يبدأ مشوار الحياة الزوجية بكثير من الاحتفالات والهدايا والعزائم والتجمعات العائلية، ولإتمام هذه المراسيم لا بد من تحمل التكاليف كاملة دون تخييب ظن أحد الأطراف أو التقصير بحق العادات والتقاليد التي تتوارثها الشعوب أحيانًا عن طواعية وأحيانًا أخرى عن اضطرار.
ولا شك أن إنجاز المهمات التي يطلبها عقد هذا الزواج ليست بالأمور القليلة والسهلة، وخاصة في الدول العربية التي تحاصرها عاداتها وتقاليدها من كل جانب، والتي غالبًا ما تكون غير قابلة على معاصرة الأحوال السياسية والتأقلم مع الظروف الاقتصادية، كما لا يمكن غض النظر عن هذه العوامل التي تلعب دورًا بالغ الأهمية في تسهيل أو تعقيد الشؤون الاجتماعية.
ومن دولة إلى أخرى تختلف المشاكل والعقبات وحتى التسهيلات التي تمنحها الأعراف والموروثات الاجتماعية إلى المقبلين على الزواج، كما تختلف العادات في البلد نفسها من شمالها إلى جنوبها، إذ تحتفل كل بقعة بما يتناسب مع ثقافتها المحلية.
وبالنسبة للجانب المادي من هذا الارتباط، فيعد من أكبر المعيقات لزواج الكثير من الشباب والفتيات في الوطن العربي، خاصة أنه من أكثر الأمور التي تتمسك بها العادات الاجتماعية والعائلات، فقد تتيسر أو تبطل العديد من الزيجات بسبب الشروط المادية التي تطلب أو تقدم.
ومن أشهر متطلبات الزواج المهر والذهب والشقة وأثاث المنزل وتكاليف الحفلات التي تبدأ من يوم التعارف والخطوبة والحنة نهاية بحفلة الزواج، فكيف تتعامل شعوب الدول العربية مع هذه المتطلبات؟ وما أسهل مكان للزواج دون القلق من الضغوط المادية؟
المهر
يعرف المهر بأنه “صداق المرأة الذي يقدمه لها الزوج قبل الزواج” أو كما عرفه الشيخ الشعراوي “المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته عند عقد النكاح” والذي اعتبره الإسلام حقًا للمرأة واعتبره مكروهًا حال المغالاة فيه.
تختلف صور المهر من دولة إلى أخرى ومن المدينة إلى الريف، فهناك مجتمعات تشترط أن يكون المهر عبارة عن مبلغ من المال أو على صورة ذهب أو الاثنين معًا أو في صورة ممتلكات تسجل باسم العروس، وتحدد قيمته بحسب المكانة والطبقة الاجتماعية لكل عائلة، ولطالما ارتبط المهر بمفاهيم اجتماعية تعبر عن شأن العائلة ومكانة المرأة عند الطرف الآخر.
كما ارتبطت هذه المسألة بارتفاع نسب تأخر سن الزواج والذي أدى إلى تنظيم عدة ندوات وفعاليات وتدخلات حكومية لتوعية المجتمعات بالاضطرابات والضغوط المادية والنفسية التي تؤثر على الشباب في هذه الحالة والتي تؤدي إلى تراكم الديون والقروض عليهم أو عزفهم عن الزواج أو حتى الدخول بعلاقات غير رسمية تجنبًا للأعباء المادية.
كما حاولت هذه الجمعيات والحكومات تحديد حد أقصى للمهور وتغيير الثقافة الاجتماعية التي تربط بين قيمة المهر والمرأة وثقتها بنفسها أو بقيمتها بالنسبة للرجل المقبل على الزواج مقابل ما يقدمه من أموال أو ممتلكات.
حملات شبابية لمنع المغالاة بالمهور
متى نتوقف عن إعطاء #المهر عند #الزواج ومتى نغير كلمة ملجه (ملكه) إلى زواج والله عيب #المرأة أصبحت رائدة فضاء واحنا للحين نبيع ونشتري فيها
— Farida Abedeen (@FAbedeen) 15 Eylül 2017
دشنت فئات شبابية عدة هاشتاغات اعتراضًا على ارتفاع قيمة المهور المطلوبة، مثل هاشتاغ “تحديد مهور السعوديات بخمسة آلاف ريال” والذي لاقى الكثير من الانتقادات على قلة المبلغ، وآراء أخرى وجدته رقم معقول ويسهل من خطوة الزواج ولا علاقة له بقيمة العروس أو مكانة العائلة.
ودشن هاشتاغ آخر باسم “كم المهر عندكم” ليجيب المغردون بقيمة المهور التي يدفعونها ببلدانهم وما رأيهم بالمهر نفسه والمغالاة فيه، وتباينت الآراء والقيم، إذ وجده البعض ثقلاً ماديًا على الزوجين وبمفهوم آخر “تسعير” للمرأة أو صفقة بيع للمرأة بين العائلتين، ومجموعة أخرى من المغردين رأت أن المهر ضروري وواجب على الزوج وعدم دفعه يعتبر انتقاصًا من قيمة المرأة وعائلتها.
الزواج في الخليج العربي
تعتبر دول الخليج من أكثر الدول إثارة للجدل في أمور الزواج وأكثرها صعوبة، وذلك لغلاء المهور هناك والذي يبرره البعض بارتفاع دخل الفرد في تلك المناطق، فمثلًا تبلغ قيمة المهر في قطر ما بين 50 إلى 150 ألف ريال، وقد تصل في بعض الحالات إلى 300 ألف ريال وتختلف القيمة بحسب الطبقة الاجتماعية التي تأتي منها العائلة.
بالنسبة للسعودية، فتصل المهور إلى أكثر من 250 ألف ريال، وهذا ما جعل الجهات الرسمية تتدخل لتحدد الحد الأقصى للمهر بقيمة 50 ألف ريال وخاصة للواتي لم يتزوجن بعد.
وبناء على هذه الأوضاع، أطلق شباب السعودية حملة باسم “خليها تعنس” لمحاربة ارتفاع تكاليف الزواج من مهور وهدايا وتجهيزات تصل إلى 150 ألف دولار، وهذا ما يدفع بعض الشباب في المملكة إلى الزواج من الأجنبيات لرخص المهر أو عدمه.
المهر في المجتمعات الخليجية يعد من أقل النفقات الزوجية مقارنة مع التجهيزات الأخرى التي تدفع على بطاقات الدعوة وقاعة الزفاف والزينة والملابس والتي تكلف 40% من إجمالي نفقات الزواج كلها
ووفقًا لدراسة سعودية محلية، فإن الفتيات السعوديات اللواتي تجاوزن سن 30 عامًا ولم يتزوجن خلال العشر سنوات الماضية، تجاوز عددهن ثلث عدد نساء السعودية والذي يبلغ عددهن 4.6 مليون فتاة ويعد هذا ارتفاعًا مفزعًا بالنسبة إلى عام 2010 عندما كان عددهم 1.5 مليون فتاة.
أما الكويت، فلقد وصلت فيها نسبة الفتيات غير المتزوجات إلى 30%، والسبب في ذلك، الضغوط الاجتماعية التي تؤمن بأن المغالاة في تكاليف الزواج مرتبطة بالوجاهة الاجتماعية.
إذ يقول البعض إن المهر في المجتمعات الخليجية يعد من أقل النفقات الزوجية مقارنة مع التجهيزات الأخرى التي تصل إلى نصف مليون ريال وتدفع على بطاقات الدعوة وقاعة الزفاف والزينة والملابس والتي تكلف 40% من إجمالي نفقات الزواج كلها، والسبب أن المجتمعات الخليجية تعيش ضمن منظومة المفاخرة والتباهي والرفاهية المادية.
وبدورها أسست دولتا الإمارات والبحرين “صندوق الزواج” لتقديم المساعدات المادية والتسهيلات لمن يواجه صعوبة في عقد القران بسبب المسؤوليات المادية، إذ تقدم مثلًا دولة الإمارات قطعة أرض للمقبلين على الزواج، بجانب مبلغ من المال يساعده على تأسيس منزل، وأحيانًا تنظم هذه الحكومات حفلات زواج جماعية لتسمح للعديد من الشباب والفتيات بالاحتفال بزواجهم بطريقة ملائمة اجتماعيًا واقتصاديًا، لذلك تعتبر دول الخليج من أكثر الدول العربية صعوبة في تحمل تكاليف الزواج، خاصة أن الشاب يتحمل المسؤولية المادية كاملة، وفي بعض الحالات قد تبادر الفتيات بالمشاركة ببعض الأمور البسيطة.
مصر
يواجه المقبلون على الزواج في هذا البلد العديد من المعيقات وأصعبها وأكثرها تكلفة هي “الشقة” التي تعد عنصرًا أساسيًا للحصول على الموافقة وإتمام الزواج، وهي الحاجة التي لا يستطيع الكثير من الشباب في مصر تأمنيها بسبب البطالة أو الدخل المتدني، وبهذا يبقى قرار الزواج مؤجلًا لأجل غير معلوم.
أما العائق الثاني فهو الشبكة أو الذهب الذي يهديه العريس للعروس وتتفاوت القيمة المقدمة بحسب اختلاف الطبقات الاجتماعية، وغالبًا ما يتم تقديم هذه الهدية حتى وإن كانت العائلة ذات دخل منخفض.
ومن ضمن الأشياء التي يتحمل العريس كلفتها قاعة الفرح والفستان وغيرها من العزائم والتجهيزات، أما عن تأثيث المنزل فمسؤولية مشتركة بين الزوجين، وتتم التجهيزات بالاتفاق بينهما، وهذا ما يجعل الزواج في مصر أكثر سهولة من الزواج في دول الخليج مثلاً، وذلك لمشاركة الفتاة ببعض الأحمال المادية.
وبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فإن عدد الشباب والفتيات غير المتزوجات تجاوز 13.5 مليون واللواتي تجاوزت أعمارهم 30 عامًا، منهم 2.5 مليون شاب و11 مليون فتاة، ويعلل علماء الاجتماع تأخر سن الزواج بداية بالعادات والتقاليد البالية في التباهي في المهور والمغالاة والتفاخر بها، فضلًا عن المسكن والتكاليف الأخرى التي لا تراعي الظروف المادية للشباب.
الأردن
كما هو الحال في باقي دول الوطن العربي، يواجه الأردن قائمة من الأعباء المادية الواجب ثل تقديم المهر والذهب والشقة، وهذا حتى يحصل الشريكان على رضى عائلتهما ومجتمعهما.
ويعتبر الزواج في الأردن أكثر صعوبة من مصر على سبيل المثال، والسبب أن العرف الاجتماعي يفرض على الشاب في الأردن أن يتحمل تكاليف الزواج كاملة دون مساعدة الفتاة إلا في بعض الحالات النادرة.
نسبة العزوف عن الزواج في الأردن زادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى 45%
ووفقًا لقناة الغد، فإن نسبة العزوف عن الزواج في الأردن زادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى 45%، إذ وصل سن الزواج عند الشباب الأردني إلى 35 عامًا وعند الفتيات إلى 30 عامًا، والسبب الأول الحالة المادية والظروف الاقتصادية التي يمر بها الشباب، ومن ناحية أخرى بسبب كثرة المسؤوليات التي تقع على عاتق الشباب إرضاءً لرغبات الفتاة والعائلة.
وبهذا الخصوص يقول مدير المركز الثقافي الإسلامي في الجامعة الأردنية أحمد العوايشة: “تكاليف الزواج تغلق باب الزواج وتفتح باب الفساد على مصراعيه، وعندما يعزف الكثير من الشباب عن الزواج فهذه ردة فعلهم تجاه ما يشاهدونه من أعباء أو نماذج من أصدقائهم المتزوجين والذين يعانون من تراكم الديون عليهم بسبب الاحتفالات التي قاموا بها لملائمة المستوى الاجتماعي المطلوب”.
العراق
في حديث لقناة السومرية مع شباب وفتاة من العراق، عبر الشباب عن آرائهم عن تكاليف الزواج، إذ قال بعضهم إن الزواج في العراق أصبح عبارة عن “تجارة” لا يسأل فيه عن أخلاق الشريك وإنما عن قدرته المادية وما في جيوبه.
وعادة في العراق يقدم المهر على صورة ذهب وتتفاوت القيمة ما بين 10 إلى 15 مثقال، كل مثقال 5 جرام ذهب، ومن ناحية المسكن، فإن العرف الاجتماعي يلزم بعض الشركاء على العيش في نفس منزل العائلة وهذا ما قد يكون متنفسًا من الضغوط المادية الأخرى، إذ لا يتكلف الشاب سوى بتجهيز غرفة واحدة.
وبالنسبة إلى مشاركة الزوجين بالتكاليف المادية، فإن الفتاة العراقية لا تتجاوز نسبة مشاركتها سوى 15% من إجمالي التكاليف، وتكون مسؤولة عن دفع مصاريف حفلة الخطوبة وجزء من التجهيزات الخاصة بها كالملابس، أما الشاب فمسؤول عن احتفالات الزواج التي تتضمن الحنة وليلة تقديم المهر وليلة الزفاف وما يليها من طقوس احتفالية، وبهذا قد لا يقع على عاتق الشاب مسؤولية تأمين الشقة كما هو مطلوب في مصر وليس لديهم هوس التباهي والمفاخرة كما في دول الخليج، لهذا يعتبر العراق من أكثر الدول العربية سهولة في الزواج.
المغرب العربي
تختلف طقوس الزواج وعاداته في كل دولة من دول المغرب، ولا شك أنها تختلف أيضًا في كل منطقة، لكن بالطبع هناك عدة قواسم مشتركة بين هذه الدول، كما تعتبر هذه دول الأقل تكلفة من بين الدول العربية، فعلى الرغم من ارتفاع معدل البطالة فيها، فإن مستوى المعيشة فيها لا يعتمد على مظاهر البذخ والرفاهية والمباهاة.
إذ تعتبر الجزائر الأقل مغالاة من ناحية المهر، أما بالنسبة إلى التجهيزات الأخرى فهي مسؤوليات تتم بين العائلتين، ومع هذا إلا أن الجزائر شهدت عدة حملات تطالب بالتقليل من قيمة المهور وتيسير مصاريف الزواج خاصة فيما يتعلق بالألبسة الخاصة بالعروس، ومع مشاركة الشريكين بمصاريف الزواج وانخفاض قيمة المهور، تعتبر الجزائر أكثر الدول العربية سهولة في عقد الزواج. إذ تترواح كلفة التحضير للزواج ما بين 10 إلى 15 ألف دولار، من بينها ما يقرب 2 إلى 8 آلاف دولار للمهر، وفي مناطق أخرى، لا يتعدى المهر الألف دولار، ومع التنوع بقيمة المهر وانخفاضها بشكل عام يعد الزواج في الجزائر الأنسب في الدول العربية.
ومن ناحية أخرى يعاني شباب هذه المنطقة من العادات الاجتماعية وخاصة في المناطق الريفية والتي لم تعد تناسب الحياة العصرية، أما بالنسبة إلى ارتفاع نسبة غير المتزوجين في هذه المنطقة فيعود إلى تغير نظرة الشباب إلى فكرة الزواج نفسها والتي جعلت البعض ينظر إلى حياة الأعزب بأنها أفضل بكثير وأقل ضغطًا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
ومن جوانب أخرى، يشير البعض إلى أن العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية أساسيات في تشجيع الشباب على الزواج أو في هدم شغفهم بشأن هذه المنظومة، لذلك لا بد من العمل بشكل مشترك للتغلب على المشاكل التي تعيق البعض من الإقدام على الارتباط.