ترجمة وتحرير نون بوست
مرت سنتان منذ أن بدأت روسيا حملتها العسكرية في سوريا، حيث توج الجيش الروسي هذا الحدث بظهوره في ثوب المنتصر مع تقارير تشير إلى تحرير حوالي 90 بالمائة من أراضي البلاد من مسلحي تنظيم الدولة. خلافا لذلك، لا يبدي الروس العاديون اهتماما يُذكر تجاه هذا الإنجاز حتى وإن كان قد تحقق من خلال الجهود المشتركة من قبل العديد من الدول، ذلك أن ما يهمهم هو الشعور بالاطمئنان بأن النصر النهائي لم يعد بعيد المنال. ومع ذلك، تشير التقارير والبيانات العسكرية الصادرة عن الدبلوماسيين إلى أن المعركة الرئيسية من أجل مستقبل سوريا لا تزال تلوح في الأفق.
من جانبها، تصدر وزارة الدفاع الروسية بانتظام تقارير بشأن العمليات في سوريا. ولكن بعد أن قررت موسكو سحب معظم قواتها الرئيسية في آذار/مارس سنة 2016، أصبح الإطلاع على الأرقام أمرا نادرا. أما الآن، وفي الوقت الذي تقيّم فيه روسيا الوقت الذي تمضيه في سوريا، أصدرت الصحيفة الرسمية لوزارة الدفاع الروسية، صحيفة النجم الأحمر، بعض الإحصاءات.
ففي 20 أيلول/سبتمبر الماضي، ووفقا لما جاء في التقرير، أدت القوات الجوية العسكرية 30.660 طلعة جوية (5.165 خلال سنة 2015، و13.848 خلال سنة 2016، و11.647 خلال الأشهر الماضية من سنة 2017). فضلا عن ذلك، تم شن 92.006 هجمة جوية وإصابة 97 ألف هدف بقسوة، بما في ذلك 8.330 نقطة قيادة، و53.700 مجموعة من المسلحين، و212 حقل نفط و84 مصفاة ومستودعات نفطية.
في الأثناء، تظل الأرقام الدقيقة للتكاليف المرتبطة بالعمليات العسكرية في سوريا غير متوفرة. ووفقا لوكالة الأنباء الحكومية الروسية “تاس”، كلفت الحرب موسكو حوالي 2.8 مليون دولار يوميا (باستخدام سعر صرف قدره 70 روبل لكل دولار). وتعود هذه الأرقام للفترة الممتدة بين 30 أيلول/سبتمبر سنة 2015 و15 آذار/مارس سنة 2016، حين أعلنت روسيا عن رغبتها في الحدّ من وجودها في سوريا. وعموما، تختلف هذه التقديرات مع تلك التي أصدرتها صحيفة الأعمال اليومية “آربيك” التي أشارت إلى أن التكلفة بلغت 2.5 مليون دولار يوميا.
76 من العسكريين الروس والمتعاقدين الخاصين قد لقوا حتفهم في سوريا منذ تشرين الأول/أكتوبر سنة 2015،
في المقابل، كانت الولايات المتحدة تنفق حوالي 11.9 مليون دولار يوميا على المعركة الخاصة بها ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق. وخلال تموز/يوليو الماضي، أصدر حزب يابلوكو، وهو إحدى مجموعات المعارضة السياسية في روسيا، تقديراته الخاصة، التي تشير إلى أنه من المرجح أن تكون التكاليف العسكرية الروسية قد بلغت خلال الأشهر السبعة عشر منذ الانسحاب، ما بين 108 إلى 140.4 مليار روبل (أي حوالي 1.7 إلى 2.25 مليار دولار وفقا لمتوسط سعر الصرف وقدره 62 روبل لكل دولار خلال تلك الفترة).
من جانب آخر، فنّدت وزارة الدفاع الروسية هذه الادعاءات حيث أفادت أن تكاليف الحملة لم تتجاوز تقديرات الوزارة. ولكن بطبيعة الحال، تظل التكلفة الحقيقية لأي حملة عسكرية متمثلة في عدد الخسائر البشرية. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر رسمية روسية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر أن 37 شخصا لقوا مصرعهم، بمن فيهم الضباط. ويتضمن هذا العدد الجنرال فاليري أسابوف، الذي مات في 24 أيلول/سبتمبر الماضي بالقرب من دير الزور بالإضافة إلى خسارة واحدة لم تحدث على أرض المعركة، والمتمثلة في جندي متعاقد قال المسؤولون إنه قد أقدم على الانتحار في قاعدة حميميم الجوية خلال خريف سنة 2015.
مع ذلك، تشدد بعض التقديرات الأخرى على أن عدد القتلى أعلى بكثير، حيث قدرت وكالة رويترز في الثاني من آب/أغسطس الماضي أن 76 من العسكريين الروس والمتعاقدين الخاصين قد لقوا حتفهم في سوريا منذ تشرين الأول/أكتوبر سنة 2015، بما في ذلك 40 شخصا على الأقل خلال هذه السنة فقط. وأضافت وكالة الأنباء أن تقديراتها قد تكون متحفظة وأنها، على الرغم من الانسحاب، تشير إلى “ارتفاع ملحوظ في معدل خسائر ساحة المعركة بالتزامن مع مزيد مشاركة البلاد في الحرب”.
فضلا عن ذلك، هناك العديد من الأرقام التي بدونها ستكون صورة الحملة العسكرية الروسية غير مكتملة. فخلال السنتين المنصرمتين اللتين قضتهما في سوريا، اختبرت روسيا أكثر من 600 سلاح، أثبتت 200 منها كفاءة عالية في أداء مهامها العسكرية المحددة. أما اليوم، فيتم توقيع معظم عقود البيع الروسية للأسلحة التي وُضعت تحت الاختبار في سوريا. وخلال سنة 2015، بلغت الصادرات العسكرية الروسية 14.5 مليار دولار، لتتجاوز خلال سنة 2016 ما قيمته 15 مليار دولار، وتصل خلال النصف الأول من سنة 2017 إلى حوالي ثمانية مليارات دولار.
تكمن الحقيقة في أن موسكو لن تتخلى عن قواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية، كما سيكون من الصعب على الشركات الروسية أن تتخلى عن عقودها في سوريا.
مع حلول الذكرى السنوية الأولى للحملة العسكرية في سوريا، كانت السلطات الروسية تحاول أن تثبت للمواطنين أن سوريا لم تصبح أفغانستان ثانية، نظرا لأن المشاركة في الحرب السورية كانت قصيرة المدى وفعالة من حيث التكلفة. وفي الذكرى الثانية، بدأت موسكو تشير إلى الانتصارات، على الرغم من وجود منافسة بين روسيا والولايات المتحدة للحصول على الفضل فيما يتعلّق بتلك الانتصارات. وفي الحقيقة، كان التنافس ملفتا للانتباه خاصة خلال الأسابيع الأخيرة في معركة دير الزور، وكذلك في منطقة خفض التصعيد في إدلب.
في شأن ذي صلة، اتهم الجيش الروسي مرارا وتكرارا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالتعاون مع مسلحين من تنظيم الدولة وجبهة النصرة على حد سواء، كما ألقى باللوم على قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة بسبب شنّها لهجمات على القوات السورية. علاوة على ذلك، صدرت تصريحات مماثلة من قبل البنتاغون في أعقاب الضربات الروسية على مواقع قوات سوريا الديمقراطية. وعلى الرغم من خلافاتهما، لم تقاطع الولايات المتحدة وروسيا التعاون العسكري بينهما، الذي من المتوقع أن يستمر حتى تتخلص سوريا من تنظيم الدولة وجبهة النصرة. وفي هذه السياق يظل السؤال الأكبر هو: فيم تتمثل المرحلة القادمة؟
خلال الشهر المنصرم، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن هزيمة الجماعات الإرهابية ستكون بمثابة اختبار فعلي لنوايا واشنطن الحقيقية. وأضاف لافروف أن “زملاءنا الأمريكيون، بما في ذلك وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، تعهدوا بأنهم لا يسعون سوى لهزيمة الإرهابيين في سوريا. وبمجرد حدوث ذلك، سيصبح من الواضح تماما ما إذا كان ذلك صحيحا أم أن الولايات المتحدة وضعت نصب عينيها بعض الأهداف السياسية الأخرى التي لا علم لنا بها بعد”.
في الآن ذاته، تعتبر أقصى أهداف موسكو غامضة على حد سواء، وهو ما أكده تصريح المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين في التسوية الروسية، ألكسندر لافرنتييف،الذي أفاد أنه “من الناحية الإستراتيجية، نحن لا نسعى للحصول على موطئ قدم في المنطقة. في الواقع، يتمثل هدفنا في محاربة الإرهاب الدولي، الذي يشكل تهديدا على المصالح الوطنية الروسية”.
سيعني البقاء في سوريا لفترة طويلة للغاية أن روسيا قد أصبحت إمبراطورية استعمارية حديثة، وهو دور لطالما بذلت روسيا قصارى جهدها لتجنب لعبه.
في الواقع، تكمن الحقيقة في أن موسكو لن تتخلى عن قواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية، كما سيكون من الصعب على الشركات الروسية أن تتخلى عن عقودها في سوريا. وفي الوقت الراهن، تشمل قائمة الأسئلة التي يجب على القيادة الروسية التفكير فيها مليا: ما الذي ينبغي أن يكون عليه الجدول الزمني لانسحاب القوات حين يُهزم الإرهابيون أخيرا؟ ومن سيكون المرشح لضمان احترام اتفاقية السلام في سوريا؟ وهل ستتحول سوريا إلى أفغانستان أخرى بالنسبة لروسيا إذا ما أقدم الإرهابيون على الانتقام فور مغادرة القوات الروسية؟
من ناحية أخرى، سيعني البقاء في سوريا لفترة طويلة للغاية أن روسيا قد أصبحت إمبراطورية استعمارية حديثة، وهو دور لطالما بذلت روسيا قصارى جهدها لتجنب لعبه. بالإضافة إلى ذلك، أفاد بعض السكان المحليون في اللاذقية لصالح موقع “المونيتور” أن مواقف السوريين إزاء القوات الروسية قد أصبحت متضاربة تماما. وتجدر الإشارة إلى أن القوات بدأت تفقد شعبيتها حتى بين صفوف العلويين، إذ أنه كلما أطالوا البقاء في سوريا، كلما ازدادت هذه المواقف سلبية.
فضلا عن ذلك، تقف موسكو في مواجهة أخبار سيئة أخرى، حيث من المرجح أن تضطر روسيا للاستثمار في إعادة إعمار سوريا أكثر مما كان متوقعا من قبل. وفي هذا السياق، يزيد وجود الرئيس السوري، بشار الأسد على المدى الطويل الوضع تعقيدا. فحين اجتمع ممثلون عن 17 وزارة خارجية خلال الشهر المنصرم لمناقشة الوضع السوري، خلصوا إلى أن “دعم التعافي وإعادة الإعمار المُقدم لسوريا متوقف على عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي يمكن أن يدعمه أغلب الشعب السوري”.
بعبارة أخرى، سيتم تخصيص المال لإعادة الإعمار شرط أن يتنحّى الأسد. وعلى الرغم من أن روسيا ليست موافقة على الخطة، إلا أن موسكو لم تتم دعوتها إلى الاجتماع، كما من المرجح أن يتم إقصائها من المحادثات القادمة بشأن سوريا. مع ذلك، وطالما أن الجيش الروسي لا زال في مكانه، فسيكون من الصعب التخلص من الأسد. فضلا عن ذلك، سيضل عامل القوة أساسيا في المفاوضات المقبلة حول المستقبل السوري.
في المقابل، ستحتدم المنافسة، ليس من جانب الولايات المتحدة فحسب، وإنما من قبل أولئك الذين يبدون الآن على الجانب ذاته مع موسكو، على غرار إيران وتركيا وحتى الصين، التي لم تتدخل في الحملة العسكرية ولكنها مستعدة تماما للاستثمار في الاقتصاد السوري. ونتيجة لذلك، يبدو من المهم أن تُسطّر موسكو إستراتيجيتها في سوريا خلال السنوات القادمة وإلا فإن جميع الخسائر التي تكبّدتها وكافة الاستثمارات التي قامت بها ستكون هباءً منثوراً.
المصدر: المونيتور