسبب التناقض في المواقف والرؤى، إضافة إلى صرف النظر عن التحقيقات الروسية التي تلاحق الرئيس ومقريبه وترهقهم.
قرار ترامب بالتخلي عن اتفاق إيران سيؤذي دول أخرى تتفاوض لعقد اتفاقيات مع أمريكا
مع كل ما ذكر حول اعتزام ترامب التخلي عن الاتفاق إلا أن الإدارة لا تزال متخبطة حيال ذلك، حيث أشار وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، يوم الأربعاء الماضي إن عدة خيارات ستعرض على ترامب في ما يتعلق بمستقبل الاتفاق النووي وقد يؤدي هذا إلى تغيير وجهة نظر الرئيس والعدول عن التخلي عن الاتفاق.
لا يزال الموقف الأمريكي من قضية الملف النووي ملتبسًا ومتخبطًا بين ترامب الراغب بإلغاء الاتفاق والدخول في خصومة مع إيران قد تكون أبعادها عسكرية، وبين مؤسسة “الاستبليشمنت” التي تمثل كل من وزارة الخارجية والدفاع والتي تريد اتباع سياسات أكثر عقلاتية وترشد بالتعاون والتنسيق مع حلفاءها في العالم بالدبلوماسية المعهودة للبيت الأبيض.